منع

هل الله هو صاحب الكلام في القرآن؟

شخص داخل صندوق





1.
ليس هناك أجدرُ من الحقيقة على الإثبات. فالمرء لا يحتاج إلا إلى شيء بسيط وسهل: "الخروج من الصندوق"[1]!
فالشكوك في أصل القرآن لم تعد مجرد شكوك. فاصْلُهُ البشري أصبح بيناً والأدلة أضحت من الكثرة والتنوع جعلت الكثير من المسلمين يعيدون النظر بقناعاتهم وبتصوراتهم عن نص القرآن.
ولكن مع ذلك، فإن الكثير منهم عاجز عن قبول الأدلة لا لسبب إلَّا لأنها عقلية ومنطقية ولا تستند إلى توجيهات شيوخهم الشيعة والسنة على حد سواء.
2.
هل القرآن (وكل الكتب الدينية) وحي من ربٍ عَليٍّ قديرٍ متعالٍ اسْتَّلُهُ من "لوح محفوظ" في مكان من السماء السابعة (أو أي سماء) كُتبت فيه مقادير الخلق وحددت مصائر البشرُ أو إنه نص كأي نص صنعه البشر، وليكن لأغراض الجدل لا لأغراض الحقيقة، هو من صنع محمد؟!
الإجابة على هذا السؤال تفترض، حتى من المؤمن، أن يفتح عينيه ويبحث في القرآن كقارئ له عقل بشري وقدرة، حتى لو كانت بسيطة، على التفكير.
3.
إنَّ فكرة الوحي لهي فكرة أكثر فشلاً من وجود الإله نفسه!
إذ أنَّ من أشهر التقديرات على تاريخ ظهور الإنسان على الأرض تشير إلى ما قبل 2.5 ـ 3 ملايين سنة. وهذا يعني أنَّ هذا الإله لم يقرر الاتصال بالبشر إلا قبل فترة "وجيزة" من تاريخ الإنسان الذي لا يتعدى الـ 2500 سنة المنصرمة! وهذ أمر مثير للاهتمام.
أين كان هذا "الإله" كل هذا التاريخ المديد، يا ترى؟
ماذا كان يفعل؟
وما الذي "أجبره" على الخروج فجأة من صمته؟!
إنها أسئلة تكاد لا تحتاج إلى سائل، فهي تطرح نفسها بنفسها.
ومع ذلك فإنَّ هذه الأسئلة أهون الأسئلة التي تطرحها موضوعة "الوحي". ولنتجاهل، جدلاً، أسباب هذا الصمت، ونتجاهل أيضاً أسباب الكلام. إلا أن الشعور العبثي ما زال يقضي مضجع الإنسان المعاصر المفكر. إذ طالما صَمَتَ الإله كل هذا التاريخ المديد من عمر وجود الإنسان فلماذا لم يختر عصراً تسهل فيه وسائل التدوين وتقنيات الاتصال.؟
لماذا لم ينتظر "برهة" من الزمن حتى يأتي عصرنا هذا حتى تسهل مخاطبته لنا بدلا من أن يختار أسوء المواقع الجغرافية للاتصال، وأسوء المراحل التاريخية من حيث التطور، وأكثر المجتمعات تخلفاً في ذلك الزمان؟
لماذا، يا ترى، لم يختر عصرنا مثلاً وبدلا من ذلك يختار شعوباً متخلفة لا تقرأ ولا تكتب بل حتى لا تجد ما تكتب عليه غير العُسُبِ، واللَّخافِ، والأضْلاعِ، والأقْتَابِ، والقُضُم، وغَيْرِهَا مِنْ مُخَلَّفَاتِ النَّبَاتِ وَالَحَيَوَانْ!
إنه لعبث "إلهي" ولا شك!
غير أن هذه العبث لا يعني شيئاً آخر غير خرافة سيئة الصنع لا غير!
ومع ذلك كله لنقرأ هذا القرآن ولنتأمل قضايا في منتهى البساطة ويمكن العثور عليها في منتهى اليسر: منها مثلاً القيمة العددية لاستخدام مفردات معينة كالأسماء والضمائر ودلالات استخدامها.
4.
ها أنا أقترح على المسلم الذي يعرف القراءة والكتابة (إذا كان يعرف القراءة والكتابة فعلاً) هذه المسألة:
لاشكَّ أنَّ كلَّ مسلم قد كتب رسالة أو نظَّم شكوى لأجهزة الشرطة أو قدم طلباً إدارياً لمؤسسات رسمية أو توضيحاً لصحيفة يومية أو نشر نصاً يبشر فيه لأفكار وعقائد سياسية أو دينية أو اجتماعية. لابدَّ لكل مواطن عربي أو مسلم أن قام بشيء من هذه النشاطات أو يعرف شخصاً آخر قام بمثل هذه النشاطات.
ولنقل أنَّ طول هذه النصوص قد تجاوز الصفحة الواحد إلى عدة أو عشرات الصفحات. والسؤال هنا هو كالتالي:
كم مرة قام الكاتب بِذِكْرِ اسمه الشخصي؟ أو هل ذكر اسمه الشخصي إطلاقاً؟ هل ثمة حاجة لذكر اسمه خارج ضرورة التعريف بالمرُسِل أو صاحب الشكوى أو النص التبشيري؟
وإذا تطلب الأمر مثل هذا الذكر فكم مرة، يا ترى، ذكر اسمه؟
هذا سؤال بسيط والإجابة عليها تشترطها اللغة (أي لغة) وتخضع للمنطق العقلي والسائد على حد سواء: ليس أكثر من مرة أو مرتين. لأنَّ أيَّ "صاحب نص" يُعرِّف نفسه بنفسه مسبقاً أو يوجد شخص آخر يُعَرِّفُ بِهِ. هكذا اعتاد البشر منذ بدء الخليقة، وبكلمة أدق منذ نشوء الكتابة والتدوين وحتى زماننا الحاضر. والنصوص السومرية باعتبارها أقدم النصوص التي عثر عليها البشر لا تخرج عن إطار هذه القاعدة.
5.
هذه قاعدة منطقية ولغوية، ولننظر إلى قواعد اللغة العربية:
في الجمل الخبرية يعبِّر عادة عن الفاعل (المتكلم أو المرْسِل والراوي وقرارات القضاة والمراسم الجمهورية والعقود التجارية والمعاهدات الدولية وغيرها) بضميري المتكلم المنفصلين "أنا" و"نحن". أمَّا عن المخَاطَبِ فبضمائر الرفع المنفصلة "أنتَ" و"أنتِ" و"أنتما" و"أنتم" ، و"أنْتُنَّ". وهذا ما ينطبق أيضاً على الشخص الثالث الفاعل. ولكن في الحالة الأخيرة فإنه يمكن استخدام اسم الفاعل الشخصي بدلاً من الضمير. ومع ذلك فإن قواعد التعبير في اللغة العربية (وفي جميع اللغات الأخرى) تتجنب استخدام أسماء الأشخاص والأشياء بصورة متكررة وغالباً ما يُذكر الاسم مرة واحدة ومن النادر جداً تكراره فيما بعد ويستعاض عنه بالضمائر.
6.
أكرر: هذه قواعد منطقية ولغوية اعتاد عليها البشر ولا تزال نافذة المفعول.
فماذا عن القرآن؟
فإذا ما كان كما يقول الله ويصرُّ:
"إنا جعلناه قرآناً عربياً"
"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا"
"وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إليْكَ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً"
وإذا ما كان القرآن قد نزل بلغة قريش "أفصح العرب"، وإذا ما كان "الله" هو مصدر النَّص وهو المرْسِل والرَّاوي والقَائِل والمتَحَدِّث وصَاحِب الكلام ونحن البشر ممثلين بشخصية محمدْ فإنَّ عليه أن يخاطبنا بقواعد هذه اللغة ومنطقها: هو المرْسِل ونحن المتلقين ـ هو الشخص الأول المتّكّلِّم والمخَاطِبُ ونحن المتلقين. غير أننا نصطدم بورود اسم "الله" 2152 مرة واسم "الرحمن" كتعبير عن الله 45 مرة، ناهيك عن عشرات الصفات التي تحل محل الاسم وذلك باعتباره "شخصاً ثالثاً" كما يفترضه منطق لغة العرب التي انزل بها. ففي سورة البقرة فقط يرد اسم الله 216 مرة:
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
سورة البقرة - ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7).
سورة البقرة - يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9).
سورة البقرة - في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10).
سورة البقرة - الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15).
سورة البقرة - مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17).
سورة البقرة - يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير (20).
سورة البقرة - وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23).
سورة البقرة - إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين (26).
وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية ...
7.
فَمَنْ هو الكاتبُ ومَنْ هو المتلقي ومَنْ هو "موضوع" الرسالة؟
فكما نرى أن مصدر النَّص والمرْسِل والرَّاوي والقَائِل والمتَحَدِّث وصَاحِب الكلام ليس الله، بل شخصاً آخرَ تماماً: وهذا الشخص الآخر "المتكلم"، إمَّا أنْ يكون "شخصاً" مجهولاً أو أن يكون محمداً نفسه! أما "لعبة" استخدام الشخص الثالث باعتباره "إعجازاً" لغوياً، كما يقول الكهنوت الإسلامي، فليوفروه على أنفسهم فهذا هروباً سخيفاً ومزرياً لم يعد له أية قيمة.
إنَّ "الله" في القرآن ليس هو المتحدث، بل هو الشخص الثالث موضوع الحديث. وهذا ما ينسجم تماماً مع الأسلوب المتبع في الحديث عن "يهوه" و"الرب" والله في العهدين القديم والجديد. بل ينسجم مع جميع الكتب الدينية المكتوبة من قبل بشر مجهولين أو معروفين. فمن العبث أن يتكلم الله!
القرآن باختصار: كتاب بشري بكل المواصفات اللغوية والأسلوبية وعلى مستويات التعبير والمضمون والمنطق!
8.
غير أن القيمة العددية تُوَجِّه الأنظار إلى طرف آخر من المعادلة القرآنية.
فكما تخبرنا "الحكاية الإسلامية" بأن معجزة محمد هو القرآن، باعتباره الوسيط ما بين الله وعباده، ولهذا فقد اعتذروا له عن اجتراح المعجزات كسابقيه موسى وعيسى!
حسناً، لنقبلَ هذا الكلام على علاته حتى نتبين الحق.
فإذا ما كان محمد هو "النبي" الذي اصطفاه الله من بين "الأميين" ليمثله أمام الناس و"خاطبه" شخصياً و"شرح صدره" فإن من المنتظر أن يحدثنا عنه لكي يكسبه شيئاً من الاعتراف والمصداقية بكونه هو النبي والرسول المقصود لا شخص آخر. بل كان عليه أن يفسح له حيزاً يليق بمكانته كرسول له وبقيمته كنبي وصاحب رسالة يختم بها رسائل الله. بل كان على "الله" أن يوحي لنا بنصوص جديدة وإذا ما أراد أن ينظر قليلاً إلى الخلف للموعظة والحكمة فلا بأس أن يشير إلى الأنبياء السابقين بين حين وآخر.
غير أن هذا لم يحصل!
فالشخصية المحورية في "القرآن" هي موسى وليس محمد! فقد أشار إليه النص أكثر من 134 مرة، أما "محمد" فلم يحالفه الحظ باهتمام الله إلا أربع مرات لا غير! بل أن "الله" في "كتابه" قد ذكر عيسى حوالي 25 مرة (مستخدماً اسم عيسى أو ابن مريم)! أمَّا إبراهيم فقد تعرض القرآن له في 65 موضعاً من النص.
فأين محمد "حبيب" الله ورسوله المصطفى المدلل المبعوث إلى العرب والروس واليابانيين والناس أجمعين!؟
ما هذا الإصرار على ذكر موسى؟
أهذا كتاب أرسله "الله" إلى موسى أم "قرآن" منزل على محمد؟
ما هذا الاهتمام بقصص موسى وشؤونه وبما تَعَرَّضَ له وما قاله؟
9.
ها هي الأسئلة تعيدنا من جديد إلى نقطة البداية:
هل القرآن منزل من السماء؟
أولاً، لم يعد خافياً على كلِّ مَنْ اطلع على تاريخ الكتابة العربية بأنَّه من المتعذر أن يظهر نص القرآن (وبالشكل الذي وصل إلينا فيه)، في العشرينات أو الثلاثينيات من القرن السابع! والسبب بسيط جداً: هو أن أصول وقواعد ومستوى إتقان الكتابة العربية كانت آنذاك في مرحلة مبكرة جداً من تطورها. وهذا لا يعني غير نتيجة واحدة: إن النص الذي وصل إلى ما يسمى بفترة التدوين (ومن ثم إلينا) هو نص قد تم العمل عليه على مستوى المحتوى واللغة وتقنية الكتابة (من حيث القواعد والشكل والإتقان). وإذا ما وصلت إلينا المعلومات المتعلقة بما قام به الحجاج بن يوسف الثقفي وعبيد الله بن زياد من تغييرات وتحرير في نص القرآن، فإن ما قام به عثمان بن عفان سيظل مجهولاً إلى الأبد ولم يصل إلينا إلا غضب الناس في ذلك الوقت بسبب تصرفاته الاعتباطية في نص القرآن ـ وهو الغضب الذي دفع الناس إلى قتله شر القتلة.
ثانياً، ليس لدينا أي تسلسل يقيني لسور القرآنـ لدينا في أحسن الأحوال فرضيات وفي أغلبها يتم الاستناد إلى "تقنية" أسباب النزول الواردة في الحديث ـ والحديث قضية مشبوهة ولا يمكن الاستناد إليه بأي حال من الأحوال!
ثالثاً، نلاحظ على نصوص السور المختلفة، وحتى القصيرة منها، التفكك والتكرار وغياب العلاقة ما بين الكثير من الآيات ونقص كلمات وجمل كثيرة عند مقارنة نسخ القرآن التي وصلت إلينا مع بعضها. وقد أشار الكثير من الكتاب المسلمين إلى اختلافات لا عد لها ولا حصر من المصاحف المختلفة (كمصحف عثمان وابن مسعود ومصحف علي بن أبي طالب ومصحف وغيرها)
رابعاً، ثمة الكثير من الروايات (الواردة في أحاديثهم هم أنفسهم) عن ضياع وتلف وتغيير واختلاف في الطول لعدد لا يستهان به من آيات القرآن.
خامساً، تطابق عبارات وجمل كثيرة من القرآن مع نصوص شعرية لشعراء سبقوا ظهور الإسلام[2].
سادساً، تطابق الكثير من الطقوس اليهودية مع تلك التي أدخلها محمد إلى الإسلام كالصوم والحج وتحريم لحم الخنزير والختان وغيرها.
سابعاً، يتضمن القرآن الكثير من المفاهيم الدينية ذات الجذور الآرامية والعبرية والتي لا يمكنها فهمها بدون معرفة دلالتها الأصلية في اليهودية والمسيحية.
ثامناً، إن قضية "الحروف السبعة" و"العشرة" .. الخ تكشف لنا بجلاء إن القرآن "صناعة يدوية" بشرية ويخضع للآراء والتأويلات والاجتهادات البشرية.
تاسعا، لا أدلَّ من وجود المئات من الأخطاء الإملائية والنحوية في نص القرآن على أن فكرة الوحي "مهلهلة" إلى أبعد الحدود.
عاشراً، ليس لدينا أية أدلة مادية على وجود القرآن قبل فترة عبد الملك بن مروان!
والقائمة لا تنتهي . . ..
10.
هنا على مَنْ يؤمن بـ “سماوية" القرآن أنْ يفكر إنْ شاءَ، وإنْ شاءَ فليظل حبيس صندوقه الكئيب. صندوق أغلقه على نفسه وأصبح عاجزاً عن الخروج منه وفيه سيموت من غير أن يرى شمس العقل، وبهاء حرية التفكير!
أنت حرٌ يا أخي!




هوامش:
[1] "الخروج من الصندوق" تعبير يتضمن فكرة التفكير غير القياسي (التقليدي) لدراسة الظواهر الطبيعية والاجتماعية والسياسية. أي، الخروج من آليات التفكير المغلقة والبدء من زوايا لم تستخدم أو أسلوب لم يوظف بعدُ.
[2] من الأمثلة النموذجية على ذلك شعر أمية بن أبي الصلت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر