مقدمة:
لقد حاولت في حلقة سابقة [محمد [9]: لماذا حَرَّم محمدٌ الوأدَ؟] البرهنة على أنَّ "الوأد" ظاهرة تتعارض شخصياً مع "تعاليم" و"رغائب" و"فلسفة" محمد الجنسية جملة وتفصيلاً وأنَّ ثمة انسجام وظيفي براغماتي مدهش قلما نجده في كتاب محمد ما بين هدفي تحريم الوأد والحض على نكاح النساء الشامل (والأطفال الإناث ليس استثناء ومحمد مثال ساطع) ومعياري من جهة أخرى.
1.
إذن كان تحريم ظاهرة "الوأد" يستند في جوهره وبصورة عضوية إلى، وتنسجم مع، عملية التحليل الواسع لممارسة الجنس مع أكبر قدر من النساء يستطيع المسلم الوصول إليه!
ولهذا فإنَّه لا يمكن فهم أهداف القرار رقم 1[" وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ س أديان وثقافاتُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ".] بدون القرار رقم 2 ["فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا"].
فما بين هدفي هذين القرارين علاقة منطقية براغماتية داخلية وثيقة. إذ لا يمكن أن يكون تنفيذ الحُكُم المنصوص في آيات الحض الشامل والمتعدد (والمفتوح على مصراعيه) على النكاح ممكناً بغياب النساء أو قلة عددهن. ولهذا فإن تحريم وأد البنات "يوفر " عدداً واقعياً كافياً لتحقيق تطبيق قرارات إطلاق حرية النكاح الشاملة.
ولهذا فإن أحد الهدفين لا يكون بدون الآخر.
2.
ولكن هل هذه هي حدود فلسفة تحليل "النكاح" اللامحدود؟
بل هل سيكفي "عدد النساء" الناتج رغم قرار تحريم "الوأد" لتوفير الشروط الموضوعية لتحقق النشاط الواسع لما يسموه "النكاح" على الطريقة الإسلامية؟
الجواب: لا.
لأنَّ رفع القيود عن عدد النساء الخاضعات لقرار النكاح وحض الرجال (في حالتنا: مؤمنين أتقياء لا عمل لهم ولا شاغل غير النكاح!) على امتلاك أكبر عدد من النساء يحتاج إلى توظيف جميع "الخزين النسائي" المتوفر.
بكلمات أخرى: استخدام وتوظيف جميع الطاقات:
تحويل أية امرأة ممكنة إلى موضوع وهدف ممكنين للنكاح المحمدي!
3.
وهكذا كان على محمد أن يخطو خطوة جديدة لم يحرِّم العرب – وبشكل خاص قريش – خطوها فقط، بل حرَّمتها الكثير من الأديان والمجتمعات الأخرى، وهي الزواج من بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة!
4.
خرق المحرمات:
لم تكن لرغائب محمد الجنسية حدود.
ولهذا كان عليه اختراق جميع الحدود وفي هذا المسعى كان "ربه" وساعي بريده "جبرائيل" على أهبة الاستعداد: ففجأة عربدت البحار وزبدت واهتزت الجبال وانطلقت الصواعق في السماء الصافية الخالية من أية غيوم وتحت حريق الشمس الصحراوية أخذ صوت جبرائيل يدوي:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب: 50]
5.
وهكذا حلل محمد ما حرمه الجميع:
بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة وهنَّ من أقرب الأقرباء عاطفياً وجينياً، بل هنً بمثابة أخوات.
ومن أجل ذات السبب: تحقيق رغائبه الجنسية فإن محمداً قد خرق ما حرمه بنفسه: "النكاح من غير ولي" والذي ينطبق حرفياً على أولئك النساء التعسات " المؤمنات!" اللواتي تم تشجيعهن على أنْ"يَهِبْنَ" أنفسهنَّ لمحمد "إنْ أراد"!
[طفلة باكستانية مع زوجها!] |
6.
تشير تحقيقات المؤرخ المسلم هشام جعيط [السيرة النبوية -2- تاريخ الدعوة المحمدية في مكة، بيروت 2007] إلى أن "بنات العم والعمة والخال والخالة" كنَّ تاريخياً من المحارم وقد كانت العرب وقريش بشكل خاص تحرم هذا النوع من الزواج:
"وهكذا يمكن أن نقرر بأن المجتمع القرشي في الجاهلية كغيره مجتمع مقام على الزواج الخارجي ومقام على محارم بالتالي. والمفترض أن قاعدة مثل هذه لا تعرف استثناء، فهي تزن على الفرد والجماعة بكل ثقلها، وبقدر ما تقرب القرابة تقوى الموانع فلا تُجتاز أبداً [...] أما الزواج من خارج القبيلة وهو موجود بكثرة، أو الزواج من خارج العشيرة وهو أكثر تواتراً، أو من خارج السلالة وهو القاعدة التي لا استثناء فيها" [ص 64].
وهذا يعني، كما يقول جعيط، أن الهاشمي زمن محمد لا ينكح هاشمية (سلالة) والأموي لا ينكح أموية (سلالة). بل يمكن الذهاب إلى أبعد من هذا فلا ينكح عدوي عدوية ولا مخزومي مخزومية وهكذا [أنظر المصدر السابق].
7.
فكيف تم خرق هذه المحرمات؟
يقول هشام جعيط:
"إن الزواج من بنت العم إنما أشاعته الفترة الإسلامية، فَرَاجَ شيئاً فشيئاً مع الزمان حتى صار ينعت بالزواج "العربي" من طرف الأنتروبولوجيين الآن، بينما كان من المحارم في الجاهلية في قريش، ونفس الشيء يتعلق ببنات الأخوال والخالات والعمات. الإسلام هو الذي محا هذا العرف القديم، بينما حافظت عليه الكنيسة".[السيرة النبوية -2- تاريخ الدعوة المحمدية في مكة: ص 66]
إذن محمد هو الذي حلَّل ما حرَّمه الآخرون وهو أمر يتعلق بعدم خرق "علاقات الدم".
8.
وكما أشرت في الكثير من المرات أنَّ النص الإسلامي (أيَّ نص) يخفي دائماً أكثر ما يعلن. بل أنَّ الذي يتستر عليه هو "جوهر الكلام" وهدفه. وكتاب محمد من النصوص النموذجية في هذا المجال.
ولكي يدرك القارئ المسوغات التي حلل محمد على أساسها ما حرمه الآخرون (بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة). فإنَّ عليه أن يسأل عن توقيت مثل هذا التحليل (أو القرار).
9.
لقد كان هذا القرار تمهيداً لقرار آخر:
نكاح زينب بنت عمته!
هذا هو مربط الفرس!
إنَّ تقاليد العرب – وبشكل خاص قريش – كانت تمنع محمد من تحقيق رغائبه العاطفية (ولا اعتراض لي عليها). إذ أن تحريم بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة كان يقف حجر عثرة أمام محمد للوصول إلى زينب بنت جحش وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب.
فكانت القرار الرباني: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ] بمثابة مفتاح حل للمشكلة.
فقد سقط التحريم ومنذ الآن أصبح الطريق سالكاً لقرار رباني جديد:
وبينما كان محمد جالساً مع عائشة "أخذته غشية" فتراءى له جبريل ناقلاً له حكم "الله":
"وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُول"!!!
وهكذا فإن الطريق إلى زينب ما كان ممكناً من غير خرق التحريم المشار إليه.
10.
لكم كانت نظرة عائشة ثاقبة ومصيبة في حكمها عندما هَتَفَت:
ما أرى ربك إلا يسارع في هواك!
قد يكون للموضوع بقية ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق