مقدمة:
إن التعس، بطبيعته السيكولوجية، فاقد للأمل!
وإن فقدان الأمل يطيح بالقيم الروحية للإنسان: إذ يَفْقِدُ العلمُ قيمته بالنسبة له؛ يكره الفن وأية ممارسات جمالية؛ يعجز عن تذوق الموسيقى ويكتفي بعبد الباسط عبد الصمت [أو: الصمد!]؛ يكره الآخرين، وخصوصاً أولئك الذين يختلفون عنه ومعه؛ يفقد الثقة بقدراته العقلية و"يُسَلِّم" نفسه للشيوخ والملالي والدراويش لعلهم يحلون مشاكله؛ يقرأ من الكتب العلمية ما يعتقد أنه يدعم عقيدته المربكة فقط، لكنه يقرأ بشغف كتب من نوع: " وصفات مُجربة لعلاج السحر والعين والمس" و" منهاج المتقين في علاج المس والسحر والعين" و"العلاج بأسماء الله الحسنى حقيقة علمية" وغيرها من منتجات الهراء الرباني.
1.
وإذا ما توفرت لهذا التعس التخرج من الجامعة [والتخرج من الجامعات العربية والإسلامية أسهل من دخول الجامعات الأوربية] فإنه يقرر أن يبذل وقته للدين. فالحياة على الأرض فقدت بالنسبة له معناها وجمالها ولهذا يقرر استبدالها بالآخرة.
2.
من هنا تبدأ آخر مرحلة للسقوط:
يأخذ مقولات الدين ووعوده مأخذ الجد؛ ويبدأ بشهر السلاح ضد المخالفين ويبدأ بإقناع نفسه بأنه صاحب قضية مقدسة وعليه الدفاع عنها.
هنا عليَّ أن أفتح قوساً كبيراً:
[التعساء المسلمون لا يعرفون التضامن مع قضايا الآخرين. فهل عرفتم أو سمعتم عن مسلمين يتضامون مع حقوق الإنسان بالنسبة لأشخاص آخرين وشعوب أخرى؟ هل سمعتم عن مظاهرات في الدول العربية والإسلامية للدفاع عن المضطهدين من شعوب وعقائد دينية أخرى؟ لقد أخذ المسلمون في بداية انتشار الكورونا فيروس بالتشفي من الصينين على اعتبار أن "الله" قد أرسل الفيروس عقاباً على الملحدين. وعندما وصل الفيروس إلى جوامعهم وقبور شيوخهم وأئمتهم الموتى، وعندما أغُلقت "الكعبة" إلى إشعار آخر، حينئذ، وحينئذ فقط ألقموا أفواههم شخصياً بالأحجار].
3.
التعس لا يتقن القراءة!
لأن فعل "القراءة" يعني أن تفهم ما يكتبه الآخر. ولكي تفهم ما يكتبه الآخر (وخصوصاً المختلف عنك) عليك أن تبذل جهداً للتوصل إلى ما يقول.
لكن التعس – المسلم يقرأ بطريقة أخرى:
فهو يبحث في ثنايا ما يكتبه الآخرون عما ينسجم مع ما في رأسه من "حدوتات" محمد. وحالما يفشل في العثور عما ينسجم مع هراء نبيه فإنه يقفز غاضباً ويبدأ بترتيب بضع جمل "مهلهلة"؛ وإذا ما كان قد اكتشف بأنه قادر على نشرها في شبكة ما فإنه يسارع إلى نشر جمله المهلهلة باعتبارها قرآناً!
وعندما يخبرونه بأن جمله المبعثرة مجرد هراء، فأنه يروح يسب ويشتم ويولول ويبسمل ويحوقل مستعيناً بالرسول والأولياء الصالحين والأئمة الأخيار المصطفين والصحابة والتابعين بأن يرسلوا إلى هذا أو ذاك طيراً أبابيل ترميه بحجر من سجيل وهكذا دواليك . . .
4.
إن التعاسة الدينية ليست فكرة يمكن التخلص منها، بل هي حالة مزمنة ملازمة لمن يقرؤون القرآن والأدعية [الشيعة متفننون في تأليف الأدعية السوداوية] المأثورة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة على النبي باستمرار. فهم يكتسبون مزاجاً سوداوياً وعادات غريبة ومتطرفة في اتخاذ المواقف ضد المختلفين معهم على أبسط الأمور. ومن حسن حظ هؤلاء المختلفين أن هؤلاء التعساء المؤمنون لا يحملون "قنابل يدوية"، من جهة، وإنهم بعيدون عنهم من جهة أخرى!
وإلا فأن النتائج ستكون مأساوية!
5.
وفي لحظة ما وفي إطار ظروف مؤاتية تتحول تعاسة المؤمن إلى حقد.
ونتيجة لتراكمات الحقد والسوداوية الدينية فإنه يقعون في براثن مزاج عصابي وتوتر لا يمكن تحمله.
وأول ما يخطر على باله من أعدائه التقليدين هم “الملحدون" [وهو حتى هذه اللحظة لا يفهم ماذا يعني ملحد. الشيء الوحيد الذي يفهمه هو أنهم مذمومون من قبل الشيوخ والملالي].
وأول ما يقوم به هو الدعاء إلى فنائهم. فهو يكتشف بأنهم سبب التعاسة التي يمر بها، وبعد ذلك يكتشف بأنهم لا يحبون "الله" ولا محمد، ولا الأئمة. ولهذا فإنه يقرر أن يجند نفسه كمجاهد عن العقيدة.
وشيئاً فشيئاً يقع في مصيدة مرض "الذهان". ولأنَّ المسلمين يُرجعون جميع الأمراض النفسية إلى وساوس الشيطان فإن صاحبنا يبدأ بقراءة سورة الكرسي بالمقلوب. فهذه الطريقة ناجعة (كما قالوا له) في تحقيق المآرب والأهداف وتُحبط مشاريع أعداء العقيدة [هم المسلمون من الطوائف الإسلامية أيضاً]والملحدين [بشكل خاص] أينما كانوا.
6.
إن صاحبنا التعس والذي هو الآن في قبضة حالات ذهان عميقة يفقد كل ما تعلمه في المدرسة ويبدأ من جديد بحفظ أحاديث محمد - فقد اقتنع، من جملة ما اقتنع من الخرافات، بأن محمداً " أفضل الخلق طراً ، فلا بدّ أن يكون أعلمهم بجميع العلوم والمعارف والفنون .
وهكذا يقع في الفخ ويصدق. ولهذا راح يدرس "الطب النبوي" و"الأحاديث القدسية" والتي يخالط فيها محمد شخصياً الذات الإلهية و"يدرخ" درخاً كل هراءات أبي هريرة و"الشيخين" والبخاري والكركي والكُليني والعاملي وغيرهم الكثير (حسب الانتماء الطائفي).
وفي النهاية يفقد الماضي والحاضر تماماً. أما المستقبل فسيظل بالنسبة له عالقاً بإرادة "الله". فإن عاش ليلته فهو سيبدأ يومه من جديد وإلا فهو في "الجنة" وبأس والمصير!
توضيح:
الذُّهان هو مصطلح في الطب النفسي للحالات العقلية التي يحدث فيها خلل ضمن إحدى مكونات عملية التفكير المنطقي والإدراك الحسي. الأشخاص الذين يعانون من الذهان قد يتعرضون لنوبات هلوسة، وتعلُّق بمعتقدات توهمية (مثلا توهمات ارتيابية)، وقد يتمثلون حالات من تغيير الشخصية مع مظاهر تفكير مفكك. تترافق مع هذه الحالات غالباً انعدام رؤية الطبيعة الاعتيادية لهذه التصرفات وصعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الأشخاص الآخرين وخلل في أداء المهام اليومية. لذلك كثيراً ما توصف هذه الحالات بأنها تدخل في نطاق " فقدان الاتصال مع الواقع ". - ويكيبيديا
x
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق