[علي بن أبي طالب في غزوة خيبر والملائكة تسانده. فأية ملائكة هذه؟!]
تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
يقول الدكتور جواد علي:
"انقسم الإسلام كما انقسمت المسيحية إلى ديانات، وتمثلت أسباب انقسام الكنيسة المسيحية في اختلاف الآراء حول طبيعة المسيح وإرادة الإنسان الحرة، أما في الإسلام فقد لعبت السمات السياسية والعائلية الدور الأول"[المهدي عند الشيعة، الدكتور جواد علي]
وهذه هي الخلاصة التي وصلنا إليها في الحلقة القادمة، وهي القاعدة التي تفسر لنا الأساس الذي تستند إليه عقيدة "الإمامة".
2.
في البدء كانت الأسطورة!
تمتلك الأسطورة، والقول لمارسيل ديتيان، سلطة حدث طبيعي [اختلاق الميثولوجيا 2008].
ويمكننا أن نرى أنصع مثالاً على سلطة الحدث الطبيعي للأساطير في نشوء العقائد الشيعية الاثني عشرية والإسماعيلية:
الأئمة المعصومون (الاثنا عشر أو السبعة)، الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، المهدي المنتظر، التفسير الباطني للنصوص "المقدسة"، "الإمامة" و"الولاية"، معركة كربلاء وغير ها الكثير.
إن الشيعي العادي (ولا يتعلق الأمر هنا لا بالمستوى الثقافي ولا التعليمي!) لم يعد وما في مقدوره أن يرى التاريخ الحقيقي "للتاريخ" الذي بين يديه. فقد ضاعت الحدود ما بين الوقائع الحقيقية (وهي حفنة من الوقائع) التي صاحبت ظهور العقائد الشيعية، من جهة وبين الخرافات والأكاذيب والأوهام والافتراضات والنصوص الدفاعية والفولكلور الشعبي التي شكلته فيما بعد وأعطته الصورة المعاصرة من جهة ثانية، والإيمان - وينبغي أن تقرأ الكلمة بتشديد كبير، من جهة ثالثة.
3.
إنَّ عقيدة الأئمة الاثنا عشر (أو السبعة الإسماعيلية) منظومة من التصورات التعويضية عن مطالب وأحلام لم تتحقق.
فالجذر الواقعي في هذه العقيدة هي مطالبة أنصار علي بالسلطة. غير أن استحالة تحقق هذه المطالب وخصوصاً بعدما تمكنت العائلة العباسية من إزاحة آخر خلفاء بني أمية من الخلافة رافضةً الادعاءات والمطالب العلوية "الشيعية" فقد تم التوجه إلى تحويل هذه المطالب إلى تصورات تسورها خصائص دينية/أسطورية.
فإذا ما قرر أنصار علي بأحقيته في الخلافة فإن عليهم العثور على مسوغات لاهوتية.
وعندما يتعلق الأمر بالمسوغات اللاهوتية فإن الصعوبات يمكن تذليلها عن طريق التأويل.
وهذا ما حدث فعلاً عندما تم جمع (وصناعة) كل الحكايات المرتبطة بقرابة علي بمحمد وتمجيد الأخير له وعندما تتحول الرغائب إلى حقائق فإنه ليس من الصعب العثور على ما يبرهن على أحقية علي في الخلافة في آية الولاية. وهي الآية 55 من سورة المائدة:
[إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ].
وكالعادة يقوم اللاهوت هذه المرة لا بلوي عنق اللغة بل الإطاحة باللغة جملة وتفصيلا!
فأين البرهان على ولاية علي؟
ألا يحق لي أن أقول بأن في الآية "برهان" على ولاية عليٍّ بقدر البرهان هعلى ولايتي شخصياً أو ولاية أي شخص على الأرض؟!
4.
وعندما تشكلت صورة "الإمام الولي" والمستحق للخلافة الذي يمتلك المشروعية "المنصوص" عليها في كتاب محمد فإن وراثة هذه الخلافة من قبل أبناءه وأحفاده فيما بعد وإنْ صورياً أصبحت أمراً طبيعياً.
وهكذا تمت صناعة عقيدة "الأئمة" الذين يتوارثون بعضهم البعض.
لا شك أن تشكل العقيدة الشيعية كطائفة دينية منافسة لم تكن من الممكن بدون تنظيرات جعفر الصادق اللاهوتية. ولهذا وليس من الصدفة أن يطلق على الطائفة الشيعية حتى العصر الحالي "الجعفرية" نسبة إلى جعفر الصادق.
عايش الصادق أواخر الحكم الأموي (ولد 702) ومن ثم تولي أبي جعفر المنصور الخلافة.
مرت علاقة الشيعة بالعباسيين بمراحل مختلفة من الجذب والنفور، من الرفض والقبول، ومن التسامح والعداء. ولكن كان من الواضح أن العباسيين لن يفرطوا بالخلافة لأي كان. ولهذا فقد أدرك جعفر صادق هذه الحقيقة وقرر الصمت و"التقية" والتفرغ للشؤون اللاهوتية. وهذا أمر كان يرضي العباسيين.
إن الشيعة في جوهر عقيدتهم لا يختلفون قيد شعرة عن عقيدة السنة في الاستناد إلى مقومات الإسلام الأساسية: القرآن والحديث (بعد الكثير من النقد والتخطيء والمراجعة ورفضهم لأحاديث أبي هريرة زائداً الاستناد إلى الأحاديث التي تعتمد على المصادر الشيعية وخصوصاً جعفر الصادق).
غير أن ثمة خلاف لا يمكن تذليله بأي شكل كان: وهو مبدأ الإمامة!
5.
يدعي الشيعة الاثنا عشرية بأن "الإمامة" قضية أصولية فهي "رئاسة في الدين والدنيا ومنصب إلهي يختاره الله بسابق علمه ويأمر النبي ص بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه والإمام حافظ للدين [...] وحيث أن الإسلام دين عام خالد كلف به جميع عناصر البشر [...] فلابد أن ينصب الله إماماً لحفظه في كل عصر وزمان [...] ولأجله أمر الله نبيه بأن ينص على علي ع بقوله "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت" [...]
ثم أحد عشر إماماً من ولد علي ظاهر مشهوراً أو غائباً مستوراً، وهذه سنة الله في جميع الأزمان في جميع الأنبياء من لدن آدم إلى الخاتم صلى الله عليهم أجمعين" [عقائد الإمامية الأثني عشرية - السيد إبراهيم موسوي الزنجاني، ص 72]
ثم يضيف "بأن الإمامة منصب يعهد به النبي إلى من يخلفه ليكون مرجعاً من بعده يرجع إليه الناس [...] ولكل إمام أن يعهد بالإمامة إلى من يليه، وهي وظائف دينية لا تتم بالانتخاب والاختيار من قبل الناس وإجماعهم وإنما هي تعاليم مقدسة يتلقاها إمام عن إمام عن النبي [...]
وإن البحث في الإمامة كالبحث في النبوة عند الشيعة لا يجوز فيه تقليد الأجداد والآباء والزعماء [المصدر السابق: 73].
وباختصار شديد فإن مرتبة الإمامة، بالنسبة للشيعة، كالنبوة كما عرفت، فكما لا يجوز للخلق تعيين نبي فكذا لا يجوز لهم تعيين إمام. [المصدر السابق].
وهذا ما يؤكده الشيخ المظفر :" نعتقد: أنّ الامامة أصل من اُصول الدين لا يتم الاِيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والاَهل والمربّين مهما عظموا وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوّة." [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر، ص54]
"نعتقد: أنّ الاِمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الامام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الامام من بعده.
وحكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكَّموا فيمن يعيّنه الله هادياً ومرشداً لعامّة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه، أو ترشيحه، أو انتخابه؛ لاَنّ الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمّل أعباء الامامة العامّة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يُعرف إلاّ بتعريف الله ولا يُعيَّن إلاّ بتعيينه. [المصدر السابق: ص 63]
6.
إن صياغة هذه التصورات اللاهوتية (وكما هو واضح تطابق الأسلوب والمفردات عند كلا المؤَلَّفَين والمؤَلِّفِين الآخَرِين) لا تشكل أسلوباً شخصياً أو رأياً عابراً بل هي عقيدة قارة يمكن قراءتها في جميع كتب الشيعية التي تتحدث عن الإمامة (الكثير من كتب الشيعة عبارة عن تكرار ممل لما قاله الأقدمون. ولكن إصرار كل "فقيه" أو "أية الله" أن يدلو بدلوه في القضايا "المصيرية" فإن الالتزام بقاعدة "النقل" لا تؤدي إلا إلى هذا التكرار).
لم تظهر هذه التصورات إلا في فترة متأخرة جداً من تاريخ الخلافات ما بين علي والخلفاء الآخرين.
ويمكن القول إن جعفر الصادق (الأمام السادس) هو الذي أرسى البدايات الأولى لهذه التصورات.
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من البحث والتقصي لكي يرى القارئ المعاصر بـأن هذه العقائد تعكس صورة واضحة عن الأساطير الشيعية عن الإمامة وكأنها استمرار لأساطير "النبوة" التي عالجناها في مواضيع مختلفة سابقة.
اقرأ أيضاً:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق