قضية عثمان:
كانت الأحداث الدرامية التي جرت خلال خلافة عثمان نتيجةً طبيعيةً لآليات الاستحواذ على السلطة في الإسلام. كما أنها كانت تطوراً منطقياً للمُثُل والعقيدة اللاهوتية التي لا تقوم بدون استحداث عقائد "مقدسة" وأشخاص "مقدسين"، معصومين عن الخطأ ويقفون فوق الشبهات. وإلَّا فإنَّ كامل "الأبراج" الفقهية ستتهاوى وإنَّ جميع الأحكام ستنهار!
كانت عملية تخليف عثمان "لعبة" سياسية نموذجية ومثلاً كلاسيكياً على كيفية استحداث "قواعد" انتخاب (كما يقول الناس في الأسواق العربية: على الماشي) بطريقة تؤدي إلى الأهداف المرجوة من قبل الاتجاه السائد في السلطة: والهدف هو تخليف عثمان!
كما تقول لنا الكثير من مدونات التاريخ الإسلامية، مثل ابن كثير في "البداية والنهاية"، وإذا ما وضعنا "الحذلقات اللغوية والخطب الفارغة عن الشورى" جانباً، فقد اختار عمر ستة أشخاص (ستة أشخاص فقط من كامل الأمة الإسلامية!) وَهُمْ:
عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وقد كان بينهم ابنه عبد الله ولكن من غير دور في التصويت على أن يتم اختيار خليفته في حالة موته.
والكل يعرف ماذا حدث وكيف حدثت آلية الاختيار التي لا قيمة لها مطلقاً. إذا أن مبدأ اختيار الستة - وأكرر كلمة اختيار، قد نسف فكرة "الشورى" وتم الاستناد في اختيار الخليفة الجديد من حيث الجوهر إلى أساس ولائه لابن أبي قحافة وعمر. والكلُّ يعرف أنَّ لا أحد آخر غير عثمان وعلي مرشح للتنافس على الخلافة وإنَّ عليَّاً ما كانَ له أنْ يمنح ولائه لسياسة ابن أبي قحافة وعمر. وهكذا أصبح عثمان خليفة المسلمين. والكلُّ يعرف أيضاً كيف أدى فساده المالي وتنصيب أقربائه وتقوية بني أميَّة على حساب "الأمة الإسلامية!!!" إلى تمرد الناس على سلطته وقتله وما رافقه من مشاعر الحقد والكراهية التي لا يمكن أن تتصف بها إلا المشاعر المعادية للسلطان الجائر!
إنَّ "حكايات" تولي ابن أبي قحافة وعمر وعثمان الخلافة (إنْ حدثت مثل هذه الحكايات) هي من الأمثلة النموذجية والأصيلة على كيفية تحول "الوصاية" إلى "جُور" وكيف فسدت سلطة "الصحابة المعصومين" وتحولهم إلى طغاة قد أدى بحياتهم جميعاً.
5.
خرافة البيعة:
من خرافات تاريخ السياسة العربية - الإسلامية هي فكرة "البيعة".
لا يقل "موضوع" البيعة خرافة عن خرافة "الشورى"!
لقد رأينا كيف تم افتراض "بيعة" الناس للخلفاء هكذا "بجَرَّة قلم"! وهي خرافة تَمُّتُ بصلة وثيقة تقنياً وعقائدياً إلى خرافة "الإجماع". هذا واحد من مئات "افتراضات" الإسلام عن نفسه وعن تاريخه ذاته. إنهم قد اصطنعوا بأنفسهم وهماً ولم يكن ثمة "مخرج" لهم غير الإيمان به.
إنَّ فرضية "البيعة" تقول لنا، ضاربة بعرض الحائط كل قواعد المنطق الاستقرائي والاستنباطي على حد سواء، وبكل صفاقة بأنَّ "الناس" آنذاك كانوا قد "بايعوا" ابن أبي قحافة وعمراً وعثمان! ولا أحدَ يعرف من هُمْ هؤلاء الناس (والجزء الأعظم منهم يعيش في مناطق وأمصار تقع على مسافات شاسعة من المدينة) وكيف أعلنوا عن مبايعتهم الفورية (إن هذا النوع من البيعة لا يمكن حدوثه إلا في عصر الإنترنت) وما هي مصداقية هذه "المبايعة" وقد كان سكان "المدينة" متفرقين إلى عشرات الفرق المتناحرة وقد أثبتت الحوادث هذا التفرق بقتل الثلاثة ثم بقتل علي بن أبي طالب فيما بعد؟!
وكما حدث مع الخلفاء الثلاثة الأوائل ظل الكتاب المسلمون "صامدين" وهم يقدمون على "مائدة التاريخ" المزيفة من جديد افتراضات "الشورى" و"البيعة" لعلي؟!
فكيف حدثت هذه "البيعة" يا ترى؟
التفسير الوحيد هو أنَّ الكُتَّاب المسلمين يعانون من مرض عِضَال أفقدهم القدرة على أدراك معاني الكلمات!
فَعَنْ أية "بيعة" يتحدثون في ظلَّ حروب الردة على ابن أبي قحافة؟
وعن أية "بيعة" وقد استمرت معارضة الأنصار لخلافة ابن أبي قحافة وعمر في شخص "سعد بن عبادة" الخزرجي التي لم تهدأ إلا بقتله بقرار من عمر (ناسبين مقتله إلى الجنِّ!) وقد اعترف بهذا الأمر الكثير من المؤرخين العرب؟
بل أن عمراً، وهذا من الأدلة التي لا يمكن دحضها على خرافة "الشورى"، قد منع كل "الصحابة" البارزين من مغادرة المدينة وفرض عليهم ما يشبه "الإقامة الجبرية" في المدينة حتى لا يتسنى لهم معارضته خارج حدود سلطته؟! وهو أمرٌ يحاول كُتَّاب الإسلام المعاصرين عبوره برشاقة يحسدهم القارئ عليها!
وعن أية "بيعة" لعثمان يتحدثون وقد رأينا إنَّ أنصاره لا يتعدون أفراد عائلته وقبيلته وآل سفيان وانتهى الأمر بقتله شرِّ قتلة مثلما قُتل عمر من قبله؟!
6.
خلافة علي بن أبي طالب:
وها نحن نصل إلى "بيعة" بن أبي طالب وحكم "الشورى" المفترض!
لقد كانت معارضة تولي الخلافة من قبل عليٍّ ابن أبي طالب لا تقل عنفاً عن معارضة تولي "الخلفاء السابقين، بل كانت أعنف معارضة في تاريخ الإسلام. إذ كان عليه ومنذ البداية أن يخوض حروباً علنية ضارية على ثلاث جبهات: الأمويين والخوارج وعائشة. وكلنا نعرف أيضاً المعارك التي خاضها فيما بعد ضد معارضيه (الجمل وصفين والنهروان) وكيف انتهت سنوات خلافته الأربع الدرامية بقتله من قبل ابن ملجم أثناء الصلاة في مسجد الكوفة!
ولندقق النظر في الطريقة التي أصبح علي بها خليفة على المؤمنين: الحروب على كل الجهات.
فأين هي "الشورى" و"البيعة" و"إجماع" الأمة؟
7.
والآن، هل ثمة معنى وضرورة للكلام عن فرضية "الشورى" في زمن الأمويين والعباسيين والفاطميين وكل من تولى السلطة وحَكَمَ باسم "سلطة الله على الأرض" مروراً بالفاطميين وأمراء الدويلات حتى العثمانيين؟!
هل من معنى وضرورة لسرد تاريخ الإسلام حتى اللحظة الراهنة لكي يتبين لنا خرافة ما اختلقه المسلمون عن أنفسهم وعن تاريخيهم؟!
إنَّ الحيرة لا حدود لها وإنُّ صلافة هؤلاء الكُتَّاب واستهتارهم بالحقيقة لتتعدى حدود الأدب والعقل وسلامة الضمير. لقد وقعوا ضحية لأوهامهم عن العالم فأرادوا ما حدث لهم أن يحدث لشعوبهم. وقد وجدوا ما أرادوه!
◼الديموقراطية والشورى [1]: البنية العقائدية والنظرية لادعاءات "الشُّورى"
◼الديموقراطية والشورى [2]: في البدء كانت المؤامرة – تخليف ابي بكر وعمر
◼الديموقراطية والشورى [3]: أوهام البيعة – تخليف عثمان وعلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق