منع

مَنْ هُمْ أعداء السَّنْجاب والله والمسلمين؟

دعاء السنجاب:

اللهم نجنا من شرور الآخرين،
ومن الكفار والملحدين،
والإمبريالية والرأسمالية والاستعمار والصهيونية والعلمانية والبهائية والخوارج والشيعة والمعتزلة والمستشرقين”!”... إلخ،
والناس أجمعين - إنْ أمكن.
آمين!]
1.
في أحد مواضيعي [هذا هو الدليل على وجود الخالق: جولة صباحية!] خطرت لي فكرة عابرة تماماً مفادها أنَّ ثمة شبه ما بين السنجاب وبعض المسلمين وهو "شعورهم" بأنَّ جميع مَنْ على الأرض أعداء لهم.
لكنني الآن، وبعد أنْ تأملت الفكرة بشيء من التروي اكتشفت أنها فكرة قارة تكاد تصف الكثير من المسلمين أيضاً وإن قضية "الأعداء" من الموضوعات التي يتعامل معها المسلمون (وخصوصاً مسلمو الانترنت العلنيين والمستترين) بجدية تامة.
فهل ثمة وجود للإسلام من غير "وجود" أعداء"؟!
.2
فتداعت في ذاكرتي الكثير من الكتابات الإسلامية التي تسرد لنا أعداء الله ومحمد بن عبد الله والصحابة والأئمة المعصومين وغيرها من الأصنام الإسلامية. بل ويمكن أن يلاحظ القارئ لهذا النوع من الخزعبلات بأن هؤلاء "الكتاب" يحشرون هؤلاء "الأعداء" كلما كانوا بحاجة إلى عدو /"شماعة" لكي يعلقوا عليها غسيلهم الثقافي الوسخ.
إن وجود "أعداء" ما هو إلا واحد من العوامل الضرورية لبقاء المسلمين في حالة تيقظ وانتباه وإلا استغرقوا في نومهم الطويل.
3.
إلا أن مشكلة "الأعداء" وبسبب الابتذال الذي تتسم به قد تحولت إلى نوع من الهزل اللغوي السمج.
فمشاكل المسلمين وأزماتهم وتخلفهم هي حصيلة لعقائدهم وتشبثهم بالماضي الكئيب وعدم رغبتهم في أن يكونوا جزءاً من العالم المعاصر – العالم الطبيعي.
فجميع تصوراتهم لا تعدو أن تكون غير استمرار لتعصبهم وكراهيتهم للآخر. والآخر هنا هو الجميع تماماً.
فهم بأمس الحاجة إلى شماعة لتعليق أزماتهم عليها ولا شيء آخر.
ويمكن تعريف أعداء الإسلام ببساطة:
إنهم جميع من لا يتفق معهم؛
وجميع من لا يجد سبباً لمدح الإسلام والمسلمين؛
مثلما هم أولئك الذي يختلفون معهم طائفياً وعقائدياً وطقوسياً – بل حتى من ذات الطائفة و الحركة والشلة والملة!
4.
وها هي بعض الأمثلة:
ولنبدأ الآن بالاطلاع على "الأعداء" وكيف ينظر إليهم "الكُتَّابُ!" المسلمون.
يبدأ أحدهم كتابه هكذا:
"وهنا بدأت أفكر في كتابة هذا الكتاب الذي يتناول التاريخ الإسلامي والمفتريات التي شاعت عنه عن طريق الإسرائيليين والمستشرقين والعملاء وغيرهم إلى درجة أن بعض المتخصصين في التاريخ الإسلامي لا يعرفون الحقائق كاملة – إلى جانب أن المدارس والجامعات في البلاد الإسلامية لا تدرس التاريخ الإسلامي دراسة وافية تلقي الضوء على كل جوانبه – وهذا من تحديات العصر الحديث لأن بعض المسلمين تربوا على الثقافة الغربية فكانوا جنوداً لها يقولون مثل ما يقولو الغربيون" [أضواء على افتراءات أعداء الإسلام على التاريخ الإسلامي، علي القاضي، 2003، ص 4].
5.
أعداء محمد في يثرب:
المنافقون واليهود والنصارى والأعداء الخارجيون: ويتمثلون في الفرس والروم ومن تابعهم من قبائل العرب.
فأعداء الإسلام متعددون، وإن كان هدفهم واحداً كما ذكرت آنفاً [أعداء الإسلام ووسائل التضليل، د. جابر قميحة، القاهرة 2002 الصفحات4-6]
ثم يتحدث في الفصل الثاني من الكتاب عن الأعداء "الوارثين على درب التدمير والتضليل" وهم:
الاستشراق والاستعمار والتبشير"!"، وهي "حلقات ثلاث في سلسلة واحدة "ممسك بعضها – من الكفر – بعضاً، فالارتباط التاريخي والعقدي بين هذه "الثلاثية الضارية" شديد .. شديد جداً" [على القاضي: ص 8.].
ومن ثم: العلمانية والوجودية "!" والشيوعية والماسونية وقد "كان للصهيونية الفضل الكبير عليها نشأة ووجوداً وامتداداً والتي تعيش الآن – بعد أن افتضح أمرها وساءت سمعتها – باسم جديد – أو أكثر من اسم -وأظهرها وأشيعها "الروتارية" التي اصبح لها مئات الأندية في العالم [على القاضي].
6.
نجيب الكيلاني يبدأ كتابة بما آل إليه وضع المسلمين بسبب "العدوان" ويقرر خلافاً للكثير غيره بأنَّ "الأعداء" قد استطاعوا "أن يوقعونا في بحر من الحيرة واضطراب وقلق، بما سلطوه علينا من أفكار متناقضة، وفنون مدمرة، وسياسات خبيثة، وهكذا غرقنا في طوفان من البلبلة والشك والتشويه العقائدي ... " إلخ من الآلام والمعاناة [أعداء الإسلامية، نجيب الكيلاني، بيروت 1981]
وكل هذا قد حدث بسبب أن "إمكانيات الأعداء قوية ومبهرة، لأنهم قطعوا شوطاً كبيراً في مجال التقدم والسيطرة والنفوذ"!!!!
ولكن لماذا حدثت كل هذه المآسي للمسلمين فقط؟
فيجيب الكاتب:
لأن "المسلم يفكر كما يفكر الأعداء [...] ويسلك في الحياة اليومية سلوكاً يكاد يكون صورة طبق الأصل من سلوك الأعداء، ولهذا تميعت شخصيه المسلم واندثرت أو كادت، فهو من الناحية الجغرافية والتاريخية مسلم، وهو في فكره وسلوكه غير مسلم"! [ص: 21]
إذن فقد جنت على نفسها براقش.
ومع ذلك فإن الكاتب لا يستطيع إلا أن يجد "السبب الخارجي" هو السبب الرئيسي لكي "تتميع شخصية المسلم ويفكر كالأعداء" ويستحيل المسلمون في حالة "دفاع"!
ولكن من هم هؤلاء الأعداء الذين يجد المسلمون أنفسهم في "حالة دفاع عن النفس ضد عوامل الإبادة والفناء"، كما يقول الكاتب؟
إنهم نفس "الأسطوانة" المشروخة:
الصليبيون والاستعماريون الذين وضعوا "أيديهم في أيدي اليهود" أعداء المسلمين التقليديين الذين يلعنونهم في كل صلاة!
هل هؤلاء هم فقط أعداء الإسلام؟
ألا ينقصهم عدو آخر؟
طبعاً:
إنه يخصص فصلاً كاملاً عن "الماركسية .. في مواجهة الإسلامية.. “؟!
لماذا؟
"لأن كتابات "ماركس"، وزعماء الحركة الشيوعية وكذلك كل من شارك في صنع النظرية الماركسية أو تغييرها، كل هؤلاء زعموا أن الأديان من صنع البشر، وأنها حيلة ماكرة لاستغلال الضعفاء والفقراء لمصلحة الأغنياء، وأنها أفيون الشعوب ..."
وها هم الصليبيون والاستعمار والماركسيون قد ولوا.
فهل تغير وضع المسلمين وتخلفهم؟
وهل تغيرت ظروف "الحيرة والاضطراب والقلق" الذي يعاني منه المسلمون أم أنَّ الآن هم أسوء حالاً من أي حال في أي زمان؟
7
أما في كتاب "كتابات أعداء الإسلام ومناقشتها" فإن الكاتب يوجه "سهام هجومه" ضد "أعداء السنة النبوية"!
فَمَنْ هم هؤلاء الأعداء وهل ثمة ما يربط بينهم؟
إنَّ هؤلاء الأعداء (وقد خصص لكل عدو فصلاً مستقلاً) هم:
أهل الأهواء والبدع قديمً (الخوارج والشيعة والمعتزلة"!
أعداء السنة النبوية من المستشرقين!
أهل الأهواء والبدع حديثاً (العلمانية والبهائية والقاديانية)!
ولكنه بطبيعة الحال لا ينسى "الاستعمار الغربي".
أما السبب الذي دعا الكاتب من أجله إلى دراسة الفِرق في التاريخ هو "لأن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسي تلك الفرق ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر. فإذا نظرنا إلى بعض الفرق الماضية كالخوارج (القرآنيون) "!" نجد أن لها امتداد يسري في حاضر الأمة سريان الوباء، وكذلك المعتزلة "!" لا زالت أفكارهم حية قوية يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغربية والشرقية، فراحوا يمجدون العقل ويحكمونه في نصوص الشرع قرآناً وسنة، فما وافق عقولهم قبلوه وإلا ردوه، أو تأولوه تأويلاً يضر بعقيدة المسلم" ...إلخ.
ولهذا وكما يقول الكاتب فإن " العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر " وإن أفكار المعتزلة لا تزال "حية قوية". أي أن مرور 14 قرناً لا تزال غير كافية لكي تلغي الأفكار المناهضة "للسنة النبوية"!
لكن الطريف في حالة هذا الكاتب هو أنه قد نسي إسرائيل والصهيونية. وهذا ما يترك في الكتاب نقصاً كبيراً!!!
[كتابات أعداء الإسلام ومناقشتها، عماد السيد محمد إسماعيل الشربيني، 2002]
8.
أما أعداء الإسلام في [معجم افتراءات الغرب على الإسلام، أنور محمود زناتي، بدون تاريخ ومكان الإصدار] فهم "علماء ومفكرو الغرب".
لماذا؟
"وقد وجدنا بعض الأقلام الحاقدة، من ذوي الأفكار المشوهة، وقد اهتمت بإثارة الشبهات وتدوين التشكيكات، ضمن حالة الاستنفار العام للهجوم على الإسلام وأهله"!
أما كيف ربط صاحبنا ما بين "الغرب" و"بعض الأقلام الحاقدة" فهذا أمر لا قيمة له عندما يتعلق بمنطق المسلم المقلوب رأساً على عقب.
9.
الخلاصة:
هذه بعض الأمثلة عن هوس المسلمين وأعراض الفوبيا من الآخرين – طبعاً هذه مشكلة السنجاب أيضاً. وإن تطلب الأمر سأشير ضمن التعليقات إلى كتابات أخرى [خصوصاً لمن يؤمن بخرافة "التواتر"!].
لكن عدد الأمثلة في هذه الحالة لا يغير من الأمر شيئاً لأنَّ التكرار والنموذج المسبق الذي يقتبسه هذا الكاتب من ذاك، وابن اليوم من ابن الأمس وعلى طريقة التكرار اللاهوتية المملة، هو السمة الملازمة لكل هذا النوع من الهراء.
فالعالم بأكمله عدو للمسلمين والله والسنجاب؛
والأحكام الفقهية إزاء العدو واضحة للجميع:
الحرب والقتال.
غير أنَّ كلام المسلمين بصدد الأعداء "الداخليين" و"الخارجيين" لا يجب أن يأخذ مأخذ الجد. فرغم أنه عملياً يحرِّض السذج والمغفلين وأنصاف المتعلمين من المسلمين في المنتديات ضد الآخرين، فإنَّه نوع من النباح الذي لا غرض من وراءه غير إبعاد الشبهات عن حقيقة التخلف الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية والغالبية العظمى من المسلمين أنفسهم. أما الصلات الوثيقة "السرية!" و"العلنية!" ما بين ممالك الظلام العربية مع ذات "الاستعمار والصهيونية والامبريالية فإنها معروفة للقريب والبعيد!
فإصرار المسلمين على وجود "الأعداء الخارجيين" والاستمرار في نفس في تخلفهم يجعل منهم مادة لاستهزاء والتهكم ليس من قبل "الاستعمار والصهيونية والإمبريالية والشيوعية والمستشرقين" فقط، بل ومن قبل "الجزء الآخر من العالم!".
إنَّ هذه الشكوى المتواصلة والنحيب الذي يمزق نياط القلم من قبل المسلمين لا جدوى من وراءه غير استمرار التخلف. فالماضي من وراءهم لا عودة له، والمستقبل أمامهم ولن يرحم تخلفهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر