منع

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [5]: هل كان عليٌّ بن أبي طالب شيعيَّاً؟!


تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائن الفولكلور الشيعيف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
ليس في العنوان أية لعبة لغوية، بل هو سؤال موضوعي يطرحه الواقع التاريخي (واستناداً إلى ما تزعمه المصادر الإسلامية) الذي يؤرخ ظهور الشيعة.
وهو لا يبدو مفارقة إلا على خلفية الأدب اللاهوتي الشيعي الذي قرر أن يحول الخرافات إلى عقائد والأساطير إلى تاريخ.
2.
لقد اتفقت جل المصادر العربية والأجنبية على أن مفهوم "الشيعة" لا يعني غير معنى "الحزب". إذ "بمقتل عثمان انقسم الإسلام إلى حزبين: حزب عليٍّ، وحزب معاوية. والحزب يُطلق عليه في العربية أيضاً "الشيعة"، فكانت شيعة علي في مقابل شيعة معاوية. لكن لما تولي معاوية الملك في دولة الإسلام كلها ولم يعد مجرد رئيس حزب، أصبح استعمال اللفظ "شيعة" مقصوراً على أتباع علي" [أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام، فلهوزن، القاهرة 1948، ص 171]
إذاً هو مفهوم سياسي يصور لنا موقف هذا الجماعة الإسلامية (الحزب) من قضية الخلافة ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن تأييد علي بن أبي طالب لسبب اصطفاء إلهي. أقول هذا ولا أعني بأن العائلة العلوية لا تطالب بالخلافة (كما طالب بها الآخرون) وإنما كانت مطالب العائلة العلوية بالخلافة (وهذا ما تكشف عنه المصادر التاريخية) يعود إلى شعورها بالتميز بسبب أواصر القربى والدم بمحمد.
وإن ما يدعم هذا التحليل هو إن هذه "الجماعة" ونتيجة لما حدث فيما بعد انشقت على نفسها وتفرقت إلى عدد كبير من الفرق وتَسَمَّى المنشقون بأسماء مختلفة. ومن أولى هذه الفرق هي "الخوارج" الذين لم يخرجوا بصورة صريحة وحاسمة على قيادة عليٍّ بعد قضية التحكيم فحسب، وإنما تحول موقفهم إلى عداوة انتهت إلى الحرب.
فقد انقسمت الشيعة إلى أصناف، وانقسم كل صنف إلى فرق لا عد لها ولا حصر حتى تشكلت عشرات الفرق المختلفة والمتناقضة في موقفها من خلافة علي من جهة وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان من جهة أخرى [أنظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين].
4.
ورغم هذه الوقائع التاريخية فإنه ما من طائفة شيعية، وهذه واحدة من الخصائص الملازمة لها، تحصر نشأتها في الحقبة التاريخية التي نشأت فيها وهي في نفس الوقت ترفض الشروط التاريخية لهذه النشأة. فهي، كما يقول فؤاد الخوري تعيد تكوين مجتمعها الديني إلى أبعد من ذلك بكثير، تعيده إلى جذور "إلوهية" هي من صلب التعاليم السماوية. وهنا يكمن الفرق بين تصور الطوائف لذاتيتها الدينية والتي تشدد على الجذور الألوهية لنشأتها وتصور الآخرين لها باعتبارها ظاهرة تاريخية سياسية [إمامة الشهيد وإمامة البطل، بيروت 1989]
5.
وهكذا يتضح بأن موقف "الحزب" العلوي من إمامة علي بن أبي طالب هو موقف سياسي يعتقد بأهلية علي بن أبي طالب وكفاءته مقارنة بالخلفاء الآخرين.
وهذا ما يعبر عنه عليٌّ نفسه (وحسب ما تقول المصادر الشيعية) في أكثر من مناسبة. فهو لم يطرح أية "أيديولوجيا" دينية لتسويغ خلافته. لأن الأمر لو كان كذلك لكان موقفه من خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مختلفة طالما كانت خلافته "رسالة إلهية" منصوص عليها ف كتاب محمد ولا يحق له التنصل منها.
يقول عليٌّ في "خطبة" له:
"والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك، واستخلف عمر، وقد علم والله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي.
ثم إن عمر هلك، وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الأقل، وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله". [الأمالي، الشيخ المفيد، قم 1403هـ، ص 154][*]
أي إنه لم يفعل شيئاً غير الموافقة والتسليم بما حدث كاظماً "غيظه" ولا شيء آخر. فكيف حدث، وهو المؤمن الذي لا يعصى أمر الله، أن سكت على معصية أمر الله ورسوله؟
وهو في "خطبة" أخرى وعندما بلغه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة، قال في خطبة له:
"نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم منا، وولوه غيرنا ، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا"[المصدر السابق: ص 155]
فهو هنا لا يدعي غير أنه من "أهل البيت" وهذا الانتماء هو الذي يمنحه حق السلطان الذي "انتزعه منهم" المنافقون و"ولوه" غيرهم. وليس في هذا الكلام ما يوحي بوجود أية عقيدة دينية.
6.
وكالعادة ثمة حواجز شاهقة تمنعني من تصديق عقائد المسلمين وأخذها مأخذ الجد. فهم عاجزون عن تقديم تصور منسجم والشيعة مثال على ذلك.
فكما هو واضح بجلاء أن علياً لم يدَّع بأنَّ خلافته "لطف" من الله نُصَّ عليها بوصية لمحمد وضمنها كتابه بآيات وعَبَّر عنها بأحاديث وهو "باب العلم" في "مدينة محمد" الربانية!
ولنخطُ خطوة إلى الأمام:
في حرب علي مع معاوية في "صفين" خرج عليه جماعة كبيرة (12 ألفاً) من أخلص "شيعته". وكان خروجهم عليه (وأعني الخوارج) لا لأنه فرَّط بالوصية الربانية ومخالفته لإرادة ربانية بل لأنه وافق على التحكيم فتخلى بذلك عن الخلافة التي بُويع بها خاضعاً إياها للشك.
وإنَّ ما نراه من غير تأويل هو أن علياً، وبكلمات فلهوزن، "إنْ طوعاً وإن كرهاً – قد عقد ميثاقاً مع الشيطان (أعني مع معاوية) ولم يشأ نقض هذا الميثاق. لقد تخلى عن الحق الإلهي، حق الجهاد ضد عثمان ومعاوية، من أن يصون ميثاقاً مع بني الإنسان، ميثاقاً يقضي على ذلك الحق الإلهي. ولهذا ساخت الأرض تحت قدميه وقضى على الخلافة" [يوليوس فلهوزن ص 28].
وبعد أن انتهت "مهزلة التحكيم" قرر عليٌّ استئناف القتال مع معاوية فدعا الخوارج للانضمام إليه لكنهم لم يستجيبوا لدعوته وطالبوه بأن يشهد على نفسه بالكفر ويستقبل التوبة. وقد كان هذا الموقف يعبر عن تصورهم لاستجابته مرغماً لقبول التحكيم في صفين [أنظر: تارِيخ الدَّوْلةُ العرَبيَّة: مِنْ ظُهُور الإِسلاَم إِلى نِهايَةِ الدّولةِ الأمَويَّة، فلهوزن، القاهرة 1968]
7.
وها نحن نصل إلى الخطوة الحاسمة: تصورات عليٍّ عن نفسه في أثناء حربه مع معاوية.
استناداً إلى خطبه وكتبه إلى معاوية الواردة في [نهج البلاغة، علي بن أبي طالب، 2004] فإننا لا نجد فيها ما يكشف صراحة أو بالإيحاء بأن له مكانة متميزة عن الخلفاء أو أن يكون "إماماً" موصى به من العناية الإلهية.
من كتاب إلى معاوية نقرأ ما يلي:
"إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا الغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على ابتعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى"[نهج البلاغة، ص 367].
فهو لا يستند في حقه على شيء آخر غير المبايعة فقد "بايعه" القوم كما بايع أبا بكر وعمر وعثمان وليس ثمة شرط للخضوع لأمره غير تقواه وأن خرج عن أمرهم قاتلوه.
بل نراه في (كتاب إلى أهل الأمصار) ومن غير لبس ولا تأويل يساوي نفسه بجيش معاوية في التقوى والانتماء الديني ويرى بأنهم (هو وجيش معاوية الذي يحارب ضده) ولا خلاف فيما بينهم إلا دم عثمان:
"وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا: الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء!" [نهج البلاغة: ص448]
8.
ومن يتصفح كتاب "نهج البلاغة" (سواء كان لعلي بن أبي طالب أم منتحلاً) فإنه لن يجد أي أثر للعقيدة الشيعية عن "الإمام المعصوم" أو "أن الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن تعريف الشيعة الذي يطالعنا به الشهرستاني باعتبارهم الجماعة التي شايعت علياً على الخصوص "وقالو بإمامته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة " [الملل والنحل، الشهرستاني، 1968، ص 146] لا يصف إلا ما وصلت إليه الشيعة في زمانه. إذ أن جل العقائد الشيعية قد ظهرت في مرحلة متأخرة جداً من حياة علي ونتيجة لأسباب وأحداث وشروط سياسية مختلفة خلقت تصورات مزيفة عن الماضي تحولت بدورها إلى حقائق كما سنتطرق إليه في الحلقات القادمة.
فهل ثمة ما يسوغ فكرة أن علياً كان يوماً "شيعياً" بالمعنى الذي يكشف عنه الأدب الشيعي المعاصر - أي أنه يدرك تميزه الذي يستند إلى "وحي" وإنَّ شخصيته الموجودة في هذه الأدب تَمُتُّ بصلة إلى علي بن أبي طالب التاريخي؟
[*] تقول ويكي شيعة عن كتاب الأمالي:
"الأمالي كتاب باللغة العربية لكاتبه الشيخ المفيد (المتوفي 413 هـ)، الذي يشتمل على روايات أخلاقية واعتقادية وتاريخ الإسلام".

للموضوع بقية ...



الفرضيات الزائفة [1]: ثقافة "التواتر" الإسلامية!

 [أوهام بصرية]

1.
أنا أعرف مثلما يعرف الكثير من الملحدين بأن مناقشة مسلم حول عقائده الغيبية مهمة فاشلة لا جدوى من وراءها.
فالعقل الغيبي والإيمان التسليمي بما قاله “آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" كما يقول أحد مسلمي المنتديات لا يمكن أن يخضع للمحاججة. فالمحاججة العقلية تفترض نوعاً من الشك وتأمل الآراء المخالفة وإعادة المرء النظر بما يقوله هو نفسه وبمعلوماته.
أما التكرار الملل والساذج لفكرة "التواتر" هو نوع من الإيمان الذي لا يمكن أن يخضع لأي نوع من النقاش.
ومع ذلك فهذه واحدة من المحاولات لقول ما ينبغي التفكير به وفيه في آن واحد.
2.
إن قضية "التواتر" لهي قضية مضحكة لا يؤمن بها أحد آخر غير المسلمين.
فهي عن حق صناعة إسلامية. فهذه هي "البضاعة" المتوفرة بسبب غياب الأدلة النصية والتاريخية. فالتواتر الشفهي لا يختلف عن تواتر "حكايات آلف ليلة وليلة" مع الفارق هو أن "الحكايات" نص مكتوب رغم اختلاف الصيغ. بل أن خرافة "التواتر" دليل على غياب الأدلة. أما ما يتعلق بالقراءات (العشرة والاثنتي عشر و ...) فهي عملياً تنسف خرافة التواتر من الداخل المتعلق بكتاب محمد.
3.
إن أية فرضية علمية (وليست زائفة) تفترض قابلية التكذيب (كار بوبر). وقد كتبتُ بهذا الصدد أكثر من مرة وأنا مضطر لتكراره.
إذ لا يكفي أن تتوفر إمكانية وجود ما يمكن أن يصلح للبرهنة على صحة "فرضية" ما من وجهة نظر صاحب الفرضية (والذي يعتقد بأنه الوحيد الموجود الذي على الأرض!) وإنما ضرورة توفر إمكانية لدحض هذه الفرضية من قبل أشخاص آخرين – من قبل مراقبين حياديين. وإذا غابت هذه الإمكانية فإن الفرضية ليست علمية. فلعبة أن “آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" هي لعبة كلامية لا يمكن البرهنة لا على صحتها ولا على زيفها - ولهذا فهي مزيفة!
وإنَّ لهذا الاشتراط قيمة هائلة في مجال البحوث الإنسانية. ومطلب القابلية للتكذيب من أهم المبادئ التي تقوض الدراسات الدينية من حيث الأساس لأنها تستند في عملية الاستدلال إلى اقتباس وحيد الجانب على ما "يبرهن" و"يدعم" و"يؤكد" الفرضية المطروحة (عبر التداول الشفهي) وتجاهل رهيب لكل الاعتراضات الممكنة والأدلة المناقضة والحقائق التاريخية للفرضية المعنية.
إذن، القضية التي لا تتوفر فيها القابلية للتكذيب هي قضية ليست علمية – هي قضية زائفة.
و"التواتر" قضية زائفة.
4.
لماذا؟
لأن "التواتر" هو تكرار لما قاله السابقون بصورة تسليمية وهو يستند إلى الإيمان – والأيمان العقائدي التسليمي لا يقبل أي شيء يعارض العقيدة. وهذا هو منطق "آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" الذين يفخر بهم المسلم:
"الإيمان" بصحة ما قاله السابقون (وخصوصاً من القرون الثلاثة الأولى) والتسليم به على علاته وبمرور الوقت يتحول إلى عقيدة والعقيدة تتمظهر أمام المؤمن وكأنها حقيقة تاريخية.
فذات "التواتر" هذا، وعلى سيب المثال من مئات الأمثلة، يقبل بأن اللغة "توقيف" من الله وليس مواضعات يتفق عليها البشر. وإن عمليات تشكل اللغة كانت تجري أمام أعينهم لكنهم عجزوا عن رؤيتها أو قبولها لا لسبب إلا لأن فلان أو علتان قد قال بأن اللغة "توقيف" من الله!
فهل ثمة أسخف من اعتقاد "التوقيف
الجواب: لا، لكنه متواتر!
5.
ولو صحت خرافة التواتر فإن المئات من الأخطاء اللغوية (الإملائية والنحوية والأسلوبية ولن أتحدث عن العلمية والتاريخية) في نص "قرآن محمد" تثبت أن الأمر يتعلق بتواتر قوم لم يكونوا يدركوا قواعد اللغة التي يستخدمونها في عملية النقل الشفاهي. وإن مضمون "مادة التواتر" هو تراكم دام أكثر من قرن ومن مصادر مختلفة يهودية ومسيحية وزرادشتية وغيرها. وهذا ما تعكسه مئات الكلمات الأجنبية المعترف بوجودها والتي لا علاقة لها باللغة العربية.
بل أن القبول التسليمي بما قاله الأولون أدى إلى قبول ما لا يقبله العقل والمنطق والمعارف التي في حوزة " آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق " أنفسهم: وأعني الأخطاء الإملائية والنحوية في "قرآن" محمد!
ومن بين عشرات الأخطاء الإملائية والنحوية ثمة مثالان صارخان فاقعان ويفقآن عيني القارئ وهما:
كلمة "لَأَأْذْبَحَنَّهُ" في سورة النمل/آية 21 وكلمة "بِأييْدٍ" في سورة الذاريات: الآية 47 (ترد هذه الأخطاء في جميع نسخ القرآن التي بحوزتي ومن ضمنها: أحدى طبعات "مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد") .
واعترف صادقاً بأن أخطاءً من هذا النوع طبيعية الحدوث تماماً في زمن لم يتم إتقان الكتابة والخط بعدُ (ولن أناقش الآن قضية صحة مصادر القرآن). ومن أكثر الأمور طبيعية أن يتم تصحيح مثل هذه الأخطاء. لكن "عقيدة التواتر" الغيبية تُحَجِّر العقل واليدين على حد سواء!
ويمكن المضي إلى أبعد من ذلك. فالقبول التسليمي بما قاله الأولون (وهو أساس "التواتر" و"الإجماع") أدى إلى قبول عشرات "الأحاديث" من نوع " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمر فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا "! وهو كلام سخيف ساذج مسيء للعقل الإنساني. ولكن وبسبب التواتر تحول عند المسلمين إلى عقيدة صادقة لا تقبل النقاش!
6.
لكن مهزلة "التواتر" لها وجه آخر:
على أي نوع من المصادر يستند "التواتر" الذي تحول إلى عقيدة؟
الجواب كارثي حقاً:
إنه يستند إلى "شهادة" واحدة من أكثر الشخصيات الإسلامية ابتذالاً من أمثال: أبي هريرة!
وأبو هريرة هذا (أعني شيخ المضيرة) الذي تقول عنه السيرة المتواترة ذاتها (وليس سيرة أخرى) بأن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة بالدرة ومنعه من "قول الحديث والكذب على الرسول" وطرده من المدينة ولم يعد إليها إلا بعد موت عمر. (وهناك من يشير إلى أن ذات الشيء حدث في فترة عثمان).
إذن هذا واحد من أصول "التواتر"!
أبو هريرة!
7.
غير أن أبا هريرة تفصيل واحد من تفاصيل أصول "التواتر".
الكارثة الإسلامية هي البخاري و"صحيحه"!
لقد صدرت كتب كثيرة لكتَّاب مسلمين تتحدث عن كارثة البخاري وأبي هريرة من بينها:
جناية قبيلة حَدَّثنا لجمال البنا
جناية البخاري – إنقاذ الدين من إمام المحدثين لزكريا أوزون
أبو هريرة وأحاديثه في الميزان لنور الدين أبو لحية
أكْثَرَ أبو هريرة لمصطفى أبو هندي
أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية
لكن الكتاب الذي حظي "باهتمام" السلطة اللاهوتية الإسلامية في المغرب أكثر من غيره وأدى هذا "الاهتمام" إلى منعه هناك بقرار من المحكمة هو كتاب: "صحيح البخاري - نهاية أسطورة" للكاتب المسلم رشيد أيلال.
يقول الكاتب في مقدمته (أما الكتاب فعلى المسلمين قراءته):
"ومن الكتب التراثية التي لقيت انتقاداً كبيراً منذ تأليفها كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (ص) وسننه وأيامه الشهير بالجامع الصحيح أو صحيح البخاري، حيث أنجزت العديد من الدراسات والبحوث والتحقيقات التي تناولته بالانتقاد، لإبراز الأحاديث الواردة فيه، سيما الأحاديث المناقضة للعقل والعلم والقرآن، والأحاديث المنحولة والمأخوذة من الإسرائيليات".
إذن هذا الكتاب المناقض للعقل والعلم (ولا يهمني مناقضته لقرآن محمد) تحول إلى "قرآن ثانٍ". فَقَدْ آمنَ المسلمون (والسُّنة بشكل خاص) بالبخاري وقد اعتبروه "أمير المؤمنين في الحديث" وإن الإساءة إليه بمثابة الإساءة للدين. بل أن كتبه وهذه واحدة من معجزات "صحيحه" اكتسبت قدرات لا يحملها غير القرآن:
"إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فُرجت، ولا رُكِب به مَرْكَبٌ فغرقت"
"وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان، إذا ألم بالبلد نازلة مهمة، فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة . . .إلخ"
[قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، 2004 بيروت، ص 455]
هذا هو الأساس الذي يستند إليه "التواتر" الإسلامي – الفرضية الزائفة.
أنظر للمزيد:
8.
فهل هذا كل شيء؟
الشيعة (وهم الطائفة الثانية بعد السنة – من حيث الأهمية والحجم رغم أن هذا سوف يزعج الشيعة!) ترفض رفضاً قاطعاً جزءاً كبيراً من هذا "التواتر" السني، بل هي ترفض الكثير من أصول التواتر وعلى سبيل المثال كل ما قاله أبو هريرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشيعة اختلقت "تواترها!" الخاص بها الذي يتناقض جملة وتفصيلاً مع "تواتر!" السنة في الكثير من القضايا كالإمامة والخلافة وهي تعتبر كامل "تواتر!" التاريخ السني بما يتعلق بالخلافة اغتصاباً للسلطة.
9.
ولنتحدث عن "قرآن" محمد “المصون من التحريف والتلف".
إذا كان "تواترهم" بكل هذه المصداقية والعظمة لماذا يوجد:
مصحف فاطمة ومصحف علي بن أبي طالب ومصحف أم سلمة ومصحف أبي بن كعب ومصحف ابن عباس ومصحف عائشة ومصحف عبد الله بن مسعود و.. و .. و .. و
هل يمزح هؤلاء البشر؟
أين هو التواتر والأمر يتعلق بقدس أقداسهم؟
وكيف حدث أن قام "داجن" بأكل آيات من هذا "القرآن" في غرفة عائشة؟
وكيف يحتاج هذا الكتاب المكتوب في اللوح المحفوظ إلى شهادة اثنين لكي يتم قبول أية آية من الآيات كما تقول الحكاية الإسلامية حول جمعه من قبل عثمان؟
وهل شهادة اثنين كافية لمصداقية الآية المعنية - طالما يتعلق الأمر بشهود؟
وماذا عن الآيات التي لم يدع بها غير شاهد واحد؟ والآيات التي أكلها الداجن؟
10.
وأخير وليس آخر:
هذا هو تواتر المسلمين المقدس الذي يستند إلى الرغائب وغياب الحقائق والأدلة.
فلماذا لا يبحث المسلمون عن وسيلة دفاعية أخرى عن عقيدتهم بسبب فشلهم في إثبات صحة تاريخهم – إن كانت له صحة؟!



سوء تفاهم!


[البراق: هذا هو التاريخ الإسلامي]
1.
من الصعب على المسلم أن يقبل النقد الموجه إلى تاريخه حتى لو كان من مسلم!
أمَّا أن يقوم ملحد بهذا النقد فإنه بالنسبة للمسلمين بمنزلة خرقاً لـ"قدس الأقداس"! ولهذا فإن المسلمين وكمحاولة لتشويه نقد الملحدين يصنعون ادعاء مضحكاً من قبيل: إن الملحدين يشككون في التاريخ الإسلامي!
2.
سوء تفاهم:
إن مثل هذا الادعاء فيه الكثير "من المبالغة!".
الحق أنه سوء تفاهم:
الملحدون لا يشككون في التاريخ الإسلامي مطلقاً. فهذه "شبهة مغرضة" كما يحلو للمسلمين القول على آراء من يخالفهم.
الحقيقة هي شيء آخر تماماً:
الملحدون الحقيقيون لا "يشككون" بل إنهم يرفضون جملة وتفصيلاً التاريخ الأدبي اللاهوتي – أياً كان هذا التاريخ.
3.

والسبب واضح جداً:
فـ"التاريخ" الرسمي اللاهوتي للإسلام صناعة لاهوتية فقهية - إنه سيرة أدبية. ولهذا لا يستقيم مع أي نقد علمي. فالخرافات والأساطير التي تستحوذ على هذا "التاريخ" تجعل من الصعب حتى قبول الحقائق الصغيرة التي يمكن وجودها في بحر الخرافات.
ولهذا وللمرة الثانية وبوضوح مُؤْلِم:
الملحد لايشكك في "التاريخ" الإسلامي اللاهوتي بل يرفضه.


ملاحظة هامة:
لقد تجمعت لدينا الكثير من المعلومات عن التاريخ الواقعي للإسلام. ولكن لم تتم بعدُ كتابة هذا التاريخ.
لكن المسلمين غير مؤهلين موضوعياً ومنطقياً في المشاركة في كتابة هذا التاريخ لأنه ليس من مصلحة اللاهوت الإسلامي ومراكز السلطات الإسلامية السنية والشيعية.
إنَّ التاريخ الواقعي للإسلام سوف يطيح بالسيرة الأدبية الرسمية الإسلامية. فهي سيرة للخرافات والأساطير المختلقة والشخصيات المفبركة والأحداث المصطنعة.
فهل ثمة حقيقة يمكن العثور عليها في أطنان مجلدات السيرة الأدبية الرسمية الإسلامية؟
- الجواب: نعم.
وما هي هذه الحقيقة؟
- الجواب: هذا ما ينبغي التحقق منه عند كتابة التاريخ الواقعي.





الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [4]: بداية أساطير عقيدة الإمامة

[من الفولكلور الشيعي]

تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
- المصدر الأسطوري للعقيدة.
- السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
- الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".

1.
المطلع على "الأدب" اللاهوتي الشيعي من غير استثناء لابد وأن يخرج بخلاصة لابد منها وهي أن منطق الكتابة بتأثير رجعي. إذ أنَّ كلَّ الأدب الشيعي قد ظهر في مراحل متأخرة جداً من مرحلة ظهور العقائد الشيعية. ولهذا فإن العودة إلى المراحل الأولى لظهور العقائد والطوائف الشيعية يكشف عن الطابع التلفيقي للتصورات والأحداث والشخصيات على حد سواء التي تمت صياغتها فيما بعد.
ولهذا فإن تاريخ النصوص الشيعية، وهذه مفارقة مدهشة، هو تاريخ الوضع اللاهوتي والأوهام والخرافات والأساطير الدينية التي تؤرخ قبل كل شيء تصورات الشيعية عن التاريخ وليس التاريخ نفسه.
إن هذا المنطلق هام بصورة حاسمة لرؤية الكتابات الشيعية على حقيقتها.
فالتاريخ (والتاريخ الشيعي بالذات) لم يذكر لنا وعن طريق صحيح، على حد تعبير أحمد أمين في "فجر الإسلام"، "أن علياً ذكر نصاً من آية أو حديثاً يفيد أن رسول الله عينه للخلافة، ولو كان لديه نص وذكره لما بقي الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه؛ بل ما بين أيدينا من تاريخ يدل على أن علياً بايع أبا بكر، وإن بعد تلكؤ، كما بايع عمر وعثمان من بعده، كل ما صح عن علي أنه كان يرى أنه كان أولى بالأمر منهم" [فجر الإسلام ص 287]
إن تاريخ "الأدلة" على إمامة عليِّ هو تاريخ أدبي أسطوري شيعي استلت مادته من الرغائب والعقائد الإيمانية الغنوصية. وإن هذه الأدلة، في أحسن الأحوال، لا تتعدى "قِيل" عن فلان و"قال" فلان عن فلان، وهي في أسوء الأحوال ادعاءات تقريرية لا تسعى حتى إلى إعطاء أبسط الأدلة على مصداقيتها.
2.
يقول محمد رضا المظفر:
نعتقد: أنّ الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن هذه الفكرة تتكرر في كتب الشيعة كفكرة لازمة ومهيمنة leitmotiv على كامل الأدب الشيعي (جميع الفرق الشيعية)، وقد تحولت هي الأخرى إلى عقيدة راسخة لا تقبل النقاش.
وفي كتاب آخر يقول الكاتب نفسه:
"المقام السابع في لزوم الإمامة: وقد عرفت أن الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشيعة هي كالنبوة لطف ورحمة، كذلك الإمامة فإذا ظهر كونها لطفاً، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى.
[...] أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحمته المطلقة".
[بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، ج2]:
3.
هنا يمكن أن نرى الطابع الديماغوجي والانتقائي للتفكير اللاهوتي الشيعي والحرية المطلقة في تقرير قضايا عقدية وكأن الأمر يتعلق بترتيب مكعبات ملونة يصنع منها الطفل أشكالاً مختلفة بصورة لا واعية اعتباطية! بل هنا يتضح الطابع التلفيقي للتصورات اللاهوتية.
فالإمامة هي كالنبوّة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى. ولأنَّ النص الذي جاء من "الله تعالى" وهو ما يسمى "تثبيت الوصية" (ليس ثمة أثر في كتاب محمد ذاته أي شي من هذا القبيل) ليس شيئاً غير أسطورة من بين الأساطير الشيعية، وإنَّ “لسان الرسول" قضية مشكوك فيها أيضاً. لأن الأحاديث الشيعية لا تقل اعتباطية وأثارة للشك من أحاديث السنة (فلكل منهم أبو هريرته!). ولهذا فقد تم إضافة "لسان الإمام المنصوب بالنص" إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده. ورغم ذلك فأن "لسان الإمام" وكما سنرى فيما بعد هو الآخر أسطورة من الأساطير (فإذا كان ثمة نص مسبق والإمامة كالنبوة لطف من الله فلماذا يجب على كل إمام أن ينص على إمامة التالي؟).
ولأن لا "نص" من الله ولا " نصَّ " من رسوله ولا "نصَّ" من الإمام (أين هو؟!) فهل ثمة مشروعية من نوع ما لهذا النوع من العقائد؟
لنواصل "الحدوتة" وكأن لا وجود لمثل هذه الشكوك!
4.
وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار!
إذن، لا نص في كتاب محمد يشير فيها إلى "الوصية" الإلهية بإمامة علي.
فهل هذا عائق أمام اللاهوت الشيعي؟
لا شك أن هذا سؤال خطابي يحمل في ذاته الإجابة.
فالثقافة الأسطورية الدينية لها مصادرها التي لا تنضب وإن "خلق" النص لهي قضية شكلية وهذا ما يميز جميع الفرق الشيعية في الماضي والحاضر. فإن غاب النص الحقيقي فإن الأسطورة لا تغيب (لا علاقة لهذا الموضوع بفكرة "إذا غاب القط حضر الفأر!).
وهكذا ظهرت أسطورة "الوصية" التي نقلتها الكتب الشيعية الرسمية مثل "الكافي" للكليني.
لكنني أفضل العودة إلى نص أكثر تفصيلية لهذه الأسطورة وهو كتاب "إثبات الوصية" للمؤرخ البغدادي المسعودي:
"فلما قرب أمره أنزل اللّه جل وعلا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزلَ به جبرئيل مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول اللّه مر من عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة ويشهدنا عليه. فأمر رسول اللّه من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين. فقال جبرئيل يا رسول اللّه إن اللّه يقرأ عليك السلام ويقول لك هذا كتاب بما كنت عهدت وشرطت عليك وأشهدت عليك ملائكتي وكفى بي شهيدا. فارتعدتْ مفاصل سيّدنا محمّد فقال هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، صدق اللّه هات الكتاب. فدفعه إليه فدفعه من يده الى علي وأمره بقراءته وقال هذا عهد ربي إليّ وأمانته، وقد بلغت وأديت. فقال أمير المؤمنين وأنا اشهد لك بأبي أنت وأمي بالتبليغ والنصيحة والصدق على ما قلت، ويشهد لك سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال له النبيّ أخذت وصيتي وقبلتها مني وضمنت للّه تبارك وتعالى ولي الوفاء بها قال نعم عليّ ضمانها وعلى اللّه عز وجل عوني.[...] فأشهد رسول اللّه جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين على أمير المؤمنين ثم دعا رسول اللّه فاطمة والحسن والحسين فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين وشرح لهم ما شرحه له فقالوا مثل قوله وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار ودفعت الى أمير المؤمنين". [تبيان الوصية، المسعودي، قم، بدون تاريخ، ص122]
وليس علينا الآن وكما يحدث في المساجد الشيعية حيث يهبُّ البسطاء (من الأميين والمتعلمين الأميين وأنصاف المتعلمين الأمثر أمية) صارخين بأعلى أصواتهم:
- "اللهم صلي على محمد وآل محمد!"
ها نحن أمام وحي ينزل بالوصية أكثر إحكاماً من وحي نزول أول سورة من قريان محمد وأسطورة "اقرأ" و" ما أنا بقارئ" التي يعرفها الداني والقاصي!
لماذا؟
لأنه ثمة شهود معصومون لا يصل إلى كلامهم الشك ولا يحتمل الريبة:
فمحمد عندما جاءه "الملك" كان وحده. أما الآن فبالإضافة إلى أن هدف الوصية هو "علي" نفسه فقد حضر (وشهد بـم عينيه) نزول الوحي فاطمة والحسن والحسين!
الله أكبر!
5.
إذن الإمامة، كالنبوة، مما يقتضي كمال الله!
فطالما يحتل الإمام (من الأول حتى الثاني عشر!) كل هذه المكانة القدسية؛ وطالما كانت إمامة علي بن أبي طالب وأبناءه وأحفاده لا تختلف عن النبوة في مكانتها واشتراط وجودها - فلماذا، عجباً، لم ينزل حقاً نص حاسم واضح قاطع باتٌّ معلوم جازم مانع محدد دامغ مؤكد يقين لا يقبل الشك ولا التأويل من "لدنه تعالى" وهو لم يقتصد في وحيه في الإشارة إلى أتفه الأشياء: شتائمه لأبي لهب والتين والزيتون؟
ولماذا، وهذا هو السؤال الهام، لم يتفق أبناء "العائلة المقدسة" ذاتها فيما بينهم؟!
فكيف يمكن لأمر قدسي من هذا النوع لا يحظى بمصداقية من قبل جميع أفراد "العائلة المقدسة"؟!
بل أنه لم يحض بقبول القسم الأعظم من المسلمين من خارج الفرق الشيعية!
6.
بصدد حديثه عن أسباب فشل عائلة علي بن أبي طالب في الوصول إلى الخلافة ومن ثم من بعده أبناءه وأحفاده يشير جواد علي إلى أسباب من بينها النزاع ما بين أفراد أسرته ذاتها.
إذ لم يكن هناك تفاهم ما بين أولاد الحسن وأولاد الحسين. فقد كان هناك “نزاع بين أفراد الأسرتين، أسرة الحسن وأسرة الحسين، واختلاف في الرأي: فخرج بعضهم دون البعض على السلطة، فكان أن تم دحرهم بسهولة بطبيعة الحال"[المهدي عن الشيعية ص 63]
وهذا ما حدث مع انتفاضات محمد النفس الزكية والحسين بن علي وفيما بعد زيد بن علي أخي محمد الباقر (الإمام الخامس).
لكن الخلافات لم تكن تقتصر على الموقف من السلطة القائمة وأسلوب النضال ضدها. فقد كان بين أفراد العائلة خلافات لاهوتية تقوض ادعاءات "النص" التي أشرت إليها.
فبالإضافة إلى الموقف الحاسم الرافض للسلطة الأموية وقد دفع حياته ثمناً لانتفاضته ضد هشام بن عبد الملك وكان ذلك في فترة "إمامة" جعفر الصادق (ولهذا لا يتحدث الشيعة عن شهادته!) فإن زيداً (وليس شخصاً آخر) لم يكن يتفق مع الآخرين في الموقف من قضايا هامة جداً وتدخل في صميم العقيدة الشيعية. فزيد "لم يكن متفقاً مع أخيه لا في مسألة الإمامة، ولا في مسألة العلاقة بالمعتزلة، ولا حتى في الافتخار بعلم الأئمة بوصفهم خلفاء النبي" [المهدي عند الشيعة]. وينبغي إضافة موقفه المختلف من أبي بكر وعمر.
ويشير الدكتور جواد علي (الشيعي) بأن الضغط الذي كانت تمارسه السلطة العباسية والسياسة المعادية لأسرة عليٍّ قد أضعفت مقاومة بعض أفراد الأسرة فإنه "يروى أن بعض أعضاء الأسرة قد قبلوا الرشوة وارتضوا الخيانة".
ولكن ألم يحدث هذا مع الحسن – الإمام الثاني؟!
7.
غير أن ما يفند أسطورة الأئمة الاثني عشر ومصداقية كتب الشيعة وادعاءاتهم عن النص" و"الوحي" المُبَلِّغ بالوصية لم يأت من خارج "العائلة المقدسة" فحسب، وإنما من داخلها أيضاً. وإن موقف جعفر بن علي الهادي -أخي الحسن العسكري (الذي اختلقت الشيعة ضده أقاويل تعود إلى محمد نفسه يتنبأ بخيانته) لهو مثال على عدم مصداقية هذه الأسطورة وطبيعتها التلفيقية.
ومن نتائج موت الحسن العسكري هو افتراق الشيعة على أربع عشرة فرقة. ولم تعترف بالإمام الثاني عشر غير فرقة واحدة لا غير وهي الفرقة الاثنا عشرية.


اقرأ أيضاً:




أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر