[هذا نموذج لأوهام المسلمين. فهم هكذا ينظرون إلى العالم. فماذا أو من هذا الذي ينظرون يرونه؟]
1.
أية مناقشة لموضوع "النبوة" هي مناقشة ناقصة من غير تقرير حقيقة هامة ومن غير الإجابة على السؤال المركزي:
الحقيقة الهامة هي وعندما نتحدث عن "النبوة" فأننا نتحدث عن "عقيدة دينية". وهذا يعني أننا نتحدث عن الأوهام.
والسؤال المركزي هو: هل ثمة ضرورة للأنبياء؟
وإن الإجابة على هذا السؤال له وجهان: ربوبي، كما أجاب عليه ابن الراوندي مثلاً، وإلحادي.
لقد رفض ابن الراوندي ضرورة وجود الأنبياء واستند في ذلك إلى اعتبارات عقلية:
"إن البراهمة يقولون إنه قد ثبت عندنا وعند خصومنا إن العقل أعظم نعم الله سبحانه على خلقه، وإنه هو الذي يُعرف به الرب ونعمه ومن أجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب. فإن كان الرسول يأتي مؤكداً لما فيه من التحسين والتقبيح والإيجاب والحضر فساقط عنا النظر في حجته وإجابة دعوته، إذ قد غنينا بما في العقل عنه؛ والإرسال على هذا الوجه خطأ. وإن كان بخلاف ما في العقل من التحسين والتقبيح والأطلاق والحظر فحينئذ يسقط عنا الإقرار بنبوته"[*].
إذاً لا يقبل العقل السوي وجود أنبياء مثلما لا ضرورة لهم لكي نعرف الفرق ما بين القبيح والجميل وما بين الخير والشر.
ولم يكن ابن زكريا الرازي بعيداً عن منطلقات ابن الراوندي في رفض النبوة. ولم يكن رفضه هذا خارج الاعتبارات العقلية التي انطلق منها ابن الراوندي. وما كتبه الرازي هو الآخر لم يصل إلينا مباشرة للأسف. فالعقل بالنسبة للرازي كان كفيلاً بمعرفة الخير والشر وإن وجود الأنبياء أمر لا ضرورة له.
2.
إن هذا الرفض الحاسم للأنبياء ورغم أنه ذو منطلق ربوبي يكفي لكي يقوض فكرة "الرب" الإسلامية نفسها التي لا يفصلها اللاهوت الإسلامي عن حتمية وجود الأنبياء. فطالما لا ضرورة للأنبياء لمعرفة الخير والشر فهل ثمة ضرورة لوجود "رب" لهذا المعرفة؟
غير أن فكرة رفض النبوة تقول أكثر من هذا:
فنقض النبوة سيؤدي مباشرة إلى نقض "القرآن". وإن ما لم يقله ابن الراوندي مثلاً هو أن هذا "القرآن" ليس إلا نص بشري لمحمد. إذ لا يمكن التوفيق ما بين غياب المعنى من النبوة أن يوجد كتاب "مُنْزَل"!
ولهذا فإن رفض النبوة هو رفض ثلاثي: النبوة والكتب المقدسة والله.
ولهذا وليس من الصدفة أن يكون ابن الراوندي قد أُعْتُبِر ملحداً.
3.
أما التصورات الإلحادية فإنها لم تطرح أسئلة عن ضرورة النبوة.
فمثل هذه الأسئلة لا معنى لها في ظل السؤال الأساسي المتعلق بوجود "الله". فحين توصل الفكر الإلحادي واستناداً إلى المنطق العقلاني ومن ثم بفضل الاكتشافات العلمية إلى الإجابة على الأسئلة المتعلقة بظهور الكون وأصل الإنسان فإن الآلهة قد تحولت إلى أساطير لا تفتقد إلى الطرافة!
إنها خرافات أكل عليها الدهر وشرب!
ومن هنا فإن "النبوة" عقيدة دينية تبرر وجود "الله" بطريقة غير مباشرة وهي على العموم عقيدة مكونة من أساطير وخرافات تشكلت عبر فترات تاريخية تعدت القرنين. وقد تمت خلال هذه الفترة صناعة نبوة محمد والقرآن على حد سواء. إذ أن "نبوة محمد" و"القرآن" عنصران مترابطان لا يمكن أحدهما بدون الآخر.
4.
إنَّ سخف فكرة "النبوة" ينقضها الواقع.
فالمسلمون يدعون [وحين يريدون أن يبرروا نبوة محمد] بأن "الله" قد أرسل نبياً لكل أمة من الأمم.
لكن العاقل في القرن الحادي والعشرين (مسلماً كان أم لا) سوف يتساءل، وله الحق في ذلك، عن سبب قرار الإسلام (وهو قرار منزل من الهيئات العليا!) بأن الله قد قرر الامتناع عن إرسال الأنبياء؟!
وكيف حدث هذا الأمر حيث أصبح الإسلام خاتم الرسالات؟
وماذا سيفعل البشر الذين وصلت أعدادهم إلى آلاف الأضعاف بالمقارنة بالقرن السابع واخذوا يمتدون على قارات خمس؟
ألم يقرروا بأن الله قد أرسل لكل أمة من الأمم رسولاً، فلماذا لا يرسل إلى أمم القرن الحادي والعشرين رسلاً يهديها إلى السراط المستقيم؟!
هل كف الله عن العمل؟
هل قرر بأنه لا جدوى من إرسال الرسل؟!
لكم تبدو فكرة "النبوة" مُهَلْهَلَة وساذجة!
ولكم يبدو ساذجاً تبرير غياب الأنبياء بأسطورة كون محمد خاتم الأنبياء!
5.
ولكن ماذا تعني الخرافات والأساطير التي صنعت "نبوة محمد"؟
أنها الأوهام.
فعندما يعجز اللاهوت الإسلامي استناداً إلى الأدلة التاريخية القابلة للاختبار على "نبوة محمد" فإن "الأدلة العقلية" لا تعني غير حفنة من الأوهام "العقلية" التي تم إتقانها عبر قرون طويلة وقد لعب الكذب والتزوير واختلاق القصص والمعجزات وفبركة الأحداث دوراً هاماً في صناعة شخصية "محمد" ومن ثم "نبوته".
ولكي نرى حجم الأوهام وغياب العقل فيما يسمى "الأدلة" العقلية على صدق محمد لنلقي الضوء على هذه "الأدلة" التي يمكن أن نقرأها بصيع مختلفة ولكن المعنى واحد.
[*] للأسف كل ما وصلنا من كتاب "الزمرد" لابن الراوندي كان عن طريق كتاب "المجالس المؤيدية" لمؤيد الدين الشيرازي الإسماعيلي ولا نعرف إلى أي درجة كان الكاتب أميناً (وهو إسماعيلي غير محايد) على ما كتبه ابن الراوندي.
للمقال بقية . . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق