منع

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [2]: الشيعة والسلطة: ملاحظات أولية


[أساطير كربلاء تحولت إلى حقيقة بفضل الخيال الديني الشعبي]

تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
شكلت فكرة "السلطة" و"الخلافة" حجر أساس ظهور جميع الطوائف الإسلامية من غير استثناء وبغض النظر عن حجمها في إطار طوائف الإسلام وفرقها. وقد اكتسبت فكرة السطلة أهمية استثنائية وحاسمة في كل مرحلة من مراحل تاريخ الإسلام الذي تعدى 14 قرناً. بل أن "هدف السلطة" هو المحرك الأساسي لظهورها وتطورها كـ"عقائد دينية".
ومثلما كان هذا واضحاً في تعاليم السنة عن مشروعية الحكم والحاكم الإسلامي السني وخرافة "الأئمة من قريش"، فإن هذا أيضاً ما يكشف عنه التاريخ الحقيقي بالعلاقة مع ظهور وتطور الطوائف الشيعية (الاثنا عشرية والإسماعيلية وغيرها) الذي يمكن أن يراه المتابع الذي لا تكتنفه الخرافات لذات السيرة الإسلامية الرسمية.
فقد ظهرت مباشرة بعد موت محمد مجموعة صغيرة من الموالين لعلي في المدينة معلنة اعتقادها بأن علياً كان مؤهلاً أكثر من أي مسلم، بمن في ذلك أبو بكر، لخلافة النبي. وقد راحت هذه الأقلية الصغيرة، المكونة أصلاً من بعض أصحاب علي ومؤيديه تتوسع بمرور الوقت، وصارت تسمى خلال خلافة علي الوجيزة بشيعة علي عموماً، ثم بسِّطت إلى شيعة فقط" [تاريخ الإسلام الشيعي، فرهاد دفتري، ص 51]
2.
وليس ثمة أي عقيدة دينية متميزة في تصورات هذه المجموعة، بل ولم تختلف على أية فكرة دينية مع القوة السائدة آنذاك وإن المنطلق الوحيد هو أحقية علي بالخلافة ولا شيء آخر.
لقد كانت ولا تزال قضية "الخلافة" هو المحرك سواء بالمطالبة بها أو التخلي عنها فيما بعد بحجة لا خلافة خارج خلافة المهدي المنتظر والانتظار طويلاً لظهوره!
وأفضل ما يعبر عن هذه الحقيقة هو التصور القار والمتغلغل في فكر الشيعة الاثنا عشرية، والذي لم يتغير حتى اللحظة الراهنة، وهو أن التاريخ الإسلامي السني لا يعني بالنسبة لهم غير: "الخلافة المغتصبة"!
في كتاب "الخلافة المغتصبة: أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخ" ومنذ "الباب الأول" الذي يحمل عنواناً معبراً: "الخلفاء الراشدون .. حبكة مفتعلة!" يقول الكاتب:
"في الاصطلاح الذي تواضع عليه العامة فيما بعد، أصبحت كلمة " الخلفاء الراشدون " تطلق على أشخاص معينين. هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وقد طال الأمد على العامة إلى أن قسى قلبها وتحجر على هذا الاصطلاح، رغم ما يعتريه من تعسف على الواقع التاريخي، ومفاد النص، اللذين تتأكد من خلالهما الخلفية السياسية لهذا الاصطلاح.
فتاريخيا لم يكن اسم خليفة متداولا في عصر الرسول (ص) بمعناه الاصطلاحي إلا في شخص علي (ع) وذلك للأدلة التي ذكرناها آنفا، كحديث يوم الدار".[الخلافة المغتصبة، إدريس الحسيني، ص 65]
3.
إن فكرة "الخلافة المغتصبة" تضغط بكامل قوتها على المواقف العقائدية الشيعية التي أنتجت أيديولوجيا "ولاية الفقيه" والتي حلت بدورها محل عقيدة “انتظار ظهور المهدي الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً". فقد ملَّت الشيعة الانتظار وفقدوا أنصاره الأمل في تحقق خرافتهم. إذ رغم الدعاء المتواصل الذي دام قروناً من أجل ظهوره و "تعجيل الله فرجه" حيث كانوا يعتقدون (وربما لا يزالون) بأن ظهوره بات وشيكاً: فإن المهدي لم يظهر (ولن يظهر وقوانين الحياة هي المسؤولة عن ذلك)!
وبسبب كل هذا وحتى لا ينفرط عقد أنصار الشيعة فقد قرر الأذكياء من اللاهوت الشيعي وأصحاب العقل العملي (الذين ملوا الانتظار هُمْ أيضاً) أن يأخذوا قدرهم بأيديهم ويصنعوا بديلاً واقعياً لسلطة المهدي المنتظر: إنها ولاية الفقيه. التي ظهرت على يد الشيخ المفيد (948 – 1022م) وتبلورت على يد الكركي (علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي العاملي – توفي 940 ه).
ولن أناقش هنا مفاهيم "الولاية الخاصة" و"الولاية العامة" ولا "الولاية التكوينية" و"الولاية التشريعية" فهي مجرد تخريجات لاهوتية وأعذار عن التخلي عن الانتظار وإن قضية السلطة هي قضية راهنية (وقد كانت راهنية دائماً) تتطلب القرار من الأرض وليس من السماء.
[من كتاب الخلافة المغتصبة]
4.
ولكن مع ذلك:
في البدء كانت الخرافة!
إذ أن المطالبة المباشرة والعلنية بالسلطة من قبل الجماعات السياسية المعارضة للسلطة القائمة وفي إطار القرون الإسلامية الأولى، حيث كانت التصورات الدينية والعقائد الغيبية تشغل عقول الناس وتحتل مكاناً مركزياً في تبرير "الحق"، لا يعني إلا فشل هذه الطموحات وإمكانية تصفيتها بسهولة.
وعلى هذه الأرض ولدت الخرافات والأساطير الشيعية التي سعت، ولا تزال، إلى تبرير "الحق" في السلطة. وقد لبت عقيدة الحق الإلهي لعلي بن أبي طالب بالخلافة المنطلق الذي بني على أساسه فيما بعد "عقيدة الأئمة المعصومين الاثنا عشر".
كانت حركة الحسين (وهي الحركة الوحيدة للمطالبة بالسلطة لأبناء وأحفاد علي من فاطمة فقد سبقتها أكثر من حركة من خط الحسن وحركة محمد النفس الزكية من أبناء علي من أم غير فاطمة) حركة سياسية محض لا تقبل الشك والتأويل من أجل المطالبة "بحق أبيه في الخلافة!". ورغم أنها كانت حركة ساذجة للغاية ولم يكن يدرك الحسين فيها بأنه كان يحارب ضد جيش منظم ولا يمكنه أن يستند إلى وعود الآخرين في محاربة الأمويين، رغم ذلك فإنها صنعت وغذت العقيدة الشيعية بفكرة "الشهادة" و"الآلام" التي لا تزال تفعل فعلها في عقول الشيعة.
إنها: “عقيدة المظلومية" التي تستجيب لمظلومية الناس في ظل الخلافة الإسلامية ومن ثم الدول الإسلامية جمهورياتٍ كانت أم ممالك.
5.
بعد أن أدت حروب علي الثلاث من أجل الخلافة إلى قتل علي فإنه قد تم توجيه ضربه قاصمة إلى طموح أنصاره إلى السلطة بتخلي ابنه الحسن عن أي مطالبة بالسلطة واستئثاره بالأمن والطمأنينة حتى تاريخ موته بالسم من قبل زوجته بتحريض من الأمويين كما تدعي السيرة الشيعية.
لقد كانت مطالب السلطة من قبل أفراد عائلة العباس بن عبد المطلب أكثر حسماً وفعالية حتى استطاعوا إزاحة الأمويين نهائياً من السلطة.
لكن إزاحة الأمويين من قبل السلالة العباسية أدت إلى "إزاحة" أحلام أنصار علي في السلطة. إذ أن خطوط السلطة العباسية الحمراء التي لا يمكن تجاوزها من قبل الآخرين كانت واضحة وضح الشمس بالنسبة لأحفاد علي فقرروا الصمت والحذر و"التأجيل" في ظل عقيدة "التقية"!
6.
في ظل هذه الظروف الصعبة التي لم تخلو من فترات الانفراج تمت بلورة العقيدة الشيعية على يد المنظر الحقيقي وهو جعفر الصادق. وليس من الصدفة أن يحمل اسمه المرادف الآخر للشيعة وهو: الجعفرية.
وفي فترة جعفر الصادق تم ظهور عقيدة "التقية". فبعد أن تبخرت كل آمال عائلة ومناصري علي بن أبي طالب في أي دعم للعباسيين لمطالبهم بالخلافة وإن طموح العباسيين يتحرك بعيداً عنها ويشكل خطراً على وجودهم فقد قرروا الخضوع والاستسلام.
وهكذا ظهرت عقيدة جديدة مدهشة من الناحية التقنية: "الغيبة"!
فـ"الغيبة الصغرى" تقية من أجل الاختفاء و"والغيبة الكبرى" عقيدة لإيهام المؤمنين بخلود الأئمة!
هنا لابد أن يشغل ذهن القارئ سؤالاً طالما تم طرحه: إذا كانت الخلافة هي بالفعل من حق علي وقد تم اغتصابها من قبل الأمويين فلماذا لم يعترف أبناء عمومتهم الأقربين الذين تربطهم بهم رابطة الدم بهذا الحق؟
سوف يجيب أحدهم منفعلاً ومأزوماً قائلاً: العباسيون يبحثون عن السلطة!
والحق أنني أتفق معه في ذلك: أنها السلطة وهي الهدف الذي يسعى الجميع وراءه. وإن هذا السعي المحموم وراء السلطة لا يغيب في ادعاءات الشيعة في حق علي وأبناءه في الخلافة. بل أن هذا "الحق الإلهي" الذي يدعيه الشيعة لعلي لم يكن مقبولاً حتى من أحفاد ذات العائلة: سلالة العباس بن عبد المطلب.
6.
لماذا هم الوحيدون من يرى في الآية 55 من سورة المائدة " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" دليلاً على "الحق الإلهي" بولاية علي بعد موت محمد بين سطور "كتاب محمد" وقد سموها: آية الولاية؟
الحق أن الإجابة الوحيدة والمنطقية لا يمكن العثور عليها خارج أساطير الشيعة من جهة، وإن الطموح نحو السلطة هو الذي بنى أسس هذه الأسطورة.
إن البحث عن دليل يثبت ادعاء الشيعة في أحقيتهم بالسلطة هو معادل للبحث عن دليل يثبت مصداقية العقيدة الإسلامية بكونها عقيدة سماوية!
فهل ثمة خلاف ما بين الإسلام السني والإسلام الشيعي؟


اقرأ أيضاً:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر