منع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإلحاد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإلحاد. إظهار كافة الرسائل

مغالطات منطقية [3]: هل يؤمن الملحد؟

1.
من مساعي مسلمي المنتديات وقنوات اليوتيوب الدعوية هو صناعة تصورات مزيفة عن الإلحاد. ومن بين أكثر هذه التصورات المزيفة انتشاراً هو أنَّ الإلحاد "عقيدة" لا تختلف عن بقية الأديان.
بل أنَّ هذا التصور المزيف يمكن العثور عليه في الكثير من المؤلفات لكتاب غربيين.
2.
فالإلحاد ما كان ولن يكون في يوم ما عقيدة دينية. وحين يتحول الإلحاد إلى "عقيدة" فإنه لم يعد إلحاداً بل كلاماً فارغاً.
لا يوجد في الإلحاد مراجع، ولا كتب مقدسة، ولا خطوط حمراء في التفكير.
الإلحاد أولاً قضية شخصية محضة. ولهذا لا يمكن أن تتحول إلى "دين".
والإلحاد ليست قضية تبشرية ثانياً. فنحن لا ندعو إلى تحول المسلمين إلى الإلحاد - كما يسعى المسلمون إلى فرض الإيمان الديني على الآخرين.
الملحدون يعبرون عن تصوراتهم المتعلقة بالحياة والكون والبشر والجنس والحب والحروب ومناهضتهم للكراهية والفاشية الدينية وقمع الحريات ومصادرات حقوق البشر والإرهاب الديني الأسود وكل ما يتعلق بحق الحياة والتفكير والرأي.
وهذا هو المنطق العلماني للمنطلقات الإلحادية:
كن ما تشاء ولكن ليكن لنفسك فقط أولاً؛ واحترام القوانين المدنية التي يتم قبولها من قبل البرلمانات من غير وصاية دينية أو تدخل لاهوتي أو ألعاب كهنوتية.
لمعلوماتك الفقيرة:
العَلمانية ليست ضد الأديان بل ضد تدخل الأديان في الحياة العامة. والملحدون الحقيقيون [وليس المزيفين] علمانيون من حيث المبدأ.
2.
فكما هو واضح أنت لا تميز ما بين التصورات الفكرية والإيمان الديني.
فخلافاً للعقيدة الدينية التي يغرق فيها المؤمن إلى أذنيه، وتجعله مستعداً لقتل الآخرين إن اختلفوا معه أو خالفوه، الإلحاد موقف رافض لوجود الطناطل والآلهة والسعالي والأنبياء والملائكة والجن وكل ما يدخل في إطار هذه الخرافات.
وموقف الرفض هذا يستند إلى التفكير النقدي والتصورات العلمية:
منذ أن ظهرت الأديان التي تسمى "إبراهيمية" إلى الآن لم يقدم مسلم أدلة تستحق الاحترام ولا تقبل الشك والجدال حول وجود خرافة "الله".
أما ما يسمى بـ"الأدلة العقلية" فهي في جوهرها "خزعبلات عقلية".
3.
إن تقديم "دليل" على وجود الطناطل والآلهة والسعالي والأنبياء والملائكة والجن قضية تسمى oxymoron - أي تناقض لا يمكن تذليله.
فالدين إيمان ولا علاقة ما بين الإيمان والموقف العقلاني النقدي الذي يستند إليه منطق الدليل.
4.
الإيمان: هو القبول التسليمي والخضوع الساذج للخرافات والأساطير.
أما الإلحاد فهو موقف نقدي عقلاني يستند إلى منطق العلم لرفض الخرافات والأساطير لكي تتحول إلى عقيدة دينية فاشية مضادة للحريات الشخصية.
وهذا هو الدليل:
مهما كذَّب المسلم ودلس وزيف وخلط الأوراق فإنه لا يمكن للملحد أن يعبر بصورة واضحة جلية مكشوفة لا لبس فيها عن مواقفه الرافضة للدين في منتدى إسلامي.
أما المسلم فإنه يستطيع التعبير عن عقيدته الدينية بصورة واضحة جلية مكشوفة لا لبس فيها في منتدى للملحدين ولكن من غير شتائم وسباب وتجريح وتهجم على طريقة الجوامع والقنوات الإسلامية المبتذلة!

الخلاصة البسيطة:
الملحد لا يؤمن بـ"اللاشيء". فهذه أمنية كهنوتية وحلم إسلامي لا مكان لهما على أرض الواقع مطلقاً.
فلتحلمْ كما تشاء. فأحلام النوم واليقظة ليست ممنوعة في منتدى الملحدين - كما يحدث عادة في مملكة الإسلام المظلمة!





دفاعاً عن الإلحاد!


[هل ثمة حياة أخرى على كوكب آخر؟]

1.
مَلَكِيٌّ أكْبَرُ مِنَ المَلِك!
لهذه الفكرة عدة صياغات مختلفة في الثقافات المختلفة. ففي بعض البلدان الأوربية مثلاً، ذات الأكثرية المسيحية تبدو هكذا:
"كاثوليكي أكبر من البابا"!
والمعنى واحد. فهما يشيران إلى منطق المبالغة والمزايدة على أفكار وعقائد معينة- فلسفية ودينية وسياسية وغيرها. وهو منطق مسيء في جوهره إلى منظومة الأفكار التي ينتمي أصحابها إليها. وإن ما يهمني هنا هو الدفاع عن الفلسفة الإلحادية: فهذه قضيتي.
2.
من السخف أن أقول بأن لا وجود لحقيقة مطلقة!
لأنه ببساطة لا وجود لحقيقة مطلقة! إذ أن تكرار بعض الحقائق من قبل كاتب ما يبدو في بعض الأحيان وكأنه اكتشاف!
ولكن في بعض الأحيان توجد ثمة ضرورة لقول ما هو بديهي حتى لا يبادر مجاهدو الانترنت للاعتراض على ما يقول الكاتب قائلاً: "لا توجد حقائق مطلقة"، بدلا من التفكير فيما يريد الكاتب الوصول إليه.
3.
هذا صحيح جداً: "لا توجد حقائق مطلقة".
لكننا مع ذلك ندافع عن الحقائق التي نرى بأنها على صواب، جاهدين أنفسنا (بقدر ما نمتلك من معارف وتجارب) في أن يكون طرح هذه الحقائق ينسجم مع منطق التفكير النقدي.
هنا أنا أدافع عن فكرة الإلحاد: ضد المؤمنين بالأديان وضد "المؤمنين" بالإلحاد على حد سواء!
هذا هو منطق تفكيري:
لا يكفي أن تدافع عن الإلحاد (بل من الأفضل حتى ألا تدافع عنه) إذا لم يكن دفاعك مبنياً على أفكار الإلحاد الأصيلة. والإلحاد ليست قضية إيمانية:
الإلحاد ليس ضد الدين كلعبة أطفال: أنا ضد ما تقوله أنت!
أنا ضد الدين ليس لأنني أريد أن أكون ضد المتدينيين؛
أنا ضد الدين لأن الحقائق اليومية ودروس التاريخ ومنطق التفكير النقدي العلمي قادتنا وهدتنا إلى أن الحياة هنا على الأرض فقط (ليس لدي أدلة على وجود أو عدم وجود حياة على كواكب أخرى وأكوان أخرى) ولا حياة أخرى لنا.
هنا، في هذا العالم المدهش (الذي ليس من النادر أن يكون قاسياً ومأساوياً وفظاً)؛ 
في هذا الوجود الوحيد، يكمن سر الحياة.
4.
وهكذا وبصورة أتوماتيكية سَقَطَت الأرباب الواحد بعد الآخر من حساباتنا واتضح كامل خرافة تاريخ الأديان.
نحن لسنا ضد السماء فقط، بل نحن مع الحياة على الأرض.
وهذا ما يعني ببساطة: 
أن الإلحاد هو فن الحياة الحقيقية: الحياة هنا والآن: ولهذا فأن الدفاع عن السعادة الأرضية والحرية والحقوق المدنية للبشر، جميع البشر ومن ضمنهم المتدنيين، هي التي تشكل مبادئنا اليومية، وليس النوم والغذاء والتنفس!
5.
إذن، وأنا أعني بقولي هذا النوع من الملحدين "الملكيون الذين هم أكبر من الملك"، فإن صياغة من هذا النوع: "الحياة هي الصفة التي نطلقها على الكائنات القادرة على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي" لهي من أسوء الصياغات وأكثرها إساءة لكرامتي كملحد، وهي تسيء إلى الإلحاد لأنها توفر شروط سوء الفهم العميق من قبل المتدينين.
6.
إن هذ التصورا، في أحسن الأحوال، "مغالاة عقائدية" من أسوء الأنواع!
فالحياة بالنسبة لنا ليست مجرد فعاليات " بيولوجية". هذا ينطبق على الموت، لأن عملية التحلل تؤدي إلى انتهاء الحياة وعودة جسد الإنسان إلى مكونها الأساس "المادة". ولكن الحياة بحد ذاتها - وأقصد حياة البشر - ليست مجرد نقيض للموت. في الموت ينتهي التفكير وينتهي إلى الأبد.
الموت تحلل لمادة الجسد.
لكن الحياة ليست مجرد بناء الخلايا. نحن لسنا كالعشب النامي على حافة الطريق!
7.
ما هو الفرق ما بين حياة الملحد وحياة المؤمن؟
الملحد لا يؤمن بــ"السماء" الإبراهيمية. ففي الأعالي، هناك خلف مدار الأرض مليارات الأكوان ومليارات النجوم "ولا شيء آخر"؛
لا رب يستوي على العرش ولا خالق "يبحلق" فينا ويترصد خطواتنا.
نحن أطفال هذا الوجود الأرضي: هنا ولدنا، وهنا نموت، وهنا نبقى إلى الأبد.
المؤمن يهفو إلى السماء الإبراهيمية، عاجز عن الحياة من غير آلهة؛ عاجز عن الوجود بدون خرافات أرباب تحميه من نفسه وتدير حياته.
أما نحن فنسعى إلى التفكير واستغلال الخيرات الأرضية بصورة عقلانية عادلة، نعتمد على وجودنا الأرضي ونطمح إلى حل معضلات الوجود هنا على الأرض لا في عوالم مختلقة!
هذا هو الفرق، لا شيء آخر!
الإلحاد فن العيش على الأرض!
8.
إن الصياغات السطحية للأفكار الإلحادية التي يقوم بها البعض تكتسب دائماً معنى عقائديا لا يختلف عن العقيدة الدينية، لأنها تبدد الأدلة ضد فشل الفرضية الدينية من جهة، وتقدم الإلحاد بوجه غريب عنه.
هذا هو منطق "الملكي أكبر من الملك". لأنه يدًّعي للملك حقوقاً لم تخطر حتى على بال الملك نفسه الادعاء بها. وهكذا يقوم بتحريض الآخرين عليه.
هذه المغالاة لا تدل على وعي بالألحاد وإنما فشل في مغادرة الإيمان الديني.
"ملكي أكبر من الملك" نوع من الهتافات الحماسية، كهتافات السلفيون: تجريد فض وسخيف للوجود البشري وقيمة هذا الوجود الذي لا قيمة له إلا بربطه بالسماء الإبراهيمية وربٍ جعلوا منه "هيئة رقابية" تتدخل حتى في حيض النساء!
السلفية، كتطرف عقيدي، تجعل الحياة نظاماً مقرراً محدداً مسبقاً ومبرمجاً من السماء.
إما الإلحاد "الإيماني"، فهو لا يختلف من حيث الجوهر. إذ يستحيل الإلحاد إلى فكرة معطاة مسبقاً وعلينا "صناعة" الأدلة على صحتها!
هذا سخف يرفضه كل الملحدين الذين دفعوا ثمناً باهضاً لكي يروا العالم والتاريخ على حقيقته وبعيون نقدية.
9.
إن القول بأن "حياة هي الصفة التي نطلقها على الكائنات القادرة على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي":
هي باختصار فكرة مبتذلة لتصورات مبتذلة.

ما الإلحاد؟

 [صخرة الإيمان الديني: النهاية المستحيلة]

1.
قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء. فالإلحاد، مقارنة بالعقائد الدينية الإبراهيمية مثلاً، أكثر وضوحاً وصراحة من حيث الدلالة والأهداف.
[ملاحظة هامة: لا أتحدث عن خزعبلات المعنى القاموسي لكلمة "إلحاد" في اللغة العربية بل المعنى الاصطلاحي المقابل للكلمة الإنجليزية: Atheism].
2.
وبسبب هذا الوضوح والجلاء وبعد أن فشل مسلمو الإنترنت و"مموليهم" من كل حدب وصوب في التصدي لانتشار وتوسع الإلحاد في بلدانهم فإنَّهم قد سعوا بسذاجة لا يحسدون عليها إلى الكذب والتلفيق والتزييف.
ومن مظاهر هذا السعي: 
الادعاء بأنَّ الإلحاد، كما الإسلام، عقيدة ودين!
ولهذا، واستناداً إلى هذا المنطق، فإنَّ الملحد مؤمن كما المسلم لكنه لا يعترف بهذا الإيمان!
3.
ولهذا عليَّ الآن القيام بمهمة تقديم تعريف للإلحاد ملائم لتلاميذ المدارس وحاملي "شهادات الدكتوراه" بفقه النجاسة ومن يقع بين هذين الطرفين من حملة الهبالة على حد سواء.
فهل من الممكن تقديم تعريف واحد جامع للإلحاد؟
للاسف لا.
إنَّ ردة الفعل العنيفة للمجتمعات الدينية المحافظة إزاء فكرة "الإلحاد" قد اشترط نوعاً من "التقية" في تفسير مفهوم الإلحاد من قبل بعض الملحدين واللادينيين من جهة، وإلى تنوع الموقف من الدين من جهة أخرى، مما أدى إلى تنوع في عملية التعريف .
ولكن إلى حد ما يتعلق الأمر بتصوراتي عن الإلحاد فأنا لا أجد غير مستويين للتعريف - إذا صح التعبير:
المستوى الأول:
هو أن الإلحاد رفض الإيمان بأي نوع من الآلهة - بغض النظر عن الاسم والغاية والهيئة - وجميع الأديان والعقائد والتصورات المرتبطة بها - وخصوصاً النبوة والكتب المقدسة المرتبطة بهذا الإيمان. 
والعقائد الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية والإسلام مثال نموذجي على هذه الأديان والعقائد السائدة في الكثير من المجتمعات.
أما المستوى الثاني والأكثر جذرية:
فهو رفض وجود الآلهة نفسها لا رفض الإيمان بها فقط.
وإذا كان المستوى الأول يوحي بمعنى أننا يمكن أن نعيش بدون الحاجة إلى الإيمان بوجود هذا أو ذاك الإله، فإن المستوى الثاني يقرر أنَّ لا دليل على وجود الآلهة.
إنَّ "غياب الدليل" الذي استغرق آلاف السنين هو دليل مدهش على خرافة "الله".
لقد عجز المؤمنون بخرافة "الله" عن تقديم دليل على وجوده خارح رؤوسهم. أما ما يسموه "أدلة" فهو أمر لا يتعدى حدود القناعات الإيمانية الني لا تصمد أمام أي اختبار عقلاني وهي بضاعة لأسواق المسلمين فقك.
4.
أما طبيعة وشدة هذا الرفض لوجود الآلهة فإنه قضية شكلية لا يجب أن تمس فكرة الإلحاد من حيث الجوهر.
وكل الهرطقات والهراء الإسلامي حول الفكرة المزيفة بأن "الإلحاد عقيدة" هو "جعجعة بلا طحين"!
5.
من هنا تنبع الطبيعة العامة التي تميز الملحدين:
التنوع في التصورات والمنطلقات الثقافية والفكرية وإمكانيات الإختلاف التي لا حدود لها إزاء الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
فسقوط العقائد يؤدي إلى سقوط كل أنواع الدوغما والأيدولوجيات الممكنة والتي تميز الفكر الديني والحزبي على حد سواء [الطوائف والملل والفرق الدينية أحزاب دينية/سياسية مستترة بقناع التفسير اللاهوتي]
6.
وبالتالي فإنَّ أي نوع من التهاون أو "التردد" أو اللف والدوران في التعريف المشار إليه في النقطة الثالثة يكون المرء قد كف عن أن يكون ملحداً.
إذ لا يوجد "خروج" أو "دخول" إلى الإلحاد ولا يوجد "إيمان" ولا "ارتداد".
إنه قبول أو رفض التصورات الإلحادية ولا شيء آخر. ولا يوجد أي نوع من الحكم القيمي إزاء الأشخاص.
فالحرية الفكرية - حرية الرأي - أساس الفكر الإلحادي ومتى ما انهارت هذه الحرية فإننا سنكون أمام "عقيدة دينية" لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بفكرة الإلحاد.
7.
واستناداً إلى هذا التصور البسيط (وليس التبسيطي) للإلحاد تتحدد الأوضاع التالية:
- ليس في الإلحاد تبشير ولا دعوة للإنضمام أو إدانة بسبب الخروج من الإلحاد.
- الملحدون لا يطالبون الممؤمنين بمغادرة أديانهم، بل مطالبتهم بالتفكير واحترام عقولهم. فللإيمان نتائج اجتماعية وثقافية خطيرة على الفرد ولهذا يجب إدراكها وحساب حسابها.
- الملحدون لا يطالبون بمنع الأديان.
- لكن الملحدين وكل من لم يودع عقله في القرن الحادي والعشرين جدير بأنْ يطالب بفصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية والمدرسة والشارع ووسائل الإعلام ذات الملكية العامة. وهذا ما يؤدي إلى تحرير الناس من سلطة اللاهوت جماعةً وأفراداً ولا شأن لهذا السلطة بحياة الأفراد.
الدين قضية شخصية والناس أحرار آمنوا أم لم يؤمنوا. أما السلطات الدينية فلا وجود لها على الأفراد خارج حدود المعابد الدينية.
- إنَّ حرية الضمير والعقيدة تعني من غير لف ودوران:
حرية الإلحاد والإيمان على نفس المستوى والقيمة والأهمية.
8.
إنَّ التعبير الذي يشيع استخدامه بين اللادينيين "مسلم كيوت" هو تعبير زائف عندما يتعلق الأمر بموضوع الإلحاد والإيمان. فالمرء إما أن يؤمن بوجود خرافة "الله" أو لا يؤمن.
ولهذا فإن هذا الـ"كيوت" يؤمن بجميع الخرافات والأساطير الدينية وبكل ما يرتبط بها من نتائج ثقافية.
إما إذا كان يعني بأنه لا يرفع راية "الجهاد" ضد الآخرين فهذه قضية أخرى لكنها لا تغير من الإيمان شيئاً.







توقعات المستقبل الإلحادية


1.
ستظل الرغبة في معرفة "الغد" تطارد البشر دائماً.
وإذا ما كان الناس في عصور الخرافات (التي لاتزال قائمة هنا وهناك) لا يرون إلا الخرافات، و"أشراط الساعة" ونهاية العالم وظهور المهدي، فإننا لا نستعين بغير العلم ومنطق الاستكشاف العلمي.
الغدُ يُصنعُ اليومَ: الآن أمامنا مكونات الغد وعناصر صورته.
لا يعبر هذا التفكير عن أية قناعات إيمانية (غيبية). بل يحمل لغة الوقائع التي نستطيع اختبارها.
2.
هل يخيفنا الغد؟
لا.
فمخاوف الغد هي مخاوف اليوم. أما إذا فكرنا على المستوى البعيد فإننا سنكون أمام تراكمات ستؤدي لا محالة إلى تحولات نوعية في مجالات مختلفة من حياتنا. أما كيف تبدو هذه التحولات فهو أمر قد لا نستطيع أن نحدد معالمها ولكن بإمكاننا أن نضع جملة من الافتراضات والتصورات المستقبلية التي تنسجم مع آليات التطور العلمي والتقني وآليات التفكير البشري.
هذا ما قام به مثلاً فيلم " امرأة على القمر".
3.
إذا ما قارنا فيلم "امرأة على القمر" [إنتاج عام 1928-1929 للمخرج الألماني Fritz Lang بالتعاون مع الفيزيائي هيرمان أوبيرت وهو أستاذ فيرهر فون براون - مخترع الصواريخ الذي عَمَلَ بعد الحرب العالمية الثانية في NASA] والذي يتحدث عن رحلة إلى القمر لرجل وامرأة، بما رأيناه جميعاً، ولا شك، من خلال الأفلام الوثائقية حول رحلة أبولو 11 بعد حوالي أربعين عاماً والتي كان من نتائجها "التنزه" الحقيقي على سطح القمر، فإن الفيلم الألماني يبدو وكأنه من عالم آخر من حيث "براءته" التقنية التي تعود إلى عصر السينما الصامتة.
4.
لكنه مع ذلك قدم لنا مقترحات سينمائية بصرية وتقنية رائدة في مجال الخيال العلمي والسينمائي، قدم لنا تلك "الافتراضات والتصورات المستقبلية التي تنسجم مع آليات التطور العلمي والتقني وآليات التفكير البشري" وقد أسر خيال متفرجي عشرينيات القرن الماضي. 
ومن الطريف أن نعرف بأن هذا الفيلم قد دشن بداية استخدام فكرة "العد التنازلي" لانطلاق المركبات الفضائية عن طريق الظهور المتتابع لجمل مثل: "ثلاث ثوان أخرى قبل الانطلاق. . ثانيتان، ثانية ..." .
لكن الشيء الأهم من كل ذلك هو أنه قد حمل للمتفرجين آنذاك خيالاً خصباً وقدرة مدهشة على استشراف المستقبل. قال لنا إن هذا الحلم "الصعود إلى القمر" ممكن. 
لقد شحذ خيال معاصريه ووجه أبصارهم صوب المستقبل: مستقبل العلم والنزوع البشري نحو اكتشاف عوالم جديدة والتغلب على جاذبية الأرض.
5.
لم يهتم منتجو الفيلم بـ"سلفهم الصالح"، رغم أنهم هم أيضاً يمتلكون سلفاً صالحاً!
لم يطالبْ الفيلم المتفرجين بالعودة إلى "القرون الأولى" كما حاول فيلم "الرسالة" الساذج (أكثر الأفلام الساذجة كلفة في تاريخ السينما) الذي رصدت له الدولة الليبية وقتها مئات الملايين من الدولارات (وشفطوا مئات أخرى)، وكما نلاحظ كيف يتكاثر كالفطر السام على اليوتيوب مع نماذج أكثر تهافتاً وسذاجة عن موضوعات تتعلق "بالقرون الثلاثة الأولى".
الفيلم الألماني وجه أنظار المتفرجين [أمس واليوم] نحو المستقبل، نحو زمن الحقائق العلمية الواقعية.
لم يقل لهم بأنَّ غداً سيظهر المهدي أو المسيح الدجال، بل سنتملك زمام معرفة الكثير من الأسئلة ونتغلب على الكثير من مظاهر ضعفنا وقصورنا الإنساني.


إنه دفع متفرجي العشرينات من القرن الماضي إلى الأمام، ولم يجرجرهم إلى الخلف.
وجه أنظارهم صوب مستقبل أكثر غنى من الماضي والحاضؤ، ولم يلق بهم في غياهب الخرافات.
وهذا ما حدث مع رحلة أبولو 11.
6.
لماذا أتحدث عن هذا الفيلم؟
ربماً نوعاً من الحنين إلى مرحلة صاخبة من تطوري العقلي والثقافي، الأيام التي رسمتْ إلى حد ما "صورتي" وحددت "صوتي" وكشفت لي الماضي بوضوح مثير للألم والغضب لرؤية العالم الذي تركته، من غير عودة، رؤيته على حقيقته المرة من غير ظلال أو أوهام أو تنازلات.
لقد رأيت فيلم "امرأة على القمر" للمرة الثانية منذ فترة قصيرة بعد سنوات طويلة من مشاهدتي الأولى له. آنذاك كنت وحدي في قاعة العرض التجريبية (لأغراض دراسية) ولا تزال صور منه عالقة في ذاكرتي. وفي مشاهدتي الأولى والآن فرض عليَّ نوعاً محدداً من التفكير: الرغبة العارمة في أن نرى المستقبل، في أن نصبو إلى المستقبل!
إن بدائية الكثير من تقنيات السينما الصامتة التي أُخرج الفيلم من خلالها آنذاك لم تكبح جماح الخيال البشري المنفتح إلى المستقبل. إنه درس صعب ومؤلم بالنسبة لنا، نحن الذين من مواليد مملكة الظلام، كيف نصنع بواسطة أحدث منتجات التكنولوجيا خرافات "مقدسة" لا تليق إلا بالقرون الثلاثة الأولى!
7.
أحاول أن أستعير دروساً من الماضي لرؤية المستقبل، لا دروساً من الماضي للعودة إلى ماضٍ أكثر قدماً.
أحاول أن أقول للقارئ بأن أحلام الماضي هي حقائق اليوم، وأحلام اليوم هي حقائق الغد.
أحاول أن أقول بأن" توقعات الغد" علينا أن نصنعها اليوم بعيداً عن "أشراط الساعة" وانحطاط التصورات الدينية العاجزة أبداً عن رؤية المستقبل لسبب بسيط ومأساوي واحد وهو إنها تنظر إلى الخلف بعيون عجائز لا حياة لهن إلا بالماضي.
هذا هو سر أسرار الدين: الماضي، الذي يستحوذ على عقولهم ومشاعرهم!
8.
أما سر أسرارنا نحن فهو في المستقبل!
وليس لنا غير آليات الخيال العلمي ومنطق التفكير العلمي.
فهل العلم قَدَرُنا؟
لا. 
لكنه الضرورة التي صنعناها نحن البشر. فالعالم هو حصيلة التطور البشري والتخلي عن العلم لا يعني غير شيء واحد: رفض هذا التطور والعودة إلى منطق الإنسان الحجري، وهذه كارثة بشرية يسعى المسلمون بكل قوة إلى تحقيقها!
9.
تحذير هام: 
إن مظاهر التطور المادي في دول النفط العربية لا علاقة لها بالتطور مطلقاً! 
فهو لا يعني غير شيء واحد: بضاعة تكنولوجية لم تسهم هذه البلدان في صناعتها بغير دولارات البترول. إنها لم تسهم ولا حتى بفكرة تقنية واحدة!
كل ما فكروا به وقالوه هو:
إحنا نِبِّي أعلى بناية في العالم، والفْلُوس مُو مُشْكِلَة!
10.
ليس هذا هو المستقبل الذي نصبو إليه. لأن في هذه "البضاعة التكنولوجية" العربية ينتشر فكر القرون الثلاثة الأولى في كل زاوية من زوايا ناطحات السحاب البترولية.
هذا هو الاختصاص العربي: 
صناعة الماضي بأحدث الوسائل التكنولوجية!
التطور وقبل كل شيء هو طبيعة التصورات التي تتعلق بالوجود الذي نعيش فيه وأفاق المستقبل التي نسعه إليها.
التطور لا يمكن أن يبدأ أبداً إلا بنقض الماضي ونقد خرافاته.
لا وجود للتطور بدون أن يدرك الناس بأن الحياة هنا على الأرض (أو على كوكب آخر) ولكن لا حياة بعد الموت.
المستقبل هنا، وهنا فقط!



الوظيفة المعرفية لكتابات الملحدين

كتاب صفحاته تضيء

1.
أرسى الإلحاد ثقافة جديدة في مجال المعرفة: على مستوى البحث والتحصيل والتحقيق والتبادل والأهداف.
إنها ثقافة العلم: المنطق العقلاني والأدلة التجريبية ["جَادَلَنِي" أحدهم متسائلا: وما علاقة الأدلة التجريبية في مجال الدراسات الإنسانية؟!].
2.
ولثقافة الأدلة التجريبية معنى آخر.
فعندما ترتبط المعرفة بالضرورة التجريبية فإنَّ هذا لا يعني غير أن "الحقيقة" ومهما كانت مصداقيتها هي "حقيقة" الآن بالذات ويتم قبولها على أساس المعارف العلمية التي قد توصل إليها البشر حتى اللحظة الراهنة والمعارف الإحصائية المتوفرة الآن.
ولهذا فإن الشكَّ صنو الحقيقة والشكَّ والحقيقة هما مادة المعرفة الإلحادية.
الثقافة الإلحادية من غير مقدسات، ولا ملائكة طائرة، ولا كتب لا تقبل الشك.
وهذا لا يعني غير شيء واحد:
أن الثقافة الإلحادية هي، بطبيعتها، نقض للاهوت وليس ثمة مجال للمساومة.
3.
البحث:
البحث عن الحقيقة هي ثقافة راسخة بالنسبة للملحد [للأسف على إضافة: الحقيقي] ولا ترتبط بالنفعية. لأن معرفة العالم الذي نعيش فيه له قيمة وجودية بحد ذاتها بالنسبة لحياة الإنسان على الأرض.
كما أنَّ البحث عن الحقيقة ليس وظيفة للبرهنة على صحة ما يقوله الملحد، بل صحة الوقائع.
إلا أن القيمة الإلحادية في عملية البحث تكتسب قيمة استثنائية عندما يتعلق الأمر ليس بمعرفة الحقيقة فحسب، وإنما نشرها أيضاً.
وهذا هو الهدف الاستثنائي.
4.
التحقق:
عندما تسقط الأهداف النفعية الصرفة [المتعة حالة نفعية لكنها ذات طابع نفسي وليس تبادلي] فإن "سلامة" الحقيقة – مصداقيتها تتحول إلى ضرورة هي جزء من قيمة الحقيقة ذاتها.
وهذا ما يميز الملحد عن المؤمن.
فـ"الحقيقة" بالنسبة للمؤمن لها طابع عقائدي لاهوتي. و"مصداقيتها" الإيمانية لا تستوجب التحقق منها. وهذا ما يؤدي بدوره لا إلى "الحقيقة" القابلة للبرهنة والأدلة التجريبية بل إلى نوع من "القناعات التسليمية" بصحة ما يقول.
وهذه هي المصيدة التي يصنعها المؤمن بنفسه ولنفسه!
5.
مهمة الكتابات الإلحادية هي نشر الحقيقة وليس نشر الإلحاد:
ولم أضف إلى كلمة "الحقيقة": عن هذا أو ذاك، أو ضد هذا وذاك. وهذا هو جوهر قضية الملحد.
كما أنها من حيث المبدأ موجهة إلى القارئ أياً كانت توجهاته الثقافية والعقائدية والفكرية. ومع ذلك فإن قضية الدين تحتل مكانة متميزة في كتابات الملحدين. وليس السبب لأن الملحد لا يؤمن بالأديان فقط، بل ولأن عقيدة المؤمنين تضع الإلحاد في خانة التحريم والملحد في خانة التجريم. وهذا ما يدفع الملحد إلى أن يكشف عن بطلان هذه العقيدة ونقدها المباشر من الداخل والخارج. ولا يمكن الكشف عن بطلان عقيدة ما من غير أن تقوم بنقد بنيوي منطقي وتشريعي وتاريخي لهذه العقيدة وللأسس التي تستند إليه.
وباختصار:
من غير توجيه النقد العلمي لهذا الدين فإن "نقد الدين" سوف يتحول إلى نقد المظاهر الخارجية وحسب.
6.
مَشَاعِيَّة المعرفة:
إنَّ المعرفة، هي كل المعلومات والحقائق والوقائع عن العالم الذي نعيش فيه والتي تم اختبارها فقط؛ وهي أيضاً قدراتنا المهنية التي نتوصل إليها عن طريق الدراسة الأكاديمية والتجربة في مجالات الحياة المختلفة.
وحين نتحدث عن وَهْمِ المعرفة، فإننا أمام تصورات ورؤى ومعتقدات مشوهة عن الحياة لا تستند إلى "معلومات وحقائق ووقائع تم اختبارها".
ولهذا السبب بالذات فإن المعرفة إذا لم تتحول إلى معرفة مشاعية للجميع، فإنها، مستعيراً مصطلح الفلسفة، معرفة "بالقوة" غير متحققة. ولن تتحول إلى معرفة "بالفعل" إلا بإشاعتها.
7.
غير أن للمعارف الإلحادية وجهاً آخر:
وهو الخبرات الثقافية الأكاديمية والشخصية واستخدامها في النقد الثقافي للدين واللاهوت.
إذ أن "التشريط" المنطقي والفكري للعقائد الدينية تكشف عن الوجه المستتر للعقيدة الدينية الذي "يمول" و"يغذي" الطقوس الدينية العلنية.
إن للرؤية المختلفة اللاتقليدية ووجهات النظر الإبداعية قيم استثنائية للكشف عن الوجه المستتر للعقيدة الدينية من جهة، وهي تسلح القارئ (ملحداً كان أم محايداً) بأدوات ثقافية ومنطقية ضد الأوهام الدينية.
العقل في حاجة إلى تغذية مستمرة بمعارف واكتشافات جديدة ووجهات نظر مبتكرة.
8.
ومن هنا تنشأ القيمة الثقافية التبادلية للمعرفة الإلحادية. وإن قيمتها التبادلية ليست ما بين الملحد والقارئ المختلف أو المحايد فقط، بل وما بين الملحد والملحد. لأن تعدد زوايا الرؤية الشاملة للدين قضية لا يمكن التغلب عليها بدون الاستعانة بالمعارف الأكاديمية والاهتمامات الثقافية المتعددة والمختلفة للملحدين.
ولهذا فأن علينا أن نقدِّر عالياً المعارف الأصيلة المتعلقة بتاريخ الأديان والثقافة والعلوم والمنطق والتجارب السياسية في مجال الديموقراطية والعلمانية مثلاً التي يقوم بها الملحدون لأنها تغني معارفنا وتوفر علينا مشاق البحث والوقت.
9.
الثقافة الإلحادية ثقافة "مؤقتة" ودائمة" في نفس الوقت:
فالخطأُ يقع من الحساب ويتم تجاوزه؛ والصح يستحيل إلى جزء من الرصيد الثقافي للحضارة ويستمر إلى الأمام.
العلم ثقافية إلحادية من غير قيد وشرط.
وهذا ما لا تقبله الثقافة الدينية التي لا تعترف بالعلم إلا كوظيفة لقبول الوحي. هذه الصفقة هي ما يميز الدين: آمن وتذهب إلى الجنة!
إنَّ الشكَّ، والتساؤل، والتفكير الجدلي العقلاني، وإعادة النظر بالفرضيات من الوسائل التي يعتبرها الدين ألد الأعداء. أما بالنسبة للملحدين فهي مصدر للمتعة.
10.
الإلحاد هو الخروج من النفق.
والإسلام هو النفق الذي لا مخرج منه إلَّا نحو الإلحاد.


طريق الشجاعة التي لا تعرفها الذوات الصغيرة

1.
لم يمر ملحد أوربي (حتى لو كان قد ولد ونشأ في أعتى العوائل المسيحية تديناً ومحافظةً) بطريق الآلام والمحن التي مرَّ بها الملحدون العرب (والملحدون من المجتمعات الإسلامية بصورة عامة) ولا يزالون يمرون بها.
وهذا الواقع بحد ذاته يكشف طبيعة الثقافة الإرهابية والشمولية في هذه المجتمعات.
غير أنه وفي ذات الوقت هي طريق الشجاعة الإنسانية والإرادة الحرة التي لم يلوها جبروت مملكة الظلام.
فالحرية تبدأ بالإرادة؛
والإرادة تبدأ بالرؤية؛
والرؤية تبدأ بالشك؛
والشك يبدأ بالسؤال.
وهذه هي طريق تحدي مملكة العته والسخف والأوهام: 
الأسئلة الصعبة والمحيرة والمعذبة التي لا تمل ولا تهدأ وكأنها تسقط كوابل من الرصاص وعلى العقل اليقظ وأصحاب التفكير النقدي البحث عن أجوبة وسط عالم يمقت الأسئلة ويجرَّم أصحابها.
2.
وهذا ما لا تعرفه الذَّاتَ الصغيرة التي تربى صاحبها على الخنوع والمذلة [والافتخار بأنه عبد!] منذ ولادته وعندما نشأ وكبر وجد في الخنوع لذة كبرى لا يعرف غيرها.
إنه لا يعرف معنى الشجاعة ويجهل إلى حدود الأسى معنى الإرادة الحرة وضرورة الاختيار.
فهو يزحف طوال حياته في الحضيض حتى بدا له أنه جنةً آسرة لا يبيعها بأي ثمن مقابل كرامته.
وهو قد جَنَّدَ نفسه بسعر بخس لكي يمجد جنته التي يعيش فيها وهو على استعداد أن يموت من أجلها على أمل أن ثمة جنة أخرى يستمتع فيها بالولدان المخلدين ونساء حور العين التي لن يرى شيئاً منها حتى في أحلامه.
3.
لك عندي خبرٌ أيتها الذات الصغيرة وهو خبر لا أسوء منه:
ستظل هنا حيث أنت حتى آخر لحظة من حياتك ولن ترى "يوما ما" ولدان مخلدين يطوفون عليك بأكواب وأباريق أو نساء حور العين تستمتع بهم متى شئت.
وعندما تنتهي هذه الحياة فإنك تنتهي حيث أنت في مملكة اللازمان!
انظر إلى هذه الصورة جيداً: هذا هو الشيء الوحيد الذي تبق لك!
الصور والأحلام!
4.
أما الملحدون فقد اختاروا الكرامة الشخصية.
هو اختيارٌ وليس فيه أي نوع من البطولة، لكنه اختيار شجاع. لأن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل السيطرة على الخوف والمضي قدماً إلى عالم الإرادة الحرة:
إنه عالم الحياة الرحبة ...
فحين يتخلى المرء عن امتياز الاستقرار والحياة الكسولة الهانئة – حياة القبول والخضوع فإنه يتخلى عن أغلاله العقلية والوجودية.
ليس ثمة طريق أقل صعوبة عندما يتعلق الأمر بولادة الذات ولادة جديدة.
إذا لابد من الآلام؛ وقد تسقط، وقد تلحقك الجراح، لكنك تنهض وتواصل الدرب الذي اخترته خارج مملكة الظلام.
إنها معارك يومية:
مع النفس ومع الآخرين ومع منظومة القيود والخرافات والأساطير ورقابة الذات والدولة على حد سواء، والرفض والكراهية الموجهة ضد أي سلوك يخالف الآخرين أو كلمة لا وجود لها في قواميسهم.
أنت تحيا غريباً بين أهلك؛ وتهرب بعيداً وسطهم.
لكنك كل يوم تزداد قوة ومعرفة بمملكة الظلام؛ تكتشف أوهامها وأكاذيبها وابتذال ثقافتها.
أما الصغير الخانع فإنه سيظل هناك ينتظر أوامر أسياده وبركات شيوخه لعلهم يرضون على ما قدم من خدمات.
5.
إنها طريق الآلام التي قد تطول وكأن الزمن لا ينتهي.
غير أنها ستنتهي – هذا أمر لا ريب فيه.
تحلَ بالصبر أيها الملحد الشاب، وأيتها الملحدة الشابة بانتظار الولادة الجديدة.
لن يمنحكما أحد اسماً جديداً، ولن تحصلا على جائزة مالية كما الصغير الخانع عميل الشيوخ، لكنكما ستمتلكان ذاتيكما وحريتكما حيث يمر العالم من خلال إرادتكما وتكونا أنتما سيدا الكلمة.
الإلحاد هو السيادة وتقرير المصير الذاتي.


كيف ننظر إلى العالم



1.
ليس ثمة ملحد مَنْ يدعي أحادية الرؤية الألحادية للواقع والحقيقة. فغنى الواقع وتعدد الرؤى حقيقة طبيعية تتناقض مع الرؤية الأحادية.
فالرؤية الإحادية دائماً وأبداً رؤية سلطوية.
إذ أن العلاقة السلطوية لرؤية الواقع في جوهرها هي علاقة غيبية: دينية. إنها علاقة البعد الواحد للوجود وهو في هذه الحالة بُعْدٌ "مقدس"؛ تم "صنعه" منذ بداية "الخلق" وإن التنوع الحادث فيها، كما يقولون، هو وظيفة لتصوراتنا الموهومة عنه. ولهذا فإنَّ لا قانون طبيعي يحكم تصوراتنا عنه.
وعلى هذا الأساس يستحيل هذا البعد في بنيته إلى "حقيقة" مطلقة بالنسبة للمؤمن قائمة خارج المكان والزمان.
وتكتسب هذه الفكرة في "عقول" أنصاف المتعلمين بعداً أضافياً خرافياً مفتوحاً أمام الملائكة والجن والشياطين وعشرات الكائنات "الروحية" التي لا تُرى لا بالعين المجردة ولا بالمكروسكوب ولا بالتلسكوب، وهي خارج التجربة المنطقية والعلمية.
2.
الثقافة الإلحادية هي على الضد من ذلك [أو هذا ما ينبغي أن يكون].
إنها تنظر إلى العالم نظرة غنى وتعقيد لا يمكن اختزاله ببساطة أو تحويله إلى وظيفة خرافية للرؤية المشوهة للوجود الإنساني.
إنَّ الثقافة الديموقراطية العقلانية – والإلحاد ثقافة ديموقراطية في خصائصها وعقلانية في بنيتها [وإلا فهي ليست ثقافة إلحادية] تفترض حقائق إنسانية أساسية مشتركة للواقع يؤدي تخطيها إلى تشويه الواقع فتتحول فكرة الواقع إلى صياغة لاهوتية يمكن أن تُنتج بصورة عشوائية مسيئة للواقع نفسه تصورات وقرارات تعيق تطوره واستشراف أفاق الغد.
إنَّ النظرة اللاهوتية – وهي نظرة تَحْتَمِي بالنسبية لكنها نسبية مزيفة واعتباطية (لأنها لا تستند إلى تجارب الواقع وإنما إلى التجربة الدينية) تؤدي إلى تشويه الواقع وتعيق تطوره وحركته.
فطالما كان هذا العالم ليس هو العالم الحقيقي بالنسبة للمؤمن، إذ ثمة عالم آخر موازٍ؛ وإنَّ هذا العالم الموازي هو العالم الحقيقي والخالد فإننا عملياً سنكون ليس أمام خيال بل أمام خبر مزيف عن العالم الذي نعيش فيه.
3.
والأخبار الكاذبة والمزيفة هي جزء من ثقافة أنصاف المتعلمين المؤمنين المولعين من الصباح حتى المساء بخرافات الملائكة والجن والشياطين (الإنسان العادي مهتم بتحصيل رزقه). وهذا ما يجعلهم دوماً في حالة نوع من الفزع والوعي المربك والحاجة إلى صناعة تصورات تبرر العالم الخرافي المصنوع من قبلهم من جهة والعيش بصورة طفيلية على حساب الواقع الحقيقي الذي يصنعه الآخرون من جهة أخرى
لا يمكن أن يخوض المرء أي نوع من النقاش بغياب الاتفاق على أُسُسٍ مشتركة للواقع الذي نعيش فيه والقوانين التي تسيره.
وهذا ما لا يمكن توفره مع المؤمنين عامة – أما المؤمنون من أنصاف المتعلمين فإن النقاش معهم إساءة للحقيقة والذات.
4.
إنَّ إدراك الأسس الإنسانية المشتركة للحقيقة والواقع من قبل الملحد في بلدان مملكة الظلام الإسلامية هي مصدر اغترابه في هذه المملكة.
وإن هذا الاغتراب الذي هو ذا طابع فلسفي وليس نفسي بالدرجة الرئيسة يتطابق بصورة مدهشة مع الاغتراب الإنساني الأول لحظة انفصاله عن الطبيعة:
الإنسان ينظر لأول مرة إلى الطبيعة المجهولة ليس باعتباره جزءا منها، بل خارجها وقادر على إدراكها والسيطرة عليها!
وهذه هي اللحظة الإلحادية الأولى المدهشة:
يبدأ المرء برؤية الواقع على حقيقته.
سيبدو وكأنه يحلم، أو أنه يرى شريطاً سينمائياً لفيلم سخيف أخرق يجعله يصرخ من أعماق كيانه:
كيف كنتُ أصدق كل هذه الأوهام والخرافات والأساطير؟
كيف كنتُ عبداً لهذه الأوهام؟
كيف كنتُ فاقداً للبصر والبصيرة؟
باختصار:
إنه يرى . . .


السماء مفتوحة للطيران للجميع . . . والأنفاق لمن يعتنق العبودية طوعاً!

1.
لن يعرفَ معنى الحرية مَنْ يستلقي في حضيض ثقافة العبودية الدينية.
ولن يحلمَ بالحرية مَنْ لا يحلم إلا بأوهام الآخرة - والإيمان بالآخرة هي حضيض الثقافة الإنسانية.
والإلحاد هي ثقافة الحرية وهذا هو مذاقها عند جميع الملحدين الحقيقيين.
الإلحاد هي الثقافة التي يُصبح الإنسانُ فيها سيدَ نفسه، وأميرَ عقله، وخليفة مشاعره. وهذا ما لا يعرفه المؤمن الخاضع لإرادة فكرة "الله"؛ 
الذليل أمام أوهامه؛ العبد لمشيئته؛ 
المطيع لشيوخه؛ 
والرجل الخنوع الذي لا يكل من التصفيق أمام صورة الرئيس.
غير أن ثقافة الحرية لا يمكن شراءها من محل بقالية شيوخ الدين ولن يستشعرها إلَّا مَنْ ودَّع "حظيرته".
أول الأشياء التي يستشعرها مَنْ غادروا الإسلام:
هو الشعور بالحرية والكرامة الشخصية والأسف على ما ضاع من سنين العمر في مملكة العبودية.
2.
وعلي تحذير من  "يتصيد" الحيتان في الماء العكر:
ليس الإلحاد يوتوبيا من أي نوع كان:
فهو ليس "المجتمع المشرق" الشيوعي الذي ظهر أنه مجتمع الحاجة والعوز والاستبداد وغياب أبسط الحريات المدنية؛
وليس هو خرافة "الجنة" الإسلامية؛
إنه ببساطة: العيش بدون أوهام عن عالم آخر؛ العيش هنا والآن وتحمل متاعب الحياة وأزماتها باعتبارها متاعب الحياة وأزماتها ولا شيء آخر.
3.
وظيفة المطيع الخانع:
ارتبط الدين الإسلامي بـ"السلطة" السياسية وهو ارتباط مصيري وقد حدث منذ تأسُّسِ الدولة العربية التي اتخذت صيغة دينية من نوع غير واضح المعالم ومن ثم أطلق عليه "الإسلام".
ولم تكن مساعي محمد [ استناداً إلى السيرة الأدبية الرسمية الإسلامية] إلَّا الوصول إلى هذا الهدف. وربما كان هذا هو واحد من العوامل الأساسية التي دعت محمداً إلى البقاء في يثرب. فقد كان واضحاً أنَّ قريش (والأمويين بشكل خاص) ستسعى إلى مشاركته في السلطة. ولهذا فقد تحول في يثرب إلى الحاكم الأوحد وترك أبا سفيان حاكماً لمكة.
وهذا ما جعل المسلم طوال تاريخ الإسلام خادماً مطيعاً للدولة. وإن حصل أن يكون هذا المسلم أو ذاك قد طردته الدولة من رحمتها بسبب طائفته فإنه يظل يحلم بدولته الخاصة التي يكون فيها خادماً مطيعاً لا غير.
4.
إن المسلم لا يسعى إلى الحرية. فقد حلَّت فكرة "الآخرة" محل الدنيا، والجنة محل الحياة - فما حاجته إلى الحرية؟!
فالحرية مناقضة لثقافة الخضوع الدينية.
الحرية ليست جزءاً من مكونات العقيدة الإسلامية. إذ أن ثقافة العصا لمن عصا – أو كما يقول محمد: "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت" هي الثقافة التي تثقف عليها الخانع الذليل وتحول إلى عبد خاضع رخيص. فقد تغلغلت روح العبودية في أعماقه الضحلة حتى أصبحت طبيعته الثانية.
5.
"لم يُصَدِّقْ إنسانٌ في تاريخ البشرية بأنه عَبْدٌ وَضِيعٌ منحطٌ مثلما صَدَّقَ المسلم. وهو كُلُّمَا تغلغل في إيمانه الديني التسليمي كُلُّمَا تحوَّل الشعور بالعبودية إلى معنى لحياته ولهذا تراه يدافع بحرارة عن العبودية؛ وهو كُلُّمَا انحطَّ في سُلَّم البناء الاجتماعي كُلُّمَا اكتسبت عبوديته مظاهر خارجية مرئية".
إنه يحمل هذه الروح في كيانه مولولاً أمام سجادته كنقنقة الدجاج، أو باكياً على خيبته منتظراً من أوهامه المقدسة الفرج.
ولهذا فقد تحولت حرية الملحد من الأوهام إلى عدوه الأول؛ بل أنَّ ما يبذل من الحب لعائلته لهو قطرة من بحر الكراهية التي تلفه كعباءة مانحة لحياته الفارغة المعنى، مضيفة لوجوده الكئيب نوعاً من "المَنِّ والسَّلوى" الذي نزل على بني إسرائيل كما يقول محمد في كتابه.
6.
كلَّ ما زاد عن حده تحول إلى ضده!
غير أنه مع ذلك فإن المسلم يحسد الملحد على حريته - بل أن هذا "الحسد" يصل إلى أقصاه عندما يكشف الملحد عن سعادته رغم الخسائر ومظاهر العوز والغربة.
ولأن المسلم لن يحظى بهذا الحرية طالما ظل مستلقياً في الحضيض فإن حسد الملحد على تحرره من ربقة الاستبداد الديني يصل إلى حدوده القصوى مستحيلاً إلى موضوع لكراهية طاغية من قبل المسلم المستلقي في حضيض وظيفته الصغيرة في دولة الإسلام.
وعندما يرفض المسلم، الذي لم يرفض عقله ولم يتخل عن نزوعه الطبيعي إلى الحرية، وظيفة الخاضع والخانع والذليل في حظيرة الإسلام فإنه لا محالة يهتدي إلى الإلحاد.
إذن: الإسلام يقود أصحاب العقول اليقظة إلى الإلحاد – آجلاً أم عاجلاً!
هذه هي الخلاصة المدهشة التي لا يسندها المنطق العقلاني فقط، بل والتجربة اليومية: اتساع حركة الإلحاد داخل الدولة الإسلامية وفي عقر دارهم وهو الأمر الذي أرعب المؤسسات الحكومية والدينية على حد سواء.
7.
في كل يوم يعلن الكثير من "المسلمين" خروجهم من الإسلام.
وفي نفس الوقت وكل يوم يكشف المسلم النائم في حضيض مملكته عن الحقد والكراهية والكذب والتزوير والتضليل لعله يحظى ببعض الاحترام من سادته.
ولكن هل ثمة مقارنة بين احترام السيد لعبده وأحترم الإنسان لنفسه؟
وهل ثمة مقارنة ما بين رغائب الدجاج وأحلام النسور؟
8.
مهما استطاع شيوخ العته الإسلامي أن يغلقوا منافذ الرؤية ومهما نقنق أنصاف المتعلمين ليل نهار فإن أصحاب العقول اليقظة سوف يرون الحقيقة لا محالة.
إنه مجرد وقت حتى تنضج الرغبة في التحرر.
والسماء مفتوحة دائماً للطيران ...






أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر