"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا "
[سورة الأحزاب :50]
[هل هذا كلام يا نبي الإسلام؟!]
1.
في الحلقة الماضية تطرقنا بشيء من العجالة إلى مدخل الآية "الكريمة" " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ " وقلنا إن " يَا أَيُّهَا" نداء للقريب و" النَّبِيُّ "تخصيص "للتحليل" الخاص والاستثنائي لخاتم الأنبياء المصطفى (ص) فقط وفقط.
وهذه جزالة وفصاحة لا ريب فيهما لم يسبق لهما مثيل في اللغات جميعاً!
فماذا حُلَّل له من قبل الحكيم القدير والمُحَلِّل الأثير على قلوب الجماهير"؟
حُلَّل له "أزواجه".
وهذا كلام صريح لا يقبل التأويل والقدح بـ"وحي" جليٍّ لا حاجة إلى مفاتيح وَمَنْ أوَّلَ الصريحَ فقد كَفَرَ بما هو صحيح!
غير أنَّ الشبهات التي يطرحها الملحدون والمشككون، لعنة الله عليهم، بكلام الله كالعادة هو: "مَا يَحُقَّ له وما لا يحق له من أولئك الأزواج" من غير أن ينتبهوا ويتنبهوا إلى الاسم الموصول "اللواتي". فالاسم الموصول يصل ما قبله بما بعده.
والإعجازُ كل الاعجازِ هو في استخدام "اللواتي" وليس "اللائي". لأن في "اللائي" نوع من الخفة والفراغ الصوتي وهذا لا يصح في حالة "أزواج" النبي وأمهات المسلمين ورفيقات النبي الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم. ففي الاسم الموصول "اللواتي" دفء وكرم وحنان ما لا وجود لها في "اللائي" التي تبدو خفيفة وطائرة في الهواء.
- هل فهمتم؟!
كما أن الزنادقة والملحدين، لعنة الله عليهم أجمعين، غير متفقهين بعلم اللغة ومحسنات البديع والبلاغة العربية السمحاء ولم تبق غير الشبهات والعياذ بالله.
2.
إذن من هنَّ اللواتي حللهن الحكيم القدير أزواجاً للمصطفى وأشرف خلق الله في الكون"!!!"؟
إن الذكر الحكيم كما أشرنا أعلاه ومن دون لف أو دوران واضح صريح بَيِّنٌ من غير بهتان ولا زوغان إذ يقول:
"أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ".
وفي هذه الجملة فكرتان ربانيتان معجزتان أوحى بها الخالق شخصياً للحبيب المصطفى شخصياً أيضاً:
الأولى:
إن كلمة "أزواج" جمع تكسير تصح على المذكر والمؤنث. وكما يبدو تحسباً لمخاطر الرغائب ومهاوي المستقبل!
وقد اقتصر الشارع (أي: المشرع وهو الله شخصياً) العظيم على كلمة "أزواج" التي جاءت نكرة بدون أي تعريف. والعبرة بالنكرات هو غياب العدد. فهو يخاطب الرسول: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ" من غير أن يلزمه بشروط غير أن يكون قد أتى " أُجُورَهُنَّ ". فـ"الله" يحنو على المصطفى الحبيب ولا يريد أن يقيده بعدد فأطلق حريته وفتح أمامه الباب النكاح مفتوحاً على مصراعية. وهذه سماحة من "الله" وكرم وأخلاق عالية - أليس هو مرجع الأخلاق؟
إذن: أزواج الرسول حَلَالٌ من لدن "الحكيم القدير" وهو أمر لا رجعة فيه ولا "نسخ" ولا "استنساخ". كما أنه لا حرج عليه في "العدد". فالعدد مفتوح والنكاح مسموح بما اشتهت نفسه من النساء فلا حرج عليه ولا هم يحزنون!
فأزواج النبي المصطفى هنَّ جميع النساء الممكنات على الأرض نظرياً و"اللواتي" أخذن أو سيأخذن منه أجورهن (إذا ما استطعن إلى ذلك سبيلا!).
ويقول أصحاب الشبهات – لعنة الله عليهم واحداً واحداً بأن الأجور هي المبالغ المعطاة مقابل خدمة يقدمها مثلاً زيدٌّ لعمر؛ أو هي ما يتلقاه العامل لقاء عمله. وهذا كفر بحق الإله وجحود بحق النبي الطاهر العفيف الشريف.
فكيف ينكح النبي الحبيب أزواجه بأجور؟
استغفر الله من الشك والعقل والتفكير ومن آفة التدخل في شؤون أهل المصطفى وما خفي عن العين والسمع.
والأمر في غاية البساطة:
إن العاجز عن السباحة والغوص في أعماق بحار العربية (ولهذا يسمى معجم اللغة قاموس) فإنه لن يفقه بأن للأجور معنى الصداق والمهر المقدم للزوجة للنكاح. فمن أين يعرف أصحاب الشبهات أنَّ لا وجود لهذا المعنى؟
فقد أنشد أبو صخر المًجْهِز العبدي الزبعري مخاطباً صديقه:
أهلي زوجوني يا صاحبي في صحبتها هواني
دفعوا لها الأجرَ مرتين ولي أعطوني الأواني
وهذا برهان نقلي تجريبي أصيل من بطون الشعر العربي ومن صميم لغة العرب وفصاحتها على أن "الأجر" هو الصداق. فدفعوا لها الأجر - أي الصداق.
وكما قال أحد المسلمين في منتدى الملحدين: غصباً عن أنفك!
3.
وقوله "وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ":
في هذه الفقرة من الآية الكريمة إعجاز قلما عرفه العرب والأعاجم وخصوصاً هذا الإنجليزي شكسبير لعنة الله عليه. إذ قال حللنا لك "ما ملكت يمنيك" يا أيها النبي ثم يحدد الوحي ويضبط القول ويلزمه: " مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ". أيْ مما شرَّعه "الله" الكريم العطوف في حالة نتائج الحرب حيث اباح له التسري بالنساء اللواتي (فهو أيضاً إنسان يا أخي!) أخذن من المغانم مثل ريحانة وصفية وجويرية ومارية بنت شمعون ومارية القبطية وغيرهن. فهن من السراري و"ملك يمين" للرسول يحل له أن يفعل بهن ما يشاء. وهذا حُكْمُ منزل عادل وعطوف ورؤوف وحنون على النساء لا يمكن تغييره وتبديله.
4.
وهكذا نرى بأن الحكيم العليم القدير قدَّ قرر أن يمنح سيد الإنسانية وسيد الرحماء carte blanche رباني في اختيار عدد ما ملكت يمينيه.
لكن النبي العفيف الشريف اكتفى بعدد محدود وهذه من خصال الشهامة والتواضع وإن أفضل الأمور أوسطها – روحي فداه.
حدثنا ابن عباس عن وكيع قال: كنا جماعة نجلس مع الرسول (ص) بعد الصلاة فسأله عبيد بن حالك الأزدي عن ملك اليمين وهل يحق له ما يحق للرسول. فاسود وجه الرسول وازورت عيناه وأخذ يرتجف من الغضب فرفس النبي برجله الكريمة عبيدَ في بطنه حتى أخرج الهواء من فمه وأذنيه وأماكن أخرى قائلاً: وهل تعترض على إرادة الله؟ فقال عبيد بعد أن استرد أنفاسه: لا يا رسول الله - روحي فداك ولكني أردت أن تمس قدمك الكريمة جسدي. فقهقه رسول الله حتى وقع على ظهره من الضحك فبان فرجه وحين هدأ من الضحك قال الرسول (ص): أراك يا عبيد معي في الجنة" [حديث صحيح – صححه الباكستاني في كتابه لآلئ الرسول، إسلام أباد، بدون تاريخ، ص 54].
5.
وقوله "وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ".
في هذه الفقرة الكريمة والعبقرية يتفرغ "الله" جل جلاله شارحاً للرسول بالتفصيل الممل مَنْ هُنَّ النساء الأخريات اللواتي عليه أن ينكحهن – محدداً إياهن بالاسم حتى لا يختلط الأمر على الرسول وفي هذا جلال ومحبة. وقد سبقني الشيخ الجليل الحكيم الزميل ابن كثير معلقاً:
"هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط; فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا، واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته، فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى، فأباح بنت العم والعمة، وبنت الخال والخالة، وتحريم ما فرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت، وهذا بشع فظيع"
أما أن يتزوج المرء أقرب قريباته من غير الأخوات فهو أمر لطيف وجميل حيث تشتد أواصر الأسرة وتقوى العلاقات ويصبح النسل قوياً معافى حتى يتباهى الرسول به أمام الأمم.
أما من يقول بأن بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة مثل الأخوات فهو لا يفهم لا اللغة ولا صلة الرحم ولا البراهين النقلية ولا قوانين التطور الربانية لا حقيقة وأصل العائلة، بل هو لا يفهم من الطب شيئاً!
إنها شبهات أثبتنا، بحمد الله وتأيده، بأنها مردودة وباطلة ولا تقال إلا من جاهل. فكلما يتزوج المرء من قريبة منه كلما تكون علاقتهما أقوى وأبناءهما اصح وأذكى وهذا ما أثبتته العلوم الإسلامية والعقول ذات المعارف الربانية وتاريخ المجتمعات الإسلامية.
للتفسير المختصر بقية ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق