منع

الأدلة الوهمية على صدق محمد [2]: خرافة مصادر الأدلة

[أغمض عينيك قليلاً وسترى ما سموه "الأدلة العقلية"!]

1.
الدليل الوهمي الأول:
"إن صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته قبل البعثة أمرٌ مشهور، وقد بلغ من شهرته أنه لُقب بالصادق الأمين، وليس هذا باعتراف المسلمين أنفسهم، بل باعتراف كفار مكة"

من هو الذي يوثق هذا "الأمر المشهور"؟!
إن التاريخ إذا كان "تاريخاً" حقاً، وليس مجرد خزعبلات لاهوتية، فإنه لابد من أدلة تثبته ومسوغات يقبلها "العقل" والتفكير السليم.
وقد أسس علم التاريخ قواعد ومبادئ لمنح أحداث الماضي مصداقية. وإن "الدليل" على ما يدعي المرء ليس ما يدعيه بل وثيقة تثبت صحة هذا الادعاء. أما أن يقول لي المرء بأنه على حق وعلي أن "أرضخ" له فهذا سخف محض. فهل توجد وثيقة لشاهد عيان تنقل لنا تفصيلات عن حياة محمد؟
أو مؤرخ محايد من نفس الفترة؟
أو مؤرخ عاش في فترة تاريخية قريبة من الأحداث التي يتعلق بها الموضوع؟
والسؤال الهام الذي يتعلق بعدم التحيز في سرد التاريخ هو:
هل يوجد مصدر تاريخي مستقل يروي لنا تاريخ محمد؟
الجواب: لا!
فما هو الدليل الذي يستند إليه الكاتب (أي كاتب) على " الأمر المشهور" عن صدق محمد ؟
انتبهوا:
إنه البخاري!
إذاً الدليل على هذا "الأمر المشهور" هو ما كتبه محمد بن إسماعيل البخاري (من بخارى) الذي توفي كما يقولون لنا في عام 870م أي بعد أكثر من قرنين عاما من حكاية "نبوة" محمد!
فهل هذا "البخاري" جدير بالثقة؟
2.
إن البخاري فارسي اللغة وولد وعاش في بخارى. وإن إتقانه للغة العربية هو افتراض لاهوتي كالعادة يقع في إطار قاعدة "سد الذرائع" وإلا فإن "صحيحه يتهاوى تماماً.
وليكن البخاري متقناً للغة العربية!
ولكن هل يكفيهم هذا لتقديس بخاريٍّ ما جمع مئات الأحاديث المشبوهة عن محمد؟
الجواب: لا!
حسناً لنصنع معجزة!
فصنعوا حوله "وكالعادة" أساطير لا تليق إلا بالأنبياء والأئمة المعصومين. فالبخاري كان أعمى في صباه (كما يقولون لنا) وبسبب دعاء أمه – المرأة الصالحة يأتيها النبي إبراهيم "عليه السلام" (لماذا النبي إبراهيم وليس النبي محمد؟) ويبشرها في المنام ويقول لها: "يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره لكثرة دعائك"!
غير أن هذه المعجزة لا تكفي (الحق أنها لا تكفي للاهوت المسلمين) ولهذا فإنه لم يعد له بصره فقط بل أن شيوخ الحديث قرروا بأن الصبي محمد البخاري عبقرية زمانه:
وكما يقول الخطيب البغدادي، في كتاب «تاريخ بغداد»: وما كاد البخاري يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين، حتى بلغ محفوظه آلاف الأحاديث وهو لايزال غلامًا، وكانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز العلم، تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء"
ها هي اللبنة الأولى على عبقرية البخاري قد وضعت!
3.
ولكن هل يكفي كل هذا؟
ما بين البخاري ومحمد مسافة زمنية وجغرافية لا يمكن تذليلها لكي يسمح هذا البخاري لنفسه توثيق تاريخ محمد.
وهنا تأتي "التخريجة":
فقد سافر البخاري إلى بغداد والكوفة والبصرة ودمشق وغيرها من المراكز الثقافية الهامة في ذلك الوقت.
لكننا لا نزال أمام مشكلة أخرى:
إن البخاري لم يحرر حديثه وقت سماعه له، وإنما حرره بعد عودته إلى بخارى. وجاء في مقدمة "فتح الباري" إن إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال:
"انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفريري، فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدا شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض"؟[جناية قبيلة حدثنا، جمال البنا]
والسؤال هنا: كم مرة خضع هذا الكتاب للتحرير والتنقيح والتغيير خلال أحقاب تاريخية سياسية تحولت فيها السيرة والحديث إلى أسلحة ضد الأعداء وإلى منصة لمديح الأجداد والقبيلة؟
4.
الكل يعرف أن "صحيح" البخاري يستند إلى رواة الحديث.
والكل يعرف أيضاً بأن بين رواة الحديث خليط من الكذابين والمنافقين والملفقين وبائعي الحديث من أجل الارتزاق (طبعا بينهم من قد آمن ولهذا عليه أن يختلق ما يشاء من أجل هذا الإيمان) وثمة مجاميع كثيرة للحديث الضعيف والكثير من الرسائل عن المحدثين الكذابين والمدلسين، فهل سَلِمَ البخاري من هذه الأكاذيب؟
"وقيل إنه قد خرج لأربعمائة وبضعة وثلاثين رجلاً منهم ثمانون متصفون بالضعف" [المصدر السابق]
وكلمة "ضعف" هي كلمة مخففة عن "الكذب".
ونفس الشيء يتعلق بكل كتب الحديث الأخرى. فقد كانت خليط ما بين السياسة والارتزاق والخضوع لأصحاب السلطة والتعبير عن مواقف سياسية وتحيزات أخلاقية وقبلية وغيرها من السمات التي تجعل من آلاف الحديث أكبر عملية كذب في التاريخ البشري.
وماذا عن هذا البخاري؟
ما هي انتماءاته الطائفية وما هي تفضيلاته الأخلاقية والدينية، بل وما هي مصالحه وأهدافه الذاتية؟
5.
لقد آمن المسلمون (والسُّنة بشكل خاص. فالشيعة لهم مقدسون آخرون) بالبخاري وقد اعتبروه "أمير المؤمنين في الحديث" وإن الإساءة إليه بمثابة الإساءة للدين. بل أن كتبه وهذه واحدة من معجزات "صحيحه" اكتسبت قدرات لا يحملها غير القرآن:
"إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فُرجت، ولا رُكِب به مَرْكَبٌ فغرقت"
"وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان، إذا ألم بالبلد نازلة مهمة، فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة . . .إلخ"
[قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، 2004 بيروت، ص 455]
فكتاب مثل هذا قد تحول إلى خرافة إسلامية وإن نقده سوف يُعّدُّ خروج على الدين وهذا ما حدث مثلاً مع كتاب (صحيح البخاري: نهاية أسطورة لرشيد أيلال) الصادر عام 2017 والذي انتقد فيه صحيح البخاري حيث قررت إحدى المحاكم المغربية منع تداوله وعرضه. وقد جاء في حيثيات الحكم: "صفحات الكتاب تتضمن مساً بالأمن الروحي للمواطنين ومخالفة للثوابت الدينية المُتفق عليها"!
وهنا مربط الفرس - الثوابت!
فقد قرر اللاهوت الإسلامي منظومة من الثوابت تشمل كامل الدين الإسلامي: شخصيات وأحداث وعقائد وطقوس. وإن نقد الكتب التي تمثل هذه الثوابت هو نقد لمنظومة الثوابت نفسها.
غير أن الكتب التي وجهت نقداً للبخاري والمجاميع الأخرى أو لمصادر البخاري كثيرة جداً يمكن أن نذكر منها:
جناية قبيلة حَدَّثنا لجمال البنا
جناية البخاري – إنقاذ الدين من إمام المحدثين لزكريا أوزون
أبو هريرة وأحاديثه في الميزان لنور الدين أبو لحية
أكْثَرَ أبو هريرة لمصطفى أبو هندي
أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية
6.
كل هذه الكتب وغيرها تشكك في مصداقية كتب الحديث وبشكل خاص صحيح البخاري ومصادره.
ومما هو جدير بالأهمية إن هذه الكتب ليس لـ"ملحدين" بل لرجال دين ولمسلمين – أو إنهم يقررون بأنهم مسلمون.
وعندما يتم التشكيك مثلاً بأمانة مصادر هذه الكتب فما الذي يتبقى من مصداقية الكتب ذاتها.
زكريا أوزون يختار ثلاثة مصادر هامة للحديث وهي مصادر أساسية للبخاري مشككاً بمصداقيتهم وهم:
أبو هريرة وعائشة وابن عباس.
إن تاريخ حياة هؤلاء الثلاثة يفند مصداقيتهم.
فالفترة التي عايش فيها أبو هريرة محمداً لا تتعدى السنة وتسعة أشهر [على الأكثر!]وهو من أكثر الرواة المتهمين بالكذب. وتقول لنا كتب المسلمين بأن عمر عزله من ولاية البحرين لأنه كان يسرق من بيت مال البحرين وكان رد عمر على أبي هريرة:
"عدواً لله والإسلام، عدواً لله ولكتابه، سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ما رجعت بك أميمة (أمه) إلا لرعاية الحمير" وضربه بالدرة حتى أدماه. وقد منعه تماماً من رواية الحديث" [ص21].
أما عائشة فقد كانت حياتها مليئة بالخلافات مع الآخرين. وإن خلافتها قد انعكست على طريقة روايتها للأحداث وعلى مواقفها من الأحداث والشخصيات.
ولم يكن ابن عباس الذي لم يتجاوز عمره أحد عشر عاماً عندما مات محمد وقد روى حوالي (1660) حديثاً أثبتها البخاري ومسلم في صحيحهما وإن ملازمته لمحمد لا يوجد ما يثبتها سوى أنه أعد ماء لوضوء محمد مرة ودخل بين صفوف المصلين خلفه وهو طفل. [ المصدر السابق].
لكن ما هو أكثر أهمية من هذا هو أن ابن عباس كان عاملاً على البصرة في خلافة علي بن أبي طالب وقد عزله من الولاية لأنه سرق من بيت المال. وهذه من الأحداث المشهورة في السيرة الإسلامية.
إن ابن عباس صناعة عباسية وهو شخصية أسطورية كان العباسيون بحاجة إليها لكي يمنحوا أنفسهم مكانة هامة في قريش.
هؤلاء هم أهم الرواة الذين استند إليهم البخاري فأية مصداقية تاريخية يحمل كتابه؟
وكيف نثق به وهو يروي لنا خرافاته عن محمد؟


للموضوع بقية:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر