1.
إن العقائدَ، والعقائد دوغمائية الجوهر مطلقاً، تدفع بوعي أو بغير وعي إلى كلا "البَلادَتَين":
بلادة العقل وبلادة الضمير!
وبلادة العقل وبلادة الضمير تؤديان بدورهما إلى الاستخفاف بحقوق البشر الأساسية؛
وهذا قانونٌ طبيعيٌّ يمكن اختباره دائماً – هنا والآن وفي كل مكان وزمان!
ومن الحقوق الأساسية هو حق المرأة أن تتزوج مَنْ تشاء وحقها في الأمومة – سواء كان هذا بالأمومة الطبيعية (بالولادة) أو بالتبني.
وحين يخرق مجتمع ما هذه الحقوق أو يجعل منها وظيفة للعقائد فإنه يخرق حقوق المجتمع ككل.
والعقيدة والدولة الإسلاميتين، شرعاً وفقهاً وثقافةً، تحجبان عن المرأة هذين الحقين من خلال:
• جَعْلِ المرأة العاقر "التي لا تَلِدُ" امرأة من الدرجة الثانية؛
• تحريم التبني!
2.
أريد أن أروي لكم قصةَ خرافةِ "الرحمة الإلهية!" التي لا ينفك المسلمون من ترديدها وكأنها "السلام الجمهوري أو الملكي"، ولا أظن أن أحداً لا يعرفها. لكنني أجد ضرورة لروايتها من جديد وعلى طريقتي التي أعتقد أنكم قد أعتدتموها - فطريقتي هي جزء من منهجي بالتفكير والتأمل.
وسأسعى إلى روايتها بكل أمانة ودقة مستنداً إلى أوثق المصادر الإسلامية وأكثرها جدارة بتمثيل عقيدة الإسلام: كتاب محمد "القريان" وكتابي الغزالي "تهافت الفلاسفة" و"علوم أحياء الدين".
اخترت الكتابين الأخيرين لكي أشرح طبيعة "العقلِ المُفَكِّر" الذي فيهما ومدى حساسيته للحقوق البشرية: أكرر حساسيته للحقوق البشرسة والألم البشري!
هذان شخصان لا يشكُّ أحدٌ بقدرتهما على التعبير عن عقديتهما وتأثيرهما على "قلوب المؤمنين". فَهُما، على كل حال، ليسا من حُثالات الإنترنت الإسلاميين الذين يدافعون عن عقائد لا يدركون كنهها ويهاجمون نصوصاً لا لسبب إلا لأنهم لم يطلعوا عليها.
إنها قصة مؤلمة مثل عشرات قصص الناس في مملكة الظلام.
3.
من القوانين البنائية للأدب والدراما هو أن تكون ثمة بداية ووسط ونهاية لأية قصة (درامية أو ملحمية). إذ من خلالها تتطور الأحداث وتنمو الشخصيات.
وسواء صدقتم أم لا فإن بداية قصتنا هي محمد (فمنه تبدأ الأشياء وإليه تنهي!):
هي قصة القمع المنظم الإلهي الذي تحول إلى "عقيدة" اعتنقها المسلمون في عصور الظلام المعرفي والأخلاقي من القرن السابع العربي ولا يزال يعتنقها البشر في القرن الحادي والعشرين ومن بينهم أشخاص يعلقون على جدران مكاتبهم الزنخة شهاداتهم الجامعية!
وهذه هي البداية:
"وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)"/سورة الأحزاب.
هذه هي بداية واحدة من أبشع القصص الإسلامية:
بطلها محمد؛
وهي تبدأ من استحواذه على (زينب) زوجة ابنه بالتبني (زيد) وتنصله عن أبوته له بقرار من "ربه" وهذه حماقة ما بعدها حماقة أن يتدخل كيان أسطوري في مساعدة "رسوله" وإيجاد المسوغات الشرعية له ليسلب امرأةَ رجلٍ، الأمر الذي دعا عائشةَ إلى القولَ [أو تَقَوُّلوا عليها – والله أعلم!]: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك!
4.
من هنا تبدأ جذور اثنين من أبشع الجرائم في التاريخ الإسلامي:
تحريم التبني واغتصاب نساء الآخرين بمباركة الرب!
وَلَكِنْ (ويجب أن تكون هذه الكلمة بالخط العريض على طريقة عنوانين الصحف اليومية أيام زمان) ليس هذه نهاية القصة، وإلَّا لكانت ورغم تراجيديتها قصة باهتة ولكانت الآلامُ آلامَ (زيدٍ) وحده ولبقيت محنة (زينب) مع نفسها ولأصبحت مجرد تفصيل من تفصيلات الماضي البعيد الذي لن نعد نراه أو نحس بوجوده.
لا نعلم ما هي معاناة (زيد)!
ولا نعلم حقيقةً كيف استقبل خَبَرَ رغبة محمد في الاستحواذ على امرأته الجميلة (لا كما تنقله لنا الكتب الصفراء)!
كما لا نعلم ما هو رد فعل زينب (لا كما ترويه لنا الكتب الصفراء)، وقد علمت بأنها قد فقدت زوجها الشاب وتحولت إلى مجرد رقم من حريم شيخ مزْوَاج بقرار مصادق عليه من قبل "المشيئة الإلهية" غير قابل لا للشكِّ في مصداقيته، ولا التسويف في تنفيذه!
لا نعلم وما قُدَّرَ لنا أن نعلم. فــ" المشيئة الإلهية" مشيئة لا مكان فيها للعاطفة والانفعال؛ هي مشيئة "العصا السحرية: كن فيكون! وما عدا هذا لا قيمة له!
فللقصة تكملة وللآلام درب يقود إلى حياتنا.
5.
إلا أنَّ نتائج هذه البدايات الغائرة في كيان الزمن الإسلامي، والتي عصفت بها الرياح الرملية وفُقد وجودها وكأنها لم تحدث، مازالت بادية للعيان على وجود النساء، اللواتي أصبحن جَوارٍ في مملكة الظلام المعاصرة.
فبعد أن حدثت البدايات الأولى وتلاشت مع تلاشي أولى الشخصيات (محمدٍ وزيدٍ وزينبَ) فإن على مسرح القصة تظهر آلام جديدة، نتائج طبيعية لتلك البدايات، هي "مسببات" لذلك السبب. وحتى حين يرفض "عباقرة" الإسلام مبدأ السبب والنتيجة، كما سنرى بعد قليل مع الشخصية الجديدة التي اخترناها، فإن الخلاصة في حالتنا ستكون واحدة: الله ومحمد هما "سبب الأسباب" في مآسي قصتنا.
أما ما يتعلق بالشخصيات التي ستواصل القصة، فإنه سيظهرُ أشخاص جدد، ولاعبون أكثر حيوية، وأكثر ابتكاراً ومهارةً يمضون قدماً في تطوير الحدث الأساسي، واذا ما استعرنا لغة الدراما - "الفعل المتغلغل"، فإنهم سيواصلون هذا الفعل حتى لحظة الانفجار. وبسبب كثرة هذه الشخصيات وتنوعها فإن القصة ستفقد خصائصها الأدبية وتتشتت الأحداث وسيفقد القارئ اهتمامه وتمتعه بأحداثها. ولهذا تطلب الأمر أن نختار ممثلاً أميناً ومعبراً عن جميع هذه الشخصيات، يحل محلها ويقوم بعملها على أتم وجه وأحسن تنفيذ. وَمَنْ تكون هذه الشخصية غير أبي حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري (الله أكبر)؟!
فهو أشهر من نار على علم:
حُجَةُ الإسلام الذي أخرج الفلاسفة من ملكوت الإسلام بعد أن أصبح الشعراء بفضل محمد يتبعهم الغاوون!
الحق أقول، وأنا ابن القرن العشرين، وها أنا أتنفس معارف وهواء القرن الحادي والعشرين، لا يستطيع عقلي أن يستوعب سفاسف هذا "الحُجَّة" الذي ولد بعد أكثر من 14 قرناً من عصر الفلاسفة اليونانيين، غير أنه نسخة مهلهلة وكئيبة ومزرية مقارنة بأكثر المفكرين الإغريق سطحية وتهافت.
كيف يمكن لمثل هذا " الحُجَّة "، والذي يتهم الفلاسفة بالتهافت، أن يفكر كما فكر وأن يصدَّق الناس بأنه حِجَّة!
6.
وحتى نعرف مكانة هذا " الحُجَّة " في التطور المأساوي للقصة وكيف تحولت مؤامرة محمد في الاستحواذ على زينب إلى عقيدة معادية للمرأة والأمومة لنسمع صخب تفكير هذا الحِجَّة:
وهذا ما كتبه في "تهافت الفلاسفة":
للتدليل على رفضه لعلاقة السبب والمُسَّبب يقول:
"فليس من الضرورة وجود أحدهما، وجود الآخر، ولا ضرورة عدم أحدهما، عدم الآخر، مثل الري والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وحز الرقبة، والشفاء وشرب الدواء"[239] وغيرها من المشاهدات!
لماذا؟
لأنَّ" اقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه [. ..]، بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة، مع جز الرقبة، وهلم جرا إلى جميع المقترنات.
وأنكر الفلاسفة إمكانه، وأدعوا استحالته.
فلنعين مثالاً واحداً، وهو الاحتراق في القطن مثلاً، عند ملاقاة النار، فإنا نجوز وقوع الملاقاة بينهما دون الاحتراق، ونجوز حدوث انقلاب القطن، رماداً محترقاً، دون ملاقاة النار وهم ينكرون جوازه"!
ثم يقول مُدَلِّلاً على كلامه، وسأقتبس جزءاً صغيراً واضحاً وجلياً:
"أن يدعى الخصم، إن فاعل الاحتراق، هو النار فقط، وهو فاعل بالطبع لا بالاختيار، فلا يمكنه الكف عما هو في طبعه، بعد ملاقاته لمحل قابل له.
وهذا مما ننكره، بل نقول: فاعل الاحتراق، يخلق السواد في القطن، والتفرق في أجزائه، وجعله حُراقأ، أو رماداً هو الله تعالى، إما بوساطة الملائكة، أو بغير وساطة، فأما النار وهي جماد، فلا فعل لها.
فما الدليل على أنها الفاعل؟! وليس لهم دليل، إلا مشاهدة حصول الاحتراق منذ ملاقات النار، والمشاهدة تدل على الحصول عندها، ولا تدل على الحصول بها، وأنه لا علة له سواها" [ص240]
[تهافت الفلاسفة، دار المعارف – مصر 1966]
هذا هو حُجَّة الإسلام - هذا هو العقل الذي سيتلقف فكر محمد ويمضي قدماً بارتكاب الجرائم الإنسانية بحق النساء. ها هو مفكرنا مغلق أمام الحقائق. فما عساه أن يفعل أمام الألم البشري وغياب الحب ووطأة الوحدة؟
إنها بلا شك من فعل فاعل هو الله، ولأنها من فعل الله، فإنها حق وأمر مقبول، هي "من تقدير الله سبحانه" ولا سبب أرضياً يحكم وجودها. ولأنها "تقديرٌ" فلا اعتراض لنا عليها، ولا تذمر منا لوجودها!
وهو "موديل" نستطيع التعرف عليه ورؤيته في آلاف الفقهاء وأنصاف الفقهاء اليوم، في آلاف المثقفين وأنصاف المثقفين الذين فقدوا القدرة على الشعور بالحاجة إلى الحرية.
ولكي نواصل القصة التي بدأها محمد باغتصابه زينبَ والتنصل عن أبوته لزيد وتحريمه للتبني سنمر من جديد على حجة الإسلام وكتابه " إحياء علوم الدين".
للقصة بقية . . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق