منع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل

حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً [1]: Prelude

[1]
لكل كارثة بدايةٌ؛
ولكل نتيجة سببٌ!
هذا ما يقوله لنا قانون العِليِّة وما يقدمه لنا التاريخ الحقيقي للبشرية من أدلة.
فما نعتقد بأنه محض مصادفة أو قَدَرٌ سقط على رؤوسنا من السماء [حيث يتمطرح "ربُّ" العرش العظيم وقد بانتْ خصيتاه وهو محاط بالملائكة (1)] فإنَّ له جذوراً في الزمان والمكان. ولكن ليس من الضروري أنْ نبحث عن هذا السبب [البداية] في مكان قريب وزمان قريب من مسرح الكارثة نفسها. فهو في الكثير من الأحيان مستتر، غامض، بعيد عن الإدراك ويستقر في زمان غابر ومكان أكثر غبرة وعتمة.
وإذا كان بمقدور رفرفة جناحي الفراشة في لحظة ما وفي نقطة جغرافية ما أنْ تسبب إعصاراً في مكان ما وزمان ما آخرين بعيدين، فإنه من المنطقي تماماً أنَّ حدثاً جللاً، مثل ظهور عقيدة شمولية متعصبة متطرفة كالعقيدة المحمدية، أنْ يكون سبباً في الماضي والحاضر لكوارث لا يمكن أنْ تُقارن إلَّا بعشرات الأعاصير!
وأعاصير العقيدة المحمدية قد فاقت إعصار "كاترينا".
إنها أعاصيرُ عاتية جرفت في طريقها مدناً وثقافات شعوب متقدمة وقامت بتدميرها والاستحواذ على خيراتها مستعبدة رجالها ومغتصبة نسائها ومن ثم تذويبها بقانون السيف والنار والفرض والإجبار.
ليس هذا وصفاً مبتسراً أو تعميماً سريعاً وأقل ما يكون "إجحافاً" بحق الإسلام كما يدعي دعاة المسلمين ومؤسسات تنظيف التاريخ الإسلامي والمؤمنون بالسعالي والجن والملائكة والطناطل وإنما هو سلسلة من الأحداث التاريخية التي نمتلك من الأدلة الوثائقية على مصداقيتها ما لا يمتلك المسلمون ذرة واحدة منها للبرهنة على مصداقية ما يدعون.
[2]
التاريخ بئر عميقة.
بئر لا قرار لها. . .
وبداية هذا التاريخ في مكان ما من قعر البئر الذي ما عاد بإمكان أحد رؤيته والتأكد من وجوده. فهو هناك قابعاً في الروايات الكاذبة "المتواترة" التي لا دليل على صحتها ولا وثيقة تستحق القبول تدعم مصداقيتها.
إن تاريخ العقيدة المحمدية هو من بين تواريخ جميع العقائد الدينية [بسبب حجم الأساطير الهائل] التي تفتقر افتقاراً مهولاً للوثائق من أي نوع.
بل أنَّ "تاريخ" هذه العقيدة قد "كُتِبَ!" [ والتعبير الأصح هو: قد فُبْرِك] استناداً إلى ذاكرة العجائز بعد قرون من تاريخ نشأتها المفترض.
إنه تاريخ مصنوع من الادعاءات والأوهام والأماني والخرافات ومصالح الخلفاء والقبائل والأمراء والأساطير دُوِّن في مئات المجلدات وأُعيد تدوينه مئات المرات، ولكن لم يقرأه إلا القليل منهم. ولأنه تاريخ فضائح فقد صمت هذا القليل عليها.
ولهذا تركوا لنا، مشكورين "تراثاً" مدهشاً مليئاً بالتناقضات والترقيعات والنصوص المنتحلة والأكاذيب والأساطير الأدبية والمحالات . . والقائمة تبدأ ولا تنتهي.
[3]
في هذا التاريخ المزيف بصورة مثالية ونموذجية وقد عمل عليه مئات الرجال [من بخارى وخرسان ومباركفور وبلخ وطوس ونيسابور وطبرستان وتركستان وفاراب وفارس وزمخشر وجُرجان . . .] تم تزييف البدايات وأُضفيت عليها هالات القدسية حتى تحولت إلى ما يشبه "الحقيقة" التي تمتلك "مصداقية" يمكن الشك بحقيقة دوران الأرض حول الشمس (2) ولكن ليس بـ"حقيقتها"!
إنه "تاريخ" الشيوخ والكهنوت والرواة والأفاقين والكذابين وأنصاف المتعلمين وأدباء السلاطين.
تاريخ مُصْطَنَع مُنْتَحَل مُفَبْرك بـ"التواتر" منذ أكثر من 12 قرناً.
إنَّه صناعة إيمانية لاهوتية لا يمت للتاريخ الحقيقي بصلة.
إنه دخان أفيون(3).
[4]
وبداية كارثة مطيع الغائب [حمار القرية المُسالم]، وجميع سكان قرية "المجلجلة"(4) تقبع هناك في قعر هذه البئر التي لا قرار لها.
ولهذا فإنَّ أفْضَل معارف المحمدين هي الخرافات؛
وأفضل معارفنا لها قيمة الفرضيات.
غير أنَّ هذه الفرضيات تستند إلى "تاريخ" المسلمين بالذات. ولأنهم دمروا جميع الأدلة التي تفضح هذا "التاريخ" فإن التاريخ الذي لا دليل عليها لا يحتاج نقضه إلى دليل!
[5]
إذن كارثة الحمار مطيع الغائب لم تبدأ منه، ولم تكن من نتائج جغرافية الزمان والمكان للقرية التي لا وجود لها على الخارطة وقد لقى حتفه فيها [والتي سوف تختفي بقدرة قادر هي الأخرى مثلما اختفت الكثير من القرى الأخرى].
ومع ذلك فإن الجميع [تقريباً الجميع] ومن بينهم زوجته يحملونه تبعات ما وجد نفسه فيه من الكارثة التي يدعون بأنه قد أوقع نفسه في براثنها بإرادته.
ولا تتعدى هذه الاتهامات غير تصورات ضيقة لضيق أفق مواطني مملكة الظلام وقُراها التي ضاقت فيها الحياة للمختلف عنهم والمخالف لتصوراتهم الضيقة حتى أصبحت الحياة أضيق من خرم الإبرة.
- "أمشِ الحيط الحيط وقُلْ يا ربي الستر"!
هذا هو الشعار القومي الغالي على قلوب الملايين:
من بائع السمك حتى "أستاذ!" الجامعة وإنَّ معاينة الوقائع مِنْ قبل أيٍّ كان هي كفر وإلحاد وزندقة.
[6]
إذن البدايات هناك في ذلك الجحيم الصحراوي(5) من عالم منسي مجهول صنعته الهلاوس والخرافات؛
صحراء ينهرس تحت لهيب شمسها الناس والحجارة والحيوان وخلايا الدماغ. ولهذا قرروا هجرها أفواجاً [بل هربوا منها] إلى بلدان الوفرة محملين بالجوع والفاقة والعصبية والسيوف والرماح [ألَمْ يقل نبيهم بـأن رزقه تحت ظلال الرماح؟!]



[عالم البدايات . . .]

إنه هناك في قعر بئر التاريخ المظلم ولا نرى الآن غير نتيجة واحدة– واحدة فقط من ملايين النتائج العشوائية التي حُددت مسبقاً وقررت مصير الملايين:
كارثة واحدة من سلسلة الكوارث التي بدأت ولن تنتهي.
[7]
ومع ذلك فإن الشخصيات والأحداث في هذه الحكاية قد تكون من وحي الخيال وقد لا يكون لها علاقة بالوضع في الشرق الأوسط إلا باعتباره مكاناً ملهماً لا نمتلك غيره مكاناً لتاريخ البدايات؛ وإنَّ أي شبهٍ مع شخصيات أو حيوانات وأحداث فعلية فإنه قد يكون محض صدفة!
ولكن:
من هو الأحمق الذي يستطيع أن يدعي بثقة عالية بأنَّ ما حدث في هذه الحكاية لم يحدث قطُّ أو لن يحدث أبداً؟
ومن هو الأحمق الذي يجزم من غير تردد أو شكٍّ بأنَّ قرية "المجلجلة" لا وجود لها إطلاقاً أو أنها كانت في يوم ما في مكان ما من الشرق الأوسط وقد كفت عن الوجود؟!
إنَّ حقيقة وجود قرية "المجلجلة" ليس أقل احتمالاً من وجود "مكة" المحمدية التي لا آثار لها غير الأخبار المختلقة "المتواترة!"؛ كما أنها ليس أكبر احتمالاً من مئات الشخصيات المزيفة والأحداث الأسطورية والمعجزات الربانية التي رافقت "تاريخ" الإسلام أو صُنعت منها.
إنَّ الأمكنة والشخصيات والأحداث وسراب الصحراء العربية قد صُنِعَت من مادة روائية واحدة. فأصبح من الصعب فصلها عن بعض وإذا ما قرر المرء رفض عنصر واحد فإن عليه رفضها جميعاً.
لكن الواقعة" الوحيدة التي يمكن البرهنة عليها عيانياً هو السراب.
وهو سراب مديد . . .
وقد تحول هذا السراب الى "الماء" الوحيد الذي يغتسلون به، إن اغتسلوا؛ ويصنعون منه الشاي المطبوخ إلى درجة ترشح السموم، وهو نفس "الماء" الذي يتوضؤون به على طريقة القِطَطِ؛ وهو نفس "ماء" زمزم الخرافي؛ ونفس "الماء" الممزوج بماء الورد الذي يرشونه على أنفسهم طلباً للثواب في قبور الموتى "المعصومين"؛ وهو "ماء الوجه" الذي لم يعد أحد منهم يخجل من غيابه . .
إنَّه السراب المقدس:
سبات العقل وتحجر التفكير وعبادة الأوهام والوعي المزيف للذات والعالم.
مرحباً بكم في دار الإسلام!


هوامش:
(1) يقول المخرفون المغرمون بالمسافات والحجوم الخرافية: إنَّ بين "الملائكة" حملة العرش ثمة "ملاك" تُقَدَّرُ المسافة الفاصلة ما بينَ شَحْمةِ أُذُنِه إلى عاتِقِه" [وشَحْمَةُ الأُذُنِ هي الطَّرَفُ اللَّيِّنُ في نهايةِ الأُذُنِ، والعاتِقُ ظَهْرُ الكَتِفِ مِن أوَّلِه معَ أَسْفَلِ العُنُقِ إلى آخِرِه معَ مُلْتَقى الذِّراعِ] "مَسيرةُ" – والمسيرة هي مسافةُ 700 عامٍ![ [وهو حديث صحيح!]
فهمتوا؟!
(2) لا يزال الكثير من "فقاء" المسلمين يرفضون كروية الأرض، مثلما يرفضون حقيقة كونها تدور حول الشمس حتى اضطرت بعض المؤسسات الحكومية العربية أكثر من مرة إلى التدخل وإسكاتهم والتصريح بإن هؤلاء "الفقهاء" قد "أسيء فهمهم"! ولم يكن هذا "الاضطرار" حباً واحتراماً للعلم وإنما لدرء الفضائح العالمية!
(3) للمعلومات: النسبة الكبرى من كميات الأفيون المستهلك في العالم هو صناعة إسلامية – وبشكل خاص أفغانية ومغربية.
(4) لا أحد يعرف بالضبط لماذا تحمل القرية اسم "المجلجلة". وكما اعتاد المفسرون المسلمون عندما يتعلق الأمر بمعاني أسماء الأشخاص والمواقع الجغرافية أن يهرع كل واحد منهم إلى أقرب ما يخطر على باله من معاني اللغة وقد اختلفوا كالعادة. فمنهم من يدعي أنها من [جلجل] وتعني صوت الرعد؛ ومنهم من يقول أنها من "الجَلاجِل" وهي الأجراس الصغيرة التي توضع في رقاب الماعز والأطفال والمضحكين؛ ومنهم من قسم اليمين بأنها من [الجَلَل] وهو الأمر العظيم.
ولكن مطيع الغائب يعتقد أنها من [الجِلال] وهو سرَجْ الحمار. فسبب عدد الحمير الهائل في القرية فإن المار في أزقة القرية سوف يرى أمام كل بيت "جلالاً". وهذا المعنى هو الأقرب إلى المنطق والدقة والوقائع. فهو العارف بأمور القرية والحمير والناس وتاريخهم.
(5) من المعاني الأصلية لكلمة [جحيم] هو المكان الشديد الحر.

الفهرس <الحلقة الأولى >  الحلقة الثانية





حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً [10]: الإغتيال

رأس الحمار فقط وهو يستلقي على الأرض


[1]
قرار الحُكْم:
لم يمض أكثر من أسبوع على جلسة المحكمة الأخيرة التي نظرت في قضية الحمار نشرت الصحف الحكومية الرسمية خبر إطلاق سراح الحمار بكفالة مالية قدرها 100000 دولار أمريكي وتعهد خطي بعدم التدخل في السياسة والامتناع عن مناقشة الأمور الدينية التي تمس الذات الإلهية وسمحت له بالصلاة خمس مرات في اليوم على شرط عدم حضور صلاة الجمعة.
وقد نشرت إحدى صحف الحكومة المستقلة صورة للحمار وهو يغادر سجن التحقيقات وقد قدم له أحد الشرطة باقة من أزهار الورد الأحمر بمناسبة إطلاق سراحه!
[2]
الحرية الوهمية:
عندما خرج صاحبنا من المعتقل ووطأت "أقدامه" أرض الشارع المبلط مرت بمحاذاته وكالصاروخ سيارة سوداء بدون رقم. فتسمر في مكانه متابعاً السيارة السوداء وهي تختفي عن أنظاره.
لم يولِ الأمر أية أهمية، على عادته، فقد كان مبتهجاً لخروجه من السجن. رفع رأسه عالياً وهو يستنشق هواء الصباح بمليء رئتيه.
فكر بزوجته وأطفاله. . .
كان الشوق إليهم يحرق قلبه فسالت الدموع من عينيه وأخذ ينحب بأعلى صوته [للأسف فهم المارة بكاءه بصورة مغلوطة. فهم كانوا يعتقدون بأنه ينهق!].
لم يكن يدرك ما الذي يحدث حوله.
ولأنه كان قادراً على التفكير والتأمل في أي نقطة من المكان والزمان فقد كان متسمراً في وسط الطريق قاطعاً السير حيث تشكل طابور طويل من السيارات التي ينتظر سائقوها أن يعبر صاحبنا الشارع ويحرر الطريق. فأسرع بعبور الشارع وكادت إحدى السيارات تدهسه وقد أخرج السائق رأسه من نافذة السيارة صارخاً بأدب "جمِّ":
- هيه يا حمار، هل هذا وقت الحمرنة؟!
- وهل تبقى شيء من الحمرة؟!
ردد صاحبنا مع نفسه ثم تنبه إلى باقة زهور الورد الأحمر التي كان يقبض عليها بأسنانه فرماها تحت قدميه وأنطلق باتجاه القرية.
[3]
لم تكن [Donkey village] كما كانت عليه قبل اعتقاله.
لقد تغير كل شيء. وكما تقول القطة المرقطة [نقلاً عن هيراقليطس]: "لن تنزل النهر مرتين".
إذ كل شيء يتغير .. كل شيء يتحول. لكن مشكلة هذه القرية المستحيلة التي لا وجود لها على خارطة العالم هي أنها تتغير باستمرار إلى الأسوأ حتى أنَّ الشعور باقتراب الكارثة يلفُّ الجميع.
تسلقت القطة المرقطة منارة جامع القرية الذي بني على عجل حتى يتم افتتاحه في يوم "المولد النبوي". وقد كانت على ثقة بأنَّ هذه المنارة سوف تتهاوى في يوم ما [وقد تهاوت فعلاً في لحظة تهاوي القرية بسكانها].
كانت القطة المرقطة شاهدة على تاريخ بناء المنارة ورأت "بأمِّ عينيها" كيف تم إنجازها من مواد البناء الرخيصة، مثلما كانت شاهدة على مطالب أمين الشحات إمام الجامع الأحول المستمرة أنْ يقتصد العمال باستخدام السمنت. فقد كان إمام الجامع الأحول يكره التبذير جداً حتى كان يتمنى أنْ يتم بناء المنارة من طين المستنقع الذي يحيط بالجامع. ولهذا فقد كان الجزء الأكبر من أموال التبرعات التي يقدمها مهابيل القرية لبناء الجامع تذهب بهدوء وسلاسة إلى جيب إمام الجامع بدلاً من تبذيرها في مواد تضر ولا تنفع كما يقول!
وحسب معلومات القطة المرقطة فإنَّ إمام الجامع قد بنى بيتين خلال السنتين الأخيرتين من أموال التبرعات. وقد حدث هذا بدعم وصمت المختار الذي شمله إمام الجامع ببعض الخيرات [شاحنة بيك آب [Pick-Up] كهدية تعبيراً عن الود والامتنان بمناسبة عيد الشجرة!].
[4]
ظلت القطة المرقطة تراقب القرية من أعلى نقطة في القرية بانتظار الكارثة.
وخلافاً لجميع سكان القرية من الناس والحمير والماعز والقطط والكلاب، فإنها كانت تسخر من عقولهم، التي تصفها بالفاسدة كبيض دجاج القرية من شدة ارتفاع درجة الحرارة. إذ أنَّ ولعهم بانتظار قرب ظهور صاحب الزمان وخروج الأعور الدجال لا يثير فيها غير مشاعر القرف والاستهزاء في آن واحد.
فالأعور الدجال هو في الجامع أمامهم كل يوم: يؤم صلاتهم ويسرق تبرعاتهم أمام عيونهم.
أما الشعور باقتراب الكارثة من قبل سكان القرية فهو الشعور الوحيد الذي تأخذه القطة مأخذ الجد. وهي تعرف من تجربتها الغنية بأنَّ كوارث القرية لا علاقة لها بـ"صاحب الزمان" وهي تعرف جيداً بأنَّ الزمان لا "صاحب" له غير الخرفان والماعز التي ترعى حول القرية من غير أن تكترث لا بالزمان ولا المكان. إذ يجدها الناس ترعى في كل زمان وفي كل مكان حتى في غرف نومهم وفي سقائف مطابخهم، وفي الجامع، وفي غرفة المدرسة الوحيدة.
[5]
الكارثة التي تنتظرها القطة المرقطة لـ Donkey village هو أنْ تبتلعها الأرض كما ابتلعت سكان القرية المجاورة ولم يعرف أحد مصيرهم. ولأنَّ للكوارث دائماً بدايات تمهد لها فإنَّ إطلاق سراح الحمار وكأنَّ شيئاً لم يكن هو إنذار بأن الكارثة قادمة.
وفي هذه اللحظة بالذات من تأملات القطة سمعت عدة إطلاقات مكتومة.
وعندما صعدت القطة على سياج المأذنة العالي لم تر شيئاً غير مشهد الحمار وهو يجرجر قائمتيه الخلفيتين بصعوبة ثم سقط على الأرض من غير حراك.
[6]
النهاية المحتومة:
بعد ساعات فقط من إطلاق سراحه عثر أهل القرية الذاهبون إلى أعمالهم على جثة الحمار ملقاة في وسط الساحة المركزية للقرية!
أول من عثر عليه كانت القطة المرقطة التي كانت شاهدة على مصرعه.
كان يبدو وكأنه نائم.
لا تبدو على وجهه آثار ألم أو أسى – بل يبدو وكأن ابتسامة سخرية تتسلل من فمه المغلق.
وعندما نزلت القطة المرقطة من المنارة، التي تهاوت حالما نزلت منها، اقتربت من جثة الحمار ولاحظت بوضوح ثمة حفرة في صدغه والدم لا يزال يسيل حتى شكل بركة حمراء تحت مطيع الغائب.
لقد أصبح واضحاً بالنسبة لها بأنَّ نهاية الحمار هي نهاية الجميع.
فالذي حدث مع مطيع لم يكن غير استهتار القرية بوجوده وتحميل آراءه أكثر مما تحتمل.
ولأول مرة شعرت القطة بالأسى وأنها تعيش في عالم لامعقول.
- هل يستحق الأمر كل هذا؟
تساءلت القطة بغضب شديد، لكنها لم تكن قادرة على أن تفعل أكثر من هذا. فتركت المكان وهي تسير على غير عادتها ببطء وتثاقل.
بعد هذا اليوم لم ير أحد من أهل القرية القطة المرقطة قطُّ.
أما هي فلم تسمع بعد ذلك اليوم بوجود القرية أيضاً!
[7]
لم يثر غياب القطة المرقطة اهتمام أحد. فكلُّ واحد من أهل القرية الآيلة إلى الانقراض كمنارة الجامع [الحمير والبشر والماعز والخرفان والكلاب والقطط] حائر بمصيره الكارثي الذي على قاب قوسين أو أدنى.
كانت لقضية مطيع الغائب نتائج خطيرة لم يكن يتوقع حدوثها أحد – بل وآخر ما كان يمكن أن يتوقعها هو نفسه.
هنا يكشف "تأثير الفراشة" لنظرية الفوضى عن كامل صورته ومعانيه.
فهذا "الحدث الصغير" الذي اعتادت الصحافة المحلية والعربية والعالمية باعتباره "قضية مطيع الغائب" قد أدى إلى أحْداثٍ وتحولات عاصفة في حياة البلاد.
لقد تحولت "قضية مطيع الغائب" إلى "إعصار مطيع الغائب".
والمدهش في الأمر هو أنَّ هذا "الإعصار" وربما لأول مرة في تاريخ الأعاصير الفتاكة يحمل اسماً مذكراً مخالفاً للمنطق الفقهي الإسلامي الذي يعتبر النساء مصدر المصائب!
إنه "إعصار مطيع"!
[8]
فإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إحالة وزير الداخلية على التقاعد ومصادرة سياراته العشر والدراجة الهوائية العائدة لحفيده الصغير؛ وطرد الناطق الرسمي باسم هيئة الإفتاء الوطنية [أو القومية] من الخدمة والبلاد في آن واحد؛ وتجميد عمل "وزارة الأوقاف" إلى إشعار آخر واستحداث وكالة جديدة تحت اسم "المطاردة الديموقراطية لأصحاب الرأي"؛ وغلق دار "سينما الوطن" لأنها عرضت قبل فلم "طرزان" الأخبار المحلية التي أشارت إلى "قضية مطيع الغائب"؛ وغلق مطعم "الأفراح" لأنه ابتكر سندويشاً جديداً تحت اسم "سندويش مطيع"؛ وغلق جميع الطرق الدولية والفرعية والتجارية المؤدية إلى " Donkey village " وإزالة مادة الأسفلت منها نهائياً؛ وإقالة أمين الشحات الأعور كإمام لجامع القرية وتعينه سفيراً للبلاد في الفاتيكان؛ وإلقاء القبض على جميع القطط في القرية واستجوابها حول المقر السري للقطة المرقطة [إذ يعتقد بأنها عميل سري للمخابرات السويدية].
فإنَّ "إعصار مطيع" قد أدى إلى نتائج اقل ما يقال عنها بـأنها كارثية على " Donkey village"!
[9]
إنَّ ما حدث في Donkey village قد خرج عن طاقة الجميع لا على تحمل المفاجأة بأنَّ يقوم حمار قروي بالتمرد على الإرادة الإلهية فقط بل وقد أثبت أنَّ عالمهم يتهاوى من الداخل من غير تدخل الاستعمار والامبريالية والصهيونية.
لقد كان الحمار مطيع الغائب واحداً منهم؛ ولم يكن غير أضعف الحلقات ومع ذلك فقد تمرد عليهم وعرضهم كما تفعل أجهزة العرض السينمائي أمام الجميع في وضح النهار وأجبرهم على ارتكاب أكبر الحماقات ووضع في قلب البلاد الفضيحة التاية:
اغتيال حمار بحجة الاعتراض على الإرادة الإلهية!
[10]
وهكذا فقد كان على الحكومة أنْ تقوم بما قامت به بصدد القرى الأخرى:
مسح Donkey village عن وجه الأرض وإلغاء واجتثاث أية آثار لها. إذ لم تكن أوامر الدولة ترحيل سكانها وتدميرها وإنما تدمير القرية بسكانها ومنع أي كائن حي من الخروج منها.
ولم ينجُ من المذبحة غير اثنين:
أنا والقطة المرقطة!






حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً [8]: المعتقل السري

الحمار وراء القضبان
[1]
في وقت كان يستشعر فيه برودة ظلال بناية السجن المواجهة للساحة [ربما لم يكن يتعدى بعد وقت صلاة الظهر]، استيقظ [أو بكلمة أدق: فتح عينيه] على أصوات جلبة ووقع أحذية ثقيلة على الممر المكسو بالبلاط والمؤدي إلى زنزانته الواقعة في نهاية الممر. ثم سرعان ما سمع صوت حزمة المفاتيح الثقيلة ومحاولة فتح باب الزنزانة الحديدي.
دخل ثلاثة رجال ملثمين بأُمْرَة مدير السِّجن، وهو رجل قصير القامة تبدو على خده الأيمن آثار ندب قديم وقد أُقتطع جزء من أرنبة أنفه، يقبض بشفتيه على سيجارة يتصاعد منها الدخان:
- انتهى وقت النوم، أستاذ!
قال مدير السجن بصوت مشروخ من تأثير التدخين بتهكم وعصبية وخشونة وكأنَّ بينهما عداوة قبلية قديمة من أيام داحس والغبراء [وهي حرب دامت 40 عاماً نتيجة للنزاع على الفرسين داحس والغبراء. ولا يزال العرب، ومن كل عقولهم يفتخرون بفروسية المحاربين!]، رغم المسافة الاجتماعية والروحية التي تفصله عن كائنات مثل داحس والغبراء!
الحق أنَّه لمن دواعي سروره أن يتعامل الآخرون معه كحصان ـ
أو بكلمة أدق شيء (ما) يشبه الحصان. فهذا، على أية حال، شرف هو عاجز حتى أنْ يحلم به. ولكن هذا لا يعني أنَّ الأحلام لا تمرُّ عنوة بخاطره. فهو لم يقرر يوماً أمراً يتعلق بحياته – فهو لم يقرر أن يكون حماراً مثلاً، فكيف يكون بإمكانه أن يقرر ماذا ومتى يحلم؟
بل إنَّه لا يعرف حتى معنى "القرار".
إنَّه كما يقول البعض "مُطِيعٌ بحذف العين!" ( تتضمن العبارة لعباً في الكلمات. فـ"المطيعُ بحذف العين" هو "المُطِيُّ “ من "مَطِيَّة"، أي: الحمار).
والأمر سواء بالنسبة له: حُذِفَ أمْ لَمْ يُحذفْ هذا العينُ اللعين! فَهُوَ هُوَ: أينما حلَّ وأينما رَحَلَ.
فإذ يَّدعون بأن "رب العالمين!"، الرب المفترض الذي سقط الآن من حسابه، قد وَهَبَهُ جسداً وهيئة لا يمكن أن تغيرها الكلمات والأسماء. قد يختلف الأمر بالنسبة للآخرين، وقد يكون حذف هذا "العين" من عَدَمِه يُقَدِّم أو يُؤَخِّر شيئاً بالنسبة لهم، لكنَّ الأمر في حالته لا يعني الشيء الكثير: فنتائج حذف "العين" مساوية تماماً لبقائها. بل هما مترادفان يكاد يحلُّ أحدهما مكان الآخر: فسواء كان مطيعاً بحذف العين أو حماراً فقط، فالأمر سواء – فهو هو: مخلوق من الدرجة الثانية.
[2]
فالحصان، مثلاً، قد يُسمح له بأن يُتَّصَفَ بالجموح والتمرد حتى أنَّ صفة "الجموح" تضفي عليه شيئاً من النبالة والشرف. وإذا ما تَهَكَّم "الخالقُ" على صَوْتهِ أمام عباده فإنَّ لصَهيل الحصان وجلجلته، رغم أنَّ صوتيهما قريبان من بعضهما في الشدة والارتفاع، وقعٌ محبب إلى نفوس الأنس والجن، ولا شكَّ إلى نفوس الملائكة أيضاً!
بل أنَّ للحصان أسماء وألقاباً لا عدَّ لها ولا حصر: فهو المشهورُ والمُنْكَدِرُ والسَّكْبُ والمرتجزُ واللحيفُ والبحرُ والوردُ والمُلاوحُ واللزازُ وغيرها الكثير. بل وللحصان أساليب مشي عدو وخبب ثم تبختر وغيرها تحولت إلى أسماء لبحور الشعر!
أما بالنسبة له، كحمار [أو مطي]، فإنَّ "الجموح" صعب المنال وهو من المستحيلات التي يمكن أن تؤدي به إلى حتفه. فمصيره التراجيدي الحالي لم يكن إلَّا لأنَّه تجرأ على الدفاع عن كرامته وصوته ضد تهكم "الخالق" ولا شيء آخر غير ذلك!
فما الذي كان يمكن "لا سَمَحَ الله" أن يحدث له لو خطرت على ذهنه فكرة جهنمية وهي أن يقرر، هكذا فجأة، أن يجمح!
فلماذا يحق للحصان ما لا يحق له؟!
أهذا عدل عليه القبول به والخضوع له؟
وربما هانَت القضية لو أنَّ الأمر قد اقتصر على امتلاك الحصان هذا الحد من الرفعة والشرف. فالحصانُ قد كرَّمه رسول الخلق بذكره وحمده في أحاديثه، إذ قال بصريح العبارة ومن غير إيحاء أو إمارة:
-" الْخَيْل مَعْقود فِي نَواصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة"!
ولهذا لم يتبق له غير الصفة الوحيدة التي سمح له بها "الخالق" الرحيم هي: العناد!
ولهذا لن يشفع له!
[3]
ولأنَّهُ تعلَّم الدرس ولم يعد يطرح الأسئلة، فإنه الآن يميل إلى قبول هذه الصفة على مضض رغم أنَّه عاجز عن أدراك مسوغاتها. فهو كان يعيش دائماً متواضعاً و"يمشي الحيط الحيط ويقول يا ربِّ الستر!"، وهو يسمع الكلام ويطيع الأوامر ويرفع الأحمال ما خفَّ منها وما ثقل، لا يردَّ إهانة مهين ولا يحتج على ظلم ظالم، يطيع طاعة عمياء حكم الولي ويردد صباح مساء: "أنا العبد الضعيف الذليل الفقير المُهْمَل المطيع الصابر، عفيف العين واللسان، الشاكر لحكم الله في السراء والضراء، احتمل الأذى ولا اعتراض لي على ما يحلُّ بي، لا اختيار لي لما أحب أو قرار لي لما أكره"!
فكيف يكون "عنيداً" والعناد من صفات المتجبر صاحب المُلك والجاه!
إنَّهُ، وله من الحق ما يكفي لكي يتساءل، أبْعَدُ خلق الله عن العناد وأقرب إلى الطاعة من جميع العباد!
فهو قد يتسمر في مكانه ولا يتحرك لحظة لكي يسترد أنفاسه أو حين تجول في خاطره فكرة فيقف لحظة لتأملها أو يرى بهاء الخالق لكي يملأ صدره بالإيمان والامتنان له، لكنه لم يكن وما كان بإمكانه أن يكون عنيداً يوماً أمام حكم الله!
هو لم يفعل شيئاً غير أن قرر أن يؤذن [أو ينهق والناس تنهق ليل نهار] بصوت عال، بعض الشيء، حتى يقول للناس بأن صوته لا يختلف عن بقية الأصوات!
ومع ذلك فقد أذَلَّه "ربُّ العالمين" وأطاح بكرامته.
ولهذا لقد "مات " هذا الرب ولم يتبق غير دعاء:
آمين!
[4]
الزنزانة:
كانت الزنزانة شبه مظلمة، إذْ لم يكن يضيئها غير الضوء المتسلسل من هوَّة ضَيِّقَة في أعلى الجدار المطلِّ على ساحة السجن. وكان محيط الزنزانة يغرق في الظلام ومن الصعب على المرء، أو أيِّ كائن آخر،
التأكد فيما إذا كان هناك نَزِيلٌ آخرُ غير صاحبنا.
على الأرض بجانب الحائط ثمة حصير قديم مصنوع من سعف النخيل وإناء معدني (من الألمنيوم) قديم متآكل، ربما يستخدم للطعام والماء وأمور أخرى على حد سواء[ولهذا فإن النافذة أو "الهوة" المفتوحة لم تكن كافية لتهوية الزنزانة من رائحة البراز]، ولا شيء آخر.
هي غرفة مستطيلة لا يتجاوز عرضها المتر والنصف وطولها المتران، مظلمة جرداء باردة مهملة تقع خارج المكان والزمان والتاريخ، تقع في بناية لا وجود لها على خارطة المدينة، من غير رقم أو يافطة يُشير إلى وظيفتها والجهة المشرفة عليها، يحيط بها سور عال من الطابوق ومدخل حديدي صدأ.
هي هناك وليس هناك.
لا يعرف بها غير مَنْ هم فيها.
لا تثير اهتمام المارَّة في الشارع المُترب [ثمة بقايا هنا وهناك من أسفلت قديم] المحيط بالسجن وعلى مسافة مئة متر يقع جامع قديم متهدم ترتفع منه منارة سيئة البناء مطلية بطلاء أبيض يلوح من تحته آثار طلاء أخضر قديم.
أمَّا في مساحة الأرض التي تمتد أمام بناية السجن في الجانب الآخر من الشارع الترابي فثمة مقبرة للسيارة القديمة والسكراب تحرسها كلاب مربوطة عند المدخل من غير أنْ تلوح أثار لأشخاص، أو عمال، أو حُرَّاس.
تحت شمس أواخر تموز المحرقة كان يتلظى كل شيء:
الحديد والطابوق وأرضية الشارع الترابي والهواء وتكاد أرواح البشر والحيوانات والملائكة والجن تزهق من شدة الحرِّ.
لا أشجار تخفف وطأة الحر ولا ظلال لبنايات عالية يمكن للناس أو الكلاب أن تلتجئ إليها.
إنَّها جهنم الموعودة!
مرحبا بالجميع!
[5]
تأملات حمارية حول التفكير والوجود:
في مثل هذه الظروف قد يحلو لرواة القصص القول "بأنه حين سمع صوت مدير السجن الأجش يجلجل في أرجاء الزنزانة: “انتهى وقت النوم يا أستاذ!" قد نهض صاحبنا من السرير متثاقلاً بعض الشيء وعدَّل من وقفته منتظراً أوامر أخرى,
غير أنَّ هذا لم يحدث وما كان له أن يحدث. إذ أنَّ صاحبنا كان واقفاً مطأطأ الرأس وكأنه رأسُ دمية يتدلى من خيط غير مرئي.
لم يكشف عن أي نوع من المشاعر الخارجية ولم ينبس ببنت شفة، بل حتى أذناه الطويلتان كانتا تتدليان كرأسه بخشوع كخشوع المتعبد أمام قبر إمام أو ولي مصطنع!
لم يكن يبدو عليه الخوف أو القلق.
كان هادئاً، أو هكذا كان يبدو.
الحق أنَّه هادئ الطبع، "دمث"، لا يُحِبُّ أنْ ينشغل الأخرون به ولا ينتظر منهم عبارات الإعجاب أو أنْ يربتون على كتفه تعبيراً عن الودِّ والرضى.
هو راض عما هو فيه؛
لا يسعى إلى كسب العطف على حاله ولا الحصول على مكافأة على عمله.
هكذا كان دائماً، وهكذا هو الآن في لحظاته الأخيرة.
هل كان يفكر؟
[6]
من الصعب القول ذلك.
وليس السبب فيما يشيع عنه بأنه لا يحب التفكير أو أن التفكير ليس من صفات جنسه.
هو لا يفكر لأنه ليس من النوع الذي يتفق مع مبدأ ديكارت "أنا أفكر، فأنا موجود"! إنَّه لا يجرأ على الادعاء بمجادلة الفلاسفة، ناهيك عن رجال الدين، لكنه يعرف من التجربة المُرَّة بأن الوجود أمر ملتبس للغاية.
ماذا يعني الوجود بالنسبة له حين يكون غائباً عنْ كُلِّ ما يسم الوجود المعاصر حتى لقبوه غائباً؟
فهو من غير وثائق رسمية تثبت تاريخ ولادته وعنوان أقامته ومهنته!
وهو خارج قوائم الانتخابات!
بل هو ممنوع من السفر واستخدام وسائط النقل البرية والبحرية. أما إمكانية السفر بالطائرة فهي من المستحيلات الوجودية!
إنَّه يعملُ ويكدُّ أكثر من أيِّ فرد في المجتمع. لكنه خارج المجتمع! فالأخير يتكون من مواطنين يخضعون للقوانين السَارِيَة في البلاد ويحق لأكْسَلِ الكُسَالى وأكثرهم تفاهة وانحطاطاً أن يقرر مصير البلاد، على الأقل شكلياً - بالتصويت واختيار ممثلي البرلمان.
أما هو فلا حقوق له ـ
عليه واجبات لا يمكن عدها ولا حصرها ولكن من غير حقوق. فالحقوق التي تقرها الدولة هي لصالح أفراد المجتمع [إن استطاعوا الحصول عليها!] وهو ليس فرداً من هذا المجتمع.
ولهذا فَقَدْ فَقَدَ حاسة التفكير تدريجياً حتى وصل حَدَّاً أصبح التفكير يُشَكِّلُ خطراً على حياته. بل أنَّ هذا الخطر أصبح واقعاً لا مهرب له ولا مناص منه. وهذا ما كانت تردده زوجته دائما وأبداً:
لا تفكر، فالتفكير بلاء!
فهذا هو الدرس:
التفكير يؤدي إلى الشكِّ، والشكِّ يؤدي إلى السؤال، والسؤال يؤدي إلى الاعتراض والاعتراض يؤدي إلى الهاوية، وهذا هو منطق:
"أنا أفكر، فأنا موجود"!
هو لم يفكر ولم يرفع صوته اعتراضاً إلَّا مرَّة واحدة وها هو ينتظر حتفه في زنزانة تقع في معتقل لا وجود له على الخارطة ونهاية لن يعرف بها أحد غيره:
إنه الآن هنا وغداً سيكون هناك!
[7]
ولأنَّ انتظار مدير السجن قد طال أكثر مما يحتمله وأخذ رجال الشرطة الملثمون يتململون في أماكنهم كتلاميذ يتنظرون جرس المغادرة فقد قرر رفع رأسه على عادته ببطء وتؤدة.
حينذاك رآهم للمرة الأولى ينتصبون أمامه كتماثيل من الحجر.
أجال بنظره في أرجاء الزنزانة حتى وقع نظره على الهوة الصغيرة في أعلى الجدار المطل على الساحة.
- لابد أنَّ وقت الصلاة قد حان!
قال صاحبنا مع نفسه وكأنَّ "الصلاة" هي همه الوحيد ومشكلته الأخيرة!

 

الحلقة السابعة <الحلقة الثامنة> الحلقة التاسعة 

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر