[إبراهيم وسارة والطفل إسحاق: السعادة العائلية وكما هو الحال في الأفلام الأمريكية فقد تناسى إبراهيم ما فعله وانتهى الفيلم بالنهاية التقليديه: Happy End. ولكن للأسف فإن هذه النهاية سخيفة]
1.
ثمة عشرات الأحاديث والخرافات والأساطير التي لا يكف المسلمون عن روايتها وترديدها رغم أنها سخيفة ومبتذلة ولا تقدم لهم إلا الفضائح!
وإن حيرتي تتزايد باستمرار عندما أرى هذه الخرافات المسيئة لهم يرددونها بألسنتهم في مئات الكتب والمقالات والمواضيع المختلفة وفي المنتديات الإسلامية ومدوناتهم السَّمجة وكأنهم يقولون أشياء معجزة وسيراً بطولية يفخرون بها ويعتزون بروايتها.
ومن هذه الموضوعات قضية صاحبنا إبراهيم – كبير الأنبياء الذي فشل في هداية قومه ففر إلى فلسطين مع زوجته (التي قارب عمرها 65 عاما) ومن هناك إلى مصر التي كان يحكمها آنذاك الملوك الهكسوس.
وهذه "الحدوتة" يعرفها الجميع.
وإن ما يعرفه الجميع أيضاً ولكي ينجو بجلده قام إبراهيم بما لا يفعله الرجل: التخلي عن زوجته والادعاء بأنها أخته خشية أن يقتله الملك ويتخذ من سارة زوجة له!
وإن موضوعي هو هذه "الشهامة" النبوية التي غالباً ما يقوم الأعراب بالتغني بها.
هذه "الشهامة" قام بها أيضاً وبعد مئات السنين (كما تقول لنا خرافات المسلمين) أحد أنصاره ومريديه: محمد، عندما سرق من ابنه زوجته!
وعن هذه الحادثة تحدثت بنوع من التفصيل في:
2.
ليس في أسطورة صاحبنا المُؤسس للأديان الإبراهيمية وهو يتخلى عن زوجته ذرة من المنطق، ناهيك عن الحكمة، حتى تستحق كل هذا الاعتزاز من المسلمين!
فهي لا توضح إلا أفكاراً مثيرة للاهتمام والتأمل:
أولاً، أن كبير الأنبياء هذا والأبُ ذو المقام الرفيع [وهذا هو معناه بالآرامية] يتخلى عن زوجته جبناً وطمعاً في الحياة!
ثانياً، لا معجزات، ولا تدخل رباني (فوق العادة) و"لا هُمْ يحزنون". كل ما هناك: شيخ كئيب أناني مغلق على مصالحه الضيقة وعلى استعداد أن يبيع زوجته!
ثالثاً، إنَّ هذا الموقف المبتذل إزاء المرأة، كما يبدو، خصلة في الأديان الإبراهيمية: فهي "أَمَةٌ" والأمة تُطْلَق على كل امرأة – فكما يخبرنا شيخ المضيرة عن نبيه إذ قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله . . . إلخ"- والإماء هنا النساء. والأِمة عند محمد وأنصاره "سلعة": تُباع وتُهدى وتغتصب ويتم التخلي عنها إن ثَقُلتْ عليهم ويمكن تقديمها كتعويض في الخلافات ما بين القبائل!
بل هي "نعجة" كما يقول كتاب محمد [أنظر: قرآن محمد: المرأة نعجة!]
رابعاً، استناداً إلى العهد القديم كان عمر إبراهيم 100 عام ورغم ذلك فهو عاجز عن التضحية بحياته من أجل شرف زوجته!
خامساً، واستناد إلى العهد القديم أيضاً: تكوين 17:17 " فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟" فإن عمر سارة في القصة 90 عاماً. فما الذي دفعهم لاختلاق هذه القصة؟ من هذا الملك الذي في حوزته عشرات النساء حتى تخلب عقله امرأة في التسعين من العمر؟ بل أنَّ أخبارها قد وصلته حالما وصل إبراهيم مشارف مصر؟ [طبعاَ فيما بعد ورغم الحبكة السيئة للقصة كان عليها أن تلد!].
وإذا حذفنا هذا الجزء من الأسطورة من العهد القديم فما الذي سيحدث في أسطورة إبراهيم؟ ما هو الشيء الذي سوف تخسره غير السخف؟!
خامساً، إذا كان لليهود فيها مآرب وغايات فلماذا يورط المسلمون أنفسهم في هذه الخرافة؟!
لا أحد يعرف!
ولكن هناك تبرير منطقي وهو حبهم في "البربرة" الكلامية وإلا كيف وصلت أحاديث نبيهم إلى مئات الآلاف!
3.
ولأن المسلمين كما يبدو قد أحسوا بالفضيحة [ومع ذلك لا يكفون عن ترديدها وهذه مازوخية إبراهيمية] فإنهم أخذوا "يلخبطون" ويتخبطون على عادتهم بصناعة التفسيرات والتأويلات والأسباب التي لا يربط فيما بينها رابط.
وكعادتهم "يزوقون" هذا التخبط في البحث عن السبب بالفعل المبني للمجهول "قِيلَ".
ومن أبرز مَنْ حَلَّل "تحليلاً علمياً" وتخبط ولخبط - أيضا بصورة "علمية" هو ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري بشرح صحيح البخاري" فهو يقول:
"واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها أختا كانت أو زوجة فقيل كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج كذا قيل ويحتاج إلى تتمة وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة لكن إن علم أن لها زوجا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به وقيل أراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق والتقرير الذي قررته جاء صريحا عن وهب بن منبه فيما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من طريقه وقيل كان من دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره فلذلك قال هي أختي اعتمادا على ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وأنا زوجها فلم اقتصر على قوله هي أختي وأيضا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا أن يغتصبها نفسها وذكر المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأى الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم هي أختي لأنه إن كان عادلا خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها وإن كان ظالما خلص من القتل وليس هذا ببعيد مما قررته".
اقرأوا هذه الكلام مرة أخرى رجاء!
4.
والخلاصة هي: أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما وذلك لأن اغتصاب الملك لسارة واقع لا محالة لكن إنْ علم أن لها زوجا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره!
وهذا يعني (شئنا أم أبينا) أن "نبيهم" إبراهيم قد كذب – وهو كذب صريح (ولن نتحدث عن كونه مشيناً).
فماذا يفعلون هؤلاء الطرفاء يا تُرى؟
لنر كيف تخلص المسلمون من المأزق [الحق أنني لا أعرف موقف اليهود المعاصرين من هذه القصة].
5.
إذن إبراهيم لم يكتف بالتخلي عن زوجته جبناً فقط بل وكذب وهو أبو الأنبياء والمثال المُصَفَّى!
فما العمل؟
ينبغي شحذ الهمم الفقهية وإيجاد تبريرات لاهوتية لهذا الكذب، واعترف من غير مماحكة ولا سخرية: هم خبراء في فبركة الأسباب والعلل والحكم والمقاصد الشرعية والغايات الإلهية وغيرها من أدوات الفقه الإسلامي.
ولهذا قالوا بأن "أرجح" (وهناك مستويات للراجح والأرجح وغيرها) الأسباب "لفعلة" أبي الأنبياء هو ما ذكره صاحبنا العسقلاني مِنْ أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما وذلك لأن اغتصاب الملك لسارة واقع لا محالة لكن إنْ علم أن لها زوجا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره!
ولهذا فأن ما قاله إبراهيم ليس كذباً، بل من باب التورية أو المعاريض التي تحتمل أكثر من وجه، فهي أخته في الإسلام، كما صرح بذلك في إحدى صيغ حديث رواه شيخ المضيرة المتعلق بهذه الحادثة:
"لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ، اثنتين منهن في ذات الله عز وجل ، قوله : { إني سقيم } ، وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا } ، وبينما هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة ، دخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبّار من الجبابرة ، فقيل : دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء ، فأرسل إليه أن يا إبراهيم ، من هذه التي معك ؟ ، قال: أختي ، ثم رجع إليها فقال : لا تُكذّبي حديثي ؛ فإني أخبرتهم أنك أختي ، والله ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك ".
ولهذا فإن الكذب المحض هنا ليس بمذموم "شرعاً" ولا "طبعاً"، بل هو واجب لأنه إنقاذ لنفس (وأي نفس!) فهذه النفس هي نفس نبي!!!
6.
وهكذا انتهت "المهزلة الإبراهيمية" ولم أستطع ولا أدري إن كنت يوماً سأستطيع أن أفهم الحكمة من رواية هذه القصة المخزية!
ما هو الدرس؟
ما هي العبرة النبوية غير الخيانة؟
من يدري فالمعنى، كما "يُقال" في قلب الشاعر (وسأغض الطرف عن كلمة قلب فهو قطعة من اللحم لا غير")!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق