منع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد العقائد الإسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد العقائد الإسلامية. إظهار كافة الرسائل

مرثاة لزبائن أسواق الأوهام والأساطير الرخيصة

سوق عربي


1.

إنَّه لأمر محزن أنْ يتبضع المحمدون طوال حياتهم القصيرة على الأرض [وهي الحياة الوحيدة للبشر والسعالي والأنبياء المزيفون والطناطل الحقيقية] من أسواق الوهم المبتذلة والأساطير  الشعبية الرخيصة.

ورغم أنَّ الأسعار الباهظة ليس معياراً قاراً وثابتاً للكفاءة والجودة إلا أنَّ عرض "البضائع" في الأسواق الشعبية مجاناً لا تقول لنا غير أنَّ هذه "البضائع" من قبيل الأوهام.

2.

فـ"الجنة" التي يعرضها البائعون [وهم عادة عاجزون حتى عن قراءة الاتيكيت sticker] في أسواق الأوهام والأساطير، التي لا تساوي غير ثمن زهيد للغاية، "مرضاة" رب العالمين هي "جنة" مشكوك في أمرها!

فلكل شيء ثمن يساويه ويعبر عن قيمته المادية والإنتاجية والمعنوية - والإستهلاكية إن شئت.

وأنْ يكون ثمن "الجنة" الموعودة "مرضاة" لكيان له الأسماء الحسنى الـ 99، فإنَّ الأمر واحد من اثنين:

إما أن يكون صاحب الـ 99 اسماً كياناً كسيفاً لا يستحق حتى ذكر اسم واحد من أسماءه المزيفة، وإما أنْ تكون البضاعة فاسدة.

لكنني أرجح بقوة وبكل ثقة احتمالاً ثالثاً:

كلا الاحتمالين السابقين!

والآن أتذكر المثل الإنجليزي:

أنا لست غنياً حتى أشتري أشياء رخيصة!

ولكن هذا ما يفعله المسلم بالذات:

يشتري بضائع رخيصة للغاية سوف تكلفه فيما بعد ثمناً باهضاً جداً: حياته على الأرض!

3.

نحن أمام قبر [وهو حفرة في الأرض] يؤمن المحمدون إلى حد التضحية بأنفسهم من أجل هذا الإيمان بأنَّ له "باباً يؤدي إلى الجنة".

ولكن هناك من يعتقد اعتقاداً راسخاً أنَّ على الميت أولاً أن يُعَذَّب عذاباً متقناً من قبل متخصصين في "فن التعذيب"  سموه "عذاب القبر" قبل أنْ يُفتح له الباب إلى "الجنة الموعودة".

وهذا ما يُثبت [ونقضه لا يستحق الإثبات] بأنَّ ثمن دخول "الجنة" باهظاً – وباهظاً جداً.

4.

هنا تًصِلُ الأسطورة إلى حدود العبث:

ففي أسواق الخردة يتم عرض بضاعة "الجنة" مجاناً لوجه "الله – أو لقاء مرضاة "الله" – والأمر سواء.

وعندما يغلق المسلم عينيه للمرة الأخيرة ويواروه التراب [بالمعنى الحرفي للكلمة في حالة المسلمين] يستلمه أخصائيو التعذيب الرباني في حفرته ويعرضونه لأبشع أنواع التعذيب!

5.

وهذا هو مكمن العبث:

يتعرض المسلم إلى التعذيب على أيدي أخصائيين في التعذيب منذ أنْ تطأ قدماه القبر وقبل التحقيق والمحاكمة العادلة - بل ومن غير حتى الاطلاع على السجلات الربانية!

أليس من المفروض أن يأتي التعذيب يوم الحساب؟!

وأليس من المنطقي أن يتم أولاً التحقق من ذنوب المسلم الساذج الذي قضى عمره بالأوهام قبل التعذيب ومن ثم يقرر الجلادون مصيره؟!

وماذا إذا ظهر بأن المسلم التعس بريئاً ولم يرتكب ذنباً يستحق التعذيب؟!

هل سيتم الأمر على طريقة شرطة المطارات العربية بعد أن ْيخضعون المسافر لأسباب سخيفة لمعاملة سيئة وتفتيش فج ثم يقولون له :

- سامحنا خَيُّو؟!

[هذا ما حدث لي فعلاً في أحد المطارات العربية رغم أن الاعتذار من حيث المبد نادراً جداً. فشرطي الدولة العربية مكلف لحماية الحاكم وليس الحقوق المدنية للناس]

6.

هذا هو الوضع الذي يستوجب فيه الرثاء على حال الملايين:

إنهم مهانون مذلون منذ الولادة؛ مخدوعون ومضللون منذ المدرسة الابتدائية [إنْ توفرت لهم فرصة الذهاب إلى المدرسة]؛ وعبيد أذلاء منذ أن تحولوا إلى "مكلفين".

إنَّ تاريخ حياة المسلم هو تاريخ للسذاجة التي تأخذ بيده بكل ثقة وجدارة إلى المسلخ.






البحث عن عائشة [2]: صورة عائشة

لوحة “هيلين طروادة المختطفة" للرسام البريطاني Anthony Frederick Augustus Sandys [1829-1904]!


حكاية صورة:
لقد تصفحت طويلاً مجاميع الأعمال التشكيلية وصفحات الفن التشكيلي والمتاحف العالمية في فضاءات الانترنت بحثاً عن عائشة "الحُمَيرَاء".
لم يكن البحث سهلاً. 
في الآونة الأخيرة وفي اثناء عملية الإطلاع على ما كُتب عن عائشة في كتب السنة والشيعة متقصياً السيرة الأدبية الإسلامية عنها والسعي إلى العثور عما ينقض الفرضية التي تدور في ذهني (فأنا لا أبحث عما يلائم فراضياتي) تشكلت في رأسي صورة حيَّة لها – للصبية التي اُخْذتْ عنوة من بيت أمها وأبيها كما يؤخذ الحمل الصغير إلى المذبحة.
كنت أراها حتى أكاد أحس بوجودها أمامي وكأنني أرى صورتها تمتزج بسطور النص الذي اقرأه على شاشة الكمبيوتر.
وقد أوصلني البحث بالصدفة إلى هذه اللوحة التي لم أكن أعرف عنها أي شيء مطلقاً. 
- إنها هي!
هتفت بصوت مسموع.
ثمة شيء في معالم هذه الفتاة يعبر عن الرفض والاستنكار والامتعاض. 
إنه حوار صامت مع مَنْ يقف الآن [وأبداً] أمامها ويحدثها محاولاً إقناعها، أو أجبارها على القبول والخضوع. أليس الدين خضوعاً، وزوجها المستقبلي نبي هذا الدين؟!
وحالما بحثت عن قصة هذه اللوحة تبددت دهشتي:
 إنها “هيلين طروادة المختطفة" للرسام البريطاني Anthony Frederick Augustus Sandys [1829-1904]!
وليقل القائل بأنها صدفة!
إنها "الحُمَيرَاء" أو صورة لها سافرت عبر التاريخ حتى تجسدت في صورة هيلين طروادة [أو بالعكس – من يدري؟].
فهل ثمة علاقة سرية داخلية تربط ما بين هيلين وعائشة؟!
1.
هل كانت عائشة تؤمن بنبوة محمد حقاً؟
هذا سؤال سوف أردده على امتداد سلسلة المقالات هذه [البحث عن عائشة] وليس لدي الآن أيُّ أمل واقعي في التوصل إلى إجابة مُرْضِيَة.!
هي مجازفة لكي أجيب على هذا التساؤل.
إنه واحد من الأسئلة العصية على الإجابة. إذ ليس لدينا إلا فِتاتُ معلومات وأطنان من الأحاديث والروايات الكاذبة. وأكذب هذه الروايات على الإطلاق كتب السنة والشيعة المعاصرة التي قررت أن تعيد كتابة "التاريخ" بأسوأ الأدوات وهو التقديس النقلي التسليمي وبأكثر الأساليب الأدبية سذاجة حتى وصل بهم مرض التمجيد إلى تأليف كتاب من نوع "موسوعة فقه عائشة أم المؤمنين"! باعتبارها محدثة وفقيهة وهي المرأة التي أسْتُلبت طفولتها وتبدد شبابها وانتهت إلى شيخوخة لا نعرف عنه شيئاً أكثر مما قالته كتب المسلمين.
فأين تثقفت هذه الصبية بين عدد من "الضرات" [للمعلومات: يقول الفقه بأن امرأة الزوج سميت ضرة لأنها من المضارة فماذا لو كن عشرة أو أكثر؟!] التي لا يعرفها حتى السنة أنفسهم؟!
 مثلما كانت حبيسة البيت ولم يقل أحد أنها تعلمت الكتابة والقراءة [فزوجها أمي وضراتها أميات]!
2.
في أصول البحث ثمة طريقان أساسيان:
الطريق الأول استقرائي أنْ نجمع الحقائق الصغيرة شيئاً فشيئاً حتى تكتمل الصورة وتتبدى معالمها. وهذا ما ليس بالإمكان. فمن أين لنا بهذه الحقائق (ومهما صغرت)؟
فنحن لدينا "فتات" من المعلومات الصغيرة وهي لو كانت فتات خبز فإنها لن تشبع حتى عصفوراً صغيراً بائساً!
 فليس في حوزتنا غير سيرة أدبية:
 كتبها العشرات؛ 
وحررها العشرات؛ 
ونقحها العشرات؛ 
ودونها العشرات؛ 
وأعاد تدوينها العشرات عن أحداث مفترضة وشخصيات غامضة!
أما الطريق الثاني فهو استنباطي منطلقين من "حقيقة" يتفق عليها جميع المسلمين وهي حقيقة الطفلة التي اغتصابها كهل ساعين إلى إزالة ركام الأكاذيب التاريخية المتراكمة الواحدة تلوى الأخرى حتى نصل تدريجياً إلى ما تبقى من الحقيقة التاريخية. 
فهل ثمة حقيقة بقيت من ذلك التاريخ؟
3.
فعائشة ومهما تأملنا فتات المعلومات التي ترسم صورتها فإنها ستبقى لغزاً عصياً على الحل والفهم على حد سواء. فهي إنْ كانت جزءاً من التاريخ حقاً فإن ما كان يعتمل في داخلها لهو صعب على القول وأمر عميق لا يمكن التصريح به من قبلها.
إنني أشَكُّ بكل ما أمتلكُ من ملكة الشَّكِّ (وفي رأسي الشيء الكثير) بكل "أحاديث عائشة" التمجيدية لمحمد. إنَّ عائشة إن قالت يوماً لأحدهم شيئاً فإنها لم تقلْ إلا جزءاً يسيراً جداَ مما لفقه المحدثون والأفَّاقُون وفقهاء السلاطين وأنصاف المثقفين. وإن هذا الشيء القليل لا يعدو أن يكون أموراً تتعلق بحياتها الشخصية الصعبة وعلاقتها بمحمد بن عبد الله وبنسائه الأخريات وحريمه. وإنَّ ما وصل إلينا من هذا لهو قليل – بل لم يصل منه إلا النزر اليسير إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار البخاري ومسلم مثلاً.
أما ما كتبه الشيعة عن عائشة فإنَّ الروح الهجائية [التي تصل عند بعض الكتاب إلى حد الكراهية المطلقة لعائشة مثل كتاب "الفاحشة: الوجه الآخر لعائشة"] المتعلقة بموقفهم منها تجعل ما ينقلونه عنها ليس أقل تعقيداً مما يقول السنة المدَّاحون. فهم كذابون بطبيعتهم اللاهوتية.
إذن:
كل ما كتب تمجيداً لعائشة هو عقيدة دينية سنية ولا يستند إلى التاريخ.
وكل ما كتب تشويهاً لعائشة هو عقيدة دينية شيعية ولا يستند إلى التاريخ.
ولم يتبق لنا غير المادة الأدبية في السيرة الإسلامية التي نحاول "اقتناص" ما يمكن أن يشكل صورة عائشة الحقيقية.
4.
هذه هي صورة عائشة إذن:
غاضبة، مستاءة، يتطاير الشرر من عينيها. 
فقد اغتصبوا إرادتها؛ وانتهكوا حقها في الطفولة – وهو حق أعلى من حقوق البشر جميعاً وأسمى من جميع المقدسات والمبادئ وقواعد الأخلاق والضمير؛ وها هم يقودونها عنوة لكي تكون محظية بناء على إرادة عزوها إلى خرافة أطلقوا عليها اسم "الله" ومنحوها صلاحيات وحقوق تخول القتل واغتصاب الأطفال ورجم النساء الفقيرات اللواتي لا أحد يدافع عنهن [لا توجد معلومات عن امرأة غنية أو ذات سلطة تم رجمها وهو النوع ليس أقل فحشاً وتهتكاً من النساء الفقيرات]، غير أن من نفذ كل هذه الأحكام كانوا من البشر!
5.
ها أنا أنتهي من ملاحظاتي على الصورة. 
والحق أني لأول مرة أبدأ موضوعاً لا أعرف نهايته ولا النتائج التي سأتوصل إليها. ففي رأسي يلفُّ تساؤلٌ ويدور من غير هوادة. ولا تبدو الإجابة في متناول العين والفكر:
هل كانت عائشة تؤمن بنبوة محمد حقاً؟


الحلقة القادمة:
البحث عن عائشة [3]: الاغتصاب
الحلقة السابقة:


البحث عن عائشة [1]: التاريخ الآخر - مقدمات

تفصيل من لوحة “هيلين طروادة المختطفة" للرسام البريطاني Anthony Frederick Augustus Sandys [1829-1904]!
من أجل رد الاعتبار لشخصية عائشة!
1.
قد يندهش الملحدون قبل المسلمين لهذا العنوان. 
ولهذا عليَّ التأكيد بأنه ليس في الأمر أيُّ نوع من التهكم أو المجاز. فأنا أعني ما يُعَبِّرُ عنه العنوان حرفياً وأقف وراءه.
كَمَا وعليَّ الاعتراف منذ البدء وبصراحة أنَّ " عائشة" من الموضوعات التي كثيراً ما كانت تمر بإلحاح على تفكيري .
فعائشة "قضية" تاريخية وأخلاقية وثقافية وبالمعنى المباشر للكلمة قبل أن تكون قضية دينية. 
وهي لهذا السبب تحتاج إلى نوع من المرافعة الدفاعية لإعادة الاعتبار لشخصيتها بشكل خاص وللمرأة الرازحة تحت نير العبودية الإسلامية بشكل عام.
فهي قضية تاريخية لأننا لا نملك عنها غير ما تقوله السيرة الأدبية الإسلامية؛
وهي قضية أخلاقية لأننا أمام خرق فظ لأهم القيم في حياة المجتمعات: اغتصاب طفلة من قبل كهل جاوز الستين!؛
وهي قضية ثقافية لأنها تحولت إلى معيار ثقافي يحتذى به المسلم (السني) في الحياة ويتم تربية الأطفال على أساسه؛
وهي أخيراً قضية دينية لأن المسلمين حولوا نكاح محمد بن عبد الله لها إلى مواضعة فقهية وقانون يحتذون به.
2.
ولكن هذه "القضية" في نفس الوقت مصدر لحيرة كبيرة:
 كيف تحولت الأساطير الشفهية إلى نوع من “الحقيقة" تقف فوق الواقع وتقرر وجوده؟
كما أن ثمة مدعاة أخرى للحيرة:
كيف فَلَتَ التصور العقائدي الدوغمائي الإسلامي عن عائشة وتسلل إلى كتاباتنا بالذات – نحن الملحدين؟
 ولهذا شرعت بإعادة قراءة ما كُتب عنها ساعياً إلى أن أعيد النظر بالتصورات الشائعة الإسلامية – السنية والشيعية عن عائشة، مثلما أسعى إلى تحذير الآخرين من تقبل هذه التصورات على علاتها.
فلا أحد يندهش بالطريقة الغيبية التسليمية التي يفكر بها المسلمون/سنة وشيعة. ولكننا في نفس الوقت نعرف بما يقترب من اليقين أنهم يخفون دائماً ما هو جدير بالأهمية والاعتبار. وهم في الحالة هذه يخفون الكثير.
لا شيء يكتبه المسلمون من غير أن يحجبوا شيئاً آخر.
ولهذا يتوجب تفكيك النصوص الإسلامية وفرز مكوناتها وتصنيف هذه المكونات على أساس أربعة مجاميع:
الكذب؛
الأسطورة والخرافة؛
التزييف والتلفيق لحقائق كانت قائمة؛
وأخيراً – وهو الغائب والمحجوب: الحقيقة.
3.
فـ"عائشة" من الشخصيات المظلومة في حكايات السيرة الأدبية الإسلامية ولا أرى غير الملحدين مَنْ هو جدير بأنْ يعيد إليها الاعتبار وينظر في قضيتها على أساس مختلف وزاوية نظر جديدة نتخلى فيها عن ركام الهراء الإسلامي.
كما قلت إنها "قضية". وتكمن "قضيتها" في أنَّ المسلمين السنة قاموا بتمجيدها مما عمل هذا التمجيد على إخفاء مظلوميتها كـ"شخصية" سواء كانت من صنع الخيال أم التاريخ. 
أمَّا الشيعة، وكالعادة، قاموا بالعكس: التشنيع بها، ولم يكن هذا إلا انطلاقاً من عقيدتهم الوهمية السخيفة عن معصومية علي بن ابي طالب ومعادتة من عاداه ونصر من ناصره!
4.
إنني أرى صورتها الآن أمامي وعينيها الراجيتين تدعواني لأعاده النظر بالسيرة الإسلامية لعلي أجد شيئاً يبدد الأوهام عنها ويعيد إليها صورتها الحقيقية الأقرب إلى الواقع والأبعد عن الأساطير والخرافات. بل هي بانتظار من يفند الأكاذيب عنها – السنية والشيعية ويستخلص من هذه الأكاذيب ما يكفي من الحقائق لرد الاعتبار إليها ووضعها في مكانها الحقيقي من التاريخ.
5.
عائشة لم ترتكب جرماً بل كانت ضحية. 
فقد تم اغتصابها وظل هذا الاغتصاب قائماً أمام أنظار الجميع أكثر من 14 قرناً ولا يزال. وعندما اكتشف المسلمون (وخصوصاً السنة) الفضيحة قرروا أن يهربوا إلى الأمام مؤلفين العشرات من الكتب عنها وتمجيدها، بل وتقديسها وتحويلها إلى "أيقونة" يفاخرون ويتباهون بها أمام الأمم!
6.
إنني أبدأ من سؤال بسيط في محتواه ينطلق من "أحاديث عائشة" التي يمجدها السنة ولا يدقق فيها أو يتجاهلها الشيعة وهي تعكس تصورات عائشة ومواقفها من محمد: 
هل هي صاحبة هذه الأحاديث؟
وهل كانت عائشة تؤمن حقاً بنبوة محمد؟!
لم أنطلق في يوم ما من فرضية وأنا أكاد لا أملك أي نوع من "اليقين" أو التصورات عن نهايتها وإمكانية البرهنة عليها. بل قررت ألا أبحث عن الأدلة على صحة الفرضية. فكتاب السيرة الإسلامية قد أفسدوا جميع المصادر وتم حرقها وتدميرها. ولهذا لم يتبق أمامي غير البحث عن أدلة تنقض الفرضية وتبدد مسوغاتها.
وهذا هو الطريق الصعب في الكتابة: 
أن تسير ضد ما تعتقد حتى تصل إلى الحقيقة – إنْ وصلت!



الحلقة القادمة:

الله محنة المسلمين . . .



1.
ربما من سبق له أن قرأ مقالاتي بصورة سطحية سوف يندهش للعنوان. أما من قرأها بتمعن فإنه لن يرى في هذا العنوان غير مجاز يكشف عن لعبة "الصانع" و"المصنوع" الإسلامية.
إنَّ نفيي المطلق لوجود "الله" [وهذا ما يعجز عن فهمه المسلم ولا يتحمله] يجعلني عاجز عن توصيفه بأيَّ نوع من التوصيف – لا بالسلب ولا بالإيجاب.
فـ"الله" ليس غائباً بل "لاموجوداً"؛ واللاموجود لا يمكن أنْ يُوصف – بل هو لا يستحق حتى الوصف.
إنه العدم بذاته ولا توصيف للعدم.
2.
ولهذا فإن "الله" في كتاب محمد هو تصور محمد [أو أياً كان مؤلف الكتاب أو ساهم في كتابته – وهم كثيرون].
وهذا يعني أنَّ [محمداً – كائناً من كان] هو الصانع المُوجِدُ لفكرة لا توجد خارج رأسه. لكنَّ الفكرة هذه تحولت إلى عقيدة وتسللت إلى عقول آخرين. فقرروا واستناداً إلى "منطق الكَثْرَة" ومادامت تؤمن به كل هذه الجموع فإنَّه "موجود" ولا شَكَّ – وإلا كيف آمن به الآخرون قبلنا؟!
وهنا تأتي إلى المقدمة "تجربة القرود".
3.
التجربة:
وضعوا خمسة قرود في غرفة مغلقة حيث يوجد على أحد الرفوف صحن مملوء بالموز. ولكن حالما يتوجه أحد القردة إلى الصحن ليلتقط موزة وحالما يلمس الصحن يُوجه المراقب للتجربة تياراً قوياً من الماء البارد باتجاه الجميع. 
وهكذا تكررت التجربة كلما حاول قرد أن يقوم بنفس الفعل فيُوْجه ضد الجميع تيار قوي من الماء البارد. فأدركت القردة بأن أية محاولة من أي قرد لأخذ الموز تُسبب مشكلة للجميع.
ولهذا وحالما يهمُّ أحد القردة للقيام بهذا الفعل يهجم عليه الجميع وينهالون عليه بالضرب خوفاً منهم من رشاش الماء البارد.
وهكذا امتنع الجميع عن فكرة الموز.
بعد ذلك أُخْرج أحد القرد من الغرفة وأُدْخلَ بدلاً منه قردٌ آخر جديد إلى الغرفة. وحالما انتبه القرد الجديد إلى صحن الموز وحاول التقاط موزة هجم الجميع عليه كالعادة وانهالوا عليه بالضرب. 
وبعد محاولات عدة فهم القرد الجديد بأن الموز مصدر للمتاعب رغم أنه لم "يفهم" الأسباب.
ثم قام القائمين بالتجربة وبصورة تدريجية بإخراج أحد القردة القدامى وإدخال قرد جديد بدلاً منه حيث يتكرر نفس المشهد:


كلما ينوي القرد الجديد التقاط موزة تنهال الضربات عليه من قبل القردة الموجودين قبله.
وقد استمر الحال حتى حلَّت محل جميع القردة القديمة خمسة قردة جديدة لم تعاصر سبب تصرف القردة السابقين من المجموعة المتجددة، كما لم يعرف كل قرد منهم سبب هجوم القردة الأخرى عليه.
لقد "آمنت" القردة الجديدة من غير أن تعرف السبب بأنَّ الاقتراب من الموز محظور عليهم ويشكل خطراً على حياتهم.
هذه ليست حكمة. فأنا أكره الحكم.
هذه واقعة!
4.
وحين نتحدث عن محنة "الله" فإننا نتحدث عن محنة المسلمين الذين آمنوا بعقيدة لا يدركون لماذا آمنوا بها غير أنَّ آخرين سبقوهم بالإيمان بها.
إن القردة لم تفكر – بل لم تحاول التفكير:
فالأمر "بَيِّنٌ" لا ريب فيه: إنَّ عليهم قبول ما قبله السابقون وسوف يُنقل هذا الخوف من الاقتراب من صحن الموز إلى اللاحقين.
5.
إن عدم "التَّفَكُّر" بأسباب الخوف من الاقتراب من صحن الموز من قبل القردة قضية هي خارج إرادة القردة أنفسهم. فهي عاجزة من حيث الطبيعة في أن "تفكر" خارج مجموعة من الاشتراطات والأفعال الغريزية أو استناداً إلى المحاكاة وفي أمور مباشرة تخص الحصول على الغذاء والتكاثر ودرء الأخطار بالهروب إذا لم تكن مضطرة للقتال.
6.
لكن البشر – ولهذا هم يحملون صفة البشر – يمتلكون أداة فعالة من حيث المبدأ في التغلغل في نسيج الوقائع وربط الأحداث ببعضها والتوصل إلى الأسباب والتحقق منها واستخلاص النتائج.
إنَّ البشر سوف يتساءلون (وإلا لن يستحقوا لقب البشر):
لماذا لا تقترب القردة من صحب الموز؟
- لأنه خطرٌ – سيقول الآخرون.
- وما هو مصدر الخطر؟
- لا ندري "الله أعلم" – يردون عليه.
- إذن لا معنى للخوف طالما لا تعرفون الأسباب. لنقترب من صحن الموز ولنرى ماذا يحدث؟
- لا شيء!
7.
إذن ليس "الله" إلا "لا شيء"؛ فكرة طرأت على محمد [محمد "شخصية" أقرب ما يكون إلى المفهوم الديني منه إلى الحقيقة التاريخية]؛ وما محمد إلا تاريخ من الاعتقادات البشرية المتناقضة والمتراكمة عبر تاريخ طويل آمن بها آخرون من غير أن يعرفوا السبب؛
فآمن الناس [أصبح اسمهم مسلمين] في هذه الاعتقادات وهم لا يعرفون لماذا – والدين هو اصطناع واختلاق "الإجابة" على "لماذا"؛
وإنَّ الوجه الآخر لمحنة المسلمين تتبدى في سعيهم لحل إشكالات كثيرة وتذليلها. لكنهم كلما ذللوا إشكالاً ظهرت لهم حزمة من الإشكالات الجيدة التي توجب عليهم حلها. لأن "الإجابة" مصطنعة.
حتى وصلوا إلى نهاية من اليأس والملل فقرروا التمسك بما كان والعودة إلى غابر الزمان – فليس بالإمكان أحسن مما كان كما يقولون.
8.
لكن محنتهم لا تزال قائمة: 
فهم لا يزالون لا يعرفون "الإجابة" على سبب إيمانهم غير أنَّ مَنْ سبقهم كان يؤمن!
أما من يرفض هذه الاعتقادات فإن عليه:
إما الصمت وإما تغيير المكان [وهذه محنة الذين يعرفون الإجابة]!

الأربعينية الحسينية: مواكب الأوهام وضياع الأحلام

1.
اليوم يجري واحد من أهم الطقوس الدينية "الشيعية" التي اصطنعها كهنوت الشيعة - وهو "الأربعينية الحسينية" [مرور أربعون يوماً على تاريخ مقتل الحسين في العاشر من محرم 680 عام].
في هذا اليوم باعتباره يوماً حزيناً وفاجعاً عادة ما تنطلق مواكب العزاء منذ ساعات الصباح الأولى - وهناك من ينطلق منذ ليلة أمس من مناطق مختلفة من قرى ومدن العراق [والدول الشيعية المجاورة مثل إيران] مشياً على الأقدام بهدف زيارة قبر الحسين في كربلاء.
2.
لا شكَّ أنَّ القارئ سوف يحدس بسهول هدف هذا النوع من الطقوس:
الحصول على الثواب!
فكهنة الشيعة قد نجحوا حقاً في صناعتهم هذه وقاموا بتجذير وتسويغ وإيهام ملايين السذج [أصحاب العقل المستقيل] بقدرة الأئمة على التوسط أو ما يسميه الشيعة "الشفاعة" للشيعة أمام "رب العالمين"!
فـ"عقائد" الشيعة تستند 100% على خرافات وأساطير دينية غائرة في الزمن عن مكانة علي بن أبي طالب في "بانثيون"  المجلس الرباني للأنبياء والأئمة المقربين من "رب العالمين"!
وبالتالي فإنَّ الشيعة ينطلقون من "نظرية" لاهوتية مفادها أن "الثواب على قدر المشقة". ولهذا فإنَّ زيارة قبر الحسين في هذا اليوم حيث يصلون مشياً على الأقدام متحملين طوال المسافات وصعوبة الأنواء الجوية [وخصوصاً في فصل الصيف] يضمن لهم "الجنة" التي يحلمون بها!
3.
وقد تفنن، والحق يقال، الكهنوت الشيعي في صياغة مختلف "الأحاديث" عن مكانة علي بن أبي طالب الربانية – وبالتالي مكانة شيعته عند "رب العالمين".
فعن فلان وفلتان صاحب الرعيان قيل إنَّ محمداً قد قال "من أراد التوكل على الله "فليحب أهل بيتي"، ومن أراد أن ينجو من عذاب القبر "فليحب أهل بيتي"، ومن أراد أن يدخل الجنة بغير حساب "فليحب أهل بيتي"، فو الله ما أحبهم أحد إلا ربح في الدنيا والآخرة"!!!
أو:
قام محمد "وقبَّل بين عيني علي بن أبي طالب وقال: يا أبا الحسن أنت "عضو من أعضائي"، تنزل حيث نزلت، وإن لك في الجنة درجة الوسيلة فطوبى لك ولشيعتك من بعدك!
4.
وقد وصل الكهنوت الشيعي بعيداً جداً في صناعتهم التقديسية لشخصية علي بن أبي طالب عند أنصارهم حتى جعلوا حبَّ علي وآل البيت شرطاً من شروط الإيمان ودخول الجنة سواء صرحوا به علناً بصورة مباشرة أم تضميناً. وهذا ما يمكن أنْ نراه متناثراً في عشرات [بل المئات] في كتب الشيعة القديمة والمعاصرة. وبغض النظر عن مصادر "الحديث" فإنها تلتقي في اتجاه واحد وهدف واحد:
فمودّة أهل البيت ليس موقفاً مستحباً بل فرضاً على المسلمين مستندين بذلك إلى كتاب محمد من قبيل "قُل لاَ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربَى"؛ أو أنَّ محمداً قد قال: "يا علي: أنت قسيم الجنة والنار". وبالتالي يمكن الاستنتاج منطقياً هو أنًّ حبه شرطاً من شروط الآخرة لدخول "الجنة"!
5.
غير أنَّ المأساة الحقيقية هو أنَّ هذا النوع من الطقوس الخرافية لم تقم بتعطيل العقل الشيعي و"استقالته" فقط بل وأسهم في تعطيل الحياة العملية والإنتاجية للشيعي.
فإذا ما اخذنا بنظر الاعتبار أنَّ المعصومين [12] + محمداً وابنته فاطمة والمقربين منهم جميعاً فإنَّ ولادتهم وموتهم والأحداث التي مروا بها والمناسبات المتعلقة بحياتهم تشكل بالنسبة للشيعة طقوساً دينية تستغرق ما بين أيام  وأسابيع. وإنَّ بإمكان القارئ الذي لم يودع عقله أن يخمن حجم الإنفاق المالي والكلفة الزمنية والانشغال الذهني في مثل هذه الطقوس [أما الوقت فالمسلمون لهم كل وقت الكون!]
[ملاحظة هامة:
طبعاً هنا لم نأخذ بنظر الاعتبار الطقوس الإسلامية العامة [بالنسبة للسنة والشيعة] التي يمارسها الشيعي!]
6.
كل هذا العبث الحياتي يحظى بتأييد الغالبية العظمى من كهنوت الشيعة أو بصمتهم [كلمة الدلع: بتدليسهم]. ومن النادر جداً أن تجد من الكهنوت الشيعي من يعترض على هذا الطقس أو ذاك، أو على هذه العقيدة أو تلك [وخصوصاً: التطبير واللطمية وجلد الظهر بالسلاسل الحديدية]. وإنْ تجد صدى لمثل هذه الآراء المعارضة فإنها لم تصل ولا تصل ولن تصل إلى الأغلبية الساحقة من الشيعة.
أما ما يخص "المتعلمين!" فإنَّهم غالباً ما ينظرون إلى الآراء المعارضة للطقوس والتقاليد والخرافات والأساطير الشيعية السائدة باعتبارها "آراء فقهية" خارجة عن تقاليد الشيعة وتشكل بدعة معادية للطائفة!
7.
على الرغْم اشمئزازي وقرفي من هذه الطقوس والتي لا تشكل غير منظومة من الخرافات والطقوس فإنني لا أجد إلا أن أتعاطف مع ملايين المعدمين والفقراء واصحاب الدخل المحدود الشيعة [وهم الغالبية العظمى من الشيعية] الذين يهدرون طاقاتهم ويبذِّرون [ويبذِرون أيضاً] مواردهم المالية المحدودة ووقتهم في خرفات لن يحصدوا منها غير الفشل والخيبة والفقر المزمن.
 إنها أحلام - وأحلام البشر مشروعة.
لكنها أحلام مصنوعة من نسيج الأوهام - وهذه هي التراجيديا الشيعية .. .

 
ليس للموضوع بقية .. ..


من قتل محمود محمد طه؟

محمود محمد طه


مقدمة:
في مثل صباح هذا اليوم [18 كانون الثاني/يناير] من عام 1985 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بالمهندس محمود محمد طه الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 76 عاماً.
والتهمة إسلامية الدلالة والرائحة وعربية التنفيذ:
الردة!
1.
وقد كان هذا الإعدام تنفيذاً [حكم الردة] الأول بصورة علنية ورسمية في التاريخ المعاصر [شكلياً] الإسلامي/العربي؛ وشرف حكم وتنفيذ هذا العمل المخزي قد حصل عليه قضاء النميري بدعم وتشجيع سلفيو ذلك الزمان العلنيين والمستترين (وفرح الأزهر على سبيل المثال والشيعة ذلك الزمان وهذا الزمان على حد سواء).
2.
أما ضحايا أنظمة العسف وفقه القتلة الآخرين الذين لم يُشنقوا "رسمياً/شكلياً" منذ ذلك التاريخ حتى الآن فقد تم إعدامهم "بصورة صريحة" عن طريق الاغتيالات العلنية مثل فرج فودة أو المستترة وهم كُثَرٌ.
فرغم تخلفها فقد اكتشفت السلطات العربية/الإسلامية أنَّ هذا النوع من الإعدامات الرسمية مُكَلِّف سياسياً [وربما مادياً]!
ولهذا فإنها قد اتبعت ولا تزال تتبع تقنيات وسياسات "الإعدام المستتر" الذي يتراوح ما بين "حوادث المرور" والموت بـ"قضاء الله وقدره"، مروراً بالاختفاء فجأة ومن ثم ظهور جثة المختفي على قارعة إحدى الطرق، أو محاربته في عيشه وحريته حتى الوصول إلى الاغتيال الصريح وتسجيل الدعوى إما ضد "مجهول- عادة- أو ضد شخص نكرة يقولون أنه قد تصرف بمفرده !!!
3.
حسناً:
منْ قتل محمودَ محمد طه؟
يحلو للكتاب العرب المسلمين الذين يغرقون في مستنقع الجهل والتفاهة أن يقولوا بأنَّ فلاناً قد قتلته "رؤيتُه"، أو "كلماته"، أو "لسانُه" عمن قُتلوا في التاريخ ظلماً [وهذا ما سيكون موضوعاً منفصلاً في المستقبل]!
فهل حقاً إنَّ من "قَتَلَ" الرجل أمام أعين جمهور من الذي يطير من الفرح هي آراءه الصريحة أمْ قتلته السلطة صراحةً – وهو التعبير الأدق لغةً ودلالةً وتاريخاً؟
[من سيحدثني عن "المجاز" سوف أحدثه عن أمور أخرى سوف يأسف على حديثه!]
4.
ليست الإجابة صعبة.
بل أنها من أسهل الإجابات في مملكة العسف والظلام:
بوضوح شديد وباختصار "ممل!": لقد قتلته السلطة المدنية إرضاءً للسلطة الدينية.
فتعاونهما الرسمي المشترك الحميمي [والذي يصل في بعض الأحيان إلى حدود الجنس الصريح] والعَقْدُ المبرم فيما بينهما قد بدأ منذ المتوكل ولا يزال العَقْدُ قائماً ونافذ المفعول.
5.
لم يكن المفكر السوداني المسلم محمود محمد طه في كتبه [وهي في الأصل محاضرات أمام حشد من السودانيين] وبشكل خاص: " الإسلام برسالته الأولي لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" و" الرسالة الثانية من الإسلام" و"رسالة الصلاة" مضاداً للعقيدة الإسلامية بل هو ينطلق منها؛
ولم يكن محمود طه ملحداً بأي حال من الأحوال بل دافع عن العقيدة الإسلامية وقرآنِه ومُحَمَّدِه كما هم يدافعون؛
كما أنه ليس من الكتَّاب الذين ينادون بـ"حضارة" مختلفة عن "حضارة الإسلام" – بل على العكس تماماً. فقد هاجم "المدنية الغربية!" التي هي، حسب رأيه، وهو لا يختلف في ذلك مثقال ذرة عن سيد قطب في مقدمة "معالم في الطريق"، "قد بلغت نهاية تطورها، وقد فشلت فشلا نهائيا وظاهرا في أن تنظم حياة المجتمع البشري المعاصر" وإلى ..إلخ
لكنه [ولهذا قتل شنقاً حتى الموت] قرر أن يفكر بصورة مختلفة عن القطيع المسلم؛ بل وأنْ يفكر بصورة مختلفة تماماً، وأن يقرر بأنَّ المسلم لا حاجة له للفقهاء والمحدثين والمفسرين وكل من لَمَّ لمهم.
هذا هو السبب الحقيقي.
6.
يمكن القول أن محمود محمد طه هو المسلم الوحيد في القرن العشرين الذي سعى إلى "أنسنة" العقيدة الإسلامية وتقليم أظافرها بوضوح شديد [ولهذا قتل بوضوح أكثر شدة]!
بل هو وحتى اللحظة الراهنة المسلم العربي المؤمن الوحيد الذي سعى عملياً [من خلال تبني الحزب الجمهوري السوداني لأفكار محمود محمد طه] إلى إصلاح الإسلام ومحاولة تأسيس عقيدة دينية شخصية مسالمة تتآلف مع الزمن المعاصر وتنادي بالديموقراطية ، ليس على الطريقة الأزهرية أو الشيعية. ومن الناحية العملية فإن توجه الرجل لا تخسر العقيدة الإسلامية بسببه شيئاً غير فلسفة الكراهية ومنطق:
"وأعدوا لهم ما استطعتم" و" اقتلوهم حيث ثَقِفْتُمُوهُمْ " و" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " و" لْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " وغيرها؛
وهي فلسفة لم تجلب غير الوبال على الإسلام والمسلمين والآخرين في آن واحد وسوف تجلب الكثير من الكوارث على المجتمعات الإسلامية [هل ثمة كارثة لم تقع لحد الآن على هذه المجتمعات؟].
[رجاء:من يعرف أنَّ ثمة كارثة لم تقع على رؤوس المسلمين فإنني أرجو منه أن يشير إليها!]
7.
في كتابيه التأسيسين" الإسلام برسالته الأولي لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" و" الرسالة الثانية من الإسلام" وقد قرأه السلفيون في كل مكان (وبشكل خاص في السودان) كالعادة على طريقتهم لم يدَّع بأنه صاحب "رسالة جديدة" [كما كُتب عنه في وقته ويُكتب الآن]وأقل ما يكون قد ادعى "النبوة".
فكل ما قام به هو محاولة قراءة "تاريخ الإسلام" خارج ما يقوله فقهاء الإسلام الرسميون ومفسرو القريان.
فهو يرى أن:
-  الجهاد ليس أصلا في الإسلام .. الأصل في الإسلام أن كل انسان حر اً"؛
- وإنَّ " كثيرا من صور التشريع الذي بين أيدينا الآن ليست مراد الإسلام بالأصالة . وإنما هي تنزل لملابسة الوقت والطاقة البشرية"؛
- و"الرق ليس أصلا في الإسلام فالأصل في الإسلام الحرية"؛
- و"عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلا في الإسلام والأصل في الإسلام المساواة التامة بين الرجال والنساء ، ويلتمس ذلك في المسئولية الفردية أمام الله، يوم الدين ، حين تنصب موازين الأعمال"؛
- " تعدد الزوجات ليس أصلا في الإسلام والأصل في الإسلام أن المرأة كفاءة للـرجل في الزواج ، فالرجل كله للمرأة كلها ، بلا مهر يدفعه ، ولا طلاق يقع بينهما . ويلتمس منع التعدد في قوله تعالى (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) وفي قوله تعالى (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"؛
- بل هو لا يرى حتى أنَّ "الطلاق ليس أصلاً في الإسلام".
- مثلما يرى بأن " الحجاب ليس أصلا في الإسلام والأصل في الإسلام السفور .. لأن مراد الإسلام العفة .. وهو يريدها عفة تقوم في صدور النساء والرجال ، لا عفة مضروبة بالباب المقفول ، والثوب المسدول . ولكن ليس الى هذه العفة الغالية من سبيل إلا عن طريق التربية والتقويم"؛
- و" المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلا في الإسلام وما يقال عن السفور يقال عن الاختلاط ، فان الأصل في الإسلام المجتمع المختلط ، بين الرجال والنسا ء"؛
وغيرها من الأفكار التي سعى صاحبها إلى تحويل الإسلام إلى عقيدة دينية إيمانية شخصية بين الفرد و"ربه" المتخيل وإن تخضع هذه العقيدة إلى معايير الحياة الواقعية منادياً بأن الديموقراطية هي أصل هام وقضية مصيرية في الحياة.
8.
في "الرسالة الثانية" وبعد أن يتحدث عن أصول نشأة الديموقراطية وتطورها يقول:
" ولقد وصلت مرحلة تطوير الديمقراطية الحديثة إلى مبادئ يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:
- الاعتراف بالمساواة الأساسية بين الناس.
- قيمة الفرد فوق قيمة الدولة.
- الحكومة خادمة الشعب .
- حكم القانون .
- الاسترشاد بالعقل، والتجربة ، والخبرة .
- حكم الأغلبية، مع تقديس حقوق الأقلية .
- الاجراءات أو الوسائل الديمقراطية تستخدم لتحقيق الغايات في الدولة الديمقراطية .
- فليست الاجراءات ولا الأجهزة الديمقراطية غاية في ذاتها ، وإنما هي وسيلة إلى غاية وراءها .. فليست الديمقراطية أن تكون لنا هيئة تشريعية ، وهيئة تنفيذية ، وهيئة قضائية ، وإنما جميع أولئك وسائل لتحقيق كرامة الانسان .. فإن الديمقراطية ليست أسلوب حكم فحسب ، وإنما هي منهاج حياة ، الفرد البشري فيه غاية، وكل ما عداه وسيلة إليه، ولا يجد أسلوب الحكم الديمقراطي الكرامة التي يجدها عند الناس إلا من كونه أمثل أسلوب لتحقيق كرامة الانسان ".
كما أنه يرفض الدساتير الإسلامية والحكم اللاهوتي.
9.
سوف يلاحظ القارئ لكتبه [وآمل أن يتم الاطلاع– على الأقل على الكتب الثلاثة المشار إليها الموجودة مع الروابط] أن محمود محمد طه لم يخرج عن" صراط" الإسلام بل عن "صراط" الفقهاء؛ كما أنه لم يرفض الإسلام والقرآن ونبي الإسلام، بل أنه حتى لم يرفض أن يكون الإسلام "لكل زمان ومكان"!
كل ما سعى إليه هو قراءة "العقيدة الإسلامية" قراءة جديدة [كما يقرأه المسلمون الآخرون] ويصل إلى أن تطبيق "الشريعة" كما يسعى السلفيون مناقض للإسلام نفسه. فـ"الشريعة الجماعية ليست أصلا، وإنما الأصل الشريعة الفردية ، ذلك ، وبنفس القدر الذي به الجماعة ليست أصلا ، وإنما الأصل الفرد".
بل أن محمود محمد طه لم يرفض فكرة أن "الإسلام لكل زمان ومكان" ولكنه كان يرى أنه:
ن الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح ، بكل تفاصيلها ، للتطبيق في القرن العشرين ، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع ، عن مستوى مجتمع القرن العشرين ، أمر لا يقبل المقارنة[...] ومع ذلك فان المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة .. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها ، وينهض بحلها ، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل مشاكل القرن السابع ، وذلك جهل مفضوح ..
المسلمون يقولون إن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة .. وهذا صحيح .. ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور ، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية ، والاجتماعية ، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر ، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية ، والفردية من النشاط ، والحيوية والتجديـد"!
10.
ما هي الرسالة الثانية من الإسلام؟
يرى محمود محمد طه أن الآيات المكية هي الأصل في الإسلام وهي الإسلام المفتوح أمام المستقبل ولهذا فهو يبدأ " في الرسالة الثانية من الإسلام" بنص "لا أكراه في الدين". أما أحكام الآيات المدنية فهي لم تعد تصلح "لإنسانية القرن العشرين".
ويقول أيضاً:
"ولما كانت الرسالة الثانية تقوم على الارتفاع من الآيات الفرعية إلى الآيات التي هي أصل ، والتي جرى منها التنزل إلى الفروع لملابسة الزمان ، ولملاءمة طاقة المجتمع ، المادية ، والبشرية ، فقد وجب الارتفاع بالتشريع، وذلك بتطويره ليقوم على آيات الاصول ، وكذلك يدخل عهد الاشتراكية، وعهد الديمقراطية. وينفتح الطريق إلى تحقيق الحرية الفردية المطلقة بالممارسة في مستوى العبادة ، ومستوى المعاملة . وهذه هي شريعة المسلمين .. شريعة الأمة المسلمة التي لما تأت بعد ، وقد أصبحت الأرض تتهيأ لمجيئها.. فعلى أهل القرآن أن يمهدوا طريقهم ، وأن يجعلوا مجيئهم ممكنا ، وميسرا ، وهذا ما من أجله كتب هذا الكتاب ".
[فهل كان محمود محمد طه يعتقد عن الفترة المدنية ما كانت عائشة تعتقده وقد ترجمت اعتقادها في مقولتها: ما أرى ربك إلا يسارع إلى هواك؟]
11.
بغض النظر عن اختلافي معه دينياً وثقافياً وعقائدياً فإن محمود محمد طه لم يرتكب جرماً يستحق عليه أي نوع من الأحكام القضائية.
فقد كانت له آراء يسعى من ورائها إلى الدفاع عن الحقوق المدنية والشخصية وتطبيق الدساتير والقوانين التي تدافع عن حقوق الأفراد "المسلمين" كمواطنين. وهذه قيم يستحق عليها الاحترام.
بل وحتى إنْ اختلف مع اللاهوت الإسلامي وقال كلاماً لا يعجبهم فهل يستحق هذا الكلام الإعدام؟
بل هل يستحق التعبير عن الرأي الإعدام؟!
وماذا عن "الآخرين" الذي لم يلتزموا ولن يلتزموا بالسراط المستقيم؟!
هل ينتظرهم ذات المصير؟

صورة وثائقية لساحة الإعدام محاطة بالمتفرجين والجنود والشرطة حيث تبدو منصة المشنقة في المنتصف


[صورة وثائقية لمنصة الشنق قبل تنفيذ حكم الإعدام]


لتاريخ القتل والقتلة بقية .

هل كان آينشتاين مؤمناً؟




مقدمة:
"يروق" للكثير من مسلمي المنتديات إن "يطقطقوا" أحناكهم بـ"تصريحات" مستلة من سياقها عثروا عليها بالصدفة من هنا أو هناك تقول أن آينشتاين كان "مؤمناً" أو "متديناً" أو لا "ينكر الله" وغيره من الهراء الذي لا صحة له. فالجمل التي عثروا عليها صدفة هي في حقيقة الأمر قد تم "تسويقها" من قبل المؤمنين الذين يتصيدون بالماء العكر بحثاً عن الأدلة على مصداقية إيمانهم التي عجزوا عن تقديمها من خلال تشويه ما يقوله العلماء البارزين.
هذا الموضوع المقتبس من كتاب [حوارات سيدني] الذي نُشرت فيها مقابلات ولقاءات مختلفة مع ريتشارد دوكينز يكشف فيها بجلاء سخف تلك الادعاءات المتعلقة بـ"آينشتاين المتدين!" وتهافتها الإسلامي - التقليدي.
المقال المنشور في الكتاب المشار إليه هو تحت عنوان [عن اقتباسات آينشتاين].


الخلاصة:
كما هو واضح من الأمثلة الكثيرة التي يوردها دوكينز فإن آينشتاين وعندما يتحدث عن"الإله" فإنه يستخدم أولاً اللغة السائدة، وهو ثانياً يتحدث عن شيء آخر تماماً لا علاقة له بـ"إله" الأديان الإبراهيمية.
فهو إذ يرفض "الإله الشخصاني" الإبراهيمي يقول بوضوح ما بعده وضوح:
"كل الأشياء التي قرأتموها عن معتقداتي الدينية هي كذب بالطبع، لكنها كذبة تم ترديدها بشكل منهجي. أنا لا أومن بإله شخصاني أبداً، ولم أنكر عدم الإيمان هذا أبداً، ولو كان هناك شيء فيَّ يمكن وصفه بأنه (ديني)، فسيكون الاحترام والتقدير اللامحدود لبنية الكون، بحسب ما أظهره الكون لنا لحد الآن".
إذن "الروح الدينية" التي يتحدث عنها المسيحيون والمسلمون بالنسبة لآينشتاين هي:
"الاحترام اللامحدود لبنية الكون".
يا له من متدين!

ملحق: "آينشتاين والدين" مقتبس من كتاب "وهم الإله" [الصفحات 18-23]



























أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر