منع

موضوعات قصيرة [9]: الحمد للفيل على ما أعطى والحمد له على ما أخذ

الحَمْدُ ِلْلِفيلِ عِلِى مِا أعْطَى وَالْحَمْدُ لَهُ عَلَى مَا أخَذَ!
[الحَمْدُ ِلْلِفيلِ عِلِى مِا أعْطَى وَالْحَمْدُ لَهُ عَلَى مَا أخَذَ!]

1.
يردد المسلمون من الصباح حتى المساء عبارات "الحمد" لله والشكر على نعمته!
-الحمد لله والشكر!
وهم في كل لحظة من يومهم يعتقدون "بإيمان عميق" بأنَّ حياتهم وصحتهم وعملهم هو "هبة" من رب جالس على عرشه ويوزع الأرزاق والفرص في الحياة والنجاح بالامتحانات والانتصار في الحروب فيما بينهم ويقصف عمر هذا وينقذ حياة ذاك فيلغون بإرادتهم كل الجهد الذي قضوه في الحقل، مثلاً، وزرع المحصول وحصاده من طلوع الفجر حتى غياب الشمس؛ بل يتناسون بأنهم حين يمرضون يتقاطرون زرافات على عيادات الأطباء من أجل الفحص وأخذ العلاج.
وعندما تسأله كيف حاله بعد أن فحصه الطبيب واشترى العلاج من الصيدلية:
-الحمد لله!
2.
في موضوع سابق لي [جدلية الأوهام الدينية] كتبت ما يلي:
"العقائدُ" كلُّها (من أي نوع كانت وفي أي زمان ظهرت) هي "عقائدُ" لا فرق بينها إن تعلقت بوجود رب متعالٍ مُفارِق أو مجتمع آري نقي، أو مجتمع شيوعي، وهي تعني بدورها:
افتراضَ وجودِ شيءٍ؛ افتراضَ حدوثِ شيءٍ؛ افتراض وجود ربٍ!
وهو محض افتراض لا دليل عليه ولا برهان يدعمه. والافتراضات الدينية (التي تُسمى عقائد) تفتقر تاريخياً إلى الدليل على ما تدعيه [الحق أنَّ هذا الافتقار من الوقائع المطلقة].
وحالما آمن "المؤمن" بصحة "افتراضات" عقيدته فإنه يصبح ضحية لديالكتيك الوهم الديني ويكتسب وهمَهُ الشخصي: بأنه على حق!
3.
ولكن حين يفترض المرء بأن الفيلُ الصغيرُ الذي يستوي أمامي على المكتب يتكلم ويحتسي القهوة ويقوم بإيراد الأدلة على ذلك فإنني لا أعتقد بأن هذا الافتراض بذاته يمكن أن يؤثر على وجوده وحياته اليومية وصحته.
فالبشر (الأغبياء منهم والأذكياء) وعلى امتداد قرون اعتقدوا وافترضوا بأن الأرض مركز الكون ومسطحة تدور حولها الشمس. لكن هذا "الاعتقاد" بحد ذاته لم يؤثر على حياة البشر بصورة مباشرة: فالأرض كروية وكانت تدور ولا تزال حول نفسها وحول الشمس!
والأمر لا يختلف عن قضية الفيل الأبيض الذي يقف مطمئناً على مكتبي.
فحالما ينتهي "الجدل العقيم" بكون الفيل الأبيض الصغير هذا يحتسي القهوة فإن "صاحبنا"، لا شك، سيعود من جديد إلى حياته اليومية الواقعية التي لا وجود للفيل فيها.
وكما يقول المثل العربي: تعود المياه إلى مجاريها:
فهو لن يعتمد على الفيل في عمله. إذ عليه أن يجتهد وأن يبدع حتى يتقنه ويتمكن منه؛ وهو لن ينتظر من الفيل الصحة والعافية وطول العمر (لا أعرف ما أهمية طول العمر بالنسبة للمسلمين وهم يعيشون في الفاقة والعوز طول هذا العمر الطويل!) وعليه أن يهتم بصحته ويلتزم بشروط النظافة والتغذية والراحة (إن توفرت هذه الشروط!).
بكلمات أخرى: 
سواء كان للفيل وجود حقيقي على المنضدة ويحتسي من قدح القهوة أم لا، فإن الأمر سواء.
4.
الكارثة البشرية (وكارثة المسلمين من هذا النوع) تبدأ عندما يربط صاحبنا (ومثله الملايين من الصحابة والأصحاب) حياته الفعلية (وهي معطاة لمرة واحدة لا غير one-way ticket) وصحته بوجود الفيل الصغير الذي يستوي أمامي على المكتب من غير أن يعبأ بأفكار الآخرين.
وهذا ما يدعو طوابير الناس تجلس على قارعة الطريق أمام بيتي (في هذه الحالة سوف يتحول بيتي إلى مزار) راجين أن يقدموا الحمد والشكر للفيل الأبيض الصغير.
وعندما يخرج من بيتي مَنْ استطاع الدخول بعد آلاف عبارات الرجاء ويسأله آلاف المنتظرين:
- والآن كيف حالك هل تحسنت بواسيرك؟!
سيقول "الحاج":
- الحمد للفيل!
5.
هذا هو "الله" الذي لا يكف المؤمنون من حمده وتقديم الشكر له.
إن فيلي الصغير لهو أكثر وجوداً من وجود "الله" وأكثر تأثيراً على الآخرين من حقيقة "الله"!
والسبب باد للعيان:
إنه حقيقة وجودية يمكن البرهنة عليها في حين لم تتمكن [ولن تتمكن] البشرية في البرهنة على وجود شيء اسمه "الله".
وإذ ليس في مقدور فيلي الأبيض الصغير على علاج البشر فهذا أمر لا يزعجني لأن قدرته العلاجية وَهْمٌ و"الحمد
لله"!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر