منع

الفرضيات الزائفة [1]: ثقافة "التواتر" الإسلامية!

 [أوهام بصرية]

1.
أنا أعرف مثلما يعرف الكثير من الملحدين بأن مناقشة مسلم حول عقائده الغيبية مهمة فاشلة لا جدوى من وراءها.
فالعقل الغيبي والإيمان التسليمي بما قاله “آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" كما يقول أحد مسلمي المنتديات لا يمكن أن يخضع للمحاججة. فالمحاججة العقلية تفترض نوعاً من الشك وتأمل الآراء المخالفة وإعادة المرء النظر بما يقوله هو نفسه وبمعلوماته.
أما التكرار الملل والساذج لفكرة "التواتر" هو نوع من الإيمان الذي لا يمكن أن يخضع لأي نوع من النقاش.
ومع ذلك فهذه واحدة من المحاولات لقول ما ينبغي التفكير به وفيه في آن واحد.
2.
إن قضية "التواتر" لهي قضية مضحكة لا يؤمن بها أحد آخر غير المسلمين.
فهي عن حق صناعة إسلامية. فهذه هي "البضاعة" المتوفرة بسبب غياب الأدلة النصية والتاريخية. فالتواتر الشفهي لا يختلف عن تواتر "حكايات آلف ليلة وليلة" مع الفارق هو أن "الحكايات" نص مكتوب رغم اختلاف الصيغ. بل أن خرافة "التواتر" دليل على غياب الأدلة. أما ما يتعلق بالقراءات (العشرة والاثنتي عشر و ...) فهي عملياً تنسف خرافة التواتر من الداخل المتعلق بكتاب محمد.
3.
إن أية فرضية علمية (وليست زائفة) تفترض قابلية التكذيب (كار بوبر). وقد كتبتُ بهذا الصدد أكثر من مرة وأنا مضطر لتكراره.
إذ لا يكفي أن تتوفر إمكانية وجود ما يمكن أن يصلح للبرهنة على صحة "فرضية" ما من وجهة نظر صاحب الفرضية (والذي يعتقد بأنه الوحيد الموجود الذي على الأرض!) وإنما ضرورة توفر إمكانية لدحض هذه الفرضية من قبل أشخاص آخرين – من قبل مراقبين حياديين. وإذا غابت هذه الإمكانية فإن الفرضية ليست علمية. فلعبة أن “آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" هي لعبة كلامية لا يمكن البرهنة لا على صحتها ولا على زيفها - ولهذا فهي مزيفة!
وإنَّ لهذا الاشتراط قيمة هائلة في مجال البحوث الإنسانية. ومطلب القابلية للتكذيب من أهم المبادئ التي تقوض الدراسات الدينية من حيث الأساس لأنها تستند في عملية الاستدلال إلى اقتباس وحيد الجانب على ما "يبرهن" و"يدعم" و"يؤكد" الفرضية المطروحة (عبر التداول الشفهي) وتجاهل رهيب لكل الاعتراضات الممكنة والأدلة المناقضة والحقائق التاريخية للفرضية المعنية.
إذن، القضية التي لا تتوفر فيها القابلية للتكذيب هي قضية ليست علمية – هي قضية زائفة.
و"التواتر" قضية زائفة.
4.
لماذا؟
لأن "التواتر" هو تكرار لما قاله السابقون بصورة تسليمية وهو يستند إلى الإيمان – والأيمان العقائدي التسليمي لا يقبل أي شيء يعارض العقيدة. وهذا هو منطق "آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" الذين يفخر بهم المسلم:
"الإيمان" بصحة ما قاله السابقون (وخصوصاً من القرون الثلاثة الأولى) والتسليم به على علاته وبمرور الوقت يتحول إلى عقيدة والعقيدة تتمظهر أمام المؤمن وكأنها حقيقة تاريخية.
فذات "التواتر" هذا، وعلى سيب المثال من مئات الأمثلة، يقبل بأن اللغة "توقيف" من الله وليس مواضعات يتفق عليها البشر. وإن عمليات تشكل اللغة كانت تجري أمام أعينهم لكنهم عجزوا عن رؤيتها أو قبولها لا لسبب إلا لأن فلان أو علتان قد قال بأن اللغة "توقيف" من الله!
فهل ثمة أسخف من اعتقاد "التوقيف
الجواب: لا، لكنه متواتر!
5.
ولو صحت خرافة التواتر فإن المئات من الأخطاء اللغوية (الإملائية والنحوية والأسلوبية ولن أتحدث عن العلمية والتاريخية) في نص "قرآن محمد" تثبت أن الأمر يتعلق بتواتر قوم لم يكونوا يدركوا قواعد اللغة التي يستخدمونها في عملية النقل الشفاهي. وإن مضمون "مادة التواتر" هو تراكم دام أكثر من قرن ومن مصادر مختلفة يهودية ومسيحية وزرادشتية وغيرها. وهذا ما تعكسه مئات الكلمات الأجنبية المعترف بوجودها والتي لا علاقة لها باللغة العربية.
بل أن القبول التسليمي بما قاله الأولون أدى إلى قبول ما لا يقبله العقل والمنطق والمعارف التي في حوزة " آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق " أنفسهم: وأعني الأخطاء الإملائية والنحوية في "قرآن" محمد!
ومن بين عشرات الأخطاء الإملائية والنحوية ثمة مثالان صارخان فاقعان ويفقآن عيني القارئ وهما:
كلمة "لَأَأْذْبَحَنَّهُ" في سورة النمل/آية 21 وكلمة "بِأييْدٍ" في سورة الذاريات: الآية 47 (ترد هذه الأخطاء في جميع نسخ القرآن التي بحوزتي ومن ضمنها: أحدى طبعات "مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد") .
واعترف صادقاً بأن أخطاءً من هذا النوع طبيعية الحدوث تماماً في زمن لم يتم إتقان الكتابة والخط بعدُ (ولن أناقش الآن قضية صحة مصادر القرآن). ومن أكثر الأمور طبيعية أن يتم تصحيح مثل هذه الأخطاء. لكن "عقيدة التواتر" الغيبية تُحَجِّر العقل واليدين على حد سواء!
ويمكن المضي إلى أبعد من ذلك. فالقبول التسليمي بما قاله الأولون (وهو أساس "التواتر" و"الإجماع") أدى إلى قبول عشرات "الأحاديث" من نوع " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمر فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا "! وهو كلام سخيف ساذج مسيء للعقل الإنساني. ولكن وبسبب التواتر تحول عند المسلمين إلى عقيدة صادقة لا تقبل النقاش!
6.
لكن مهزلة "التواتر" لها وجه آخر:
على أي نوع من المصادر يستند "التواتر" الذي تحول إلى عقيدة؟
الجواب كارثي حقاً:
إنه يستند إلى "شهادة" واحدة من أكثر الشخصيات الإسلامية ابتذالاً من أمثال: أبي هريرة!
وأبو هريرة هذا (أعني شيخ المضيرة) الذي تقول عنه السيرة المتواترة ذاتها (وليس سيرة أخرى) بأن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة بالدرة ومنعه من "قول الحديث والكذب على الرسول" وطرده من المدينة ولم يعد إليها إلا بعد موت عمر. (وهناك من يشير إلى أن ذات الشيء حدث في فترة عثمان).
إذن هذا واحد من أصول "التواتر"!
أبو هريرة!
7.
غير أن أبا هريرة تفصيل واحد من تفاصيل أصول "التواتر".
الكارثة الإسلامية هي البخاري و"صحيحه"!
لقد صدرت كتب كثيرة لكتَّاب مسلمين تتحدث عن كارثة البخاري وأبي هريرة من بينها:
جناية قبيلة حَدَّثنا لجمال البنا
جناية البخاري – إنقاذ الدين من إمام المحدثين لزكريا أوزون
أبو هريرة وأحاديثه في الميزان لنور الدين أبو لحية
أكْثَرَ أبو هريرة لمصطفى أبو هندي
أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية
لكن الكتاب الذي حظي "باهتمام" السلطة اللاهوتية الإسلامية في المغرب أكثر من غيره وأدى هذا "الاهتمام" إلى منعه هناك بقرار من المحكمة هو كتاب: "صحيح البخاري - نهاية أسطورة" للكاتب المسلم رشيد أيلال.
يقول الكاتب في مقدمته (أما الكتاب فعلى المسلمين قراءته):
"ومن الكتب التراثية التي لقيت انتقاداً كبيراً منذ تأليفها كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (ص) وسننه وأيامه الشهير بالجامع الصحيح أو صحيح البخاري، حيث أنجزت العديد من الدراسات والبحوث والتحقيقات التي تناولته بالانتقاد، لإبراز الأحاديث الواردة فيه، سيما الأحاديث المناقضة للعقل والعلم والقرآن، والأحاديث المنحولة والمأخوذة من الإسرائيليات".
إذن هذا الكتاب المناقض للعقل والعلم (ولا يهمني مناقضته لقرآن محمد) تحول إلى "قرآن ثانٍ". فَقَدْ آمنَ المسلمون (والسُّنة بشكل خاص) بالبخاري وقد اعتبروه "أمير المؤمنين في الحديث" وإن الإساءة إليه بمثابة الإساءة للدين. بل أن كتبه وهذه واحدة من معجزات "صحيحه" اكتسبت قدرات لا يحملها غير القرآن:
"إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فُرجت، ولا رُكِب به مَرْكَبٌ فغرقت"
"وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان، إذا ألم بالبلد نازلة مهمة، فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة . . .إلخ"
[قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، 2004 بيروت، ص 455]
هذا هو الأساس الذي يستند إليه "التواتر" الإسلامي – الفرضية الزائفة.
أنظر للمزيد:
8.
فهل هذا كل شيء؟
الشيعة (وهم الطائفة الثانية بعد السنة – من حيث الأهمية والحجم رغم أن هذا سوف يزعج الشيعة!) ترفض رفضاً قاطعاً جزءاً كبيراً من هذا "التواتر" السني، بل هي ترفض الكثير من أصول التواتر وعلى سبيل المثال كل ما قاله أبو هريرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشيعة اختلقت "تواترها!" الخاص بها الذي يتناقض جملة وتفصيلاً مع "تواتر!" السنة في الكثير من القضايا كالإمامة والخلافة وهي تعتبر كامل "تواتر!" التاريخ السني بما يتعلق بالخلافة اغتصاباً للسلطة.
9.
ولنتحدث عن "قرآن" محمد “المصون من التحريف والتلف".
إذا كان "تواترهم" بكل هذه المصداقية والعظمة لماذا يوجد:
مصحف فاطمة ومصحف علي بن أبي طالب ومصحف أم سلمة ومصحف أبي بن كعب ومصحف ابن عباس ومصحف عائشة ومصحف عبد الله بن مسعود و.. و .. و .. و
هل يمزح هؤلاء البشر؟
أين هو التواتر والأمر يتعلق بقدس أقداسهم؟
وكيف حدث أن قام "داجن" بأكل آيات من هذا "القرآن" في غرفة عائشة؟
وكيف يحتاج هذا الكتاب المكتوب في اللوح المحفوظ إلى شهادة اثنين لكي يتم قبول أية آية من الآيات كما تقول الحكاية الإسلامية حول جمعه من قبل عثمان؟
وهل شهادة اثنين كافية لمصداقية الآية المعنية - طالما يتعلق الأمر بشهود؟
وماذا عن الآيات التي لم يدع بها غير شاهد واحد؟ والآيات التي أكلها الداجن؟
10.
وأخير وليس آخر:
هذا هو تواتر المسلمين المقدس الذي يستند إلى الرغائب وغياب الحقائق والأدلة.
فلماذا لا يبحث المسلمون عن وسيلة دفاعية أخرى عن عقيدتهم بسبب فشلهم في إثبات صحة تاريخهم – إن كانت له صحة؟!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر