منع

كتاب الحيوان الصغير [8]: معجزة الدجاجة وثقافة الفجاجة!

استهلال قبل ظهور الهلال:
معجزة الدجاجة:
" في أحد الأعوام – وقد صار ابنها من الفتيان – اشتاقت إليه وإلى شيخه فشدت الرحال إلى دسوق. بدأت المسير بعد أذان الفجر مباشرة؛ وصلت خلوة الشيخ بعد الظهيرة بوقت طويل. لحظتها كان الشيخ يتناول غداؤه داخل الخلوة، وكان ابنها سالم قد كبر وتغير شكله من شدة الإمعان في الزهد حتى صار جلداً على عظم يتسربل بخرق بالية، لدرجة أنها لم تتعرف عليه وهو جالس وحده على باب الخلوة. اقتحمت الباب إلى الشيخ مباشرة، مالت إليه فقبلت جبينه، سحب يده المشغولة بالطعام طبعت على ظاهرها قبلة، انخرطت في الدعاء له.
بنظرته الثاقبة عرفها الشيخ فابتسم قال لها:
-"كيف حالك يا أم سالم؟!"
-"بخبر يا مولانا طالما أنت راض عني!"
-"لعلك تسألين عن ابنك؟"
-"وعنك قبله يا مولانا!"
بيده أشار إلى باب الخلوة، فنظرت في الرجل الجالس على الارض يأكل هو الآخر. جمعت نظرها ما أمام الشيخ فإذا هي دجاجة مشوية عطرة الرائحة، والشيخ يفصص لحمها على مهل شديد، يلوكه في غير التذاذ. ثم انتقلت نظرتها إلى ابنها فوجدت أمامه طبقاً من المش واللفت، وعلى فخذه رغيف مقدد وبعض أعواد الفجل. قلب الولية أكلها. عقلها الريفي البسيط عجز عن استيعاب هذه التفرقة من شيخ من كبار أهل الله الطيبين. انفلت لسانها رغماً عنها:
-"متأخذنيش يا مولانا! بقى ده يصح برضه؟ تأكل فرخة مشوية! والولد يا قلب أمه يأكل مش حادق! وهو بيخدمك ليل نهار؟! أنا لمؤاخذه باسأل بس يعني!"

نظر إليها أبو العينين باسما؛ وكان قد انتهى من أكل الدجاجة فلم يبق منها سوى كومة صغيرة من العظم والشفت. قال:
-"تريدين معرفة السبب يا خاله؟"
-"فقط يا مولاي"
فسحب أبو العينين نظرته عن أم سالم فألقى بها فوق كومة العظم الممصوص، فشوح بذراعه صائحاً فيها:
-"هش قومي!"
فإذا بالدجاجة قد نهضت من كومة العظم واقفة تقأقئ وتجري إلى الخلاء. فنظر إلى المرأة المذهولة وقال لها:
-"حين يستطيع ابنك فعل هذه يحق له أن يأكلها!!"
فأُلقمت المرأة حجرا؛ سلمت على الشيخ طلبت عفوه، ثم على ابنها طلبت دعاءه، وعادت إلى دارها في البلد".
[من رواية: "بغلة العَرْش" لخيري شلبي]
"بغلة العرش" رواية تُشَرِّح الطابع الخرافي للثقافة الإسلامية (سنةً وشيعةً) المنتشرة في الأرياف العربية.

الشيخ كثير التطور!:




" وينقل الشيخ أحمد حجاب عن الشيخ حسن أبو علي أنه كثير التطور. تدخل عليه فتجده جندياً، وأحياناً تجده صبياً، وأحياناً تجده سبعاً أو فيلا، ويستشهد بما قاله الشعراني في ترجمة الشيخ حسن أبو علي قوله (إن من خصائص هذه الفئة من الأولياء أن الصورة التي يتمثلون بها لا تحكم عليهم بها، بمعنى أنك لو أحدثت في الصورة المثلة مثلاً أو ضرباً أو حبساً أو أي ضرر آخر لم يظهر لذلك أثراً في الصورة الأصلية، ومثل ذلك كمثل التمثيل الحسي الذي يرى بالبصر، والتمثيل المعنوي الذي يكون في المنام فإنه لو تم تمثل ذلك في المنام بذاته وصفاته وضربت أحدا بالسكين فسال دمه فإن هذا لا يؤثر في عدوك الحقيقي أي تأثير – ويرى أنه لما كانت روح سيدنا عيسى علوية ملائكية مشرقة الأنوار الإلهية كانت أقدر على التمثيل من أرواح الأولياء"
[من كتاب: "معجم ألفاظ الصوفية" لحسن الشرقاوي]
المؤلف يتحدث عن الصوفية بِوَلَهٍ ومحبة غامرة وإيمان عميق!

الأدلة الخرافية: ثقافة الفجاجة
[ليس في هذا الحجر غير عيب واحد: ليس له طائفه تقدسه!]
ليتحمل القارئ وليتسلح بالصبر والحكمة وليقرأ الصناعة الروائية الرثة التالية التي تشكل "واحدة من أهم الأدلة التجريبية" على إمامة هذا المستور أو ذاك القائم والحاضر من "أئمة" الشيعة المعتبرين.

فالسخف ليس سمة خارجية بل هو جزء من نسيج الخرافة، لا تستقيم به ولا تكون إلا به:

" لما قتل الحسين عليه السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهما السلام فخلا به فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم إلى الحسن عليه السلام، ثم إلى الحسين عليه السلام وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلي على روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين[...] إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك قال أبو جعفر عليه السلام: وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك، قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي و الامام بعد الحسين بن علي عليه السلام؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد ان يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين ابن علي عليهما السلام إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين عليه السلام"!
[الكافي الجزء1، طبعة منشورات الفجر - بيروت 2007]
ملاحظة:
المؤلف من شيوخ الحديث الشيعة. وخرافات الكافي هي المعادل الشيعي لخرافات البخاري السنية.
إذن: هو مصدر معتبر من مصادر الشيعة "العلمية" المعتبرة!
1.
ليست هذه النماذج "الثقافية" مُسْتَلَّة من خارج السياق الثقافي الإسلامي، بل هي مضمون هذا السياق وجزء من "منطقه!" الذي يتعارض مع المنطق العقلاني النقدي.
بل يمكن القول بتأكيد وإصرار:
أنَّ القناعات الدينية سوف تتهشم لو تم تبريرها بالمنطق. فالوسائل الساذجة للإقناع هي الطريق السلسلة إلى "قلوب!" السذج.
إنَّ السذج والمغفلين لا يتقبلون من رجال اللاهوت أي نوع من التصورات" الجديدة" أو القناعات "الجديدة". ففي حقيقة الأمر إنهم يواصلون (ومهما حاول أن يغير أو يحور شيوخ اللاهوت تصوراتهم لأغراض زمنية) ذات التصورات والقناعات. ولهذا فإن على شيوخ اللاهوت مواصلة وتدعيم الثقافة المغفلة التقليدية صوتياً لا غير.
2.
مَنْ مِنْ مستمعي الحسينيات والجوامع السنية مشغول بـ"تأملات" الشيوخ؟
السذج والمغفلون يذهبون إلى الحسينيات والجوامع لا ليتعلموا أشياء جديدة (إنْ كان في هذه الحسينيات والجوامع أشياء جديدة!) بل لكي يواصلوا معتقداتهم التي يحملونها وطقوس الخرافة التي بدأوها منذ ساعة الفجر والولادة وغير مستعدين للتفكير أو إعادة التفكير بها.

بمعنى واضح: أنَّ "الحضور" الشيء الوحيد الذي له قيمة.

إنه نوع من التحديث (update) اليومي أو الأسبوعي لذات العقائد والتصورات، حيث يجري انعاشها والتأكد من وجودها.
فالتطبيق "application" ذاته ولا يجب أن يتغير:
العقيدة الخرافية والتصورات الغيبية للذات والآخرين والكون.
وإن عمل الجوامع والحسنيات الشيعية هو أنعاش التطبيق.
فإذا قال الشيخ (غالباً ما يكون الجزء الأعظم من شيوخ وملالي الأرياف أميين بالمعني الحرفي للكلمة) إنَّ عليهم معاداة المخالفين لطائفتهم– فإنهم عملياً مستعدون سيكولوجياً وعقائدياً لهذه الفتوى. فـ"التطبيق" العقائدي والطائفي يحمل هذا النوع من الإمكانيات.
وإذا استعملنا لغة الفلسفة:
فإنَّ "معادة المخالف" هو عقيدة بالقوة – إنها قائمة في آليات تفكير وثقافة السذج والمغفلين، الأكثرية الغالبة من جمهور الجوامع والحسينيات.
لكن ما هو موجود "بالقوة" لا يعني دائماً بأنه سوف يتحقق "بالفعل" (= في طور التنفيذ). فهذا الأمر = التنفيذ لا يحتاج إلى إقناع فهو قائم بصورة مسبقة، وإنما يحتاج إلى استعدادات ومؤهلات سيكولوجية ذاتية من أجل التنفيذ هي من نوع آخر لا تكفي العقيدة وحدها في تشكيل هذه المؤهلات.
وهذا هو الفارق الذي يميز المسلم "المسالم!" والمسلم الجهادي.
إنه الفارق ما بين القرارات والاستعدادات الدينية الطائفية "بالقوة" والقرارات والاستعدادات الدينية الطائفية "بالفعل".
3.
ثقافة الدجاجة:

كيف استطاع الشيخ "أبو العينين" أنْ يُحَوِّل العظم الممصوص إلى دجاجة؟
إنْ احْتَكَمَ القارئُ إلى عقله فحسب رافضاً هذا "التحويل" ناطراً إليه بعينين "نقديتين" فإن حُكْمَهُ بالغ الشطط "!" أولاً، ولن تتم عملية "التحويل" مطلقاً ثانياً.
فثمة "رؤية" و"رؤيا":
فإذا كانت "الرؤية" بالعينين لا تقبل تحول العظم إلى دجاجة؛ فإن "الرؤيا" هي بـ"القلب!" ومن السهل عليها حتى أن تتحول الدجاجة إلى كنغر.
و "أم سالم"، ومثلها الملايين، قد رأت ظهور الدجاجة بـ"قلبها" العامر بالأيمان والتصديق بالشيخ أبي العينين. غير أنَّ إيمانها هذا – وهذا اعتراضي الوحيد – لن يوفر لابنها الحبيب إلى قلبها دجاجة يأكلها.

فالدجاجة إن كانت "رؤية" أم "رؤيا" هي في جميع الحالات من حصة الشيخ.
4.
العلم والتفكير النقدي، يا قارئي، يُفسد الدين ويخرِّب العقيدة. ولهذا سميته "شططاً"!
فالطريق إلى الإيمان هو طريق "الوعي" الساذج بالوجود. ولا ينبغي أن يبخس المرء حق قدر السذاجة ويفترض أنها من طبيعة الأمية والجهل.
السذاجة الدينية هي طبيعة قارَّة كامنةٌ في الإيمان. بل أن الإيمان والسذاجة في وحدة لا يمكن أن تفصم عراها. فإن فصلت السذاجة عن الإيمان فإن الإيمان بحد ذاته يكف عن الوجود.
ولهذا فإنَّ لا فرق ما بين الجاهل و"حامل" الدكتوراه عندما يتعلق الأمر بالعقيدة الدينية.
وهذا هو داء الإيمان الديني:
يُصاب جميع المؤمنين/المسلمين بالوعي المزيف. إذ لا مناعة لأحد. فالجميع "كأسنان المشط" من بائع السمك الذي ترك المدرسة قبل انتهاء الفصل الدراسي الأول ولم يعد إليها قطُّ إلى "الأستاذ!" الجامعي الذي يخرَّج طلبة لا يختلفون عن بائع السمك!
بل – وهذه هي المفارقة – كلما "تَدَّرَّج" المسلم في المراتب الأكاديمية كلما ازداد تمرداً على الوعي العلمي؛ وكلما انحدر في مستنقع الأوهام أكثر فأكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر