منع

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [6]: زيد بن علي وسقوط أسطورة الإمامة

[شجرة الأئمة من وجهة نظر الطائفة الزيدية!]
تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
- المصدر الأسطوري للعقيدة.
- السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
- الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
كما تطرقنا في الحلقات السابقة فإن الشيعة الاثني عشرية يروون في أساطيرهم لبسطائهم بأن "الإمامة" لا تخضع لا للشورى (أنظر: الديموقراطية والشورى [1]: الأصول اللاهوتية للادعاءات الإسلامية عن "الشُّورى") ولا الاختيار.
فهي " لطف إلهي " من الله – يقول اللاهوت الشيعي من مختلف الطوائف؛
وهو "نص" أنزله جبريل على محمد ليكون الأئمة الاثنا عشر خلفاء على الأرض من الأمام الأول حتى "المهدي المنتظر" الذي سيظهر في آخر الزمان "فيملأ الأرض قسطا كما ملئت ظلما وجورا...إلخ!!!" وهو لم يظهر رغم أن الأرض قد مُلئت ظلماً وجوراً آلاف المرات ومن المسلمين (سنة وشيعة) أنفسهم،
وكما تبين أيضاً من الحلقات السابقة فإن ما كان يميز تاريخ الإمامة هو الاختلاف (وليس الاتفاق) وقد كان الاختلاف في "كل عصرٍ ووقتِ كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته" كما تقول مصادر الشيعة بالذات. وقد كان هذا اعترافاً شيعياً من القرن الثالث الهجري.
ورغم كل ذلك فإن أفراد العائلة العلوية يرفضون هذه الأسطورة رفضاً قاطعاً. وهذا أمر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام!
وهذا فصل من فصول الرفض: رفض زيد بن علي بن الحسين أسطورة الإمامة!
2.
وقد كانت هذه من أولى الخلافات الجلية والتي لم يستطع تاريخ الشيعة اخفاءها وذات الطابع العميق داخل (العائلة المقدسة!!!) والتي تعري بسطوع أسطورة "الإمامية":
إنه الخلاف على إمامة زيد بن علي بن الحسين.
ولم يكن اختلاف الزيدية (التي لا تعترف إلا بخمسة أئمة: عليٍّ والحسن والحسين والحسن بن الحسن بن علي "الحسن المثنى “وآخرهم هو زيد بن علي لن الحسين) من خارج العائلة العلوية، بل أن الخلاف قد خاضه زيد نفسه (خلافاً للصناعة الإسماعيلية التي لا علاقة لها بإسماعيل فقد ظهرت الخرافة بعد موته) في حياته ضد ادعاءات أخوه الباقر وابن أخيه جعفر الصادق. وقد تمرد على السلطة الأموية في زمن هشام بن عبد الملك عام 122 ه.
3.
فمن هو زيد بن علي؟ وهل شخصيته تنقض ادعاءاته بالإمامة؟
هذا ما يقوله الشيعة المعاصرون عن زيد بن علي:
تحت فصل معنون بـ “موقف علماء الشيعة من جلالة ووثاقة زيد الشهيد" يقول جعفر السبحاني الكاتب الشيعي المشهور[*]:
"إنَّ موقف علماء الشيعة الإمامية نفس موقف النبي وعترته الطاهرة - –ليهم السلام - –إن كنت في شك من ذلك فاقرأ كلماتهم في حقه:
- قال المفيد: كان عين إخوته بعد أبي جعفر - –ليه السلام - –أفضلهم، وكان ورعاً، عابداً فقيهاً، سخياً، شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين - –ليه السلام -.
- وقال النسابة أبو الحسن علي بن محمد العمري: كان زيد أحد سادات بني هاشم فضلاً وفهماً خرج أيام هشام الأحول ابن عبد اللّه فقتل وصلب ست سنين، وقيل أُحرق وذري في الفرات ـ لعن اللّه ظالميه ـ
- وقال الطبرسي: إنّ زيداً كان من علماء آل محمد، غضب للّه فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله. [بحوث في الملل والنحل - –راسة موضوعية مقارنة للمذاهب الإسلامية، ص 215]
ومن يريد المزيد لمعرفة الموقف اللاهوتي الشيعي من زيد فليرجع إلى الكتاب المشار إليه.
4.
إذن وباعتراف كتب الشيعة الاثني عشرية نحن أمام شخص:
ورع عابد فقيه سخي شجاع وهو أحد سادات بني هاشم فضلاً وفهماً وهو من علماء آل محمد. وقد رفض زيد هذا الذي لا شكَّ في علمه وفهمه العقيدة الشيعية للاثني عشرية!
فهو ضد الغنوصية الشيعية؛ ومع المعتزلة (فهو من أتباع واصل بن عطاء) ولا يعترف بكنوز العلم العلوي ويرى أن العلم في كل مكان وزمان؛ وله مواقف إيجابية مختلفة عن الموقف الرسمي إزاء أبي بكر وعمر؛ كما أنه لا يعترف بغير إمامة عليٍّ والحسن والحسين – واضعاً الحسين (جده!) في مرتبة أعلى من الحسن.
ولكيلا ينسى القارئ:
فإننا نتحدث عن زيد بن علي بن الحسين شقيق محمد الباقر (الأمام الخامس عند الشيعة الاثني عشرية) وليس عدواً للعائلة العلوية بل هو واحد منها فضلاً وفهماً وفقهاً!
فماذا تبقى من "النصوص" التي يدعون أنها "تنص" على إمامة الأئمة التسعة الآخرين وحفيد عليٍّ نفسه يرفض هذا الادعاء؟!
من جديد تتبدى أمامنا أبسط القضايا المنطقية:
فعندما يرفض بعض أبناء العائلة العلوية "عقائد" يدعي البعض الآخر منها بأنها "لطف" إلهي، فإنَّ من اللطف القول بأن هذا "اللطف" لم يعد لطيفاً بأي حال من الأحوال!
لقد قوَّض زيدٌ عقيدة الإمامة "المنصوص" عليها من حيث الجذور ونقض في نفس الوقت عقائد الإسماعيليين التي هي أوهى العقائد الشيعية وأشدها افتعالاً وفبركة كما سيأتي الحديث عنها.
5.
من ضمن الكتب الكثيرة التي تُنسب لزيد بن علي هما: "تثبيت الوصية" و"تثبيت الإمامة". وهما الكتابان اللذان لهما علاقة بموضوعنا.
ففي الوقت الذي يعترف فيه زيد بن علي بإمامة علي بن أبي طالب والحسن والحسين فإن له إجابة مختلفة على السؤال: فمن هو الأولى بعد الحسين؟
وهذا هو جوابه:
"قولوا: فمن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله.
فإن لم يدعُ منهم داعٍ فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم واتقاؤهم.
فإن قالوا: فما بال آل محمد يختلفون وإنما الأمر والحق فيما تزعمون؟
فقولوا: فإن داود وسليمان اختلفا (إذ يحكمان في الحرث) وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَكُلَّا آتينا حُكماً وعلما)، أفيجوز أن نرد قول الله عزل وجل، فنقول: إن داود حكم بغير الحق، أو أخطأ؟ [...]
فآل محمد (ص) في الناس رجلان: رجل عالم بما تحتاج إليه الأمة من دينها، دعا إلى كتاب الله وسنة نبيه، ومجاهدة من استحل حرام الله، وحرم حلاله، فعلى الناس نصرته، ومؤازرته، والجهاد معه، حتى تفيء الباغية إلى الله، أو تلحق روحُه وأرواحهم بالجنة" [تثبيت الوصية، للإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام، منتزع من مجموع كتبه ورسائله، منشورات مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية- اليمن، بدون تاريخ]
وفي "تثبيت الإمامة" يقوم زيد بتوجيه نقد لاذع لأفراد عائلته سواء كان أخاه محمد الباقر أو ابن أخيه جعفر الصادق وهو نقد لم يقم به أي ناقد للأئمة للشيعة:
إن الإمام منا أهل البيت، المفروض علينا وعليكم وعلى المسلمين، مَنْ شَهَرَ سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه، وجرى على أحكامه، وعُرِفَ بذلك، فذلك الإمام الذي لا تسعنا وأياكم جهالته.
فأما عبدٌ جالسٌ في بيته، مُرخٍ على سِتْره، مغلق عليه بابه، تجري عليه أحكام الظالمين، لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، فأنى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعنه". [تثبيت الإمامة، للإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام، منتزع من مجموع كتبه ورسائله، منشورات مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية - –ليمن، بدون تاريخ]
غير أن الصورة الملفقة عن الانسجام الداخلي لـ "أهل البيت" لا تنتهي عند هذا الحد وهذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة!
6.
وكما يقول زيد بن علي (إمام الزيدية) بأن "الإمام" هو " مَنْ شَهَرَ سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه" وليس "عبدٌ جالسٌ في بيته، مُرخٍ على سِتْره، مغلق عليه بابه، تجري عليه أحكام الظالمين، لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، فأنى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعنه" فما هو موقف الزيدية من أسطورة النص على الأئمة الاثني عشر جميعهم؟
الزيدية المعاصرون والقدامى يقبلون عقيدة النص على الإمام الأول "!" علي بن أبي طالب (وإلا ناقضوا ونقضوا أنفسهم!) باعتباره "لطفاً إلهيا". كما أنهم يعترفون من غير قيد أو شرط بإمامة الحسن والحسين وهذا ما رأيناه من خلال آراء زيد. لكنهم يرفضون فكرة النص على الأئمة الآخرين.
يقول الكاتب الزيدي المعاصر كاظم الزيدي في كتابه "الرافضة":
" فأما ما ادعاه إخوتنا من الإمامية والإسماعيلية، من النص الاثني عشري، أو أن الإمامة تكون في الولد الأكبر وصية لازمة، فهذا غير ظاهر دليلُه للأمة لا بتواتر ولا باستفاضة، وما كان هذه حاله والأمر المترتب عليه خطيرٌ من إيجاب الاتباع للعترة كمنهج يقترن بالكتاب والسنة ويصحح للمكلفين أنظارهم، فليس يعتمد عليه، إذا لا قطعية في الدليل، ولا إيمان بهذا إلا بدليل قاطع" [ص 3].
7.
إن غياب الأدلة (من وجهة النظر اللاهوتية للفرق الشيعية ونحن في مملكة اللاهوت والخرافة التي لا حدود لها) على نص الأئمة الاثني عشر له قيمة تاريخية ويبدد لعبة الضباب التي يستخدمها الشيعة الإمامية المعاصرون. لأن مثل هذا النص "لم ينتشر (بل ولم يعرف) خبرهم الاثني عشري في صحاح ومسانيد الأمة شيعية وسنة وإباضية بل حتى الإسماعيلية ينازعوهم إياه من بعد أبي عبد الله الأمام جعفر بن محمد (ع)، ويحتج الإمامية برواية المحدثين لخبر اثني عشر أميراً، وخليفة، وهذا دلالته ظنية إذ لا أسماء، ولتضارب مدلولات الروايات" [المصدر السابق]
8.
فإذا كان ثمة نص على الأئمة الاثني عشر فَلِمَ يُكَلِّف الشيعة الأمامية أنفسهم بمبدأ الوصية؟
ويطرح كاظم الزيدي سؤالاً منطقيا (يحمل مسوغات لاهوتية):
"ولو كان خبر الاثني عشر ظاهراً متواتراً لما احتاج الإمامي لمعرفة الكاظم بعد الصادق إلى وصية، لأن النص الاثني عشري يدل على الكاظم وإن لم يتكلم الصادق، وأيضاً سيعرفون الرضا بعد الكاظم، والجواد بعد الرضا، بدون الحاجة لمعاصرة أولئك الأئمة، فكيف لو طال الجهل كبار سلف الجعفرية ومؤصلي مذاهبهم [...] فكيف لو طال الجهل أبناء وأخوة الأئمة، كالإمام زيد بن علي، والإمام محمد بن جعفر الصادق، وإبراهيم بن موسى الكاظم، كل هذا لا يجعل ذلك الخبر الاثني عشر مؤدياً إلى التواتر، ولا يصلح بهذه الظنية أن يكون دليلاً بذاته".[نفس المصدر:ص4]
9.
هذا مستو واحد لا غير من سلسلة متصلة من المستويات التي لا تثبت غياب الأدلة على عقائد الشيعية المعاصرة فقط، بل وتثبت بما لا يقبل الشك خرافة هذه العقائد وطبيعتها المختلقة والترقيعية.
ومع ذلك فما تزال مستويات كثيرة من تاريخ الشيعة الخرافي في حاجة إلى الكشف عنها حيث يضيف "الإسماعيليون" مستوى جديداً من الخرافة ونقض العقيدة الإمامية في آن واحد.

للموضوع بقية . . .


*ملاحظة هامة: إنَّ حديثي عن زيد والزيدية ليس موضوعاً عن الزيدية. إنني أتحدث عن أسطورة الإمامة والأئمة الاثني عشر التي تبطل عندما يرفضها أفراد من ذات العائلة وهو دليل داخلي على عدم مصداقية عقيدة الأئمة الاثني عشر.



[*] إذا شكك أحد بانتساب هذين الكتابين لزيد فإن عليه التشكيك بجميع كتب "المعصومين" التي تغض بها المكتبة الشيعية!
وإن هذين النصين هما جزء من ذات النصوص الشيعية التلفيقية التي لا تصلح لغير النقد الداخلي للشيعة ومن نصوصهم أنفسهم.
[**] لم يعتمد المؤلف (كما يشير هو شخصياً) على الكتاب المذكور في الهامش بل النسخة التي قام بإصلاحها الطوسي ومنشورة تحت عنوان: "منتهى المقال" ص 379 وقصص العلماء ص333. غير أنني للأسف لم أعثر على "منتهى المقال" للطوسي في منشورات الإنترنت. توجد عدة كتب تحت عنوان "منتهى المقال" لكتاب شيعة مختلفين ليس من بينهم الطوسي.
إنَّ غياب هذا الكتاب في الإنترنت وعدم ذكره في أي مكتبة شيعية على الإنترنت مثير للريبة أكثر من الدهشة. فهي محاولة لمنع معلومات من هذا النوع إلى القارئ المعاصر.


اقرأ أيضاً:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر