1.
لا توجد لدينا أدلة على قضية "وأد البنات" غير السِّيَر الأدبية الإسلامية.
مثلما لا توجد لدينا أية معلومات تاريخية قيمة يُعْتَدُّ بها عن وجود ومدى انتشار ظاهر "الوأد" والقبائل التي كانت تطبق مثل هذه التقاليد العربية "الأصيلة!" وغيرها الكثير من المعلومات المتعلقة بحقيقة الظاهرة.
فما لدينا لا يتعدى ما يقوله محمد في كتابه و"مئات التعليقات والشروحات" المشكوك في أغلبها من قبل مؤلفي "التعليقات والشروح" المشكوك في صدق أغلبهم وصدق وتاريخية كتاباتهم الأدبية .
2.
وكالعادة، وحتى لا نحرف مجرى الموضوع بقضية لا قيمة بها الآن من نوع (هل كان محمد صادقاً أم كاذباً؟) والقارئ يعرف ردي، سوف نأخذ كلام محمد مأخذ الجد.
لكننا لن نأخذه مأخذ الجد باعتباره حقيقة شاملة (وإلا ما ظهر محمد على قيد الحياة!) وإنما باعتباره خبراً يتعلق بأحداث وقعت هنا وهناك في الصحراء العربية الواسعة القاحلة ومن قبل قبائل من قريش (بشكل خاص) ولأسباب مختلفة واستناداً إلى تقاليد أخلاقية واجتماعية تتعلق بالمرأة وَاصَلَ الإسلامُ والمسلمون اتباعها حتى اللحظة الراهنة.
3.
كما أنني لا أريد أن أناقش هنا موضوع الدلالة اللغوية لكلمة "الوأد" في كتاب محمد والتفسير الممكن الذي يقول بأن مصدر "الوأد" يتعلق بفعل "وأد" الذي يعني "قتل النفس" بصورة عامة ولا تتعلق بالإناث فقط. إذ لا يوجد للأسف ما يكفي من الأدلة اللغوية عليه وليس الآن وقت مناقشته.
4.
ولا أريد أيضاً أن أناقش ركاكة كلام من نوع "وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت" لأنه من الأولى أن نسأل القاتل على جرائمه وليس المقتول – ومع ذلك وحتى لا أفتح باب السخف البلاغي لنفترض أن في هذه الجملة أعجازاً بلاغياً ما بعده ولا قبله أعجاز!
وهكذا سيرتاح الجميع من وجع الرأس البلاغي التعجيزي!
5.
إنَّ هدفي هنا هو أن أطرح زاوية نظر أخرى لم يتعرض لها أحد قبل الآن – على حد علمي تتعلق بالسبب الحقيقي الذي حرَّم محمد من أجله فكرة الوأد (وبغض النظر عن صحتها وطبيعته وحجم انتشارها كما أشرت أعلاه) من حيث المبدأ.
كما أسعى إلى القول بأنَّ "الوأد" ظاهرة تتعارض مع "تعاليم" و"رغائب" محمد الجنسية جملة وتفصيلاً.
ولهذا – وأقولها صريحة ومن غير أي نوع من التهكم - بأنني لا أشك ولا لثانية واحدة بـ"مصداقية" موقف محمد (أياً كان هذا الرجل) الرافض من "الوأد" وتحريمه له – وإلا ما كان محمدٌ محمداً!
غير أن قبولنا بـ"مصداقية" تحريم محمد لظاهرة "الوأد" لا تتعلق بأي حال من الأحوال بمواقف "إنسانية" أو" لاهوتية" من نوع ما وإنما لأسباب عملية برغماتية محضة – وليس أقل أهمية: سياسية أيضاً!
7.
ثمة انسجام مدهش قلما نجده في كتاب محمد ما بين هدف الآيتين 8 و9 من "سورة التكوير" مثلاً على رفض وأد البنات من جهة:
"وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ".
والآية 3 من " سورة النساء" التي تحض على نكاح البنات الشامل (وخصوصاً الأطفال ومحمد مثال ساطع) والمكثف من جهة أخرى:
" فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا"!
8.
فما بين هدفي الآيات الثلاث علاقة منطقة داخلية وثيقة لا يمكن أحدهما بدون الآخر.
إذ لا يمكن أن يكون الحكم في آيات الحض الشامل والمتعدد (والمفتوح على مصراعيه) على النكاح ممكناً بغياب النساء أو قلة عددهن. ولهذا فإن تحريم وأد البنات يوفر "عدداً" واقعياً كافياً لتحقيق تطبيق أحكام إطلاق حرية النكاح الشاملة.
ولهذا فإن أحد الهدفين لا يكون بدون الآخر.
8.
لم يحضَ الحضُّ على النكاح بأهمية تذكر من قبل الديانات التي سبقت ظهور الإسلام في الجزيرة العربية. فلا الوثنية ولا اليهودية المنتشرة بين القبائل العربية، ولا المسيحية المتواجدة في جنوب الجزيرة العربية، قد أولت كل هذه الأهمية للشبق الجنسي وتغذيته والتشجيع على ممارسته ليل نهار مثلما أولت تعاليم محمد (اللاهوت المسيحي أكثر ميلاً إلى تحريم الزواج).
بل يمكن القول من غير تردد إنَّ فتح باب "النكاح" على مصارعيه من غير تحديد العدد مع كل امرأة "ممكنة" [أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ] لم يسبق له مثيل – ولم يأت بعده مثيل في العقائد الدينية.
9.
إننا أمام نوع غريب من إطلاق العنان للشبق الجنسي وتمجيده حتى حوَّل المسلمون نبيهم إلى قدوة يحتذى بها فهو الذي "أوتي قوة 40 رجلاً – أم 30 رجلاً؟" في كثرة الجماع. فتحولت "كثرة الجماع" إلى عقيدة دينية وكأنها الركن الغائب من أركان الدين الإسلامي (وحتى لا يغضب السلفيون: إلى جانب الجهاد]!
فـ"صاحبهم"، كما يذكرون في كتبهم، أنه قد تزوج اثنتي عشرة امرأة وخطب ثلاثين وعقد على ثلاث وعشرين منهن ودخل باثنتي عشرة امرأة وتوفي عن تسع زوجات...
وما كان هذا من الممكن أن يحصل في إطار تقاليد تقرر دفن البنات منذ الصغر – فمن أين له بكل هذا العدد؟
ولهذا فإن تحريم "الوأد" خطوة منطقية لإطلاق العنان للنشاط النُّكاحي المحمدي بشكل خاص والإسلام بشكل عام.
فماذا كان يمكن أن يحصل للعقيدة الإسلامية بدون "عائشة" ودورها الهام في منح الإسلام نوعاً من "النكهة"؟!
بل ماذا كان يمكن أن يحدث للفقه الشيعي على طريق تعاليم الخميني الذي أباح "التفخيذ" [وضع عضو الرجل البالغ بين فخذي الطفلة الصغيرة]؟!
10.
هذه هي الخطوة الثورية التي خطاها محمد عندما حرم "الوأد":
إنها قرار سياسي "حكيم" استطاع محمد من خلاله تشجيع أنصاره وحثهم على الغزو، وفيما بعد على الفتوحات. فقد كانت الغنائم والاستحواذ على نساء "الكفار" من الأهداف الرئيسية الحاسمة لانخراط الأعراب المعدمين في حروب محمد وحروب خلفاءه وفتوحاتهم. أمَّا قضية "الجنة" فقد كانت ولا تزال زاد السذج والبلهاء. فالأعراب كانوا عمليين وكانوا ينظرون إلى الأرض أكثر ما كانوا ينظرون إلى السماء وقد قدروا إمكانيات الإسلام هذه (الغنائم واغتصاب نساء الكفار) حق قدرها.
11.
هل يمكن القول:
لا شيء جديد تحت شمس حقائق التاريخ الإسلامي؟
من الممكن تماماً.
فكما كررت كثيراً وسوف أكرر بأنَّ السيرة الأدبية الإسلامية تخفي أكثر مما تصرح، ولكي نقرأ ما تم التستر عليه علينا إعادة قراءة هذه السيرة حتى نرى ما تم إخفاءه.
للموضوع بقية . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق