"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا "
[سورة الأحزاب :50]
[هل هذا كلام يانبي الإسلام؟!]
1.
كما اتضح بنص "الوحي"(وهو نصٌ لا ريب فيه ولا تخريف! ) فإنَّ الله قد خاطب "المصطفى" شخصياً مُطْلِقَاً العنان لغريزته داعيا له بحب وتفهم بأنَّ عليه ألا يتردد في نكاح من شاء ومن سوف يشاء أن ينكح وقد حددهن بصورة معجزة ولم ينس واحدة منهن:
"وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ".
فالله سبحانه وتعالى وحين فتح له أبواب النكاح من الغريبات على مصاريعها فإنه لم يبخل عليه من القريبات.
وفي هذا التحليل والإباحة، أحبائي، تقع زينب بنت جحش بنت خالته في حكم المشاعة ولا حرج في أن يضمها إلى نساءه طالما رفَّ لها قلبه وطار بجناحين من أجنحة الملائكة. فـ"زينب"، أيها الأخوة، امرأة – والمرأة خُلِقَتْ للرجل من ضلعه وهي حليلته وحرثٌ له.
2.
لكننا (وأقول "لكن" بالقلم العريض) نرى أنَّ لؤم اللؤماء وشبهات الملحدين لم تترك الرسول بحاله وهو يعيش حياته بتواضع – كما لم تترك نكاح الرسول صلوات الله عليه كما هو أبيضَ ناصعاً لا لوثة فيه بل قرروا ما قرروا وقالوا بأنَّ المصطفى قد سرق من ابنه زوجته وهذا اجحاف وأفك وافتراء ما بعده إجحاف وأفك وافتراء!
ألم يدروا ما قال "الله" شخصياً: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيماً مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً"؟!
فهل ثمة "دليل نقلي" أكثر قوة وصلابة من هذا الدليل؟!
إذن، عن أي ابن يتحدثون والله يعرف ما لا يعرفون!
وهو يدري ما لا يدرون!
وهو يرى ما لا يرون!
وهو إنْ بحلق فما لا يبحلقون!
عن أبي عبد الله الأدرد العبسي عن أبيه عن جده عن حريب بن عنزة عن أبي هريرة، قال: حدثني يونس عن أبي زيد عن وكيع قال: قلت: يا رسول الله ما قصة نكاحك من زينب بنت خالتك؟ يقولون إن الله قد أعجب بها فزوجك إياها. فهل هذا صحيح؟ كان رسول الله (ص) يشخبط على تراب الأرض بعود من أغصان التمر حروفاً وهيئات غريبة، ثم رفع راسه وقال: يا وكيح، قال رسول الله كما اعتاد أن يلاطفني، لم أنكح امرأة إلا برضى الله وإرادته. قلت: وهل كان الله سبحان إرادته يرغب بزينب. فشرع رسول الله (ص) يضحك حتى بانت نواجذه وقال: لا أحد يعرف نواميس الله، ومن أدْرِكَ نواميسه حلَّ محله. وهذا كفر صريح ثم رفع يده الرحيمة ولطمني على وجهي حتى كاد يصرعني ثم قال بصوت حنون رؤوف: هل فهمت يا وكيح؟ (حديث صحيح – صححه محمد آغا الباكستاني اللاهوري، ما صح من أحاديث الرسول وما بطل، المجلد الخامس – ص 130، مطبعة إسلام أباد، بدون تاريخ).
للمزيد من التفصيلات حول رحمة المصطفى روحي فداه، أنظر:
3.
وأما قوله تعالى:
"وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ"
ففيه حكمة لطيفة وموعظة عميقة جداً جداً – أليس هو الواعظ الحكيم؟!
فهو يقول له بالحرف الواحد: استنكح "حبيبي" أيها النبي (ومن جديد يخاطبه شخصياً روحي فداه) أية امرأة- طبعاً أن تكون مؤمنة - تتبرع بنفسها لك وحدك لا شريك لك خالصة من دون الناس أجمعين.
عن عائشة رضي الله عنها وعنا جميعاً قالت: "كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم وأقول: أتهب امرأة نفسها؟ فلما أنزل الله: ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
وإن قول أم المؤمنين رضي الله عنها (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) هو افتراء عليها قام بدسه الملحدون العرب، لعنة الله عليهم أجمعين!
وهذا هو البرهان الصحيح:
حدثنا فلحوط الأخرس عن أمه عن أبيها عن جعدان البقري عن أبي هريرة عن وكيع، قال: فلما أنزل الله: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قالت أم المؤمنين عائشة: "سارع الله في حكمه وحكم الله لا هوى فيه ولا ميل أو محاباة".(حديث صحيح – صححه محمد آغا الباكستاني اللاهوري، ما صح من أحاديث الرسول وما بطل، المجلد الخامس – ص 500، مطبعة إسلام أباد، بدون تاريخ).
أرأيتم، أيها الأخوة الأعزاء، الفرق ما بين القولين وكأنه الفرق ما بين شعر الرأس وأخمص القدمين!
4.
وأما قوله تعالى: "قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"!
فإن الاعجاز فيه يتخطى المعقول ويسمو بالعقول إلى منابع الأصول وإنَّ المحصول أكثر غناً من كل الفصول. فربنا، علا شأنه فوق جميع الشؤون، لم تَفُتْه، كما تفوت البشر، لا شاردة ولا واردة. فهو حين يبدأ لا ينتهي؛ وحين يُطلق حرية الاختيار لنبيه لا يكتفي بالقليل. فهو خاتم الأنبياء وله حق الامتياز واحتياز ما لذ وطاب.
ولأن الله عادل والعدل سمة فارقة له يا حبيبي يا الله– وهذا ما يعرفه الجميع، فإن ملك اليمين حق منحه الله للمسلمين جميعاً– وهذه هي الحكمة: فالنساء إن منحن أنفسهن فلخاتم المرسلين فقط. أما "ملك اليمين" فإن عددهن يفوق حاجة الرسول فأشرك الله عباده في هذا الحق.
يا له من سماحة!
يا له من عدل!
وفد قال زميلي الشيخ الشنقيطي (الذي أحترمه جداً جداً) رحمه الله ورحم أمواتنا جميعاً:
"وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر الله المسلمين المجاهدين الباذلين مهجهم وأموالهم، وجميع قواهم، وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار - جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المن أو الفداء؛ لما في ذلك من المصلحة على المسلمين.
وهذا الحكم من أعدل الأحكام وأوضحها وأظهرها حكمة. وذلك أن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه، ويمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه".[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن -ج3، 1979، ص: 387]
ثم يقول:
"فعاقبهم الحكم العدل اللطيف الخبير جل وعلا – عقوبة شديدة تناسب جريمتهم؛ فسلبهم التصرف، ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات" [المصدر السابق: ص 388]
أيْ والله لقد صدق صديقي الشنقيطي: وهذا الحكم من أعدل الأحكام وأوضحها وأظهرها حكمة!
فهل ثمة عدالة أعدل من أن تبيح أعراض الناس وتستعبدهم وتستنكح نساءهم وبناتهم بأمر الله وطاعة لله وحباً لله؟!
لقد أنزل العادل الحكيم بالبشر إلى منزلة الحيوانات لا كرها أو حقداً عليهم – حاشاه من الكره والحقد – بل عطفاً عليهم وتأديباً لهم!
فهو الأب الحاني؛
وهو الأم الحنون!
5.
كما ترى، أخي القارئ اللبيب، فأن النكاح الذي لا حدود له ليس مجرد نزوة، استغفر الله من النزوات والغرائز والرغائب، بل هو عقيدة ربانية راسخة. ألم تسمعوا وتقرأوا في جميع المصادر الموثوقة قوله صلى الله عليه وسلم: (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فقد رغب عني) ؛
وقوله: (النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي)؛
وقوله روحي فداه: (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط)؛
وقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني وإن من سنتي النكاح فمن أحبني فليستن بسنتي) .
وغيره الكثير ...
فالنكاح دين الإسلام. وإذا ما سقط منه النكاح لم يتبق منه غير القشور. وهذا ما يريده ويسعى إليه أعداء الإسلام والنكاح.
وكما يقول زميلي الغزالي:
"وهذا يدل على أن سبب الترغيب فيه خوف الفساد في العين والفرج والوجاء هو عبارة عن رض الخصيتين للفحل حتى تزول فحولته فهو مستعار للضعف عن الوقاع في الصوم وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وهذا أيضا تعليل الترغيب لخوف الفساد وقال صلى الله عليه وسلم (من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله". [إحياء علوم الدين، ص 96]
6.
وهكذا أخي القارئ الكريم، نأتي إلى نهاية تفسيرنا الموجز لعلنا أفدناكم ووفرنا عليكم البحث في بطون الكتب (أو في أي مكان آخر منها) وإن هدفنا خدمة الله ورسوله وكتابه وجميع المؤمنين واللامؤمنين والملحدين لعلهم يعثروا على السراط المستقيم وأن يتمسكوا بقوةٍ بحبل الله - لعنة الله عليهم.
تم التفسير بعونه الكبير وهو التفسير المختصر للصغير والكبير ....
لا تنسوا لنا الدعاء!
[تم التفسير المختصر بعونه!]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق