منع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات شيعة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شيعة. إظهار كافة الرسائل

الأربعينية الحسينية: مواكب الأوهام وضياع الأحلام

1.
اليوم يجري واحد من أهم الطقوس الدينية "الشيعية" التي اصطنعها كهنوت الشيعة - وهو "الأربعينية الحسينية" [مرور أربعون يوماً على تاريخ مقتل الحسين في العاشر من محرم 680 عام].
في هذا اليوم باعتباره يوماً حزيناً وفاجعاً عادة ما تنطلق مواكب العزاء منذ ساعات الصباح الأولى - وهناك من ينطلق منذ ليلة أمس من مناطق مختلفة من قرى ومدن العراق [والدول الشيعية المجاورة مثل إيران] مشياً على الأقدام بهدف زيارة قبر الحسين في كربلاء.
2.
لا شكَّ أنَّ القارئ سوف يحدس بسهول هدف هذا النوع من الطقوس:
الحصول على الثواب!
فكهنة الشيعة قد نجحوا حقاً في صناعتهم هذه وقاموا بتجذير وتسويغ وإيهام ملايين السذج [أصحاب العقل المستقيل] بقدرة الأئمة على التوسط أو ما يسميه الشيعة "الشفاعة" للشيعة أمام "رب العالمين"!
فـ"عقائد" الشيعة تستند 100% على خرافات وأساطير دينية غائرة في الزمن عن مكانة علي بن أبي طالب في "بانثيون"  المجلس الرباني للأنبياء والأئمة المقربين من "رب العالمين"!
وبالتالي فإنَّ الشيعة ينطلقون من "نظرية" لاهوتية مفادها أن "الثواب على قدر المشقة". ولهذا فإنَّ زيارة قبر الحسين في هذا اليوم حيث يصلون مشياً على الأقدام متحملين طوال المسافات وصعوبة الأنواء الجوية [وخصوصاً في فصل الصيف] يضمن لهم "الجنة" التي يحلمون بها!
3.
وقد تفنن، والحق يقال، الكهنوت الشيعي في صياغة مختلف "الأحاديث" عن مكانة علي بن أبي طالب الربانية – وبالتالي مكانة شيعته عند "رب العالمين".
فعن فلان وفلتان صاحب الرعيان قيل إنَّ محمداً قد قال "من أراد التوكل على الله "فليحب أهل بيتي"، ومن أراد أن ينجو من عذاب القبر "فليحب أهل بيتي"، ومن أراد أن يدخل الجنة بغير حساب "فليحب أهل بيتي"، فو الله ما أحبهم أحد إلا ربح في الدنيا والآخرة"!!!
أو:
قام محمد "وقبَّل بين عيني علي بن أبي طالب وقال: يا أبا الحسن أنت "عضو من أعضائي"، تنزل حيث نزلت، وإن لك في الجنة درجة الوسيلة فطوبى لك ولشيعتك من بعدك!
4.
وقد وصل الكهنوت الشيعي بعيداً جداً في صناعتهم التقديسية لشخصية علي بن أبي طالب عند أنصارهم حتى جعلوا حبَّ علي وآل البيت شرطاً من شروط الإيمان ودخول الجنة سواء صرحوا به علناً بصورة مباشرة أم تضميناً. وهذا ما يمكن أنْ نراه متناثراً في عشرات [بل المئات] في كتب الشيعة القديمة والمعاصرة. وبغض النظر عن مصادر "الحديث" فإنها تلتقي في اتجاه واحد وهدف واحد:
فمودّة أهل البيت ليس موقفاً مستحباً بل فرضاً على المسلمين مستندين بذلك إلى كتاب محمد من قبيل "قُل لاَ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربَى"؛ أو أنَّ محمداً قد قال: "يا علي: أنت قسيم الجنة والنار". وبالتالي يمكن الاستنتاج منطقياً هو أنًّ حبه شرطاً من شروط الآخرة لدخول "الجنة"!
5.
غير أنَّ المأساة الحقيقية هو أنَّ هذا النوع من الطقوس الخرافية لم تقم بتعطيل العقل الشيعي و"استقالته" فقط بل وأسهم في تعطيل الحياة العملية والإنتاجية للشيعي.
فإذا ما اخذنا بنظر الاعتبار أنَّ المعصومين [12] + محمداً وابنته فاطمة والمقربين منهم جميعاً فإنَّ ولادتهم وموتهم والأحداث التي مروا بها والمناسبات المتعلقة بحياتهم تشكل بالنسبة للشيعة طقوساً دينية تستغرق ما بين أيام  وأسابيع. وإنَّ بإمكان القارئ الذي لم يودع عقله أن يخمن حجم الإنفاق المالي والكلفة الزمنية والانشغال الذهني في مثل هذه الطقوس [أما الوقت فالمسلمون لهم كل وقت الكون!]
[ملاحظة هامة:
طبعاً هنا لم نأخذ بنظر الاعتبار الطقوس الإسلامية العامة [بالنسبة للسنة والشيعة] التي يمارسها الشيعي!]
6.
كل هذا العبث الحياتي يحظى بتأييد الغالبية العظمى من كهنوت الشيعة أو بصمتهم [كلمة الدلع: بتدليسهم]. ومن النادر جداً أن تجد من الكهنوت الشيعي من يعترض على هذا الطقس أو ذاك، أو على هذه العقيدة أو تلك [وخصوصاً: التطبير واللطمية وجلد الظهر بالسلاسل الحديدية]. وإنْ تجد صدى لمثل هذه الآراء المعارضة فإنها لم تصل ولا تصل ولن تصل إلى الأغلبية الساحقة من الشيعة.
أما ما يخص "المتعلمين!" فإنَّهم غالباً ما ينظرون إلى الآراء المعارضة للطقوس والتقاليد والخرافات والأساطير الشيعية السائدة باعتبارها "آراء فقهية" خارجة عن تقاليد الشيعة وتشكل بدعة معادية للطائفة!
7.
على الرغْم اشمئزازي وقرفي من هذه الطقوس والتي لا تشكل غير منظومة من الخرافات والطقوس فإنني لا أجد إلا أن أتعاطف مع ملايين المعدمين والفقراء واصحاب الدخل المحدود الشيعة [وهم الغالبية العظمى من الشيعية] الذين يهدرون طاقاتهم ويبذِّرون [ويبذِرون أيضاً] مواردهم المالية المحدودة ووقتهم في خرفات لن يحصدوا منها غير الفشل والخيبة والفقر المزمن.
 إنها أحلام - وأحلام البشر مشروعة.
لكنها أحلام مصنوعة من نسيج الأوهام - وهذه هي التراجيديا الشيعية .. .

 
ليس للموضوع بقية .. ..


تجارة جنس سرية أم دعارة علنية من منطلقات فقهية؟

 ملاحظة:
"تجارة الجنس السرية في العراق / Iraq's Secret Sex Trade" فيلم من إنتاج [BBC 2019 ] عن دعارة "زواج المتعة" في العراق. وقد تم تصوير الكثير من المشاهد بصورة سرية "الكاميرا الخفية" من قبل مراسلة الإذاعة البريطانية نوال المغافي ( من أصل يمني) – خصوصاً المشاهد المصورة مع "وكلاء" لدعارة المتعة في العراق في مكاتب الدعارة المسماة "زواج المتعة".
1.
لمن لا يعرف شيئاً عن ظاهرة "مكاتب دعارة المتعة" في عدد من المدن العراقية [خصوصاً المدن التي توجد فيها قبور أئمة الشيعة] فإن عليه أن يعرف بأنَّ الفيلم يصح بنفس القوة على الوضع في بعض المدن السورية وخصوصاً بلدة "السيدة زينب".
ففي السنوات الأخيرة استطاع نظام الملالي الإيراني تصدير "منتجات" ثقافته إلى العراق وسوريا [وإلى حد ما أعرف في المناطق الشيعية في لبنان وبعض المدن الأخرى العربية]. وفي مقدمة هذه "المنتجات": مكاتب دعارة "زواج المتعة" التي تعمل أكثرها في إطار مؤسسات إيرانية.
2.
إن ما يلفت الانتباه هو عنوان الفيلم المتعلق بـ"سرية!" تجارة الجنس.
فكما يبدو فإنَّ المراسلين الأجانب لا يعرفون معنى "السري" و"العلني" من جهة، و"القانوني/ المباح" و"اللاقانوني/الممنوع" في دول مثل إيران والعراق وسوريا- حيث يحتل الشيعة النسبة الكبرى من التجمعات السكنية].
فهم يعتقدون ببراءة تصل إلى حد "السذاجة" بأنَّ دعارة المتعة لا يصرح بها القانون العراقي [وهذا صحيح] ولهذا فإن ممارسة هذه المكاتب لدعارة المتعة ممنوع [وهذا غير صحيح!].
3.
تنتشر في العراق الآن الكثير من الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا تحرمها القوانين فحسب، بل وتجرمها لكنها مع ذلك تتم ممارستها علنياً وعلى رؤوس الأشهاد.
فالتشريع القانوني شيء – وممارسة دعارة المتعة شيء آخر تماماً.

فالدولة [بقدر ما يوجد دولة] تعرف [وبقدر ما تعرف] وجود هذه المكاتب رغم أنها خارج أي نوع من قواعد "التصريح" والسماح المعمول بها في المجالات الاقتصادية والثقافية والترفيهية.
4.
إنَّ مكاتب الدعارة هذه تحمل تصريحاً مقدساً من "لدن" الفقه الشيعي. ولأنَّ الحكومة والناس [لنقل 65% من السكان] هم تحت قبعة التشريع الشيعي فإن البحث عن شرعية لمثل هذه النوع من النشاطات أمر مضحك في العراق.
5.
دعارة المتعة والأطفال دون السن التاسعة:
في الدقيقة 17:42 تشير مُراسِلة البي بي سي إلى أن السيستاني [رغم شعبيته فإنه لا يشكل إلا واحداً من عشرات الأشخاص المسموح لهم بالإفتاء والذي لم يتفوه ولن يسمع أحد أنه سيتفوه بجملة عربية واحدة] قد قام بحذف الفتوى القديمة من "الطبعات الأخيرة" من كتاب الفتاوى بأن الدين يسمح مداعبة الأطفال دون سن التاسعة إذا ما وعدن بالزواج أو بزواج المتعة بحجة أن "الزمن الراهن قد تغير"!
وهذه هي المهزلة!
فجرائم اجتماعية من هذا النوع لا تعني بالنسبة للاهوت الشيعي غير عمليات "تنقيح" في كتب الفتاوى، مثلما لا تشكل غير آراء فقهية لهذا أو ذاك.
لأنَّ مداعبة الأطفال جنسياً كانت ولا تزال جزءاً من مكونات الفكر الفقهي الشيعي ولا تعتمد على "السيستاني" أو "البهبهاني" ولا "الكلبايكاني" ولا أي واحد ينتهي اسمه بـ "الياني" أو لأنها تنسجم أو لا تنسجم مع الشروط السياسية الحالية في العراق.
6.
إن التصريح بأن "الدين يسمح بمداعبة الأطفال دون السن التاسعة" هو جزء من الممارسات العملية والثقافة المتجذرة في رؤوس مئات الآلاف من خريجي الحوزات الشيعية في العراق وإيران و"مجتهديهم" آيات الله. كما أن الفقه الشيعي الإيراني برمته [حيث ينتمي إليه الكثير من رجال الدين الشيعة العراقيين!] يقرر من مثل هذا النوع من الأحكام.
7.
وكما يلاحظ المشاهد للفيديو بأن رد السيستاني [وقد كان رداً خطياً على تساؤل المراسلة الذي سبق وأن تم تقديمه إلى مكتب السيستاني] لم يُفْتِ بالمنع كما بدا لمراسلة الـبي بي سي التي لم تألف لغة الشيوخ الشيعة.
أولاً: كل ما قام به "صاحبنا" هو حذف "الفتوى" من كتاب مجاميع الفتاوى من الطبعات الجديدة ولم يقرر العكس؛
ثانياً: إن قضية "نكاح الأطفال" هي جزء من قوانين الزواج الشيعي استناداً إلى الفقه الشيعي [وخصوصاً الإيراني وبالذات موقف الخميني] التي لم تتغير. ولهذا فإن وجودها في إطار دعارة المتعة قائم.


المهدي المنتظر [4]: رفض ابن العائلة العلوية لخرافة ولادة الثاني عشر!

[من وحي الفولكلور الخرافي الشيعي]
ملاحظة عامة:
بسبب حرصي على أنْ تكون المقالات بحجم معين يسهل قراءتها ولا يشتت ذهن القارئ عن الفكرة الرئيسية فإنَّ الأمر يتطلب عدم مناقشة أو الإشارة إلى الكثير من القضايا والأحداث والمصادر المتوفرة.
ولهذا فإنَّ هذه المقالات (والتي تعتمد على المصادر الشيعية فقط) هي بمثابة منافذ للقارئ يطلع من خلالها على أهم الحقائق المتعلقة بالموضوع وتوجه اهتمامه إلى متابعتها بحرية في مصادر الشيعة أو المصادر الأخرى شخصياً.
مقدمات:
[1] لقد بدأتْ الخرافات الشيعية في تاريخ "مَا" مجهول (لأنه تاريخٌ باطنيٌّ يمكن أن يكون في كلِّ لحظة من التاريخ مثلما يمكن أنْ يكون الفأر كنغراً وهذا ما سنراه بوضوح جديد عندما سنتحدث عن الخرافات الإسماعيلية) ولا تزال تَتَدَفَّقُ (كبترول دول الخليج) حتى الآن مِنْ غِيْر إيِّ اعتبار لتقلبات الزمن وتحولات التاريخ وتطورات الحياة.
[2]
إنَّ أطنان الكتب الشيعية عن "المهدي المنتظر – الإمام الذي يلعب تحت رقم [12]" [الآن تحولت إلى غيغابايتات!] هي أطنانُ دفاعٍ لاهوتيٍّ سقيمٍ عن أسطورة ناقصة وليس فيها ولا حدث واحد يحظى بالتأييد من أحد غيرهم (وغيرهم كلمة نسبية بحد ذاتها)؛
بل أنَّ جعفرَ الشخصية التاريخية [وهو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب] –ابن العائلة "المقدسة!" والأخ الشقيق القح للإمام رقم [11] الحسن العسكري وحفيد الأئمة وفاطمة وأبيها "المصطفى" وليس أي شخص آخر، يجهل جهلاً تاماً بأنَّ لأخيه ولد!
بل وأكثر من هذا:
فحتى "نكاح" الحسن العسكري (رقم 11) المفترض نفسه من الجارية "نرجس" هي أسطورة من ذات النسيج والطبيعة الصناعية السقيمة ولم يسمع به أحد.
أنظر:
[3]
إنَّ "إمامة" جميع "الائمة!" هي أساطير شيعية شعبية.
وإذا ما تجاهلناها في هذه السلسلة فإن السبب هو أنَّ موضوعنا أسطورة "صاحبنا" الذي غاب قبل أن يحضر ومات قبل أن يولد فقط!
1.
قضية المهدي والمهدوية:
إنَّ استقراء تاريخ فكرة "المهدي" و"المهدوية" ومن خلال تاريخ الفرق والجماعات الشيعية من جهة وما نقل عن آراء العائلة العلوية من جهة أخرى واستناداً إلى كتب الشيعة بالذات فإننا نصل إلى نتيجة واضحة وبينة:
لم تكن فكرة "المهدي" وحتى القرن الرابع الهجري فكرة متجسدة بشخص بعينه. فقد كانت فكرة عامة وذات طابع سياسي موجهة ضد العباسيين وهي "دعوى" الأنصار الشيعة وليس أفراد العائلة وبشكل خاص – الخط الوراثي الواصل بالحسين.
فقد تم ربط المهدوية بعدد كبير من الأشخاص من العائلة العلوية بدءاً بمحمد بن الحنفية حتى الحسن العسكري -الإمام [رقم 11]. [للمزيد من المعلومات أنظر: تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، أحمد الكاتب].
ومن الأمور ذات الدلالة الكبيرة أن علي زين العابدين بن الحسين (وهم الإمام المفترض رقم 4] قد تنازل عن الخلافة ليزيد من معاوية، مثلما تنازل الأمام [رقم 3] الحسن بن علي عن الخلافة لصالح معاوية.
أما زيد بن علي بن الحسين (ومن ثم الزيدية) فمع أنه يقبل إمامة علي بن أبي طالب حتى أبيه علي بن الحسين فإنه قد رفض أن يكون "المهدي المنتظر" متجسداً في شخص محدد. فهو كان يقول لأنصاره بأن المهدي "كائن من أهل البيت، ولن تدركوه، وذلك يكون عند انقطاع الزمن، فلا تنكلوا عن الجهاد، الداعي منا إلى كتاب الله وسنة رسوله القائم بذلك" [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد (ع)، اليمن/صعدة 2001،ص: 384]
وفي [جوابات وفتاوى الإمام زيد] يرى بأن المهدي من ولد فاطمة "وهو كائن ممن يشاء من ولد الحسن أمْ من ولد الحسين" [المصدر السابق، ص: 360]. كما روي عنه أنه سُئل:
يا ابن رسول الله، أنت المهدي بلغنا أنك تملأها عدلاً؟
فأجاب" "ويحكم أما علمتم أنه ليس من قرن إلا يئسوا إلا بعث الله عز وجل منا رجل حجة على ذلك القرن..." [المصدر السابق].
أي أنه يرفض فكرة الإمام الثاني عشر مثلما يرفض أسطورة تجسد المهدي في إمام محدد. بل أن زيد بن علي بن الحسين لم يصدر عنه ما يشير إلى وجود فكرة الأئمة الاثني عشرة في زمانه.
للمزيد من المعلومات حول موقف زيد من الإمامة أنظر:


أما الإسماعيليون (من مختلف الفرق) فهم أيضاً يرفضون فكرة الأئمة الأنثى عشرة ويرون أنَّ لكل زمان إمامه. أما "المهدي المنظر" وخلافاً للشيعة الإثني عشرية الذين يؤمنون بأنه من نسل الإمام السابع موسى الكاظم، فإنَّ الإسماعيليين يرون أنه من نسل إسماعيل!
2.
قضية جعفر - ابن علي بن محمد الهادي الإمام [رقم 10] والأخ الشقيق للإمام [رقم 11]:
الحق أنها واحدة من أكبر القضايا في تاريخ الانتحال العقائدي الشيعي وصناعة الخرافات.
فهي من القضايا التي تكشف بسطوع عن واحدة من أهم خصال اللاهوت الشيعي وصبيانهم:
تشويه سمعة اَيِّ شخص- أكرر: أي شخص (شخصية طبيعية أم اعتبارية) وتزوير أيِّ حَدَثٍ واصطناع أي نوع من التفاصيل حتى ولو تعارضت مع أبسط قوانين الوجود من أجل إضفاء المصداقية على خرافات الأئمة.
فموضوع "الائمة" هو حجر أساس وجودهم الطائفي فإن سَقَطَ سقطوا!
وإنَّ استعدادهم هذا لا يستثني حتى أفراداً من "العائلة المقدسة!" نفسها، وهذا ما حدث بالفعل مع جعفر – أخي الحسن العسكري الإمام رقم [11] في السلالة الإمامية الخرافية.
3.
فكما لاحظنا في الحلقة السابقة [الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني  [3]:  الأساطير الشيعية والإمامة ] أن ولادة الإمام [12] (والتي ينبغي أن تكون قد حدثت في عام 255 ه) لا أحد يعرف عنها في التاريخ المكتوب من خارج الكتب الشيعية الاثني عشرية الخرافية المتأخرة وهي محض حكاية لا دليل عليها ولا يحكمها أي منطق غير منطق الأسطورة سيئة الصنع. وقد نقلها المسعودي [283-346 هـ] عن "ثقات من مشايخه!" كما يقول، ولا شيء آخر.
ولكن جميع الأخبار التاريخية (ومن بينها مصادر شيعية!) تقر بوجود جعفر الأخ الأصغر للإمام حسن العسكري رقم [11] الذي مات في عام 260 ه أولاً، وبمطالبته بالإمامة لأنَّ لا ولد لأخيه ثانياً.
وإنَّ مطالبة جعفر بالإمامة برهان على أنَّ الحسن العسكري لا ولد له؛ وإنَّ خرافة "الولد" يقرها (بطريقة أو أخرى)
4.
غير أن اللاهوت الشيعي وبعد أن اصطدم بهذه القضية التي أفسدت عليهم خرافة الأئمة الاثني عشر المنحدرين بالتسلسل بالأبوة ولا استثناء إلا "إمامة" الحسن والحسين الأخوين، كانَ عليهم البدء بـ"خط حديثي" جديد وبتأثير رجعي وهو:
أنَّ ادعاء جعفر بالإمامة أمر معروف لدى "الأئمة" حتى قبل أن تحدث الأحداث ويولد الأشخاص. فقد كتب في "صحيفة المحن!":
عن علي بن الحسين:
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) قَالَ : إِذَا وُلِدَ ابْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَمُّوهُ الصَّادِقَ ، فَإِنَّ الْخَامِسَ الَّذِي مِنْ وُلْدِهِ الَّذِي اسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَ كَذِباً عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ ، الْمُدَّعِي لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ ، الْمُخَالِفُ عَلَى أَبِيهِ وَ الْحَاسِدُ لِأَخِيهِ ، ذَلِكَ الَّذِي يَكْشِفُ سِرَّ اللَّهِ عِنْدَ غَيْبَةِ وَلِيِّ اللَّهِ"
[بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، الكتاب التاسع، ص 371، قُمْ 1388]
5.
إذن تعود "المعرفة الباطنية" بأسرار المستقبل إلى محمد شخصياً الذي يقول هو شخصياً أيضاً وفي كتابه: " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ" أو " قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" وغيرها من الخزعبلات المحمدية.
وما هي اللعبة؟
اللعبة أيها القارئ هي أنَّ الشخصية الحقيقية (جعفر) ابن العائلة لا يعرف أنَّ أخيه متزوج وأقل ما يعرف بأنَّ له ولد، وعدم المعرفة هذه لا تعني غياب ما ينبغي معرفته، بل عدم وجود ما ينبغي معرفته!
وذات الشيء يتضح من ردود أفعال حكيمة (عمة الأئمة) – بل حتى نرجس (الأم المفترضة) نفسها لا تعلم أنها أمٌّ لإمام! وهذا ما يؤدي إلى انهيار أسطورة الإمام رقم [12] فتنهار الأسطورة الشيعية بكاملها.
ولهذا وفيما بعد تم تلفيق (حديث محمد عن جعفر الكذاب).
وإنَّ القارئ الذكي قد يطرح هذا السؤال:
هل تعرف الكتب الشيعية قبل عام 260 ه(تاريخ موت الإمام رقم [11] ) بالأسطورة المتعلقة بكذب وافتراء جعفر وادعائه بالإمامة زوراً؟!
الجواب: لا.
فإنَّ هذه الحكاية قد ظهرت في مؤلفات الشيعة التي تعود إلى عصور لاحقة.
وقد يطرح القارئ السؤال الواضح والبسيط الآخر:
لماذا كل هذا التعنت برفض إمامة جعفر – وهو ابن الإمام رقم [10] وأخي الإمام رقم [11]؟
36.
قضية الميراث:
قد يتساءل القارئ لماذا هذا الإصرار من قبل الجماعات الشيعية آنذاك (حوالي سنة 260 ه وهي سنة وفاة الإمام رقم 11) على أن يكون للحسن العسكري ولد؟
إن تاريخ الشيعة هو تاريخ نزاعات على الزعامة ولا زعامة من غير أموال يستند إليها الزعيم. فللإمام حق في أموال الخمس التي تُجمع من الأنصار الشيعة (حتى تاريخ اليوم!) عن طريق أشخاص معتمدين من قبل الإمام يسمون "وكلاء".
"ومن هذه النزعات يتضح انشقاق عدد من الفرق الجديدة بين الشيعة. وحسبنا نتذكر الأحداث التي وقعت بعد موت الإمام موسى بن جعفر (ولد سنة 128/745، وتوفي سنة 183/799) عندما اعترف معظم الشيعة بعلي بن موسى الرضا بوصفه خليفة لهم وإماماً. فكتب الإمام الجديد إلى وكلاءه بشأن الأمور، التي كانت تنتظر حلولها، أي الأموال التي تمت جبايتها باسم أبيه، فلم يستجب لطلبه الوكيل زياد بن مروان بمبلغ 70000 ألف دينار، وكذلك علي بن أبي حمزة بمبلغ 30000 وعثمان بن عيسى الرواسي بنفس المبلغ، وإنما نازعوا في شرعية الرضا بدعوى أن الإمام السابق لم يمت، وإنما اختفى من العالم، ولذلك فهم يحتفظون بالأموال باسم الإمام موسى بن جعفر" [المهدي عند الشيعة، الدكتور جواد علي ص 16]
إذن لهذه "الأموال" أهمية كبرى في الخلافات على "الإمام". فـ"تخليف" إمام يعني صعود نجم جماعة سياسية موالية له، مثلما يعني مصالح مالية لهذه الجماعة. وهذا ما دعا الحسن بن موسى النوبختي – المؤرخ الشيعي [من أعلام الشيعي الأمامية من القرنين الثالث الرابع الهجري]:
بأن " فرق الأمة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمداً (ص)"[ فرق الشيعة، بيروت 2012، ص: 31]
وهذا ما يؤكده سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعري القمي في [كتاب المقالات والفرق].
إن هذا التفرق والاختلاف " في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته" والتطاحن بين أجنحة الشيعة، التي لا تعد ولا تحصى، هو الصوهذا ما سوف نبحثه في الحلقة القادمة.فة المميزة لتاريخ الشيعي الحقيقي (وليس الأدبي).


للموضوع بقية ...








الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [6]: زيد بن علي وسقوط أسطورة الإمامة

[شجرة الأئمة من وجهة نظر الطائفة الزيدية!]
تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
- المصدر الأسطوري للعقيدة.
- السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
- الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
كما تطرقنا في الحلقات السابقة فإن الشيعة الاثني عشرية يروون في أساطيرهم لبسطائهم بأن "الإمامة" لا تخضع لا للشورى (أنظر: الديموقراطية والشورى [1]: الأصول اللاهوتية للادعاءات الإسلامية عن "الشُّورى") ولا الاختيار.
فهي " لطف إلهي " من الله – يقول اللاهوت الشيعي من مختلف الطوائف؛
وهو "نص" أنزله جبريل على محمد ليكون الأئمة الاثنا عشر خلفاء على الأرض من الأمام الأول حتى "المهدي المنتظر" الذي سيظهر في آخر الزمان "فيملأ الأرض قسطا كما ملئت ظلما وجورا...إلخ!!!" وهو لم يظهر رغم أن الأرض قد مُلئت ظلماً وجوراً آلاف المرات ومن المسلمين (سنة وشيعة) أنفسهم،
وكما تبين أيضاً من الحلقات السابقة فإن ما كان يميز تاريخ الإمامة هو الاختلاف (وليس الاتفاق) وقد كان الاختلاف في "كل عصرٍ ووقتِ كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته" كما تقول مصادر الشيعة بالذات. وقد كان هذا اعترافاً شيعياً من القرن الثالث الهجري.
ورغم كل ذلك فإن أفراد العائلة العلوية يرفضون هذه الأسطورة رفضاً قاطعاً. وهذا أمر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام!
وهذا فصل من فصول الرفض: رفض زيد بن علي بن الحسين أسطورة الإمامة!
2.
وقد كانت هذه من أولى الخلافات الجلية والتي لم يستطع تاريخ الشيعة اخفاءها وذات الطابع العميق داخل (العائلة المقدسة!!!) والتي تعري بسطوع أسطورة "الإمامية":
إنه الخلاف على إمامة زيد بن علي بن الحسين.
ولم يكن اختلاف الزيدية (التي لا تعترف إلا بخمسة أئمة: عليٍّ والحسن والحسين والحسن بن الحسن بن علي "الحسن المثنى “وآخرهم هو زيد بن علي لن الحسين) من خارج العائلة العلوية، بل أن الخلاف قد خاضه زيد نفسه (خلافاً للصناعة الإسماعيلية التي لا علاقة لها بإسماعيل فقد ظهرت الخرافة بعد موته) في حياته ضد ادعاءات أخوه الباقر وابن أخيه جعفر الصادق. وقد تمرد على السلطة الأموية في زمن هشام بن عبد الملك عام 122 ه.
3.
فمن هو زيد بن علي؟ وهل شخصيته تنقض ادعاءاته بالإمامة؟
هذا ما يقوله الشيعة المعاصرون عن زيد بن علي:
تحت فصل معنون بـ “موقف علماء الشيعة من جلالة ووثاقة زيد الشهيد" يقول جعفر السبحاني الكاتب الشيعي المشهور[*]:
"إنَّ موقف علماء الشيعة الإمامية نفس موقف النبي وعترته الطاهرة - –ليهم السلام - –إن كنت في شك من ذلك فاقرأ كلماتهم في حقه:
- قال المفيد: كان عين إخوته بعد أبي جعفر - –ليه السلام - –أفضلهم، وكان ورعاً، عابداً فقيهاً، سخياً، شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين - –ليه السلام -.
- وقال النسابة أبو الحسن علي بن محمد العمري: كان زيد أحد سادات بني هاشم فضلاً وفهماً خرج أيام هشام الأحول ابن عبد اللّه فقتل وصلب ست سنين، وقيل أُحرق وذري في الفرات ـ لعن اللّه ظالميه ـ
- وقال الطبرسي: إنّ زيداً كان من علماء آل محمد، غضب للّه فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله. [بحوث في الملل والنحل - –راسة موضوعية مقارنة للمذاهب الإسلامية، ص 215]
ومن يريد المزيد لمعرفة الموقف اللاهوتي الشيعي من زيد فليرجع إلى الكتاب المشار إليه.
4.
إذن وباعتراف كتب الشيعة الاثني عشرية نحن أمام شخص:
ورع عابد فقيه سخي شجاع وهو أحد سادات بني هاشم فضلاً وفهماً وهو من علماء آل محمد. وقد رفض زيد هذا الذي لا شكَّ في علمه وفهمه العقيدة الشيعية للاثني عشرية!
فهو ضد الغنوصية الشيعية؛ ومع المعتزلة (فهو من أتباع واصل بن عطاء) ولا يعترف بكنوز العلم العلوي ويرى أن العلم في كل مكان وزمان؛ وله مواقف إيجابية مختلفة عن الموقف الرسمي إزاء أبي بكر وعمر؛ كما أنه لا يعترف بغير إمامة عليٍّ والحسن والحسين – واضعاً الحسين (جده!) في مرتبة أعلى من الحسن.
ولكيلا ينسى القارئ:
فإننا نتحدث عن زيد بن علي بن الحسين شقيق محمد الباقر (الأمام الخامس عند الشيعة الاثني عشرية) وليس عدواً للعائلة العلوية بل هو واحد منها فضلاً وفهماً وفقهاً!
فماذا تبقى من "النصوص" التي يدعون أنها "تنص" على إمامة الأئمة التسعة الآخرين وحفيد عليٍّ نفسه يرفض هذا الادعاء؟!
من جديد تتبدى أمامنا أبسط القضايا المنطقية:
فعندما يرفض بعض أبناء العائلة العلوية "عقائد" يدعي البعض الآخر منها بأنها "لطف" إلهي، فإنَّ من اللطف القول بأن هذا "اللطف" لم يعد لطيفاً بأي حال من الأحوال!
لقد قوَّض زيدٌ عقيدة الإمامة "المنصوص" عليها من حيث الجذور ونقض في نفس الوقت عقائد الإسماعيليين التي هي أوهى العقائد الشيعية وأشدها افتعالاً وفبركة كما سيأتي الحديث عنها.
5.
من ضمن الكتب الكثيرة التي تُنسب لزيد بن علي هما: "تثبيت الوصية" و"تثبيت الإمامة". وهما الكتابان اللذان لهما علاقة بموضوعنا.
ففي الوقت الذي يعترف فيه زيد بن علي بإمامة علي بن أبي طالب والحسن والحسين فإن له إجابة مختلفة على السؤال: فمن هو الأولى بعد الحسين؟
وهذا هو جوابه:
"قولوا: فمن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله.
فإن لم يدعُ منهم داعٍ فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم واتقاؤهم.
فإن قالوا: فما بال آل محمد يختلفون وإنما الأمر والحق فيما تزعمون؟
فقولوا: فإن داود وسليمان اختلفا (إذ يحكمان في الحرث) وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَكُلَّا آتينا حُكماً وعلما)، أفيجوز أن نرد قول الله عزل وجل، فنقول: إن داود حكم بغير الحق، أو أخطأ؟ [...]
فآل محمد (ص) في الناس رجلان: رجل عالم بما تحتاج إليه الأمة من دينها، دعا إلى كتاب الله وسنة نبيه، ومجاهدة من استحل حرام الله، وحرم حلاله، فعلى الناس نصرته، ومؤازرته، والجهاد معه، حتى تفيء الباغية إلى الله، أو تلحق روحُه وأرواحهم بالجنة" [تثبيت الوصية، للإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام، منتزع من مجموع كتبه ورسائله، منشورات مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية- اليمن، بدون تاريخ]
وفي "تثبيت الإمامة" يقوم زيد بتوجيه نقد لاذع لأفراد عائلته سواء كان أخاه محمد الباقر أو ابن أخيه جعفر الصادق وهو نقد لم يقم به أي ناقد للأئمة للشيعة:
إن الإمام منا أهل البيت، المفروض علينا وعليكم وعلى المسلمين، مَنْ شَهَرَ سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه، وجرى على أحكامه، وعُرِفَ بذلك، فذلك الإمام الذي لا تسعنا وأياكم جهالته.
فأما عبدٌ جالسٌ في بيته، مُرخٍ على سِتْره، مغلق عليه بابه، تجري عليه أحكام الظالمين، لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، فأنى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعنه". [تثبيت الإمامة، للإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام، منتزع من مجموع كتبه ورسائله، منشورات مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية - –ليمن، بدون تاريخ]
غير أن الصورة الملفقة عن الانسجام الداخلي لـ "أهل البيت" لا تنتهي عند هذا الحد وهذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة!
6.
وكما يقول زيد بن علي (إمام الزيدية) بأن "الإمام" هو " مَنْ شَهَرَ سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه" وليس "عبدٌ جالسٌ في بيته، مُرخٍ على سِتْره، مغلق عليه بابه، تجري عليه أحكام الظالمين، لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، فأنى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعنه" فما هو موقف الزيدية من أسطورة النص على الأئمة الاثني عشر جميعهم؟
الزيدية المعاصرون والقدامى يقبلون عقيدة النص على الإمام الأول "!" علي بن أبي طالب (وإلا ناقضوا ونقضوا أنفسهم!) باعتباره "لطفاً إلهيا". كما أنهم يعترفون من غير قيد أو شرط بإمامة الحسن والحسين وهذا ما رأيناه من خلال آراء زيد. لكنهم يرفضون فكرة النص على الأئمة الآخرين.
يقول الكاتب الزيدي المعاصر كاظم الزيدي في كتابه "الرافضة":
" فأما ما ادعاه إخوتنا من الإمامية والإسماعيلية، من النص الاثني عشري، أو أن الإمامة تكون في الولد الأكبر وصية لازمة، فهذا غير ظاهر دليلُه للأمة لا بتواتر ولا باستفاضة، وما كان هذه حاله والأمر المترتب عليه خطيرٌ من إيجاب الاتباع للعترة كمنهج يقترن بالكتاب والسنة ويصحح للمكلفين أنظارهم، فليس يعتمد عليه، إذا لا قطعية في الدليل، ولا إيمان بهذا إلا بدليل قاطع" [ص 3].
7.
إن غياب الأدلة (من وجهة النظر اللاهوتية للفرق الشيعية ونحن في مملكة اللاهوت والخرافة التي لا حدود لها) على نص الأئمة الاثني عشر له قيمة تاريخية ويبدد لعبة الضباب التي يستخدمها الشيعة الإمامية المعاصرون. لأن مثل هذا النص "لم ينتشر (بل ولم يعرف) خبرهم الاثني عشري في صحاح ومسانيد الأمة شيعية وسنة وإباضية بل حتى الإسماعيلية ينازعوهم إياه من بعد أبي عبد الله الأمام جعفر بن محمد (ع)، ويحتج الإمامية برواية المحدثين لخبر اثني عشر أميراً، وخليفة، وهذا دلالته ظنية إذ لا أسماء، ولتضارب مدلولات الروايات" [المصدر السابق]
8.
فإذا كان ثمة نص على الأئمة الاثني عشر فَلِمَ يُكَلِّف الشيعة الأمامية أنفسهم بمبدأ الوصية؟
ويطرح كاظم الزيدي سؤالاً منطقيا (يحمل مسوغات لاهوتية):
"ولو كان خبر الاثني عشر ظاهراً متواتراً لما احتاج الإمامي لمعرفة الكاظم بعد الصادق إلى وصية، لأن النص الاثني عشري يدل على الكاظم وإن لم يتكلم الصادق، وأيضاً سيعرفون الرضا بعد الكاظم، والجواد بعد الرضا، بدون الحاجة لمعاصرة أولئك الأئمة، فكيف لو طال الجهل كبار سلف الجعفرية ومؤصلي مذاهبهم [...] فكيف لو طال الجهل أبناء وأخوة الأئمة، كالإمام زيد بن علي، والإمام محمد بن جعفر الصادق، وإبراهيم بن موسى الكاظم، كل هذا لا يجعل ذلك الخبر الاثني عشر مؤدياً إلى التواتر، ولا يصلح بهذه الظنية أن يكون دليلاً بذاته".[نفس المصدر:ص4]
9.
هذا مستو واحد لا غير من سلسلة متصلة من المستويات التي لا تثبت غياب الأدلة على عقائد الشيعية المعاصرة فقط، بل وتثبت بما لا يقبل الشك خرافة هذه العقائد وطبيعتها المختلقة والترقيعية.
ومع ذلك فما تزال مستويات كثيرة من تاريخ الشيعة الخرافي في حاجة إلى الكشف عنها حيث يضيف "الإسماعيليون" مستوى جديداً من الخرافة ونقض العقيدة الإمامية في آن واحد.

للموضوع بقية . . .


*ملاحظة هامة: إنَّ حديثي عن زيد والزيدية ليس موضوعاً عن الزيدية. إنني أتحدث عن أسطورة الإمامة والأئمة الاثني عشر التي تبطل عندما يرفضها أفراد من ذات العائلة وهو دليل داخلي على عدم مصداقية عقيدة الأئمة الاثني عشر.



[*] إذا شكك أحد بانتساب هذين الكتابين لزيد فإن عليه التشكيك بجميع كتب "المعصومين" التي تغض بها المكتبة الشيعية!
وإن هذين النصين هما جزء من ذات النصوص الشيعية التلفيقية التي لا تصلح لغير النقد الداخلي للشيعة ومن نصوصهم أنفسهم.
[**] لم يعتمد المؤلف (كما يشير هو شخصياً) على الكتاب المذكور في الهامش بل النسخة التي قام بإصلاحها الطوسي ومنشورة تحت عنوان: "منتهى المقال" ص 379 وقصص العلماء ص333. غير أنني للأسف لم أعثر على "منتهى المقال" للطوسي في منشورات الإنترنت. توجد عدة كتب تحت عنوان "منتهى المقال" لكتاب شيعة مختلفين ليس من بينهم الطوسي.
إنَّ غياب هذا الكتاب في الإنترنت وعدم ذكره في أي مكتبة شيعية على الإنترنت مثير للريبة أكثر من الدهشة. فهي محاولة لمنع معلومات من هذا النوع إلى القارئ المعاصر.


اقرأ أيضاً:

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [1]: مقدمة

[ سوف يجران حبل الخلاف بالاتجاه المعاكس حتى الموت!]
1.
السؤال بسيط وواضح للغاية:
هل ثمة فرق ما بين الإسلام الشيعي والإسلام السني؟
2.
إذا ما تجاهلنا "تخريجات" اللاهوت العقائدية والطائفية السنية والشيعية على حد سواء (وهي جديرة بالتجاهل) فإن الصراع ما بين الشيعة (وبكلمة أدق: أنصار علي) والسنة (وبكلمة أدق: التيار الذي دعمته السلطة العربية الإسلامية منذ أن ظهرت إلى الوجود: سلطة أبي بكر) هو صراع كان منذ البداية صراع على السلطة بين مختلف التيارات والمصالح.
وقد بدأ هذا الصراع بمعارك خفية (الأنصار ضد المهاجرين انتهت بتنصيب أبي بكر وقتل سيّد قبيلة الخزرج سعد بن عبادة من قبل عمر أو الجن وقد كان الوحيد الذي نادى بالسلطة) وعلنية بحروب سموها حروب "الردة" ومن ثم انتهت هذه المرة علناً لا شك فيها بثلاث معارك دامية خاضها علي: الجمل (مع عائشة) وصفين (مع الأمويين) والنهروان (مع الخوارج).
والنتيجة هي اغتيال علي بسيف أحد الخوارج (عبد الرحمن بن ملجم). وبهذا الحدث يمكن القول قد بدأ تاريخان:
تاريخ السنة باعتبارهم ورثة قريش؛
والتاريخ الشيعي بمطالبة أنصار علي بالسلطة سرعان ما تحولت إلى عقيدة دينية هي الإمامة والولاية لعلي ونسله من فاطمة بنت محمد.
3.
والآن نعيد السؤال بطريقة أخرى:
إذا ما تجاهلنا العنصر الطائفي ما بين السنة والشيعة (وهو الآخر جدير بالتجاهل) ما هو الفرق ما بين الإسلامي السني والإسلام الشيعي، وهل ثمة فرق بينهما حقاً؟
4.
أما جوابي فسيكون في الموضوع القادم. . .

اقرأ أيضاً:





الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [5]: هل كان عليٌّ بن أبي طالب شيعيَّاً؟!


تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائن الفولكلور الشيعيف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
ليس في العنوان أية لعبة لغوية، بل هو سؤال موضوعي يطرحه الواقع التاريخي (واستناداً إلى ما تزعمه المصادر الإسلامية) الذي يؤرخ ظهور الشيعة.
وهو لا يبدو مفارقة إلا على خلفية الأدب اللاهوتي الشيعي الذي قرر أن يحول الخرافات إلى عقائد والأساطير إلى تاريخ.
2.
لقد اتفقت جل المصادر العربية والأجنبية على أن مفهوم "الشيعة" لا يعني غير معنى "الحزب". إذ "بمقتل عثمان انقسم الإسلام إلى حزبين: حزب عليٍّ، وحزب معاوية. والحزب يُطلق عليه في العربية أيضاً "الشيعة"، فكانت شيعة علي في مقابل شيعة معاوية. لكن لما تولي معاوية الملك في دولة الإسلام كلها ولم يعد مجرد رئيس حزب، أصبح استعمال اللفظ "شيعة" مقصوراً على أتباع علي" [أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام، فلهوزن، القاهرة 1948، ص 171]
إذاً هو مفهوم سياسي يصور لنا موقف هذا الجماعة الإسلامية (الحزب) من قضية الخلافة ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن تأييد علي بن أبي طالب لسبب اصطفاء إلهي. أقول هذا ولا أعني بأن العائلة العلوية لا تطالب بالخلافة (كما طالب بها الآخرون) وإنما كانت مطالب العائلة العلوية بالخلافة (وهذا ما تكشف عنه المصادر التاريخية) يعود إلى شعورها بالتميز بسبب أواصر القربى والدم بمحمد.
وإن ما يدعم هذا التحليل هو إن هذه "الجماعة" ونتيجة لما حدث فيما بعد انشقت على نفسها وتفرقت إلى عدد كبير من الفرق وتَسَمَّى المنشقون بأسماء مختلفة. ومن أولى هذه الفرق هي "الخوارج" الذين لم يخرجوا بصورة صريحة وحاسمة على قيادة عليٍّ بعد قضية التحكيم فحسب، وإنما تحول موقفهم إلى عداوة انتهت إلى الحرب.
فقد انقسمت الشيعة إلى أصناف، وانقسم كل صنف إلى فرق لا عد لها ولا حصر حتى تشكلت عشرات الفرق المختلفة والمتناقضة في موقفها من خلافة علي من جهة وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان من جهة أخرى [أنظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين].
4.
ورغم هذه الوقائع التاريخية فإنه ما من طائفة شيعية، وهذه واحدة من الخصائص الملازمة لها، تحصر نشأتها في الحقبة التاريخية التي نشأت فيها وهي في نفس الوقت ترفض الشروط التاريخية لهذه النشأة. فهي، كما يقول فؤاد الخوري تعيد تكوين مجتمعها الديني إلى أبعد من ذلك بكثير، تعيده إلى جذور "إلوهية" هي من صلب التعاليم السماوية. وهنا يكمن الفرق بين تصور الطوائف لذاتيتها الدينية والتي تشدد على الجذور الألوهية لنشأتها وتصور الآخرين لها باعتبارها ظاهرة تاريخية سياسية [إمامة الشهيد وإمامة البطل، بيروت 1989]
5.
وهكذا يتضح بأن موقف "الحزب" العلوي من إمامة علي بن أبي طالب هو موقف سياسي يعتقد بأهلية علي بن أبي طالب وكفاءته مقارنة بالخلفاء الآخرين.
وهذا ما يعبر عنه عليٌّ نفسه (وحسب ما تقول المصادر الشيعية) في أكثر من مناسبة. فهو لم يطرح أية "أيديولوجيا" دينية لتسويغ خلافته. لأن الأمر لو كان كذلك لكان موقفه من خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مختلفة طالما كانت خلافته "رسالة إلهية" منصوص عليها ف كتاب محمد ولا يحق له التنصل منها.
يقول عليٌّ في "خطبة" له:
"والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك، واستخلف عمر، وقد علم والله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي.
ثم إن عمر هلك، وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الأقل، وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله". [الأمالي، الشيخ المفيد، قم 1403هـ، ص 154][*]
أي إنه لم يفعل شيئاً غير الموافقة والتسليم بما حدث كاظماً "غيظه" ولا شيء آخر. فكيف حدث، وهو المؤمن الذي لا يعصى أمر الله، أن سكت على معصية أمر الله ورسوله؟
وهو في "خطبة" أخرى وعندما بلغه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة، قال في خطبة له:
"نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم منا، وولوه غيرنا ، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا"[المصدر السابق: ص 155]
فهو هنا لا يدعي غير أنه من "أهل البيت" وهذا الانتماء هو الذي يمنحه حق السلطان الذي "انتزعه منهم" المنافقون و"ولوه" غيرهم. وليس في هذا الكلام ما يوحي بوجود أية عقيدة دينية.
6.
وكالعادة ثمة حواجز شاهقة تمنعني من تصديق عقائد المسلمين وأخذها مأخذ الجد. فهم عاجزون عن تقديم تصور منسجم والشيعة مثال على ذلك.
فكما هو واضح بجلاء أن علياً لم يدَّع بأنَّ خلافته "لطف" من الله نُصَّ عليها بوصية لمحمد وضمنها كتابه بآيات وعَبَّر عنها بأحاديث وهو "باب العلم" في "مدينة محمد" الربانية!
ولنخطُ خطوة إلى الأمام:
في حرب علي مع معاوية في "صفين" خرج عليه جماعة كبيرة (12 ألفاً) من أخلص "شيعته". وكان خروجهم عليه (وأعني الخوارج) لا لأنه فرَّط بالوصية الربانية ومخالفته لإرادة ربانية بل لأنه وافق على التحكيم فتخلى بذلك عن الخلافة التي بُويع بها خاضعاً إياها للشك.
وإنَّ ما نراه من غير تأويل هو أن علياً، وبكلمات فلهوزن، "إنْ طوعاً وإن كرهاً – قد عقد ميثاقاً مع الشيطان (أعني مع معاوية) ولم يشأ نقض هذا الميثاق. لقد تخلى عن الحق الإلهي، حق الجهاد ضد عثمان ومعاوية، من أن يصون ميثاقاً مع بني الإنسان، ميثاقاً يقضي على ذلك الحق الإلهي. ولهذا ساخت الأرض تحت قدميه وقضى على الخلافة" [يوليوس فلهوزن ص 28].
وبعد أن انتهت "مهزلة التحكيم" قرر عليٌّ استئناف القتال مع معاوية فدعا الخوارج للانضمام إليه لكنهم لم يستجيبوا لدعوته وطالبوه بأن يشهد على نفسه بالكفر ويستقبل التوبة. وقد كان هذا الموقف يعبر عن تصورهم لاستجابته مرغماً لقبول التحكيم في صفين [أنظر: تارِيخ الدَّوْلةُ العرَبيَّة: مِنْ ظُهُور الإِسلاَم إِلى نِهايَةِ الدّولةِ الأمَويَّة، فلهوزن، القاهرة 1968]
7.
وها نحن نصل إلى الخطوة الحاسمة: تصورات عليٍّ عن نفسه في أثناء حربه مع معاوية.
استناداً إلى خطبه وكتبه إلى معاوية الواردة في [نهج البلاغة، علي بن أبي طالب، 2004] فإننا لا نجد فيها ما يكشف صراحة أو بالإيحاء بأن له مكانة متميزة عن الخلفاء أو أن يكون "إماماً" موصى به من العناية الإلهية.
من كتاب إلى معاوية نقرأ ما يلي:
"إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا الغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على ابتعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى"[نهج البلاغة، ص 367].
فهو لا يستند في حقه على شيء آخر غير المبايعة فقد "بايعه" القوم كما بايع أبا بكر وعمر وعثمان وليس ثمة شرط للخضوع لأمره غير تقواه وأن خرج عن أمرهم قاتلوه.
بل نراه في (كتاب إلى أهل الأمصار) ومن غير لبس ولا تأويل يساوي نفسه بجيش معاوية في التقوى والانتماء الديني ويرى بأنهم (هو وجيش معاوية الذي يحارب ضده) ولا خلاف فيما بينهم إلا دم عثمان:
"وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا: الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء!" [نهج البلاغة: ص448]
8.
ومن يتصفح كتاب "نهج البلاغة" (سواء كان لعلي بن أبي طالب أم منتحلاً) فإنه لن يجد أي أثر للعقيدة الشيعية عن "الإمام المعصوم" أو "أن الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن تعريف الشيعة الذي يطالعنا به الشهرستاني باعتبارهم الجماعة التي شايعت علياً على الخصوص "وقالو بإمامته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة " [الملل والنحل، الشهرستاني، 1968، ص 146] لا يصف إلا ما وصلت إليه الشيعة في زمانه. إذ أن جل العقائد الشيعية قد ظهرت في مرحلة متأخرة جداً من حياة علي ونتيجة لأسباب وأحداث وشروط سياسية مختلفة خلقت تصورات مزيفة عن الماضي تحولت بدورها إلى حقائق كما سنتطرق إليه في الحلقات القادمة.
فهل ثمة ما يسوغ فكرة أن علياً كان يوماً "شيعياً" بالمعنى الذي يكشف عنه الأدب الشيعي المعاصر - أي أنه يدرك تميزه الذي يستند إلى "وحي" وإنَّ شخصيته الموجودة في هذه الأدب تَمُتُّ بصلة إلى علي بن أبي طالب التاريخي؟
[*] تقول ويكي شيعة عن كتاب الأمالي:
"الأمالي كتاب باللغة العربية لكاتبه الشيخ المفيد (المتوفي 413 هـ)، الذي يشتمل على روايات أخلاقية واعتقادية وتاريخ الإسلام".

للموضوع بقية ...



الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [4]: بداية أساطير عقيدة الإمامة

[من الفولكلور الشيعي]

تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
- المصدر الأسطوري للعقيدة.
- السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
- الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".

1.
المطلع على "الأدب" اللاهوتي الشيعي من غير استثناء لابد وأن يخرج بخلاصة لابد منها وهي أن منطق الكتابة بتأثير رجعي. إذ أنَّ كلَّ الأدب الشيعي قد ظهر في مراحل متأخرة جداً من مرحلة ظهور العقائد الشيعية. ولهذا فإن العودة إلى المراحل الأولى لظهور العقائد والطوائف الشيعية يكشف عن الطابع التلفيقي للتصورات والأحداث والشخصيات على حد سواء التي تمت صياغتها فيما بعد.
ولهذا فإن تاريخ النصوص الشيعية، وهذه مفارقة مدهشة، هو تاريخ الوضع اللاهوتي والأوهام والخرافات والأساطير الدينية التي تؤرخ قبل كل شيء تصورات الشيعية عن التاريخ وليس التاريخ نفسه.
إن هذا المنطلق هام بصورة حاسمة لرؤية الكتابات الشيعية على حقيقتها.
فالتاريخ (والتاريخ الشيعي بالذات) لم يذكر لنا وعن طريق صحيح، على حد تعبير أحمد أمين في "فجر الإسلام"، "أن علياً ذكر نصاً من آية أو حديثاً يفيد أن رسول الله عينه للخلافة، ولو كان لديه نص وذكره لما بقي الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه؛ بل ما بين أيدينا من تاريخ يدل على أن علياً بايع أبا بكر، وإن بعد تلكؤ، كما بايع عمر وعثمان من بعده، كل ما صح عن علي أنه كان يرى أنه كان أولى بالأمر منهم" [فجر الإسلام ص 287]
إن تاريخ "الأدلة" على إمامة عليِّ هو تاريخ أدبي أسطوري شيعي استلت مادته من الرغائب والعقائد الإيمانية الغنوصية. وإن هذه الأدلة، في أحسن الأحوال، لا تتعدى "قِيل" عن فلان و"قال" فلان عن فلان، وهي في أسوء الأحوال ادعاءات تقريرية لا تسعى حتى إلى إعطاء أبسط الأدلة على مصداقيتها.
2.
يقول محمد رضا المظفر:
نعتقد: أنّ الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن هذه الفكرة تتكرر في كتب الشيعة كفكرة لازمة ومهيمنة leitmotiv على كامل الأدب الشيعي (جميع الفرق الشيعية)، وقد تحولت هي الأخرى إلى عقيدة راسخة لا تقبل النقاش.
وفي كتاب آخر يقول الكاتب نفسه:
"المقام السابع في لزوم الإمامة: وقد عرفت أن الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشيعة هي كالنبوة لطف ورحمة، كذلك الإمامة فإذا ظهر كونها لطفاً، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى.
[...] أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحمته المطلقة".
[بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، ج2]:
3.
هنا يمكن أن نرى الطابع الديماغوجي والانتقائي للتفكير اللاهوتي الشيعي والحرية المطلقة في تقرير قضايا عقدية وكأن الأمر يتعلق بترتيب مكعبات ملونة يصنع منها الطفل أشكالاً مختلفة بصورة لا واعية اعتباطية! بل هنا يتضح الطابع التلفيقي للتصورات اللاهوتية.
فالإمامة هي كالنبوّة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى. ولأنَّ النص الذي جاء من "الله تعالى" وهو ما يسمى "تثبيت الوصية" (ليس ثمة أثر في كتاب محمد ذاته أي شي من هذا القبيل) ليس شيئاً غير أسطورة من بين الأساطير الشيعية، وإنَّ “لسان الرسول" قضية مشكوك فيها أيضاً. لأن الأحاديث الشيعية لا تقل اعتباطية وأثارة للشك من أحاديث السنة (فلكل منهم أبو هريرته!). ولهذا فقد تم إضافة "لسان الإمام المنصوب بالنص" إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده. ورغم ذلك فأن "لسان الإمام" وكما سنرى فيما بعد هو الآخر أسطورة من الأساطير (فإذا كان ثمة نص مسبق والإمامة كالنبوة لطف من الله فلماذا يجب على كل إمام أن ينص على إمامة التالي؟).
ولأن لا "نص" من الله ولا " نصَّ " من رسوله ولا "نصَّ" من الإمام (أين هو؟!) فهل ثمة مشروعية من نوع ما لهذا النوع من العقائد؟
لنواصل "الحدوتة" وكأن لا وجود لمثل هذه الشكوك!
4.
وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار!
إذن، لا نص في كتاب محمد يشير فيها إلى "الوصية" الإلهية بإمامة علي.
فهل هذا عائق أمام اللاهوت الشيعي؟
لا شك أن هذا سؤال خطابي يحمل في ذاته الإجابة.
فالثقافة الأسطورية الدينية لها مصادرها التي لا تنضب وإن "خلق" النص لهي قضية شكلية وهذا ما يميز جميع الفرق الشيعية في الماضي والحاضر. فإن غاب النص الحقيقي فإن الأسطورة لا تغيب (لا علاقة لهذا الموضوع بفكرة "إذا غاب القط حضر الفأر!).
وهكذا ظهرت أسطورة "الوصية" التي نقلتها الكتب الشيعية الرسمية مثل "الكافي" للكليني.
لكنني أفضل العودة إلى نص أكثر تفصيلية لهذه الأسطورة وهو كتاب "إثبات الوصية" للمؤرخ البغدادي المسعودي:
"فلما قرب أمره أنزل اللّه جل وعلا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزلَ به جبرئيل مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول اللّه مر من عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة ويشهدنا عليه. فأمر رسول اللّه من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين. فقال جبرئيل يا رسول اللّه إن اللّه يقرأ عليك السلام ويقول لك هذا كتاب بما كنت عهدت وشرطت عليك وأشهدت عليك ملائكتي وكفى بي شهيدا. فارتعدتْ مفاصل سيّدنا محمّد فقال هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، صدق اللّه هات الكتاب. فدفعه إليه فدفعه من يده الى علي وأمره بقراءته وقال هذا عهد ربي إليّ وأمانته، وقد بلغت وأديت. فقال أمير المؤمنين وأنا اشهد لك بأبي أنت وأمي بالتبليغ والنصيحة والصدق على ما قلت، ويشهد لك سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال له النبيّ أخذت وصيتي وقبلتها مني وضمنت للّه تبارك وتعالى ولي الوفاء بها قال نعم عليّ ضمانها وعلى اللّه عز وجل عوني.[...] فأشهد رسول اللّه جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين على أمير المؤمنين ثم دعا رسول اللّه فاطمة والحسن والحسين فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين وشرح لهم ما شرحه له فقالوا مثل قوله وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار ودفعت الى أمير المؤمنين". [تبيان الوصية، المسعودي، قم، بدون تاريخ، ص122]
وليس علينا الآن وكما يحدث في المساجد الشيعية حيث يهبُّ البسطاء (من الأميين والمتعلمين الأميين وأنصاف المتعلمين الأمثر أمية) صارخين بأعلى أصواتهم:
- "اللهم صلي على محمد وآل محمد!"
ها نحن أمام وحي ينزل بالوصية أكثر إحكاماً من وحي نزول أول سورة من قريان محمد وأسطورة "اقرأ" و" ما أنا بقارئ" التي يعرفها الداني والقاصي!
لماذا؟
لأنه ثمة شهود معصومون لا يصل إلى كلامهم الشك ولا يحتمل الريبة:
فمحمد عندما جاءه "الملك" كان وحده. أما الآن فبالإضافة إلى أن هدف الوصية هو "علي" نفسه فقد حضر (وشهد بـم عينيه) نزول الوحي فاطمة والحسن والحسين!
الله أكبر!
5.
إذن الإمامة، كالنبوة، مما يقتضي كمال الله!
فطالما يحتل الإمام (من الأول حتى الثاني عشر!) كل هذه المكانة القدسية؛ وطالما كانت إمامة علي بن أبي طالب وأبناءه وأحفاده لا تختلف عن النبوة في مكانتها واشتراط وجودها - فلماذا، عجباً، لم ينزل حقاً نص حاسم واضح قاطع باتٌّ معلوم جازم مانع محدد دامغ مؤكد يقين لا يقبل الشك ولا التأويل من "لدنه تعالى" وهو لم يقتصد في وحيه في الإشارة إلى أتفه الأشياء: شتائمه لأبي لهب والتين والزيتون؟
ولماذا، وهذا هو السؤال الهام، لم يتفق أبناء "العائلة المقدسة" ذاتها فيما بينهم؟!
فكيف يمكن لأمر قدسي من هذا النوع لا يحظى بمصداقية من قبل جميع أفراد "العائلة المقدسة"؟!
بل أنه لم يحض بقبول القسم الأعظم من المسلمين من خارج الفرق الشيعية!
6.
بصدد حديثه عن أسباب فشل عائلة علي بن أبي طالب في الوصول إلى الخلافة ومن ثم من بعده أبناءه وأحفاده يشير جواد علي إلى أسباب من بينها النزاع ما بين أفراد أسرته ذاتها.
إذ لم يكن هناك تفاهم ما بين أولاد الحسن وأولاد الحسين. فقد كان هناك “نزاع بين أفراد الأسرتين، أسرة الحسن وأسرة الحسين، واختلاف في الرأي: فخرج بعضهم دون البعض على السلطة، فكان أن تم دحرهم بسهولة بطبيعة الحال"[المهدي عن الشيعية ص 63]
وهذا ما حدث مع انتفاضات محمد النفس الزكية والحسين بن علي وفيما بعد زيد بن علي أخي محمد الباقر (الإمام الخامس).
لكن الخلافات لم تكن تقتصر على الموقف من السلطة القائمة وأسلوب النضال ضدها. فقد كان بين أفراد العائلة خلافات لاهوتية تقوض ادعاءات "النص" التي أشرت إليها.
فبالإضافة إلى الموقف الحاسم الرافض للسلطة الأموية وقد دفع حياته ثمناً لانتفاضته ضد هشام بن عبد الملك وكان ذلك في فترة "إمامة" جعفر الصادق (ولهذا لا يتحدث الشيعة عن شهادته!) فإن زيداً (وليس شخصاً آخر) لم يكن يتفق مع الآخرين في الموقف من قضايا هامة جداً وتدخل في صميم العقيدة الشيعية. فزيد "لم يكن متفقاً مع أخيه لا في مسألة الإمامة، ولا في مسألة العلاقة بالمعتزلة، ولا حتى في الافتخار بعلم الأئمة بوصفهم خلفاء النبي" [المهدي عند الشيعة]. وينبغي إضافة موقفه المختلف من أبي بكر وعمر.
ويشير الدكتور جواد علي (الشيعي) بأن الضغط الذي كانت تمارسه السلطة العباسية والسياسة المعادية لأسرة عليٍّ قد أضعفت مقاومة بعض أفراد الأسرة فإنه "يروى أن بعض أعضاء الأسرة قد قبلوا الرشوة وارتضوا الخيانة".
ولكن ألم يحدث هذا مع الحسن – الإمام الثاني؟!
7.
غير أن ما يفند أسطورة الأئمة الاثني عشر ومصداقية كتب الشيعة وادعاءاتهم عن النص" و"الوحي" المُبَلِّغ بالوصية لم يأت من خارج "العائلة المقدسة" فحسب، وإنما من داخلها أيضاً. وإن موقف جعفر بن علي الهادي -أخي الحسن العسكري (الذي اختلقت الشيعة ضده أقاويل تعود إلى محمد نفسه يتنبأ بخيانته) لهو مثال على عدم مصداقية هذه الأسطورة وطبيعتها التلفيقية.
ومن نتائج موت الحسن العسكري هو افتراق الشيعة على أربع عشرة فرقة. ولم تعترف بالإمام الثاني عشر غير فرقة واحدة لا غير وهي الفرقة الاثنا عشرية.


اقرأ أيضاً:




كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر