منع

هل "آيات التحدي" دليل على صدق القرآن "!"

I challenge
1.
خلافاً للمسلمين "الصادقين" و "المتقين" و"الخائفين" من أي ظل للشكِّ أو محاولة للتفكير وإعادة التفكير بصدق وحقيقة الأشياء فإنني أريد أن أفترض بكل ما يفترضه المسلمون وأن آخذ فرضياتهم المتعلقة بـ"إعجاز" كتابهم مأخذ الجد[ على الرغم من أن الجدُّ قضية نسبية تماماً].
فالتفكير عموماً لا يضرُّ بالصِّحة والافتراضات لا تغير الوقائع!
2.
تقول آياتا التحدي (ولا اعتراض لي إذا كانت أكثر من ذلك: فأنا في مزاج افتراضي رائق!) ما يلي:
- "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [سورة يونس/38].
- "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [سورة هود/13].
إذن نحن أمام جُمْلتي أمرٍ (ورب المسلمين مغرم بالأوامر) للتحدي يَدَّعِي المسلمون بأنهما تمثلان "دليلاً" على صدق القريان، وَهُمَا:
- فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ!
- فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ!
3.
وها أنا أصطدم بأوَّل مشكلة من شأنها أن تعيقني، للأسف، من قبول ما كنت على استعداد لقبوله:
أولاً:
إن "تحدي الله" عبَّرَ عنه بكلامه هو "شخصياً" وإن كلام الله، كما يقول المسلمون، لا يحتمل الشك ولا التردد أو التغير والتراجع:
-"وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" [الأنعام/59]!
-" اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ. سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ. لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ"[الرعد/8-11]!
وإذا كان الأمر هكذا، وسأقبله على علَّاته جدلاً، فلماذا وهو الذي" عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ " متردد ما بين "سورة مِثْلِهِ" "وعشر سور مِثْلِهِ"؟!
إنَّ للأرقام قيمة، وللقيم دلالة كمية ونوعية: فإذا ما كان التحدي " بِسُورَةٍ مِثْلِهِ" هو أمرٌ، فإن التحدي " بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ" أمر مختلف تماماً. ولهذا كان على الله أن يحسم أمره ويقرر: سورة واحدة مِثْلِهِ أمْ عَشْرٍ؟!
فالقدرة على خَرْقِ إعجاز عشر سور يعادل عشر مرات القدرة على خَرْقِ إعجاز سورة واحدة لا غير! وهذا أمر يعرفه الجميع وحتى أطفال المدارس.
وبالإضافة إلى ذلك فإننا [العقال من البشر] لا نتحدى شخصاً بقولنا له بأنه لا يستطيع أن يقطع مسافة كيلومتر واحد أو عشرة كيلومترات بخمس دقائق على سبيل المثال!
هذا تَحَدي مضحك وأقل ما يقالل عنه بأن "غريب". لأنه خال من شروط منسجمة!
4.
ثانياً:
ثمة مشكلة أخرى، لا تقل إزعاجاً، تعيقني من قبول افتراضات المسلمين [رغم استعدادي المسبق الصادق لقبولها)، ومن جديد اعتمد على ما يقولونه هُمْ عن "ربهم":
- "اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ اَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيم"[البقرة: 255]!
والسؤال المُقْلِقُ هو التالي:
كيف يحق لكائن مثل هذا الكائن "الهائل العظمة!" والذي لا "حدود لوجوده وعلمه وجبروته!"و"حجمه المكاني والزماني!" أن يتحدى أبناء (أو أحفاد) آدم الذي خلقه من طين لازب؟!
فإمَّا أن يكون "هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ... إلخ" وهذا يعني أنه ليس من العدل أن يتحدى أحفاد آدم بما هم عاجزون عن القيام به من حيث المبدأ " by default". فهو "الخالق" وهم "المخلوقون"؛ وإمَّا إنَّ الأمرَ يتعلق بـ"متحدٍ" باعتباره "شخصية طبيعية" ولهذا لا يحق له أن يختفي خلف قِناع " اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ "!
هذه قضية مبدأية لمن يولي أهمية للمبادئ وهي في ذات الوقت قضية منطقية سليمة لمن يحترم المنطق السليم.
5.
لكن الإشكاليات لم يتوقف ظهورها عند هذا الحد.
فالتاريخ بدون أدلة [ليست عقلية بل مادية] سيكون هراء لا غير.
إذ أنَّ على مَنْ يَدَّعِي بأنه تحدى الناس بعدم قدرتهم على الإتيان بـ"سورة مثله" أو بـ"عشرة مثله" أن يقدم لنا البرهان على شيئين:
أولا: بأنه قد تحداهم فعلاً وقد كانوا هُمْ على عِلْمٍ بهذا التحدي؛
وثانيا: بأنهم قَدْ عجزوا فعلاً عن الإتيان بـ"سورة مثله" أو بـ"عشرة مثله".
6.
للأسف تروي السيرة الأدبية للإسلام لنا قصةً "كأساطير الأولين" عن "متحدٍ" ما و"موضوع تحدٍ ما"، لكنه لم يقدم لنا أية أدلة:
- على شخصية المُتحدًّى: مَنْ هو؟ فمثلما شَتَمَ أبا لهب وزوجته بالاسم كان عليه أن يقول لنا من هو المتحدَّى؛
- وعلى حقيقة فيما إذا استطاع المتحدَّى أن يأتي بـ"سورة مثله" أو بـ"عشرة مثله" أمْ لا.
نحن لدينا صيغة واحدة للقصة من وجهة نظر المُتَحَدِّي لا غير. وإن مثل هذه القصة لا يمكن قبولها أمام أية هيئة للتحكيم.
7.
لكن الأمر الأكثر أهمية من كل هراء التحدي هذا هو أننا لا نثق بمصادر الإسلام عندما تتحدث عن المخالفين له. فهم على استعداد لتشويه صورتهم حتى لو كان أقرب الناس إليهم. نحن نعرف ولا تزال نصوصهم أمامنا ونقرأ كيف يشوه أصحاب كل مذهب إسلامي صورة أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى، فما بالك والأمر يتعلق بمخالف للإسلام جملة وتفصيلا!
إنَّ الإسلام قد دمَّر بصورة واعية وهمجية كل "الملفات" [كما فعلت أغلبية الدول الأشتراكية السابقة عندما دمرت أرشيف الأمن السري] المتعلقة بتاريخ المعارضين والمخالفين لمحمد بن عبد الله ومن ثم حدث ذات الشيء فيما بعد في بداية وخلال فترة متأخرة من تاريخ الدولة العربية/الأسلامية.
أمَّا ما وصل إلينا من نتاج ونشاط المعارضين، فهو لم يكن إلا بفضل سذاجة وبدائية تفكير الكتاب المسلمين الذين لم يكن بإمكانهم تنقيح كتبهم بصورة جذرية من الثرثرة والسرد الذي لا طائل من وراءه فخلفوا كماً هائلاً من التناقضات والأكاذيب والخرافات (رغماً عنهم) والتي ساعدتنا على التعرف على بعض الحقائق ومظاهر الحياة الدينية المعارضة آنذاك. فالطب الجنائي يقول لنا بأن مرتكب الجريمة يترك دائما بصماته وآثاره في موقع الجريمة، وكلما تطورت العلوم والتقنيات كلما أصبح من السهل اكتشاف هذه البصمات والآثار.
لكننا للأسف الشديد فقدنا إلى الأبد مئات الكتب القيمة للمعارضين الدينيين سواء في عصر التدوين أو فيما بعد. فهي قد دُمرت مادياً ولم يعد بالإمكان معرفة ما كانت تتضمنه. بل أن المسلمين (والعهدة على روايتهم) قد دمروا حرقاً أو تغطيسها بالحوامض حتى المصادر المكونة للقريان، بدءاً من عثمان وانتهاء بالخلفاء الأمويين.
ما هذا النزوع نحو تدمير التاريخ؟!
للتخلص من الأدلة على أكاذيب هذا التاريخ بالذات.
8.
زبدة الكلام:
ثمة مَنْ تحدى و"انتصر" مكتفياً بإعلان “تحديه" من غير أن نعرف موقف ورد فعل المتحدى!
وها نحن نطرح السؤال الذي لابد منه:
هل كان من الممكن (ونحن نتحدث عن عصر محمد بن عبد الله) أن يأتي أحدٌ من القبائل العربية "بسورةٍ مِثْلِهِ"؟
هذا سؤال نطالب أنفسنا به قبل أن يسرع المسلمون بالمطالبة به.
الجواب: نعم
9.
نحن نعرف واستناداً إلى نص "القريان"الحالي (الذي دام تحريره أكثر من ثلاثة قرون) أن الثقافة اللغوية لمثقفي قريش والقبائل الأخرى كانت كافية لكي يأتوا "بسورة مثله ".
فرغم الأمثلة القليلة (غير المزورة) التي سَلَمْت من يد الرقيب الإسلامي فإنها تكشف لنا عن خصائص لغوية وأدبية لا تقل قيمة عن نص القرآن. وأنا لا أتحدث عن الشعر فقط بل وعن النثر.
ولنقرأ بعض الأمثلة على قدرة الناس آنذاك أن يأتوا "بسورة مثله":
قُسِّ بن ساعدة الإيادي:
"أيها الناس: اسمعوا وَعُوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مُرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرَضُوا فأقامُوا أمْ تركوا فناموا؟"
أو خطبة كعب بن لؤيّ:
" اسمعوا وَعُوا، وتعلَّمُوا تَعْلَمُوا، وَتَفَهَمَّوُا تفهموا، ليل ساج، ونهار ضاح، والأرض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والأولون كالآخرين، كل ذلك إلى بلاء، فصلوا أرحامكم، وأصلحوا أحوالكم، فهل رأيتم من هلك رَجع، أو ميتاً نُشر، الدار أمامكم، والظن خلاف ما تقولون"
أو خطبة أكثم بن صيفي:
"إن أفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الجبال كلوكها، وأفضل الملوك أعمها نفعاً، وخير الأزمنة أخصبها، وأفضل الخطباء أصدقها، والصدق مَنْجَاة، والكذب مَهْوَاة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطئ، آفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور الصبر، حسن الظنِّ ورطة، وسوء الظن عصمة، إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي، من فسدت بِطانّتُهُ كان كالغاصِّ بالماء، شرد البلاد لا أمير بها، شر الملوك من خافه البريء".
هذه النماذج مختارة من:
[جمهرة خطب العرب، ج1: العصر الجاهلي، أحمد زكي صفوت، مصر 1923]
10.
أليس أصحابُ هذه النصوص والعشرات الآخرون قادرين على أن يأتوا "مِثْلَهُ"؟!
سؤال للتأمل!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر