منع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلم والدين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلم والدين. إظهار كافة الرسائل

العلم والدين والدولة [2] : أسلحة الدولة العربية/الدينية

صفوف من المصلين بالأسود والابيض

1.
إذن ومن أجل تسويغ وفرض مبدأ "طاعة الإمام" لابد من الإسلحة اللاهوتية المستترة. وفيما يلي غيض من فيض "صناعات" الإسلام اللاهوتية في هذا المجال:
الحديث:
- [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَــالَ: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِر، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَــــاهِلِيَّـــــةً"!]
- [عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: "قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لا نَسْأَلُكَ عَنْ طَاعَةِ مَنِ اتَّقَى، وَلَكِنْ مَنْ فَعَلَ وَفَعَلَ، فَذَكَرَ الشَّرَّ، فَقَالَ: اتَّقُوا الله، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا"!]
· [عن عَوْف بْنَ مَالِكٍ الأشْجَعِيَّ يَقُول: سَمِعْتُ رَسُولَ الله، يَقُولُ:
"خِيَارُ أَئِمَّتِكُم الَّذِين تُـحِبُّونَهُمْ وَيُــحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّون عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّون عَلَيْكُمْ ،وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُم، قَالُوا: قُلْنَا يَا رَسُولَ الله، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟، قَالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ أَلا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَةِ الله، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ الله، وَلا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ"!]
وإلى آخره من خرافات "عصر التدوين"/القرن السَّابع والثَّامن!
2.
التفسير:
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" ـ سورة "النساء"/آية 159
تفسر الفخر الرازي:
"الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمْرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَنْ أَمَرَ اللَّه بِطَاعَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ وَالْقَطْعِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا عَنِ الْخَطَأِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عَنِ الْخَطَأِ كَانَ بِتَقْدِيرِ إِقْدَامِهِ عَلَى الْخَطَأِ يَكُونُ قَدْ أَمَرَ اللَّه بِمُتَابَعَتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِفِعْلِ ذَلِكَ الْخَطَأِ وَالْخَطَأُ لِكَوْنِهِ خَطَأً مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَهَذَا يُفْضِي إِلَى اجْتِمَاعِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّهُ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ، وَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَمَرَ اللَّه بِطَاعَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا عَنِ الْخَطَأِ، فَثَبَتَ قَطْعًا أَنَّ أُولِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا".[1]
"السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: حَمْلُ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْتُمْ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأُمَرَاءَ وَالسَّلَاطِينَ أَوَامِرُهُمْ نَافِذَةٌ عَلَى الْخَلْقِ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أُولُو الْأَمْرِ/ أَمَّا أَهْلُ الْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَمْرٌ نَافِذٌ عَلَى الْخَلْقِ، فَكَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ أَوْلَى".[2]
- "قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تَغَلَّب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام، لا يصح إلا بالإمام الأعظم.
وقال أيضا: اختلفوا في الجماعة والافتراق، فذهب الصحابة ومن معهم إلى وجوبها، وأن الإسلام لا يتم إلا بها، وذهبت الخوارج ومن معهم إلى الأخرى وإنكار الجماعة، ففصل الكتاب بينهم، بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [سورة آل عمران آية: 103][3]
3.
الإفتاء:
[فرضية نصب الإمام]"وسئل: أبناء الشيخ محمد وحمد بن ناصر رحمهم الله؛ هل نصب الإمام فرض على الناس أم لا؟
فأجابوا: الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن الإمام يجب نصبه على الناس، وذلك أن أمور الإسلام لا تتم إلا بذلك، كالجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وإنصاف الضعيف من القوي، وغير ذلك من أمور الدين، ولهذا أوجب الله طاعة أولي الأمر، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [سورة النساء آية: 59.] وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [سورة آل عمران آية: 103]
وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة "1، وفي حديث العرباض بن سارية، أنه قال عليه السلام: " أوصيكم بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وعليكم بسنتي وسنة"[4].
- عن محمد بن صالح العثيمين : "كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم ، حسب ما جاءت به الشريعة ؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس ، وأذلوا ، وهون أمرهم ؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ"[5]
4.
إن مثل هذه الخدمات "الجليلة" التي يقدمها الدِّين لسلطة الدولة لها مقابل بما تقدمها الدولة للسلطات الدينية. والإمر لا يتعلق بـ"تَدَيُّن" الدولة. إذ أنَّ هذا "التَدَيُّن" ليس شيئاً أخر غير قناع لكيان ديني مزيف، حتى حين تبدأ الدساتير العربية المعاصرة بمادة كون "الإسلام دين الدولة". وقد ساهم اللاهوت الإسلامي بطوائفه وفرقه المختلفة بتدعيم هذا القناع والإبقاء عليه كما رأينا في الفقرة السابقة.
5.
فالدين بالنسبة للدولة العربية وعلى امتداد تاريخها الطويل ليس إلَّا وسيلة للقمع السياسي وفرض الطاعة. ولم يشغل الدين يوماً همَّ ممثلي هذه الدولة. وهو أمرٌ لا يحتاج إلى الكثير من البحث فهي ظاهرة تطفو على سطح الحياة اليومية.
ولكنْ على المدى البعيد فإن تحالف السلطات السياسية في الدول العربية مع مراكز السلطة الدينية، من الناحية العملية، له فائدة سياسية كبيرة: فهو يكشف لمواطني هذه الدول وبمرور الزمن الوجه البشع السلطوي "الأرضي" للدين الذي لا علاقة له "بالسماء" وإنَّ ما يسمى "بسلطة الله على الأرض" ما هي إلَّا سلطة الدولة المدعومة دينياً. إن دعم السلطة الجائرة من قبل السلطة الدينية جعل، عملياً، سلطة الله" على الأرض سلطة جائرة. وهنا يظهر التطبيق الناصع لفكرة ماركس بكون سُلْطة التَّدَيِّنِ هي دِين السُّلْطَة!
6.
ولهذا فإنَّ الأمل ليس في "عقلاء" الإسلام، بل بعقلاء البشر. فهل ثمة أمل في أن يرفع عقلاء هذه الشعوب صوتهم في يوما ضد جور الدين والدولة؟





[1] تفسير الفخر الرازي، 1981، الجزء 10، (إصدار دار الفكر)، ص148
[2] المصدر السابق، ص 149
[3] الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الجزء 9، ص 5
[4] المصدر السابق، ص 7






العلم والدين والدولة [1]: فرضية طاعة الإمام

بوصلة الاتجاهات


1.
هل البرهنة على وجود الله قضية دينية/إيمانية، هي خارج حدود العلم والبراهين العلمية، أمْ على العكس من ذلك، هي قضية علمية، بل وعلى العلم التصدي لها كأية قضية أخرى تتعلق بمشكلات الوجود؟
2.
إنه سؤال طالما تم طرحه من قبل الكثير من الكتاب والعلماء، مثلما تم التغاضي عنه من قبل الكثير من العلماء والكتاب أيضاً!ولا يختلف من حيث المبدأ أولئك الذين تغاضوا عن الإجابة عليه عن أولئك الذين أجابوا بكون الله والدين قضية إيمانية ولا مكان فيها للعلم. لأنَّ الأمر، في الحالتين، يتعلق بنوع من آليات التَّهَرُّب من الإجابة.
3.
ولكن إذا كان تهرب المتغاضين صامتاً، فإنَّه وعندما يكون السائل والمجيب في الحالة الثانية عالِماً، فإنَّ الأمر يثير الشكوك بجدية منطقه العلمي ومدى شجاعته العلمية. وهو في أحسن الأحوال التستر خلف "لا أدرية" مشبوهة.
ربما كان ريتشارد دوكينز من أكثر العلماء المعاصرين صراحة والتزاماً بمبادئ المنطق العلمي وبطرحه الواضح للمشكلة في "وهم الإله": إن وجود الله لا يختلف عن أية قضية تخضع إلى منطق العلم وإن البرهنة على وجود الله أو عدمه هي من صميم العلم.
وهذا هو عين التفكير العلمي.
4.
المشكلة لا علاقة لها بقضية الإلحاد (رغم أنَّ الملحدين وبحكم نظرتهم إلى للعالم أكثر ميلاً لطرح هذا السؤال والبحث عن إجابات مقنعة)، بل بضرورة الإجابة على الأسئلة المتعلقة بقضايا الوجود. إنَّ الإيمان بوجود "الله" أو عدم الإيمان ليست قضية ثانوية لا أهمية لها، بل إنَّ الإجابة على هذا السؤال له تبعات ثقافية وفكرية وسياسية واجتماعية تؤثر بصورة مباشرة في حياة البشر وعمليات التطور. إنَّ الإيمان الشخصي بوجود "الله" شيء والعقيدة اللاهوتية بوجود الله شيء آخر. ورغم التقاطعات المتعددة الخصائص والنتائج بين نوعي الإيمان، فإنَّ العقيدة اللاهوتية تسعى (بغض النظر عن أشكال التعبير) إلى استيعاب الحياة المدنية والسلطة السياسية على حد سواء. 
ولهذا فإنَّ الإجابة على قضية وجود الله أمرٌ يعني الإجابة على قضية شرعية/أو عدم شرعية الادعاء اللاهوتي على التدخل في السلطة المدنية (الأرضية) وتحميل القوانين المدنية بالعقائد والأحكام الدينية. فبطلان وجود الله بطلان هذه الشرعية.
5.
الدين والدولة:
إنَّ المطالبة الملحة للاهوت الإسلامي بأحقية الدين في نظام الدولة لا يختلف من حيث المبدأ عن مطالب الكنيسة (بغض النظر فيما إذا كانت كاثوليكية أو بروتستانتية أو أرثوذوكسية) إطلاقاً. غير أنه ثمة فارق جوهري وحاسم بين نوعي المطالب: هو أن تطور المجتمعات والدول الغربية قد أدَّى بصورة حاسمة إلى فصل الدين عن الدولة وتحوله إلى مبدأ يحظى (على الأقل من الناحية الرسمية) برضى الكنيسة نفسها. لأنَّ التطور الثقافي والسياسي للدولة الغربية جعل تلك المطالب خارج إطار القانون ومنطق التطور الاجتماعي. وربما تتضمن الكثير من الصحة ملاحظة توكفيل كون انفصال الدين عن الدولة يغذي على المدى البعيد نمو تأثير الكنيسة على الناس (أنظر: الديمقراطية في أمريكا). إلَّا أنَّ الكنيسة لم تدرك آنذاك وجهة النظر هذه. لقد كان إصرار الدولة حاسماً وعلى الكنيسة إدراك جدية هذا الإصرار وإلَّا فإنَّ اصطدام الكنيسة بالدولة سيكون لا محالة منه، وهو، في جميع الأحوال، لن يكون في صالح الكنيسة!
كان للكنيسة "عقلاء" استطاعوا رؤية آفاق التطور وضرورة التكيف مع أحكام الواقع الجديد. فهل ثمة وجود لمثل هذا النوع من "العقلاء" في الإسلام؟
6.
للوهلة الأولى يبدو هذا السؤال "معقولاً" و"منطقياً". غير أنه، والحقُّ يقال، سيء ما يكفي لكيلا تتم الإجابة عليه!
فتَكَيُّفُ الكنيسة، وخصوصاً المركز البابوي، لم يكن حصيلة لـ “حكمة" عقلاء الكنيسة فقط، ولا أشكُّ بوجودهم، بل كان أمراً واقعاً مفروضاً لا يمكن المجازفة بالتعارض معه، بغض النظر عن أشكال المعارضة المتطرفة التي حدثت هنا وهنا (كما حصل مثلا في أسبانبا في ثلاثينيات القرن العشرين). 
إنَّ إصرار وعزم الحركة السياسية والفكرية والاجتماعية وما تحمله من ميراث عصر النهضة وعصر التنوير والثورة الفرنسية ما يكفي من القوة والوضوح ما جعل "السلطة البابوية" و"عقلائها" أن يستنتجوا أنَّ "غريزة البقاء" تفرض عليهم إدراك المستجدات التاريخية والخضوع لها: إنه لم يكن اختياراً، بل أمراً لا رجعة فيه!
لقد كانت الدول الغربية تحظى بمشروعية الوجود الذي يستند إلى القوانين والانتخابات وتطور آليات نظم الحكم الديمقراطية وإنَّ هذه المشروعية تتعارض مع سلطة عليا، هي من خارج البنية السياسية للدولة، كسلطة البابا مثلاً. وقد أدركت الكنيسة هذا الأمر وما كان عليها إلَّا الانسحاب.
7.
ولهذا فإنْ كان للإسلام "عقلاء" أمْ لَا فإنَّ الإجابة لا جَدْوَى من ورائها.
فالحقيقة الصَّارخة هي أنَّ الدولة العربية (مهما سُمِيَّتْ) لا تستند إلى أيِّة مشروعية سياسية؛ الدولة العربية هي دولة اغتصاب واستحواذ "زُمَر" عسكرية أو مدنية أو عائلية تسير الحكم بوسائل القمع المنظم والمخابرات، وفي بعض الأحيان عن طريق الرشوة ـ حين تتوفر الإمكانيات الاقتصادية لذلك. 
أمَّا الانتخابات التي تقيمها البعض منها فهي "تظاهرات" مضحكة للتعبير عن قيم "ديمقراطية" لا وجود لها في رؤوس "المنظمين" لها. بل إنَّ أعتى الحكومات العربية هي الأكثر ولعاً بين الجميع في إقامة الانتخابات. فحقيقة كون أغلب الرؤساء العرب لا تنتهي مدة رئاستهم إلا بالموت بسبب الشيخوخة أو الاغتيال أو عن طريق انقلاب كارثي على البلاد، يكشف عن حقيقة "الانتخابات العربية"! 
أما ما يتعلق بحالة "لأمراء!" و"الملوك!" فالأمر لا يختلف: فآليات التصفية الجسدية والاغتيالات والإحتراب ما بين مراكز القوى القبلية/العائلية وإبعاد بعضهم البعض عن مراكز السلطة وتولي العرش هي حقائق يعرفها القريب والبعيد.
8.
إنَّ مصالح الحكومات العربية لم تفترق يوماً عن مصالح مراكز السلطة الدينية الإسلامية. فأنظمة الحكم العربية ما كان لها أن تبقى بدون السلطات الدينية وما كان للأخيرة من وجود بدون سلطات الدولة. وبالتالي فإن وجود مثل هذا النوع من السلطات السياسية بحاجة ماسَّة إلى "ورشٍ متخلفة" لصناعة الأوهام والخرافات تستسيغها النسبة الكبرى من السَّكان الغارقة بوَحْلِ الجهل والأميَّة. والدين الإسلامي يوفر "بكرم" هذا النوع من "الورش"!
9.
فرضية طاعة الإمام السلفية:
وهذا هو بالضبط ما فعله السلفيون فقهياً وعملياً (على اختلاف انتماءاتهم المذهبية) منذ بداية ما يسمى بـ “عصر التدوين". فقد "تفننوا" في إيراد "الأحاديث الصحيحة!" والمبادئ النبوية!" و"الفرضيات الأصولية! في دعم الحاكم الجائر والخضوع للظالم وهو أمر يتناقض إلى أقصى ما يكون التناقض مع أفكار "العدل" و"المساواة" و"الحق" المعلنة من قبل جميع مدونات الإسلام التي يتبجح بها رجال الدين المسلمين وأبواقهم من أنصاف المتعلمين والحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه بأطروحات من نوع "النجاسة في الفقه الشافعي" أو "أصول الدين الخمسة والتكنولوجيا" وغيرها من السخافات الجامعية!
10.
فمثلما حرصت الدولة على الحضور الرسمي للدين، فإن ممثلي السلطة الدينية وعلى مر العصور حرصوا على وضع فرضيات دينية تدعم شرعية سلطة الخلفاء والسلاطين والحكَّام (بغض النظر عن الأسماء والاتجاهات والطوائف) وتبريرها فقهياً وتسويغ آلِيَّات دينية كانت ولاتزال من شأنها تحسين وجه الدولة البشع ودفع الناس إلى الطاعة وتحمل جورهم.
وقد سار الفقهاء على طرق مختلفة تبدأ بآليات التفسير المضحكة والتأويلات "الانقلابية" وانتهاء بـ “وضع" عشرات "الأحاديث الصحيحة" والمُخاطة على طول وعرض مصالح الحكام ومروراً بآلية "الإفتاء" التي فتحوا لها "دوراً" و"مراكز" وكأنَّ الناس لا همَّ لهم ولا عمل غير الاستفسار عن أحكام النجاسة والحيض!



أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر