[من الفولكلور الشيعي]
تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
- المصدر الأسطوري للعقيدة.
- السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
- الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
المطلع على "الأدب" اللاهوتي الشيعي من غير استثناء لابد وأن يخرج بخلاصة لابد منها وهي أن منطق الكتابة بتأثير رجعي. إذ أنَّ كلَّ الأدب الشيعي قد ظهر في مراحل متأخرة جداً من مرحلة ظهور العقائد الشيعية. ولهذا فإن العودة إلى المراحل الأولى لظهور العقائد والطوائف الشيعية يكشف عن الطابع التلفيقي للتصورات والأحداث والشخصيات على حد سواء التي تمت صياغتها فيما بعد.
ولهذا فإن تاريخ النصوص الشيعية، وهذه مفارقة مدهشة، هو تاريخ الوضع اللاهوتي والأوهام والخرافات والأساطير الدينية التي تؤرخ قبل كل شيء تصورات الشيعية عن التاريخ وليس التاريخ نفسه.
إن هذا المنطلق هام بصورة حاسمة لرؤية الكتابات الشيعية على حقيقتها.
فالتاريخ (والتاريخ الشيعي بالذات) لم يذكر لنا وعن طريق صحيح، على حد تعبير أحمد أمين في "فجر الإسلام"، "أن علياً ذكر نصاً من آية أو حديثاً يفيد أن رسول الله عينه للخلافة، ولو كان لديه نص وذكره لما بقي الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه؛ بل ما بين أيدينا من تاريخ يدل على أن علياً بايع أبا بكر، وإن بعد تلكؤ، كما بايع عمر وعثمان من بعده، كل ما صح عن علي أنه كان يرى أنه كان أولى بالأمر منهم" [فجر الإسلام ص 287]
إن تاريخ "الأدلة" على إمامة عليِّ هو تاريخ أدبي أسطوري شيعي استلت مادته من الرغائب والعقائد الإيمانية الغنوصية. وإن هذه الأدلة، في أحسن الأحوال، لا تتعدى "قِيل" عن فلان و"قال" فلان عن فلان، وهي في أسوء الأحوال ادعاءات تقريرية لا تسعى حتى إلى إعطاء أبسط الأدلة على مصداقيتها.
2.
يقول محمد رضا المظفر:
" نعتقد: أنّ الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن هذه الفكرة تتكرر في كتب الشيعة كفكرة لازمة ومهيمنة leitmotiv على كامل الأدب الشيعي (جميع الفرق الشيعية)، وقد تحولت هي الأخرى إلى عقيدة راسخة لا تقبل النقاش.
وفي كتاب آخر يقول الكاتب نفسه:
"المقام السابع في لزوم الإمامة: وقد عرفت أن الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشيعة هي كالنبوة لطف ورحمة، كذلك الإمامة فإذا ظهر كونها لطفاً، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى.
[...] أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحمته المطلقة".
[بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، ج2]:
3.
هنا يمكن أن نرى الطابع الديماغوجي والانتقائي للتفكير اللاهوتي الشيعي والحرية المطلقة في تقرير قضايا عقدية وكأن الأمر يتعلق بترتيب مكعبات ملونة يصنع منها الطفل أشكالاً مختلفة بصورة لا واعية اعتباطية! بل هنا يتضح الطابع التلفيقي للتصورات اللاهوتية.
فالإمامة هي كالنبوّة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى. ولأنَّ النص الذي جاء من "الله تعالى" وهو ما يسمى "تثبيت الوصية" (ليس ثمة أثر في كتاب محمد ذاته أي شي من هذا القبيل) ليس شيئاً غير أسطورة من بين الأساطير الشيعية، وإنَّ “لسان الرسول" قضية مشكوك فيها أيضاً. لأن الأحاديث الشيعية لا تقل اعتباطية وأثارة للشك من أحاديث السنة (فلكل منهم أبو هريرته!). ولهذا فقد تم إضافة "لسان الإمام المنصوب بالنص" إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده. ورغم ذلك فأن "لسان الإمام" وكما سنرى فيما بعد هو الآخر أسطورة من الأساطير (فإذا كان ثمة نص مسبق والإمامة كالنبوة لطف من الله فلماذا يجب على كل إمام أن ينص على إمامة التالي؟).
ولأن لا "نص" من الله ولا " نصَّ " من رسوله ولا "نصَّ" من الإمام (أين هو؟!) فهل ثمة مشروعية من نوع ما لهذا النوع من العقائد؟
لنواصل "الحدوتة" وكأن لا وجود لمثل هذه الشكوك!
4.
وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار!
إذن، لا نص في كتاب محمد يشير فيها إلى "الوصية" الإلهية بإمامة علي.
فهل هذا عائق أمام اللاهوت الشيعي؟
لا شك أن هذا سؤال خطابي يحمل في ذاته الإجابة.
فالثقافة الأسطورية الدينية لها مصادرها التي لا تنضب وإن "خلق" النص لهي قضية شكلية وهذا ما يميز جميع الفرق الشيعية في الماضي والحاضر. فإن غاب النص الحقيقي فإن الأسطورة لا تغيب (لا علاقة لهذا الموضوع بفكرة "إذا غاب القط حضر الفأر!).
وهكذا ظهرت أسطورة "الوصية" التي نقلتها الكتب الشيعية الرسمية مثل "الكافي" للكليني.
لكنني أفضل العودة إلى نص أكثر تفصيلية لهذه الأسطورة وهو كتاب "إثبات الوصية" للمؤرخ البغدادي المسعودي:
"فلما قرب أمره أنزل اللّه جل وعلا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزلَ به جبرئيل مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول اللّه مر من عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة ويشهدنا عليه. فأمر رسول اللّه من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين. فقال جبرئيل يا رسول اللّه إن اللّه يقرأ عليك السلام ويقول لك هذا كتاب بما كنت عهدت وشرطت عليك وأشهدت عليك ملائكتي وكفى بي شهيدا. فارتعدتْ مفاصل سيّدنا محمّد فقال هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، صدق اللّه هات الكتاب. فدفعه إليه فدفعه من يده الى علي وأمره بقراءته وقال هذا عهد ربي إليّ وأمانته، وقد بلغت وأديت. فقال أمير المؤمنين وأنا اشهد لك بأبي أنت وأمي بالتبليغ والنصيحة والصدق على ما قلت، ويشهد لك سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال له النبيّ أخذت وصيتي وقبلتها مني وضمنت للّه تبارك وتعالى ولي الوفاء بها قال نعم عليّ ضمانها وعلى اللّه عز وجل عوني.[...] فأشهد رسول اللّه جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين على أمير المؤمنين ثم دعا رسول اللّه فاطمة والحسن والحسين فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين وشرح لهم ما شرحه له فقالوا مثل قوله وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار ودفعت الى أمير المؤمنين". [تبيان الوصية، المسعودي، قم، بدون تاريخ، ص122]
وليس علينا الآن وكما يحدث في المساجد الشيعية حيث يهبُّ البسطاء (من الأميين والمتعلمين الأميين وأنصاف المتعلمين الأمثر أمية) صارخين بأعلى أصواتهم:
- "اللهم صلي على محمد وآل محمد!"
ها نحن أمام وحي ينزل بالوصية أكثر إحكاماً من وحي نزول أول سورة من قريان محمد وأسطورة "اقرأ" و" ما أنا بقارئ" التي يعرفها الداني والقاصي!
لماذا؟
لأنه ثمة شهود معصومون لا يصل إلى كلامهم الشك ولا يحتمل الريبة:
فمحمد عندما جاءه "الملك" كان وحده. أما الآن فبالإضافة إلى أن هدف الوصية هو "علي" نفسه فقد حضر (وشهد بـم عينيه) نزول الوحي فاطمة والحسن والحسين!
الله أكبر!
5.
إذن الإمامة، كالنبوة، مما يقتضي كمال الله!
فطالما يحتل الإمام (من الأول حتى الثاني عشر!) كل هذه المكانة القدسية؛ وطالما كانت إمامة علي بن أبي طالب وأبناءه وأحفاده لا تختلف عن النبوة في مكانتها واشتراط وجودها - فلماذا، عجباً، لم ينزل حقاً نص حاسم واضح قاطع باتٌّ معلوم جازم مانع محدد دامغ مؤكد يقين لا يقبل الشك ولا التأويل من "لدنه تعالى" وهو لم يقتصد في وحيه في الإشارة إلى أتفه الأشياء: شتائمه لأبي لهب والتين والزيتون؟
ولماذا، وهذا هو السؤال الهام، لم يتفق أبناء "العائلة المقدسة" ذاتها فيما بينهم؟!
فكيف يمكن لأمر قدسي من هذا النوع لا يحظى بمصداقية من قبل جميع أفراد "العائلة المقدسة"؟!
بل أنه لم يحض بقبول القسم الأعظم من المسلمين من خارج الفرق الشيعية!
6.
بصدد حديثه عن أسباب فشل عائلة علي بن أبي طالب في الوصول إلى الخلافة ومن ثم من بعده أبناءه وأحفاده يشير جواد علي إلى أسباب من بينها النزاع ما بين أفراد أسرته ذاتها.
إذ لم يكن هناك تفاهم ما بين أولاد الحسن وأولاد الحسين. فقد كان هناك “نزاع بين أفراد الأسرتين، أسرة الحسن وأسرة الحسين، واختلاف في الرأي: فخرج بعضهم دون البعض على السلطة، فكان أن تم دحرهم بسهولة بطبيعة الحال"[المهدي عن الشيعية ص 63]
وهذا ما حدث مع انتفاضات محمد النفس الزكية والحسين بن علي وفيما بعد زيد بن علي أخي محمد الباقر (الإمام الخامس).
لكن الخلافات لم تكن تقتصر على الموقف من السلطة القائمة وأسلوب النضال ضدها. فقد كان بين أفراد العائلة خلافات لاهوتية تقوض ادعاءات "النص" التي أشرت إليها.
فبالإضافة إلى الموقف الحاسم الرافض للسلطة الأموية وقد دفع حياته ثمناً لانتفاضته ضد هشام بن عبد الملك وكان ذلك في فترة "إمامة" جعفر الصادق (ولهذا لا يتحدث الشيعة عن شهادته!) فإن زيداً (وليس شخصاً آخر) لم يكن يتفق مع الآخرين في الموقف من قضايا هامة جداً وتدخل في صميم العقيدة الشيعية. فزيد "لم يكن متفقاً مع أخيه لا في مسألة الإمامة، ولا في مسألة العلاقة بالمعتزلة، ولا حتى في الافتخار بعلم الأئمة بوصفهم خلفاء النبي" [المهدي عند الشيعة]. وينبغي إضافة موقفه المختلف من أبي بكر وعمر.
ويشير الدكتور جواد علي (الشيعي) بأن الضغط الذي كانت تمارسه السلطة العباسية والسياسة المعادية لأسرة عليٍّ قد أضعفت مقاومة بعض أفراد الأسرة فإنه "يروى أن بعض أعضاء الأسرة قد قبلوا الرشوة وارتضوا الخيانة".
ولكن ألم يحدث هذا مع الحسن – الإمام الثاني؟!
7.
غير أن ما يفند أسطورة الأئمة الاثني عشر ومصداقية كتب الشيعة وادعاءاتهم عن النص" و"الوحي" المُبَلِّغ بالوصية لم يأت من خارج "العائلة المقدسة" فحسب، وإنما من داخلها أيضاً. وإن موقف جعفر بن علي الهادي -أخي الحسن العسكري (الذي اختلقت الشيعة ضده أقاويل تعود إلى محمد نفسه يتنبأ بخيانته) لهو مثال على عدم مصداقية هذه الأسطورة وطبيعتها التلفيقية.
ومن نتائج موت الحسن العسكري هو افتراق الشيعة على أربع عشرة فرقة. ولم تعترف بالإمام الثاني عشر غير فرقة واحدة لا غير وهي الفرقة الاثنا عشرية.
اقرأ أيضاً:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق