منع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلمانية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلمانية. إظهار كافة الرسائل

المبادئ العشرة الكافرة: مقدمة 1-11]


1.
عليَّ أن اعترف [واشدد على فعل "اعترف"] بأنني لم أقرأ في حياتي ملخصاً "مدهشاً" – ويكاد يكون مثالياً لمبادئ وأهداف المسلمين  [جميع المسلمين: سواء كانوا من كتبة الجُمل المسروقة أم أصحاب "المؤلفات" المكررة] العلنيين والمستترين على حد سواء مثلما يستطيع أنْ يطلع عليها القارئ في موضوع "كفر الديموقراطية وكفرمعتنقيها"!
2.
بل أنَّ هذا "الموضوع" يُلَّخص بصورة مدهشة [أيضاً] المبادئ التي يحارب الديموقراطيون واللادينيون الحقيقيون من أجلها الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية بصورة واضحة لا شكَّ فيها ولا لبس [ومن غير مَطْمَطَة ولا لف ولا دوران].
وإذْ جمعها "مؤلف" الموضوع المشار إليه في مكان واحد فإنه قد قدَّم للجميع [ونحن من ضمن الجميع] خدمة مزدوجة:
تسهيل نقد ثقافة التكفير في "مكان واحد" من جهة؛ والاعتراف المكشوف بكل أهداف المسلمين العلنيين والمستترين ومن غير لف ودوران من جهة ثانية.
3.
ويمكن المضي قدماً في "مديح" الموضوع المنشور المشار إليه أعلاه:
فثمة ظاهرة قد انتشرت في السنوات الأخيرة [ وهي في الجوهر استراتيجية جديدة لمراكز البروبغاندا الإسلامية] وهي الانطلاق في "نقد" مبادئ الديموقراطية بألبسة وأزياء وأقنعة معاصرة بحجة "النقد" "الموضوعي!"، أو "العلمي!"، أو "المحايد!"، أو "البناء!" .. وإلى آخره .. وهلم جرا .. وهكذا دواليك من "المصطلحات" و"المفاهيم" المُفَرَّغة من المعنى!
بل هناك من يمتلك وقاحة أكبر وصلافة بدوية لا حدود لها [يُحسدُ أم لا يُحسدُ عليها؟!] من يقوم بتشويه مبادئ الديموقراطية مدعياً بأنه "يدافع عن الديموقراطية الحقيقية"!
إما أولئك الذين يحاربون مبادئ الديموقراطية من خلال ترديد شعارات أكل عليها الدهر وشرب تتعلق بمحاربة "الإمبريالية" و"الاستعمار" و"الصهيونية" فَهُم في حقيقة الأمر بضاعة قديمة فاسدة.
4.
وجميع هؤلاء "النقاد" "الموضوعيين" و"العلميين" هُم من حيث الوجه والبطانة مسلمون أقحاح يتسترون بصورة بائسة على إسلاميتهم وتواطؤهم مع مراكز السلطة الإسلامية بصورة واعية أو أنهم تعبير عن حالة نفسية مرضية بسبب وطأة "متلازمة ستوكهولم" التي يعاني منها الخاضعون لسلطة القمع والاستبداد.
5.
وثمة جانب آخر هام وفي غاية الأهمية في هذا "الموضوع" وهو أنَّ الصياغة اللغوية والأسلوب في وصف المفاهيم الديموقراطية المختلفة ونقدها تجد لها أصداء واضحة في كتابات الكهنوت السني والشيعي على حد سواء.
وأستطيع الجزم بأنَّ هذا "الموضوع" يمكن أن يحظى بتأييد وقبول مراكز السلطة السنية والشيعية من غير أية ملاحظات أو تعقيبات وتعديلات.
إنه "موضوع" يعبر بصدق ووضوح عن جوهر المنطلقات العقائدية الدينية الإسلامية لجميع الطوائف الإسلامية في الماضي والحاضر – أكرر: جميع الطوائف الإسلامية. ولا يتعلق الأمر مطلقاً بما يسمى المذاهب المتطرفة فقط بل هو نزوع داخلي بنيوي لا ينفصم عن العقيدة الإسلامية كما هي من غير رتوش أو مساحيق وجه.
فـ"المبادئ العشرة الكافرة" هي التعبير المكثف عن الخروج من "مملكة الطغاة /الدين" والدخول إلى مملكة الحريات المدنية وعالم المواطن المستقل.
6.
من المثير للاهتمام هنا الإشارة إلى أنَّ الكثير من الدراسات الأكاديمية والملاحظات الاستقرائية لما تنشره منظومات "الترولات" التقليدية والذباب الإلكتروني في وسائل الاتصال الاجتماعي في بعض الدول الأوربية[وخصوصاً مخلفات الأحزاب الشيوعية في دول أوربا الشرقيةً] ضد العلمانية والديموقراطية والحديث الممجوج عن "الجندرية" [وخصوصاً منذ جائحة كوفيد – 19 ومن ثم الغزو الروسي الهمجي على أوكرانيا] قد أظهرت بأن القاسم المشترك بين منطلقات أصحاب هذه الكتابات ذات طابع ديني من جهة وتأييدهم للغزو الروسي ولبوتين بشكل خاص من جهة ثانية.وإنَّ هذه الملاحظات الاستقرائية [وهذه هي اللامفاجأة!] تنطبق 100% على طبيعة "عمل" الترولات والذباب الإلكتروني الناطق العربية[رغم أن أغلبهم لا يجيدون اللغة العربية]!
فكما يبدو [اليوم يبدو بعضه أو كلُّه] أنَّ المخربشين المسلمين ينقلون منتجات الترولات الروسية والموالية لبوتين في حربها على أوربا – وبشكل خاص دول الاتحاد الأوربي.
ملاحظة: الذباب الإلكتروني له وجود حتى في المنتدى.
7.
ولمعلومات من يهتم بالموضوع فإنَّ مراكز الكهنوت السني والشيعي يكادان يعملان يداً بيد [أو على قاب قوسين من ذلك أو أدنى] في حربهم المقدسة ولكن المستترة في بعض الأحيان والمعلنة في الكثير من الأحيان ضد مفاهيم من قبيل "سيادة الشعب" و"حرية الاعتقاد والتدين" و"المرجعية للشعب عند الاختلاف والتنازع" و"حرية الرأي والتعبير" و"فصل الدين عن الدولة" و"الحريات الشخصية" و"تشكيل الأحزاب" و"مبدأ الأغلبية لتقرير القوانين" و"المالك الحقيقي للمال هو الشعب" و"مبدأ المساواة". وهذا ما يمكن قراءته أو سماعه أو مشاهداته في وسائل الاتصال الاجتماعي السني والشيعي [وخصوصاً اليوتيوب] .
بل تجد في الكثير من الأحيان أن الشيعي "الحقيقي" أكثر تطرفاً في معاداته للعلمانية ومبدأ الانتخابات مثلاً. فالخرافات الساذجة للشيعة تقول أنَّ مصدر خلافة "أو إمامة!" الأئمة " "المعصومين!" ليست ذات طابع أرضي بل هي حكماً وقدراً سماوياً ولهذا فهي لا تخضع لا "للشورى" ولا "التصويت" – وهذا ما سوف نتطرق إليه بشيء من التفصيل في الحلقات القادمة.
8.
في هذه السلسلة سوف أحاول بقدر ما يتسع الوقت والمجال أنْ أقوم بتشريح مظاهر التكفير الإسلامي لمبادئ الديموقراطية والكشف عن الأسباب والأهداف المعلنة أو المستترة لهذا "التكفير".
كما أنني [وبكل رحابة صدر] سوف أقدم الأدلة القاطعة "الدامغة] على صحة وجهة نظر المسلمين – والصحيحة 100% وهي أنَّ مبادئ الديموقراطية لا تستقيم مع سلطة الإسلام الشمولية في/ وعلى المجتمع.
فالتناقض ما بين الديموقراطية والاستبداد الديني لا يمكن تذليله إلَّا بانسحاب الدين من الشأن العام إلى مجاله الطبيعي في إطار الشأن الخاص وهذا الكلام تفصيلات ذو شحون ..
9.
المبادئ العشرة الكافرة
[السيادة للشعب] [حرية الاعتقاد والتدين] [المرجعية للشعب عند الاختلاف والتنازع] [حرية الرأي والتعبير ] [فصل الدين عن الدولة] [الحرية الشخصية للأفراد] [حرية تشكيل الأحزاب] [مبدأ الأغلبية لإقرار القوانين] [المالك الحقيقي للمال هو الشعب] [مبدأ المساواة]
الحلقة القادمة: "المبادئ العشرة الكافرة للديمقراطية [2]: سيادة الشعب "


الخبر الذي لا صح له

فيل يمشي على حبل معلق في السماء


1.
قد يصح الافتراض بأنَّ الأرض مكعبة؛ وأنَّ السماء منحنية عند القطب الشمالي (أو الجنوبي، أو في مركز برلين أو باريس، الأمر سواء)؛ وإن فيلاً يسير على حبل بين بنايتين؛ وأنَّ على نخيل التمر تُربى الأسماك والروبيان؛ بل قد يصح حتى الافتراض بأنَّ سكان الأمريكيين قد قرروا تبني الإسلام أفواجاً وولايات؛ وأن سويسرا قد قدمت طلباً للحصول على عضوية الانتماء إلى الجامعة العربية!
يمكن للناس الافتراض ما شاءوا أن يفترضوا، فأحلام اليقظة توزع مجاناً على الجميع وخصوصاً على المسلمين!
ولكنْ أن تكون "للإسلام علاقة بالحرية" فإنَّ أشراط الساعة لابد وأن تكون قد اكتملت!
2.
لماذا؟
لأنَّ المتناقضات لا تجتمع:
فإمَّا أن تكون هنا، وإمَّا أن تكون هناك؛
إمَّا أن تكون مسلماً وإما أن تكون حراً.
أمَّا أن يجتمع هذا وذاك " وعاشوا في تبات ونبات.. وخلفوا صبيان وبنات" فهذا افتراض لا تحتمله حتى السماء ولا يمكن أن يكون إلا حلماً جميلاً من أحلام اليقظة الإسلامية.
فمبدأ الثالث المرفوع لا يمكن أن يحتمل مثل هذا اللامعقول.
3.
لماذا؟
وها أنا أطرح السؤال مجدداً. فكأنني قد هربت منه بعض الشيء.
الحق أنني لم أهرب فليس ثمة اتجاه أهرب إليه من شدة وطأة هذا الخبر. فقد كنت أظن (وللظن مساوئ مستترة) أن المسلمين أكثر تواضعاً وأقلَّ طموحاً في اجتراح المعجزات التي من شأنها أن تغطي على معجزات كتابهم ونبيهم المختار!
ولكن:
ها هو ظني ليس في محله، بل لا محل له مطلقاً.
فعلى غفلة من الزمن قرر أحد المسلمين أن يحلم بالمستحيل بصوت عالٍ وكأنَّ الناس لن تسمعه واللغة لا تحتج عليه:
الإسلام دين بالحرية!
هل سمعتم خبراً أكثر تشويشاً من هذا الخبر؟
لماذا؟
4.
الإجابة في غاية البساطة والمرارة:
فالإسلام: لغةً وعقيدةً هو دين الخضوع والاستسلام؛ وعبادة هذا الـ"الله" لا تعني غير شيء واحد: 
العبودية
والعبودية "واجبة" في حق الله والإنسان "مسير"سبقاً منذ ولادته بقضاء الله وقدره المحتوم. وهذا كان من أكبر الخلافات بين المذاهب السنية ومنذ اللحظة الأولى لنشأتها مع المعتزلة على سبيل المثال، لا لسبب إلا لأن المعتزلة (المسلمين) قرروا بعقولهم أهمية حرية الرأي والإرادة.
أما الحرية:
فهي باختصار: الحق الذي يولد مع المرء ولا يموت معه في أن يختار ويفعل بوحي إرادته الشخصية من غير ضغوط أو جبر. بل أن الحرية تعني حق المرء في الشكِّ والسؤال والرفض والقبول والتعبير عن هذه الاختيارات علناً من خير خوف أو رقابة. ومن نتائج هذه الحرية مثلما حقه في الانتماء إلى الأديان مثلما يكون له الحق في تركها ونقدها إن شاء دون خوف على أمنه الشخصي وحياته.
الحرية هي أنْ تؤمن بالخرفات وإلا تؤمن بها علناً!
فهل يستقيم الجمع ما بين الإسلام والحرية؟
لابدَّ أن هؤلاء المسلمين قد جُنَّوا!

اقرأ أيضاً:


"الإصلاح" و"التحديث" والخروج من الإسلام

1.
ليست ثمة علاقة مباشرة وأتوماتيكية ما بين اللغة والحقيقة. غير أن اللغة العلمية هي لغة لا تحتمل إلى حد كبير التورية والمجاز والمحسنات اللفظية وهي تسعى بوعي شديد إلى تجنب المجاز والتورية بقدر الإمكان وخلق توازن فعال ما بين اللغة والحقيقة، حتى يبدو وكأنَّ التعريف العلمي الصحيح لا يحتمل إمكانية التغيير إلَّا بدرجات طفيفة.
وهذا ما لا نجده في اللغة الدينية عموماً، والإسلامية خصوصياً، التي غالباً ما تسقط في منطق العموميات والتعاريف "الفقهية" الملتوية للأشياء والبلاغة الفارغة.
وهنا يلعب "التكرار" دوره كعباءة يحجب عنا المعنى الحقيقي للكلمات والمصطلحات التي تدور على لسان الجميع وكأنها مفاهيم علمية لا تقبل النقاش والشك.
ومن هذه الكلمات التي فقدت معناها (أو بالأحرى أُفقدت المعنى) هي: الإصلاح – وبكلمة أدق وجودها في عبارة "إصلاح الإسلام"!
2.
الإصلاح:
فعل أصْلَحَ – والاشتقاقات المرتبطة به، سواء بالعلاقة مع السلوك أو الأفكار أو الأشياء المادية، تشير إلى إعادة الشيء إلى الوضع السوي السابق أو الحالة المثلى له بعد حدوث خلل في ذلك الوضع أو تلك الحالة.
فالإصلاح إذن عملية "ترميم" و"تصليح" لشيء يعاني من خلل أو تلف أو استهلاك لإحدى مكوناته. فيتم ترميمه وإصلاحه وإعادته لحالته القديمة السوية.
والإسلام لم يكن في يوماً ما وضعاً أو سلوكاً أو شيئاً سوياً يستحق المحافظة عليه أو دعم وجوده كما هو. فقد كان ديناً عَكَسَ نشاط "نبيٍّ" هو مجرد واحد من بين عشرات "الأنبياء" الذين ظهروا في الجزيرة العربية. ولا فرق بينه وبين "الأنبياء" الآخرين غير أنه استطاع بحد السيف ومن ثم أنصاره بذات السيف القضاء على جميع الأنبياء الآخرين المنافسين بقوة السلاح والقتل - وقد كان آخرهم مسلمة الحنفي.
والإسلام عقيدة دينية كانت تعبر عن شروط اجتماعية واقتصادية بُطلت وكفتْ بعد أقل من قرن.
ولهذا فإن الإسلام والعقائد الإسلامية كانت ظاهرة تاريخية استحالت الآن إلى عقبة كبرى أمام التطور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي – بل هي الآن سبب حاسم للتخلف الشامل للشعوب الإسلامية.
ويمكن القول من غير مبالغة أن جميع الأديان القائمة الآن قد انسحبت من حياة الدولة والمجتمع واكتفت بكونها عقيدة دينية لها أنصارها ويمارسون طقوسهم في المعابد المخصصة لذلك. غير أن هذا الوضع لا ينطبق على الإسلام.
فما الذي يمكن "إصلاحه" في هذه العقيدة؟
وإذا كان ثمة شيء يمكن "إصلاحه" فمن هو المسؤول عن هذا "الإصلاح"؟
3.
التحديث:
ولم يبق أمامنا غير مفهوم "التحديث".
إنَّ الحديث عن قضية "التحديث" في عام 2021 يستحيل إلى مفارقة مثيرة للسخرية والعبث التاريخي!
فقد مرت الفرصة التاريخية الذهبية والتي استثمرتها الكثير من المجتمعات وقد كان على المسلمين استثمارها والقطيعة مع قرون التخلف وثقافة أصبحت خارج التاريخ. وبدلاً من عملية التحديث الديني والثقافي والاجتماعي فقد أهتم المسلمون باستعادة كل رموز التخلف التاريخي – ثقافة وعقيدة القرون الثلاثة الأولى وكأن الزمن كان ولا يزال ثابتاً في مكانه!
بل أنهم استعادوا ثقافة التوحش بأبشع صورها وقاموا بنشرها بديلاً عن حاجات المجتمعات إلى الحداثة والتطور.
الآن وبعد أنَّ فوت المسلمون على أنفسهم فرصة الدخول في عالم الحضارة المعاصرة؛ وبعد أن حرقوا كل قوارب النجاة لعبور الماضي إلى الحاضر، فإن عملية التحديث لتبدو مهمة خرافية ومستحيلة.
وإذا يعتقد مفكر مسلم مثل محمد أركون بأن الأحداث السياسية الخارجية والداخلية والاجتماعية وظهور الحركات الدينية وأنظمة القمع القسرية "تجعل اليوم كل محاولة لتحديث الفكر الإسلامي وتوحيده شيئاً بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً"[1] فإنه لشاهد على ما آل إليه الإسلام والطريق المسدود الذي وصل إليه.
4.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: وماذا بعد؟
لقد أشرت في موضوعي " نهاية الإسلام [1]: كلُّ منظومة قابلة للعطل - ولهذا فإنها ستعطل!" إلى انهيار حضارات وأنظمة ودول وأحزاب وهيئات وتكتلات وأديان ويعود هذا الانهيار إلى سببين أساسيين مرتبطين ببعضهما بعلاقات داخلية:
السبب الأول: هو انهيار الأسس التكوينية الداخلية التي تستند إليها كل هذه التشكيلات والكيانات السياسية والدينية والاجتماعية. فهي مبنية على افتراضات ورغائب ومصالح داخلية وعقائد غيبية لم تعد بإمكانها أن تكفي لقيام هذه الكيانات.
أما السبب الثاني: فهو أن التعارض ما بين وجود هذه الكيانات ومتطلبات التطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب قد وصل حداً لم يعد بالإمكان تذليله.
وهذا ما يحدث الآن مع الإسلام.
فقد وصل إلى نهاية طريق عقيم من التطور. والمسلمون الآن أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أنْ يتمادوا في رفضهم لقوانين التاريخ والحياة ويقوموا بتصعيد مارد الإرهاب وتصعيد تطبيق الأيديولوجيا الشمولية إلى حدودها القصوى؛ وإما أنْ يدركوا بأنَّ رفضهم لمنطق التطور سوف يؤدي بهم إلى الهاوية وأنَّ عليهم التكيف مع الزمان والتاريخ وفي هذا التكيف خلاصهم.
5.
هذا هو مفترق الطرق أمام المسلمين:
فهل سيختارون الحل العقلاني والبراغماتي أمام حلول التمادي بالخراب الشامل والانهيار الداخلي البطيء؟
إنَّ يأسي من قدرة المسلمين على اختيار الحل العقلاني بمفردهم وبمحض إرادتهم لهو أضعاف يأس محمد أركون في إمكانية تحديث الإسلام!
كيف يمكن إذن الخروج من هذه المحنة التاريخية؟
إنَّ تطور المجتمعات العلمانية والديمقراطية قد قدمت ولا تزال تقدم لنا الحلول الممكنة العقلانية. وليس ثمة بديل عن الحل العلماني: فصل الدين عن الدولة.
هذا هو "الكود" التاريخي الذي سوف يفكُّ مفتاح الطريق المسدود أمام الإسلام. فإنَّ وقائع التاريخ الإسلامي منذ نشأته ووقائع الدولة العربية في القرن العشرين تكشف بما لا يقبل الشكَّ أنَّ مصدر بقاء الإسلام هو: سلطة الدولة. فهما مرتبطان بعلاقة تكافلية متبادلة symbiosis ولا يمكن فصل عراها بالكلام والأماني. وإنَّ انفصال المؤسسة الكهنوتية (السنية والشيعية) انفصالاً بنيوياً حاسماً عن مؤسسات الدولة إدارةً وتشريعاً وسياسةً هو الطريق المفتوح أمام "تحديث الإسلام" ولا يمكن مثل هذا "التحديث" طالما لا تستشعر المؤسسة الدينية الحاجة إلى هذا التحديث.
6.
الخروج من الدين:
إن تصورات موريس غوشيه في "الدين في الديموقراطية" عن طبيعة وبنية الحل العلماني مثيرة للاهتمام وتلقي الضوء على جوانب هامة من الحل العلماني التطبيقي في الدول الديموقراطية.
تعني العلمانية، بالنسبة لغوشيه "خروجاً من الدين". وهو يرى بأن الخروج من الدين في الدولة الديموقراطية العلمانية "لا يعني التخلي عن المعتقد الديني، وإنما الخروج من عالم يكون الدين فيه بحد ذاته مُنَظِّماً بنيوياً، يوجه الشكل السياسي للمجتمعات ويعيِّن البنية الاقتصادية للرباط الاجتماعي". [2] فـ"الخروج من الدين" هو من حيث المبدأ ليس رفضاً للدين وأقل ما يكون حجباً له، بقدر ما هو الانتقال إلى شكل سياسي وتنظيم جماعي لم يعد للدين أي دور في تحديدهما أو اشتراط طبيعتهما.
7.
ويرى موريس غوشيه بأن المَلَكِيًّة كانت قمة الهرم وهي النقطة الواصلة ما بين السماء والأرض. وعندما خلع المجتمع المَلَكِيًّة عن قيادته وشرع في أرساء نفسه كمصدر لكل سلطة فإنه عملياً قد قام بخلع الدين. فما هي المَلَكِيًّة في الحقيقة، كما يتساءل غوشيه إن لم تكن حشداً من الدين ذا وجه سياسي؟
وهذا ما يمكن رؤيته بوضوح في تاريخ الخلافة والدول الإسلامية عبر العصور حتى الآن. وإذا ما ظهرت الدولة العربية "الجمهورية" بالاسم فإنَّ "مكانة الملك " لم تكن شاغرة بأي حال من الأحوال.
لقد احتل "رئيس الجمهورية" العربية عملياً "وظيفة" الملك الدنيء المتشبث بالسلطة حتى الموت داعماً مكانته هذه عن طريق دستور مهلهل (آخر دستور للحبيب بورقيبة قام بتخليده كرئيس للجمهورية حتى آخر حياته!). فهو قد بقي رئيساً للدولة متمتعاً بامتيازات الملك "مصون وغير مسؤول “حتى نهايته وجوده الثقيل على الأرض: إما بالموت الطبيعي بسبب العمر أو الحالة الصحية، أو بالاغتيال. ولم يتم الخروج عن هذه القاعدة إلا نادراً جداً.
إن الأمر يتعلق برأس للدولة فوق الجميع وفوق القانون. تَسَلَّح بالجيش والشرطة وأجهزة القمع السرية والعلنية والمؤسسة الدينية. فهو بحاجة إلى أيديولوجيا للأوهام – ومن غير الدين يمكن أن يلعب هذا الدور؟
فالقوة الغاشمة مهما كانت صالحة لفرض الإرادة فإنها بمفردها ستكون عاجزة عن تحقيق أهدافها.
والدين يوفر للَمَلِك القديم والمَلِك الجديد "السلطة الروحية" ولهذا فإن عليه شراء المؤسسة الدينية المستعدة للشراء، أو كما يسميهم محمد أركون "العلماء الموظفين المعَّينين رسمياً لتسيير شؤون التقديس في المجتمع" [3].
8.
إذن، بإسقاط "الخليفة والسلطان والإمام" من جميع الأنواع والموديلات الذين حولوا أنفسهم إلى ظل الله على الأرض وعندما يتم إسقاط ما تبقى منهم في شخص الملك العلني والمستتر، فإن الله سيبقى من غير ظل!
فظل الله هذا - هو الذي كان النقطة الواصلة ما بين السماء والأرض. وعندما يسقط هذا الظل فإن الأرض ستبقى من غير سماء.
ولكن كيف يمكن خلع الملك العلني والمستتر (رئيس الجمهورية) وإعادة السلطة الأرضية للمجتمع؟
إن الحل هو الديموقراطية!
بل هو الحل الوحيد ليس فقط لخلع السلطة التي كانت تستند إلى الدين وإنما إعادة السلطة إلى الأرض وإقامة تشريعات تستجيب لقوانين الأرض وحاجة الناس اليومية إليها.
هذه هي السلطة التمثيلية، وبتعبير غوشيه، هي السلطة التي "ليس لها من كُنْهٍ سوى ما تمُدَّها بها رَعِيَّتَها" [4].
إنَّ فصل الدين عن الدولة والدولة الديموقراطية الحقة:
هما الطريق المفتوح أمام المجتمعات العربية المعاصرة للخروج من قرون الظلام – إن أرادت ذلك!

هوامش:
[1] من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي، ص90
[2] الدين في الديموقراطية، موريس غوشيه، بيروت 2009، ص27
[3] من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي، محمد أركون، ص28
[4] الدين في الديموقراطية ص 29


🔁 العلمانية والديموقراطية والحقوق المدنية

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر