منع

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [5]: هل كان عليٌّ بن أبي طالب شيعيَّاً؟!


تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائن الفولكلور الشيعيف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
ليس في العنوان أية لعبة لغوية، بل هو سؤال موضوعي يطرحه الواقع التاريخي (واستناداً إلى ما تزعمه المصادر الإسلامية) الذي يؤرخ ظهور الشيعة.
وهو لا يبدو مفارقة إلا على خلفية الأدب اللاهوتي الشيعي الذي قرر أن يحول الخرافات إلى عقائد والأساطير إلى تاريخ.
2.
لقد اتفقت جل المصادر العربية والأجنبية على أن مفهوم "الشيعة" لا يعني غير معنى "الحزب". إذ "بمقتل عثمان انقسم الإسلام إلى حزبين: حزب عليٍّ، وحزب معاوية. والحزب يُطلق عليه في العربية أيضاً "الشيعة"، فكانت شيعة علي في مقابل شيعة معاوية. لكن لما تولي معاوية الملك في دولة الإسلام كلها ولم يعد مجرد رئيس حزب، أصبح استعمال اللفظ "شيعة" مقصوراً على أتباع علي" [أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام، فلهوزن، القاهرة 1948، ص 171]
إذاً هو مفهوم سياسي يصور لنا موقف هذا الجماعة الإسلامية (الحزب) من قضية الخلافة ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن تأييد علي بن أبي طالب لسبب اصطفاء إلهي. أقول هذا ولا أعني بأن العائلة العلوية لا تطالب بالخلافة (كما طالب بها الآخرون) وإنما كانت مطالب العائلة العلوية بالخلافة (وهذا ما تكشف عنه المصادر التاريخية) يعود إلى شعورها بالتميز بسبب أواصر القربى والدم بمحمد.
وإن ما يدعم هذا التحليل هو إن هذه "الجماعة" ونتيجة لما حدث فيما بعد انشقت على نفسها وتفرقت إلى عدد كبير من الفرق وتَسَمَّى المنشقون بأسماء مختلفة. ومن أولى هذه الفرق هي "الخوارج" الذين لم يخرجوا بصورة صريحة وحاسمة على قيادة عليٍّ بعد قضية التحكيم فحسب، وإنما تحول موقفهم إلى عداوة انتهت إلى الحرب.
فقد انقسمت الشيعة إلى أصناف، وانقسم كل صنف إلى فرق لا عد لها ولا حصر حتى تشكلت عشرات الفرق المختلفة والمتناقضة في موقفها من خلافة علي من جهة وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان من جهة أخرى [أنظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين].
4.
ورغم هذه الوقائع التاريخية فإنه ما من طائفة شيعية، وهذه واحدة من الخصائص الملازمة لها، تحصر نشأتها في الحقبة التاريخية التي نشأت فيها وهي في نفس الوقت ترفض الشروط التاريخية لهذه النشأة. فهي، كما يقول فؤاد الخوري تعيد تكوين مجتمعها الديني إلى أبعد من ذلك بكثير، تعيده إلى جذور "إلوهية" هي من صلب التعاليم السماوية. وهنا يكمن الفرق بين تصور الطوائف لذاتيتها الدينية والتي تشدد على الجذور الألوهية لنشأتها وتصور الآخرين لها باعتبارها ظاهرة تاريخية سياسية [إمامة الشهيد وإمامة البطل، بيروت 1989]
5.
وهكذا يتضح بأن موقف "الحزب" العلوي من إمامة علي بن أبي طالب هو موقف سياسي يعتقد بأهلية علي بن أبي طالب وكفاءته مقارنة بالخلفاء الآخرين.
وهذا ما يعبر عنه عليٌّ نفسه (وحسب ما تقول المصادر الشيعية) في أكثر من مناسبة. فهو لم يطرح أية "أيديولوجيا" دينية لتسويغ خلافته. لأن الأمر لو كان كذلك لكان موقفه من خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مختلفة طالما كانت خلافته "رسالة إلهية" منصوص عليها ف كتاب محمد ولا يحق له التنصل منها.
يقول عليٌّ في "خطبة" له:
"والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك، واستخلف عمر، وقد علم والله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي.
ثم إن عمر هلك، وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الأقل، وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله". [الأمالي، الشيخ المفيد، قم 1403هـ، ص 154][*]
أي إنه لم يفعل شيئاً غير الموافقة والتسليم بما حدث كاظماً "غيظه" ولا شيء آخر. فكيف حدث، وهو المؤمن الذي لا يعصى أمر الله، أن سكت على معصية أمر الله ورسوله؟
وهو في "خطبة" أخرى وعندما بلغه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة، قال في خطبة له:
"نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم منا، وولوه غيرنا ، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا"[المصدر السابق: ص 155]
فهو هنا لا يدعي غير أنه من "أهل البيت" وهذا الانتماء هو الذي يمنحه حق السلطان الذي "انتزعه منهم" المنافقون و"ولوه" غيرهم. وليس في هذا الكلام ما يوحي بوجود أية عقيدة دينية.
6.
وكالعادة ثمة حواجز شاهقة تمنعني من تصديق عقائد المسلمين وأخذها مأخذ الجد. فهم عاجزون عن تقديم تصور منسجم والشيعة مثال على ذلك.
فكما هو واضح بجلاء أن علياً لم يدَّع بأنَّ خلافته "لطف" من الله نُصَّ عليها بوصية لمحمد وضمنها كتابه بآيات وعَبَّر عنها بأحاديث وهو "باب العلم" في "مدينة محمد" الربانية!
ولنخطُ خطوة إلى الأمام:
في حرب علي مع معاوية في "صفين" خرج عليه جماعة كبيرة (12 ألفاً) من أخلص "شيعته". وكان خروجهم عليه (وأعني الخوارج) لا لأنه فرَّط بالوصية الربانية ومخالفته لإرادة ربانية بل لأنه وافق على التحكيم فتخلى بذلك عن الخلافة التي بُويع بها خاضعاً إياها للشك.
وإنَّ ما نراه من غير تأويل هو أن علياً، وبكلمات فلهوزن، "إنْ طوعاً وإن كرهاً – قد عقد ميثاقاً مع الشيطان (أعني مع معاوية) ولم يشأ نقض هذا الميثاق. لقد تخلى عن الحق الإلهي، حق الجهاد ضد عثمان ومعاوية، من أن يصون ميثاقاً مع بني الإنسان، ميثاقاً يقضي على ذلك الحق الإلهي. ولهذا ساخت الأرض تحت قدميه وقضى على الخلافة" [يوليوس فلهوزن ص 28].
وبعد أن انتهت "مهزلة التحكيم" قرر عليٌّ استئناف القتال مع معاوية فدعا الخوارج للانضمام إليه لكنهم لم يستجيبوا لدعوته وطالبوه بأن يشهد على نفسه بالكفر ويستقبل التوبة. وقد كان هذا الموقف يعبر عن تصورهم لاستجابته مرغماً لقبول التحكيم في صفين [أنظر: تارِيخ الدَّوْلةُ العرَبيَّة: مِنْ ظُهُور الإِسلاَم إِلى نِهايَةِ الدّولةِ الأمَويَّة، فلهوزن، القاهرة 1968]
7.
وها نحن نصل إلى الخطوة الحاسمة: تصورات عليٍّ عن نفسه في أثناء حربه مع معاوية.
استناداً إلى خطبه وكتبه إلى معاوية الواردة في [نهج البلاغة، علي بن أبي طالب، 2004] فإننا لا نجد فيها ما يكشف صراحة أو بالإيحاء بأن له مكانة متميزة عن الخلفاء أو أن يكون "إماماً" موصى به من العناية الإلهية.
من كتاب إلى معاوية نقرأ ما يلي:
"إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا الغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على ابتعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى"[نهج البلاغة، ص 367].
فهو لا يستند في حقه على شيء آخر غير المبايعة فقد "بايعه" القوم كما بايع أبا بكر وعمر وعثمان وليس ثمة شرط للخضوع لأمره غير تقواه وأن خرج عن أمرهم قاتلوه.
بل نراه في (كتاب إلى أهل الأمصار) ومن غير لبس ولا تأويل يساوي نفسه بجيش معاوية في التقوى والانتماء الديني ويرى بأنهم (هو وجيش معاوية الذي يحارب ضده) ولا خلاف فيما بينهم إلا دم عثمان:
"وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا: الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء!" [نهج البلاغة: ص448]
8.
ومن يتصفح كتاب "نهج البلاغة" (سواء كان لعلي بن أبي طالب أم منتحلاً) فإنه لن يجد أي أثر للعقيدة الشيعية عن "الإمام المعصوم" أو "أن الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن تعريف الشيعة الذي يطالعنا به الشهرستاني باعتبارهم الجماعة التي شايعت علياً على الخصوص "وقالو بإمامته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة " [الملل والنحل، الشهرستاني، 1968، ص 146] لا يصف إلا ما وصلت إليه الشيعة في زمانه. إذ أن جل العقائد الشيعية قد ظهرت في مرحلة متأخرة جداً من حياة علي ونتيجة لأسباب وأحداث وشروط سياسية مختلفة خلقت تصورات مزيفة عن الماضي تحولت بدورها إلى حقائق كما سنتطرق إليه في الحلقات القادمة.
فهل ثمة ما يسوغ فكرة أن علياً كان يوماً "شيعياً" بالمعنى الذي يكشف عنه الأدب الشيعي المعاصر - أي أنه يدرك تميزه الذي يستند إلى "وحي" وإنَّ شخصيته الموجودة في هذه الأدب تَمُتُّ بصلة إلى علي بن أبي طالب التاريخي؟
[*] تقول ويكي شيعة عن كتاب الأمالي:
"الأمالي كتاب باللغة العربية لكاتبه الشيخ المفيد (المتوفي 413 هـ)، الذي يشتمل على روايات أخلاقية واعتقادية وتاريخ الإسلام".

للموضوع بقية ...



الفرضيات الزائفة [1]: ثقافة "التواتر" الإسلامية!

 [أوهام بصرية]

1.
أنا أعرف مثلما يعرف الكثير من الملحدين بأن مناقشة مسلم حول عقائده الغيبية مهمة فاشلة لا جدوى من وراءها.
فالعقل الغيبي والإيمان التسليمي بما قاله “آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" كما يقول أحد مسلمي المنتديات لا يمكن أن يخضع للمحاججة. فالمحاججة العقلية تفترض نوعاً من الشك وتأمل الآراء المخالفة وإعادة المرء النظر بما يقوله هو نفسه وبمعلوماته.
أما التكرار الملل والساذج لفكرة "التواتر" هو نوع من الإيمان الذي لا يمكن أن يخضع لأي نوع من النقاش.
ومع ذلك فهذه واحدة من المحاولات لقول ما ينبغي التفكير به وفيه في آن واحد.
2.
إن قضية "التواتر" لهي قضية مضحكة لا يؤمن بها أحد آخر غير المسلمين.
فهي عن حق صناعة إسلامية. فهذه هي "البضاعة" المتوفرة بسبب غياب الأدلة النصية والتاريخية. فالتواتر الشفهي لا يختلف عن تواتر "حكايات آلف ليلة وليلة" مع الفارق هو أن "الحكايات" نص مكتوب رغم اختلاف الصيغ. بل أن خرافة "التواتر" دليل على غياب الأدلة. أما ما يتعلق بالقراءات (العشرة والاثنتي عشر و ...) فهي عملياً تنسف خرافة التواتر من الداخل المتعلق بكتاب محمد.
3.
إن أية فرضية علمية (وليست زائفة) تفترض قابلية التكذيب (كار بوبر). وقد كتبتُ بهذا الصدد أكثر من مرة وأنا مضطر لتكراره.
إذ لا يكفي أن تتوفر إمكانية وجود ما يمكن أن يصلح للبرهنة على صحة "فرضية" ما من وجهة نظر صاحب الفرضية (والذي يعتقد بأنه الوحيد الموجود الذي على الأرض!) وإنما ضرورة توفر إمكانية لدحض هذه الفرضية من قبل أشخاص آخرين – من قبل مراقبين حياديين. وإذا غابت هذه الإمكانية فإن الفرضية ليست علمية. فلعبة أن “آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" هي لعبة كلامية لا يمكن البرهنة لا على صحتها ولا على زيفها - ولهذا فهي مزيفة!
وإنَّ لهذا الاشتراط قيمة هائلة في مجال البحوث الإنسانية. ومطلب القابلية للتكذيب من أهم المبادئ التي تقوض الدراسات الدينية من حيث الأساس لأنها تستند في عملية الاستدلال إلى اقتباس وحيد الجانب على ما "يبرهن" و"يدعم" و"يؤكد" الفرضية المطروحة (عبر التداول الشفهي) وتجاهل رهيب لكل الاعتراضات الممكنة والأدلة المناقضة والحقائق التاريخية للفرضية المعنية.
إذن، القضية التي لا تتوفر فيها القابلية للتكذيب هي قضية ليست علمية – هي قضية زائفة.
و"التواتر" قضية زائفة.
4.
لماذا؟
لأن "التواتر" هو تكرار لما قاله السابقون بصورة تسليمية وهو يستند إلى الإيمان – والأيمان العقائدي التسليمي لا يقبل أي شيء يعارض العقيدة. وهذا هو منطق "آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق" الذين يفخر بهم المسلم:
"الإيمان" بصحة ما قاله السابقون (وخصوصاً من القرون الثلاثة الأولى) والتسليم به على علاته وبمرور الوقت يتحول إلى عقيدة والعقيدة تتمظهر أمام المؤمن وكأنها حقيقة تاريخية.
فذات "التواتر" هذا، وعلى سيب المثال من مئات الأمثلة، يقبل بأن اللغة "توقيف" من الله وليس مواضعات يتفق عليها البشر. وإن عمليات تشكل اللغة كانت تجري أمام أعينهم لكنهم عجزوا عن رؤيتها أو قبولها لا لسبب إلا لأن فلان أو علتان قد قال بأن اللغة "توقيف" من الله!
فهل ثمة أسخف من اعتقاد "التوقيف
الجواب: لا، لكنه متواتر!
5.
ولو صحت خرافة التواتر فإن المئات من الأخطاء اللغوية (الإملائية والنحوية والأسلوبية ولن أتحدث عن العلمية والتاريخية) في نص "قرآن محمد" تثبت أن الأمر يتعلق بتواتر قوم لم يكونوا يدركوا قواعد اللغة التي يستخدمونها في عملية النقل الشفاهي. وإن مضمون "مادة التواتر" هو تراكم دام أكثر من قرن ومن مصادر مختلفة يهودية ومسيحية وزرادشتية وغيرها. وهذا ما تعكسه مئات الكلمات الأجنبية المعترف بوجودها والتي لا علاقة لها باللغة العربية.
بل أن القبول التسليمي بما قاله الأولون أدى إلى قبول ما لا يقبله العقل والمنطق والمعارف التي في حوزة " آلاف الإخباريين والمحدثين والفقهاء والقراء المتفرقين في الآفاق " أنفسهم: وأعني الأخطاء الإملائية والنحوية في "قرآن" محمد!
ومن بين عشرات الأخطاء الإملائية والنحوية ثمة مثالان صارخان فاقعان ويفقآن عيني القارئ وهما:
كلمة "لَأَأْذْبَحَنَّهُ" في سورة النمل/آية 21 وكلمة "بِأييْدٍ" في سورة الذاريات: الآية 47 (ترد هذه الأخطاء في جميع نسخ القرآن التي بحوزتي ومن ضمنها: أحدى طبعات "مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد") .
واعترف صادقاً بأن أخطاءً من هذا النوع طبيعية الحدوث تماماً في زمن لم يتم إتقان الكتابة والخط بعدُ (ولن أناقش الآن قضية صحة مصادر القرآن). ومن أكثر الأمور طبيعية أن يتم تصحيح مثل هذه الأخطاء. لكن "عقيدة التواتر" الغيبية تُحَجِّر العقل واليدين على حد سواء!
ويمكن المضي إلى أبعد من ذلك. فالقبول التسليمي بما قاله الأولون (وهو أساس "التواتر" و"الإجماع") أدى إلى قبول عشرات "الأحاديث" من نوع " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمر فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا "! وهو كلام سخيف ساذج مسيء للعقل الإنساني. ولكن وبسبب التواتر تحول عند المسلمين إلى عقيدة صادقة لا تقبل النقاش!
6.
لكن مهزلة "التواتر" لها وجه آخر:
على أي نوع من المصادر يستند "التواتر" الذي تحول إلى عقيدة؟
الجواب كارثي حقاً:
إنه يستند إلى "شهادة" واحدة من أكثر الشخصيات الإسلامية ابتذالاً من أمثال: أبي هريرة!
وأبو هريرة هذا (أعني شيخ المضيرة) الذي تقول عنه السيرة المتواترة ذاتها (وليس سيرة أخرى) بأن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة بالدرة ومنعه من "قول الحديث والكذب على الرسول" وطرده من المدينة ولم يعد إليها إلا بعد موت عمر. (وهناك من يشير إلى أن ذات الشيء حدث في فترة عثمان).
إذن هذا واحد من أصول "التواتر"!
أبو هريرة!
7.
غير أن أبا هريرة تفصيل واحد من تفاصيل أصول "التواتر".
الكارثة الإسلامية هي البخاري و"صحيحه"!
لقد صدرت كتب كثيرة لكتَّاب مسلمين تتحدث عن كارثة البخاري وأبي هريرة من بينها:
جناية قبيلة حَدَّثنا لجمال البنا
جناية البخاري – إنقاذ الدين من إمام المحدثين لزكريا أوزون
أبو هريرة وأحاديثه في الميزان لنور الدين أبو لحية
أكْثَرَ أبو هريرة لمصطفى أبو هندي
أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية
لكن الكتاب الذي حظي "باهتمام" السلطة اللاهوتية الإسلامية في المغرب أكثر من غيره وأدى هذا "الاهتمام" إلى منعه هناك بقرار من المحكمة هو كتاب: "صحيح البخاري - نهاية أسطورة" للكاتب المسلم رشيد أيلال.
يقول الكاتب في مقدمته (أما الكتاب فعلى المسلمين قراءته):
"ومن الكتب التراثية التي لقيت انتقاداً كبيراً منذ تأليفها كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (ص) وسننه وأيامه الشهير بالجامع الصحيح أو صحيح البخاري، حيث أنجزت العديد من الدراسات والبحوث والتحقيقات التي تناولته بالانتقاد، لإبراز الأحاديث الواردة فيه، سيما الأحاديث المناقضة للعقل والعلم والقرآن، والأحاديث المنحولة والمأخوذة من الإسرائيليات".
إذن هذا الكتاب المناقض للعقل والعلم (ولا يهمني مناقضته لقرآن محمد) تحول إلى "قرآن ثانٍ". فَقَدْ آمنَ المسلمون (والسُّنة بشكل خاص) بالبخاري وقد اعتبروه "أمير المؤمنين في الحديث" وإن الإساءة إليه بمثابة الإساءة للدين. بل أن كتبه وهذه واحدة من معجزات "صحيحه" اكتسبت قدرات لا يحملها غير القرآن:
"إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فُرجت، ولا رُكِب به مَرْكَبٌ فغرقت"
"وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان، إذا ألم بالبلد نازلة مهمة، فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة . . .إلخ"
[قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، 2004 بيروت، ص 455]
هذا هو الأساس الذي يستند إليه "التواتر" الإسلامي – الفرضية الزائفة.
أنظر للمزيد:
8.
فهل هذا كل شيء؟
الشيعة (وهم الطائفة الثانية بعد السنة – من حيث الأهمية والحجم رغم أن هذا سوف يزعج الشيعة!) ترفض رفضاً قاطعاً جزءاً كبيراً من هذا "التواتر" السني، بل هي ترفض الكثير من أصول التواتر وعلى سبيل المثال كل ما قاله أبو هريرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشيعة اختلقت "تواترها!" الخاص بها الذي يتناقض جملة وتفصيلاً مع "تواتر!" السنة في الكثير من القضايا كالإمامة والخلافة وهي تعتبر كامل "تواتر!" التاريخ السني بما يتعلق بالخلافة اغتصاباً للسلطة.
9.
ولنتحدث عن "قرآن" محمد “المصون من التحريف والتلف".
إذا كان "تواترهم" بكل هذه المصداقية والعظمة لماذا يوجد:
مصحف فاطمة ومصحف علي بن أبي طالب ومصحف أم سلمة ومصحف أبي بن كعب ومصحف ابن عباس ومصحف عائشة ومصحف عبد الله بن مسعود و.. و .. و .. و
هل يمزح هؤلاء البشر؟
أين هو التواتر والأمر يتعلق بقدس أقداسهم؟
وكيف حدث أن قام "داجن" بأكل آيات من هذا "القرآن" في غرفة عائشة؟
وكيف يحتاج هذا الكتاب المكتوب في اللوح المحفوظ إلى شهادة اثنين لكي يتم قبول أية آية من الآيات كما تقول الحكاية الإسلامية حول جمعه من قبل عثمان؟
وهل شهادة اثنين كافية لمصداقية الآية المعنية - طالما يتعلق الأمر بشهود؟
وماذا عن الآيات التي لم يدع بها غير شاهد واحد؟ والآيات التي أكلها الداجن؟
10.
وأخير وليس آخر:
هذا هو تواتر المسلمين المقدس الذي يستند إلى الرغائب وغياب الحقائق والأدلة.
فلماذا لا يبحث المسلمون عن وسيلة دفاعية أخرى عن عقيدتهم بسبب فشلهم في إثبات صحة تاريخهم – إن كانت له صحة؟!



سوء تفاهم!


[البراق: هذا هو التاريخ الإسلامي]
1.
من الصعب على المسلم أن يقبل النقد الموجه إلى تاريخه حتى لو كان من مسلم!
أمَّا أن يقوم ملحد بهذا النقد فإنه بالنسبة للمسلمين بمنزلة خرقاً لـ"قدس الأقداس"! ولهذا فإن المسلمين وكمحاولة لتشويه نقد الملحدين يصنعون ادعاء مضحكاً من قبيل: إن الملحدين يشككون في التاريخ الإسلامي!
2.
سوء تفاهم:
إن مثل هذا الادعاء فيه الكثير "من المبالغة!".
الحق أنه سوء تفاهم:
الملحدون لا يشككون في التاريخ الإسلامي مطلقاً. فهذه "شبهة مغرضة" كما يحلو للمسلمين القول على آراء من يخالفهم.
الحقيقة هي شيء آخر تماماً:
الملحدون الحقيقيون لا "يشككون" بل إنهم يرفضون جملة وتفصيلاً التاريخ الأدبي اللاهوتي – أياً كان هذا التاريخ.
3.

والسبب واضح جداً:
فـ"التاريخ" الرسمي اللاهوتي للإسلام صناعة لاهوتية فقهية - إنه سيرة أدبية. ولهذا لا يستقيم مع أي نقد علمي. فالخرافات والأساطير التي تستحوذ على هذا "التاريخ" تجعل من الصعب حتى قبول الحقائق الصغيرة التي يمكن وجودها في بحر الخرافات.
ولهذا وللمرة الثانية وبوضوح مُؤْلِم:
الملحد لايشكك في "التاريخ" الإسلامي اللاهوتي بل يرفضه.


ملاحظة هامة:
لقد تجمعت لدينا الكثير من المعلومات عن التاريخ الواقعي للإسلام. ولكن لم تتم بعدُ كتابة هذا التاريخ.
لكن المسلمين غير مؤهلين موضوعياً ومنطقياً في المشاركة في كتابة هذا التاريخ لأنه ليس من مصلحة اللاهوت الإسلامي ومراكز السلطات الإسلامية السنية والشيعية.
إنَّ التاريخ الواقعي للإسلام سوف يطيح بالسيرة الأدبية الرسمية الإسلامية. فهي سيرة للخرافات والأساطير المختلقة والشخصيات المفبركة والأحداث المصطنعة.
فهل ثمة حقيقة يمكن العثور عليها في أطنان مجلدات السيرة الأدبية الرسمية الإسلامية؟
- الجواب: نعم.
وما هي هذه الحقيقة؟
- الجواب: هذا ما ينبغي التحقق منه عند كتابة التاريخ الواقعي.





الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [4]: بداية أساطير عقيدة الإمامة

[من الفولكلور الشيعي]

تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
- المصدر الأسطوري للعقيدة.
- السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
- الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".

1.
المطلع على "الأدب" اللاهوتي الشيعي من غير استثناء لابد وأن يخرج بخلاصة لابد منها وهي أن منطق الكتابة بتأثير رجعي. إذ أنَّ كلَّ الأدب الشيعي قد ظهر في مراحل متأخرة جداً من مرحلة ظهور العقائد الشيعية. ولهذا فإن العودة إلى المراحل الأولى لظهور العقائد والطوائف الشيعية يكشف عن الطابع التلفيقي للتصورات والأحداث والشخصيات على حد سواء التي تمت صياغتها فيما بعد.
ولهذا فإن تاريخ النصوص الشيعية، وهذه مفارقة مدهشة، هو تاريخ الوضع اللاهوتي والأوهام والخرافات والأساطير الدينية التي تؤرخ قبل كل شيء تصورات الشيعية عن التاريخ وليس التاريخ نفسه.
إن هذا المنطلق هام بصورة حاسمة لرؤية الكتابات الشيعية على حقيقتها.
فالتاريخ (والتاريخ الشيعي بالذات) لم يذكر لنا وعن طريق صحيح، على حد تعبير أحمد أمين في "فجر الإسلام"، "أن علياً ذكر نصاً من آية أو حديثاً يفيد أن رسول الله عينه للخلافة، ولو كان لديه نص وذكره لما بقي الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه؛ بل ما بين أيدينا من تاريخ يدل على أن علياً بايع أبا بكر، وإن بعد تلكؤ، كما بايع عمر وعثمان من بعده، كل ما صح عن علي أنه كان يرى أنه كان أولى بالأمر منهم" [فجر الإسلام ص 287]
إن تاريخ "الأدلة" على إمامة عليِّ هو تاريخ أدبي أسطوري شيعي استلت مادته من الرغائب والعقائد الإيمانية الغنوصية. وإن هذه الأدلة، في أحسن الأحوال، لا تتعدى "قِيل" عن فلان و"قال" فلان عن فلان، وهي في أسوء الأحوال ادعاءات تقريرية لا تسعى حتى إلى إعطاء أبسط الأدلة على مصداقيتها.
2.
يقول محمد رضا المظفر:
نعتقد: أنّ الإمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده". [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر].
إن هذه الفكرة تتكرر في كتب الشيعة كفكرة لازمة ومهيمنة leitmotiv على كامل الأدب الشيعي (جميع الفرق الشيعية)، وقد تحولت هي الأخرى إلى عقيدة راسخة لا تقبل النقاش.
وفي كتاب آخر يقول الكاتب نفسه:
"المقام السابع في لزوم الإمامة: وقد عرفت أن الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشيعة هي كالنبوة لطف ورحمة، كذلك الإمامة فإذا ظهر كونها لطفاً، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى.
[...] أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحمته المطلقة".
[بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، ج2]:
3.
هنا يمكن أن نرى الطابع الديماغوجي والانتقائي للتفكير اللاهوتي الشيعي والحرية المطلقة في تقرير قضايا عقدية وكأن الأمر يتعلق بترتيب مكعبات ملونة يصنع منها الطفل أشكالاً مختلفة بصورة لا واعية اعتباطية! بل هنا يتضح الطابع التلفيقي للتصورات اللاهوتية.
فالإمامة هي كالنبوّة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى. ولأنَّ النص الذي جاء من "الله تعالى" وهو ما يسمى "تثبيت الوصية" (ليس ثمة أثر في كتاب محمد ذاته أي شي من هذا القبيل) ليس شيئاً غير أسطورة من بين الأساطير الشيعية، وإنَّ “لسان الرسول" قضية مشكوك فيها أيضاً. لأن الأحاديث الشيعية لا تقل اعتباطية وأثارة للشك من أحاديث السنة (فلكل منهم أبو هريرته!). ولهذا فقد تم إضافة "لسان الإمام المنصوب بالنص" إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده. ورغم ذلك فأن "لسان الإمام" وكما سنرى فيما بعد هو الآخر أسطورة من الأساطير (فإذا كان ثمة نص مسبق والإمامة كالنبوة لطف من الله فلماذا يجب على كل إمام أن ينص على إمامة التالي؟).
ولأن لا "نص" من الله ولا " نصَّ " من رسوله ولا "نصَّ" من الإمام (أين هو؟!) فهل ثمة مشروعية من نوع ما لهذا النوع من العقائد؟
لنواصل "الحدوتة" وكأن لا وجود لمثل هذه الشكوك!
4.
وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار!
إذن، لا نص في كتاب محمد يشير فيها إلى "الوصية" الإلهية بإمامة علي.
فهل هذا عائق أمام اللاهوت الشيعي؟
لا شك أن هذا سؤال خطابي يحمل في ذاته الإجابة.
فالثقافة الأسطورية الدينية لها مصادرها التي لا تنضب وإن "خلق" النص لهي قضية شكلية وهذا ما يميز جميع الفرق الشيعية في الماضي والحاضر. فإن غاب النص الحقيقي فإن الأسطورة لا تغيب (لا علاقة لهذا الموضوع بفكرة "إذا غاب القط حضر الفأر!).
وهكذا ظهرت أسطورة "الوصية" التي نقلتها الكتب الشيعية الرسمية مثل "الكافي" للكليني.
لكنني أفضل العودة إلى نص أكثر تفصيلية لهذه الأسطورة وهو كتاب "إثبات الوصية" للمؤرخ البغدادي المسعودي:
"فلما قرب أمره أنزل اللّه جل وعلا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزلَ به جبرئيل مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول اللّه مر من عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة ويشهدنا عليه. فأمر رسول اللّه من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين. فقال جبرئيل يا رسول اللّه إن اللّه يقرأ عليك السلام ويقول لك هذا كتاب بما كنت عهدت وشرطت عليك وأشهدت عليك ملائكتي وكفى بي شهيدا. فارتعدتْ مفاصل سيّدنا محمّد فقال هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، صدق اللّه هات الكتاب. فدفعه إليه فدفعه من يده الى علي وأمره بقراءته وقال هذا عهد ربي إليّ وأمانته، وقد بلغت وأديت. فقال أمير المؤمنين وأنا اشهد لك بأبي أنت وأمي بالتبليغ والنصيحة والصدق على ما قلت، ويشهد لك سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال له النبيّ أخذت وصيتي وقبلتها مني وضمنت للّه تبارك وتعالى ولي الوفاء بها قال نعم عليّ ضمانها وعلى اللّه عز وجل عوني.[...] فأشهد رسول اللّه جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين على أمير المؤمنين ثم دعا رسول اللّه فاطمة والحسن والحسين فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين وشرح لهم ما شرحه له فقالوا مثل قوله وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار ودفعت الى أمير المؤمنين". [تبيان الوصية، المسعودي، قم، بدون تاريخ، ص122]
وليس علينا الآن وكما يحدث في المساجد الشيعية حيث يهبُّ البسطاء (من الأميين والمتعلمين الأميين وأنصاف المتعلمين الأمثر أمية) صارخين بأعلى أصواتهم:
- "اللهم صلي على محمد وآل محمد!"
ها نحن أمام وحي ينزل بالوصية أكثر إحكاماً من وحي نزول أول سورة من قريان محمد وأسطورة "اقرأ" و" ما أنا بقارئ" التي يعرفها الداني والقاصي!
لماذا؟
لأنه ثمة شهود معصومون لا يصل إلى كلامهم الشك ولا يحتمل الريبة:
فمحمد عندما جاءه "الملك" كان وحده. أما الآن فبالإضافة إلى أن هدف الوصية هو "علي" نفسه فقد حضر (وشهد بـم عينيه) نزول الوحي فاطمة والحسن والحسين!
الله أكبر!
5.
إذن الإمامة، كالنبوة، مما يقتضي كمال الله!
فطالما يحتل الإمام (من الأول حتى الثاني عشر!) كل هذه المكانة القدسية؛ وطالما كانت إمامة علي بن أبي طالب وأبناءه وأحفاده لا تختلف عن النبوة في مكانتها واشتراط وجودها - فلماذا، عجباً، لم ينزل حقاً نص حاسم واضح قاطع باتٌّ معلوم جازم مانع محدد دامغ مؤكد يقين لا يقبل الشك ولا التأويل من "لدنه تعالى" وهو لم يقتصد في وحيه في الإشارة إلى أتفه الأشياء: شتائمه لأبي لهب والتين والزيتون؟
ولماذا، وهذا هو السؤال الهام، لم يتفق أبناء "العائلة المقدسة" ذاتها فيما بينهم؟!
فكيف يمكن لأمر قدسي من هذا النوع لا يحظى بمصداقية من قبل جميع أفراد "العائلة المقدسة"؟!
بل أنه لم يحض بقبول القسم الأعظم من المسلمين من خارج الفرق الشيعية!
6.
بصدد حديثه عن أسباب فشل عائلة علي بن أبي طالب في الوصول إلى الخلافة ومن ثم من بعده أبناءه وأحفاده يشير جواد علي إلى أسباب من بينها النزاع ما بين أفراد أسرته ذاتها.
إذ لم يكن هناك تفاهم ما بين أولاد الحسن وأولاد الحسين. فقد كان هناك “نزاع بين أفراد الأسرتين، أسرة الحسن وأسرة الحسين، واختلاف في الرأي: فخرج بعضهم دون البعض على السلطة، فكان أن تم دحرهم بسهولة بطبيعة الحال"[المهدي عن الشيعية ص 63]
وهذا ما حدث مع انتفاضات محمد النفس الزكية والحسين بن علي وفيما بعد زيد بن علي أخي محمد الباقر (الإمام الخامس).
لكن الخلافات لم تكن تقتصر على الموقف من السلطة القائمة وأسلوب النضال ضدها. فقد كان بين أفراد العائلة خلافات لاهوتية تقوض ادعاءات "النص" التي أشرت إليها.
فبالإضافة إلى الموقف الحاسم الرافض للسلطة الأموية وقد دفع حياته ثمناً لانتفاضته ضد هشام بن عبد الملك وكان ذلك في فترة "إمامة" جعفر الصادق (ولهذا لا يتحدث الشيعة عن شهادته!) فإن زيداً (وليس شخصاً آخر) لم يكن يتفق مع الآخرين في الموقف من قضايا هامة جداً وتدخل في صميم العقيدة الشيعية. فزيد "لم يكن متفقاً مع أخيه لا في مسألة الإمامة، ولا في مسألة العلاقة بالمعتزلة، ولا حتى في الافتخار بعلم الأئمة بوصفهم خلفاء النبي" [المهدي عند الشيعة]. وينبغي إضافة موقفه المختلف من أبي بكر وعمر.
ويشير الدكتور جواد علي (الشيعي) بأن الضغط الذي كانت تمارسه السلطة العباسية والسياسة المعادية لأسرة عليٍّ قد أضعفت مقاومة بعض أفراد الأسرة فإنه "يروى أن بعض أعضاء الأسرة قد قبلوا الرشوة وارتضوا الخيانة".
ولكن ألم يحدث هذا مع الحسن – الإمام الثاني؟!
7.
غير أن ما يفند أسطورة الأئمة الاثني عشر ومصداقية كتب الشيعة وادعاءاتهم عن النص" و"الوحي" المُبَلِّغ بالوصية لم يأت من خارج "العائلة المقدسة" فحسب، وإنما من داخلها أيضاً. وإن موقف جعفر بن علي الهادي -أخي الحسن العسكري (الذي اختلقت الشيعة ضده أقاويل تعود إلى محمد نفسه يتنبأ بخيانته) لهو مثال على عدم مصداقية هذه الأسطورة وطبيعتها التلفيقية.
ومن نتائج موت الحسن العسكري هو افتراق الشيعة على أربع عشرة فرقة. ولم تعترف بالإمام الثاني عشر غير فرقة واحدة لا غير وهي الفرقة الاثنا عشرية.


اقرأ أيضاً:




الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [3]: الأساطير الشيعية والإمامة

[علي بن أبي طالب في غزوة خيبر والملائكة تسانده. فأية ملائكة هذه؟!]
تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
يقول الدكتور جواد علي:
"انقسم الإسلام كما انقسمت المسيحية إلى ديانات، وتمثلت أسباب انقسام الكنيسة المسيحية في اختلاف الآراء حول طبيعة المسيح وإرادة الإنسان الحرة، أما في الإسلام فقد لعبت السمات السياسية والعائلية الدور الأول"[المهدي عند الشيعة، الدكتور جواد علي]
وهذه هي الخلاصة التي وصلنا إليها في الحلقة القادمة، وهي القاعدة التي تفسر لنا الأساس الذي تستند إليه عقيدة "الإمامة".
2.
في البدء كانت الأسطورة!
تمتلك الأسطورة، والقول لمارسيل ديتيان، سلطة حدث طبيعي [اختلاق الميثولوجيا 2008].
ويمكننا أن نرى أنصع مثالاً على سلطة الحدث الطبيعي للأساطير في نشوء العقائد الشيعية الاثني عشرية والإسماعيلية:
الأئمة المعصومون (الاثنا عشر أو السبعة)، الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، المهدي المنتظر، التفسير الباطني للنصوص "المقدسة"، "الإمامة" و"الولاية"، معركة كربلاء وغير ها الكثير.
إن الشيعي العادي (ولا يتعلق الأمر هنا لا بالمستوى الثقافي ولا التعليمي!) لم يعد وما في مقدوره أن يرى التاريخ الحقيقي "للتاريخ" الذي بين يديه. فقد ضاعت الحدود ما بين الوقائع الحقيقية (وهي حفنة من الوقائع) التي صاحبت ظهور العقائد الشيعية، من جهة وبين الخرافات والأكاذيب والأوهام والافتراضات والنصوص الدفاعية والفولكلور الشعبي التي شكلته فيما بعد وأعطته الصورة المعاصرة من جهة ثانية، والإيمان - وينبغي أن تقرأ الكلمة بتشديد كبير، من جهة ثالثة.
3.
إنَّ عقيدة الأئمة الاثنا عشر (أو السبعة الإسماعيلية) منظومة من التصورات التعويضية عن مطالب وأحلام لم تتحقق.
فالجذر الواقعي في هذه العقيدة هي مطالبة أنصار علي بالسلطة. غير أن استحالة تحقق هذه المطالب وخصوصاً بعدما تمكنت العائلة العباسية من إزاحة آخر خلفاء بني أمية من الخلافة رافضةً الادعاءات والمطالب العلوية "الشيعية" فقد تم التوجه إلى تحويل هذه المطالب إلى تصورات تسورها خصائص دينية/أسطورية.
فإذا ما قرر أنصار علي بأحقيته في الخلافة فإن عليهم العثور على مسوغات لاهوتية.
وعندما يتعلق الأمر بالمسوغات اللاهوتية فإن الصعوبات يمكن تذليلها عن طريق التأويل.
وهذا ما حدث فعلاً عندما تم جمع (وصناعة) كل الحكايات المرتبطة بقرابة علي بمحمد وتمجيد الأخير له وعندما تتحول الرغائب إلى حقائق فإنه ليس من الصعب العثور على ما يبرهن على أحقية علي في الخلافة في آية الولاية. وهي الآية 55 من سورة المائدة:
[إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ].
وكالعادة يقوم اللاهوت هذه المرة لا بلوي عنق اللغة بل الإطاحة باللغة جملة وتفصيلا!
فأين البرهان على ولاية علي؟
ألا يحق لي أن أقول بأن في الآية "برهان" على ولاية عليٍّ بقدر البرهان هعلى ولايتي شخصياً أو ولاية أي شخص على الأرض؟!
4.
وعندما تشكلت صورة "الإمام الولي" والمستحق للخلافة الذي يمتلك المشروعية "المنصوص" عليها في كتاب محمد فإن وراثة هذه الخلافة من قبل أبناءه وأحفاده فيما بعد وإنْ صورياً أصبحت أمراً طبيعياً.
وهكذا تمت صناعة عقيدة "الأئمة" الذين يتوارثون بعضهم البعض.
لا شك أن تشكل العقيدة الشيعية كطائفة دينية منافسة لم تكن من الممكن بدون تنظيرات جعفر الصادق اللاهوتية. ولهذا وليس من الصدفة أن يطلق على الطائفة الشيعية حتى العصر الحالي "الجعفرية" نسبة إلى جعفر الصادق.
عايش الصادق أواخر الحكم الأموي (ولد 702) ومن ثم تولي أبي جعفر المنصور الخلافة.
مرت علاقة الشيعة بالعباسيين بمراحل مختلفة من الجذب والنفور، من الرفض والقبول، ومن التسامح والعداء. ولكن كان من الواضح أن العباسيين لن يفرطوا بالخلافة لأي كان. ولهذا فقد أدرك جعفر صادق هذه الحقيقة وقرر الصمت و"التقية" والتفرغ للشؤون اللاهوتية. وهذا أمر كان يرضي العباسيين.
إن الشيعة في جوهر عقيدتهم لا يختلفون قيد شعرة عن عقيدة السنة في الاستناد إلى مقومات الإسلام الأساسية: القرآن والحديث (بعد الكثير من النقد والتخطيء والمراجعة ورفضهم لأحاديث أبي هريرة زائداً الاستناد إلى الأحاديث التي تعتمد على المصادر الشيعية وخصوصاً جعفر الصادق).
غير أن ثمة خلاف لا يمكن تذليله بأي شكل كان: وهو مبدأ الإمامة!
5.
يدعي الشيعة الاثنا عشرية بأن "الإمامة" قضية أصولية فهي "رئاسة في الدين والدنيا ومنصب إلهي يختاره الله بسابق علمه ويأمر النبي ص بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه والإمام حافظ للدين [...] وحيث أن الإسلام دين عام خالد كلف به جميع عناصر البشر [...] فلابد أن ينصب الله إماماً لحفظه في كل عصر وزمان [...] ولأجله أمر الله نبيه بأن ينص على علي ع بقوله "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت" [...]
ثم أحد عشر إماماً من ولد علي ظاهر مشهوراً أو غائباً مستوراً، وهذه سنة الله في جميع الأزمان في جميع الأنبياء من لدن آدم إلى الخاتم صلى الله عليهم أجمعين" [عقائد الإمامية الأثني عشرية - السيد إبراهيم موسوي الزنجاني، ص 72]
ثم يضيف "بأن الإمامة منصب يعهد به النبي إلى من يخلفه ليكون مرجعاً من بعده يرجع إليه الناس [...] ولكل إمام أن يعهد بالإمامة إلى من يليه، وهي وظائف دينية لا تتم بالانتخاب والاختيار من قبل الناس وإجماعهم وإنما هي تعاليم مقدسة يتلقاها إمام عن إمام عن النبي [...]
وإن البحث في الإمامة كالبحث في النبوة عند الشيعة لا يجوز فيه تقليد الأجداد والآباء والزعماء [المصدر السابق: 73].
وباختصار شديد فإن مرتبة الإمامة، بالنسبة للشيعة، كالنبوة كما عرفت، فكما لا يجوز للخلق تعيين نبي فكذا لا يجوز لهم تعيين إمام. [المصدر السابق].
وهذا ما يؤكده الشيخ المظفر :" نعتقد: أنّ الامامة أصل من اُصول الدين لا يتم الاِيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والاَهل والمربّين مهما عظموا وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوّة." [عقائد الإماميّة، محمد رضا المظفر، ص54]
"نعتقد: أنّ الاِمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الامام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الامام من بعده.
وحكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكَّموا فيمن يعيّنه الله هادياً ومرشداً لعامّة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه، أو ترشيحه، أو انتخابه؛ لاَنّ الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمّل أعباء الامامة العامّة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يُعرف إلاّ بتعريف الله ولا يُعيَّن إلاّ بتعيينه. [المصدر السابق: ص 63]
6.
إن صياغة هذه التصورات اللاهوتية (وكما هو واضح تطابق الأسلوب والمفردات عند كلا المؤَلَّفَين والمؤَلِّفِين الآخَرِين) لا تشكل أسلوباً شخصياً أو رأياً عابراً بل هي عقيدة قارة يمكن قراءتها في جميع كتب الشيعية التي تتحدث عن الإمامة (الكثير من كتب الشيعة عبارة عن تكرار ممل لما قاله الأقدمون. ولكن إصرار كل "فقيه" أو "أية الله" أن يدلو بدلوه في القضايا "المصيرية" فإن الالتزام بقاعدة "النقل" لا تؤدي إلا إلى هذا التكرار).
لم تظهر هذه التصورات إلا في فترة متأخرة جداً من تاريخ الخلافات ما بين علي والخلفاء الآخرين.
ويمكن القول إن جعفر الصادق (الأمام السادس) هو الذي أرسى البدايات الأولى لهذه التصورات.
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من البحث والتقصي لكي يرى القارئ المعاصر بـأن هذه العقائد تعكس صورة واضحة عن الأساطير الشيعية عن الإمامة وكأنها استمرار لأساطير "النبوة" التي عالجناها في مواضيع مختلفة سابقة.

اقرأ أيضاً:

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [2]: الشيعة والسلطة: ملاحظات أولية


[أساطير كربلاء تحولت إلى حقيقة بفضل الخيال الديني الشعبي]

تلخيص لما مضى ولما هو قادم:
في هذه الموضوعات القصيرة والسريعة أردت أن أقول باختصار شديد بأن الطوائف الشيعية لا تختلف قيد شعرة عن الطوائف السنية في ثلاث مقومات أساسية (ثمة عشرات التشابهات الأخرى لكنها ليست موضوع اهتمامي الآن):
-المصدر الأسطوري للعقيدة.
-السلطة: هي الهدف المركزي والمميت لكل عقائدهم.
-الخضوع الساذج لمن سموهم" أئمة".
1.
شكلت فكرة "السلطة" و"الخلافة" حجر أساس ظهور جميع الطوائف الإسلامية من غير استثناء وبغض النظر عن حجمها في إطار طوائف الإسلام وفرقها. وقد اكتسبت فكرة السطلة أهمية استثنائية وحاسمة في كل مرحلة من مراحل تاريخ الإسلام الذي تعدى 14 قرناً. بل أن "هدف السلطة" هو المحرك الأساسي لظهورها وتطورها كـ"عقائد دينية".
ومثلما كان هذا واضحاً في تعاليم السنة عن مشروعية الحكم والحاكم الإسلامي السني وخرافة "الأئمة من قريش"، فإن هذا أيضاً ما يكشف عنه التاريخ الحقيقي بالعلاقة مع ظهور وتطور الطوائف الشيعية (الاثنا عشرية والإسماعيلية وغيرها) الذي يمكن أن يراه المتابع الذي لا تكتنفه الخرافات لذات السيرة الإسلامية الرسمية.
فقد ظهرت مباشرة بعد موت محمد مجموعة صغيرة من الموالين لعلي في المدينة معلنة اعتقادها بأن علياً كان مؤهلاً أكثر من أي مسلم، بمن في ذلك أبو بكر، لخلافة النبي. وقد راحت هذه الأقلية الصغيرة، المكونة أصلاً من بعض أصحاب علي ومؤيديه تتوسع بمرور الوقت، وصارت تسمى خلال خلافة علي الوجيزة بشيعة علي عموماً، ثم بسِّطت إلى شيعة فقط" [تاريخ الإسلام الشيعي، فرهاد دفتري، ص 51]
2.
وليس ثمة أي عقيدة دينية متميزة في تصورات هذه المجموعة، بل ولم تختلف على أية فكرة دينية مع القوة السائدة آنذاك وإن المنطلق الوحيد هو أحقية علي بالخلافة ولا شيء آخر.
لقد كانت ولا تزال قضية "الخلافة" هو المحرك سواء بالمطالبة بها أو التخلي عنها فيما بعد بحجة لا خلافة خارج خلافة المهدي المنتظر والانتظار طويلاً لظهوره!
وأفضل ما يعبر عن هذه الحقيقة هو التصور القار والمتغلغل في فكر الشيعة الاثنا عشرية، والذي لم يتغير حتى اللحظة الراهنة، وهو أن التاريخ الإسلامي السني لا يعني بالنسبة لهم غير: "الخلافة المغتصبة"!
في كتاب "الخلافة المغتصبة: أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخ" ومنذ "الباب الأول" الذي يحمل عنواناً معبراً: "الخلفاء الراشدون .. حبكة مفتعلة!" يقول الكاتب:
"في الاصطلاح الذي تواضع عليه العامة فيما بعد، أصبحت كلمة " الخلفاء الراشدون " تطلق على أشخاص معينين. هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وقد طال الأمد على العامة إلى أن قسى قلبها وتحجر على هذا الاصطلاح، رغم ما يعتريه من تعسف على الواقع التاريخي، ومفاد النص، اللذين تتأكد من خلالهما الخلفية السياسية لهذا الاصطلاح.
فتاريخيا لم يكن اسم خليفة متداولا في عصر الرسول (ص) بمعناه الاصطلاحي إلا في شخص علي (ع) وذلك للأدلة التي ذكرناها آنفا، كحديث يوم الدار".[الخلافة المغتصبة، إدريس الحسيني، ص 65]
3.
إن فكرة "الخلافة المغتصبة" تضغط بكامل قوتها على المواقف العقائدية الشيعية التي أنتجت أيديولوجيا "ولاية الفقيه" والتي حلت بدورها محل عقيدة “انتظار ظهور المهدي الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً". فقد ملَّت الشيعة الانتظار وفقدوا أنصاره الأمل في تحقق خرافتهم. إذ رغم الدعاء المتواصل الذي دام قروناً من أجل ظهوره و "تعجيل الله فرجه" حيث كانوا يعتقدون (وربما لا يزالون) بأن ظهوره بات وشيكاً: فإن المهدي لم يظهر (ولن يظهر وقوانين الحياة هي المسؤولة عن ذلك)!
وبسبب كل هذا وحتى لا ينفرط عقد أنصار الشيعة فقد قرر الأذكياء من اللاهوت الشيعي وأصحاب العقل العملي (الذين ملوا الانتظار هُمْ أيضاً) أن يأخذوا قدرهم بأيديهم ويصنعوا بديلاً واقعياً لسلطة المهدي المنتظر: إنها ولاية الفقيه. التي ظهرت على يد الشيخ المفيد (948 – 1022م) وتبلورت على يد الكركي (علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي العاملي – توفي 940 ه).
ولن أناقش هنا مفاهيم "الولاية الخاصة" و"الولاية العامة" ولا "الولاية التكوينية" و"الولاية التشريعية" فهي مجرد تخريجات لاهوتية وأعذار عن التخلي عن الانتظار وإن قضية السلطة هي قضية راهنية (وقد كانت راهنية دائماً) تتطلب القرار من الأرض وليس من السماء.
[من كتاب الخلافة المغتصبة]
4.
ولكن مع ذلك:
في البدء كانت الخرافة!
إذ أن المطالبة المباشرة والعلنية بالسلطة من قبل الجماعات السياسية المعارضة للسلطة القائمة وفي إطار القرون الإسلامية الأولى، حيث كانت التصورات الدينية والعقائد الغيبية تشغل عقول الناس وتحتل مكاناً مركزياً في تبرير "الحق"، لا يعني إلا فشل هذه الطموحات وإمكانية تصفيتها بسهولة.
وعلى هذه الأرض ولدت الخرافات والأساطير الشيعية التي سعت، ولا تزال، إلى تبرير "الحق" في السلطة. وقد لبت عقيدة الحق الإلهي لعلي بن أبي طالب بالخلافة المنطلق الذي بني على أساسه فيما بعد "عقيدة الأئمة المعصومين الاثنا عشر".
كانت حركة الحسين (وهي الحركة الوحيدة للمطالبة بالسلطة لأبناء وأحفاد علي من فاطمة فقد سبقتها أكثر من حركة من خط الحسن وحركة محمد النفس الزكية من أبناء علي من أم غير فاطمة) حركة سياسية محض لا تقبل الشك والتأويل من أجل المطالبة "بحق أبيه في الخلافة!". ورغم أنها كانت حركة ساذجة للغاية ولم يكن يدرك الحسين فيها بأنه كان يحارب ضد جيش منظم ولا يمكنه أن يستند إلى وعود الآخرين في محاربة الأمويين، رغم ذلك فإنها صنعت وغذت العقيدة الشيعية بفكرة "الشهادة" و"الآلام" التي لا تزال تفعل فعلها في عقول الشيعة.
إنها: “عقيدة المظلومية" التي تستجيب لمظلومية الناس في ظل الخلافة الإسلامية ومن ثم الدول الإسلامية جمهورياتٍ كانت أم ممالك.
5.
بعد أن أدت حروب علي الثلاث من أجل الخلافة إلى قتل علي فإنه قد تم توجيه ضربه قاصمة إلى طموح أنصاره إلى السلطة بتخلي ابنه الحسن عن أي مطالبة بالسلطة واستئثاره بالأمن والطمأنينة حتى تاريخ موته بالسم من قبل زوجته بتحريض من الأمويين كما تدعي السيرة الشيعية.
لقد كانت مطالب السلطة من قبل أفراد عائلة العباس بن عبد المطلب أكثر حسماً وفعالية حتى استطاعوا إزاحة الأمويين نهائياً من السلطة.
لكن إزاحة الأمويين من قبل السلالة العباسية أدت إلى "إزاحة" أحلام أنصار علي في السلطة. إذ أن خطوط السلطة العباسية الحمراء التي لا يمكن تجاوزها من قبل الآخرين كانت واضحة وضح الشمس بالنسبة لأحفاد علي فقرروا الصمت والحذر و"التأجيل" في ظل عقيدة "التقية"!
6.
في ظل هذه الظروف الصعبة التي لم تخلو من فترات الانفراج تمت بلورة العقيدة الشيعية على يد المنظر الحقيقي وهو جعفر الصادق. وليس من الصدفة أن يحمل اسمه المرادف الآخر للشيعة وهو: الجعفرية.
وفي فترة جعفر الصادق تم ظهور عقيدة "التقية". فبعد أن تبخرت كل آمال عائلة ومناصري علي بن أبي طالب في أي دعم للعباسيين لمطالبهم بالخلافة وإن طموح العباسيين يتحرك بعيداً عنها ويشكل خطراً على وجودهم فقد قرروا الخضوع والاستسلام.
وهكذا ظهرت عقيدة جديدة مدهشة من الناحية التقنية: "الغيبة"!
فـ"الغيبة الصغرى" تقية من أجل الاختفاء و"والغيبة الكبرى" عقيدة لإيهام المؤمنين بخلود الأئمة!
هنا لابد أن يشغل ذهن القارئ سؤالاً طالما تم طرحه: إذا كانت الخلافة هي بالفعل من حق علي وقد تم اغتصابها من قبل الأمويين فلماذا لم يعترف أبناء عمومتهم الأقربين الذين تربطهم بهم رابطة الدم بهذا الحق؟
سوف يجيب أحدهم منفعلاً ومأزوماً قائلاً: العباسيون يبحثون عن السلطة!
والحق أنني أتفق معه في ذلك: أنها السلطة وهي الهدف الذي يسعى الجميع وراءه. وإن هذا السعي المحموم وراء السلطة لا يغيب في ادعاءات الشيعة في حق علي وأبناءه في الخلافة. بل أن هذا "الحق الإلهي" الذي يدعيه الشيعة لعلي لم يكن مقبولاً حتى من أحفاد ذات العائلة: سلالة العباس بن عبد المطلب.
6.
لماذا هم الوحيدون من يرى في الآية 55 من سورة المائدة " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" دليلاً على "الحق الإلهي" بولاية علي بعد موت محمد بين سطور "كتاب محمد" وقد سموها: آية الولاية؟
الحق أن الإجابة الوحيدة والمنطقية لا يمكن العثور عليها خارج أساطير الشيعة من جهة، وإن الطموح نحو السلطة هو الذي بنى أسس هذه الأسطورة.
إن البحث عن دليل يثبت ادعاء الشيعة في أحقيتهم بالسلطة هو معادل للبحث عن دليل يثبت مصداقية العقيدة الإسلامية بكونها عقيدة سماوية!
فهل ثمة خلاف ما بين الإسلام السني والإسلام الشيعي؟


اقرأ أيضاً:


متلازمة الضفدع المسلوق ببطء . . . [1]

متلازمة الضفدع المسلوق ببطء

 [هل ثمة أمل أن يُكتب لهذا الطفل الخلاص من السلق البطيء . . . . . . . . . ]

متلازمة "الضفدع المسلوق ببطء" تشير إلى سلوك الضفدع المختلف إزاء حالتين مختلفتين لدرجة الحرارة المرتفعة:
فعند وضع ضفدع في قِدْر من الماء المغلي مقدماً فإن درجة الحرارة العالية ستدفعه إلى القفز ومغادرة القدر.
أما إذا وضعته في قِدْر من الماء البارد الذي تتم رفع درجة حرارته تدريجياً فإن الضفدع سوف يتكيف مع درجة الحرارة المرتفعة تدريجياً.
إن سلوك الضفدع هذا ينسجم مع قانون فيزيائي مفاده: إذا كانت سرعة غليان الماء أبطأ من درجتين مئويتين في الدقيقة فإن الضفدع سيواصل الحياة حتى تصل الحرارة إلى درجة عالية جداً بحيث يفقد قدرته على القرار ويبقى في القدر حتى يُسلق تماماً!
[شاهد التجربة "المختبرية"حول سلوك "الضفدع المسلوق" في نهاية المقال]
للمزيد من التأملات أنظر موضوع:
1.
لطالما تساءلت في مرحلة ما من تطور الفكري والثقافي عن السبب الذي يجعل هذه الملايين تقبع خانعة في ملكوت الخرافات والوهم: الإسلام!
إنهم يخالفون حتى تجربتهم الحياتية:
فقد اكتشفوا بالتجربة والاستقراء الفرق ما بين الفطر السام والفطر الصالح للأكل؛ واستطاعوا أن يميزوا الأفعى السامة من بعيد؛ ويعرفون جيداً الأسماك السامة؛ وهم يعرفون وعن طريق التجربة متى يسقط المطر ومتى تهب العواصف؛ هم يعرفون قياس الوقت التقريبي من خلال امتداد ظل الجدار.
فكيف فشلوا في اكتشاف وَهْمِ الله؟!
كيف صدَّقوا ويصدَّقون حتى مماتهم بأن الدعاء مستجاب وتقبيل شبابيك قبور "الأئمة المعصومين" سوف ينجيهم من مصائب الله (الآن عليه الانتباه من كوفيد -19)؟!
كيف صدَّقوا كل هذه الخرافات ولم يروا ولا مرة واحدة بأن لا تأثير للأدعية على حياتهم وقد عاش الملايين منهم وماتوا منسيين مهانين مذلين؟!
2.
بل وما عَقَّد اللغز أمام تأملاتي هو أنني كنت أرى حاصلين على شهادات جامعية يتسابقون مع عجائز القرى على زيارة "أضرحة" الأئمة من أجل الدعاء والابتهال!
هل جُنَّ القومُ أم هذه هلوسة شاملة كبرى بتأثير رياح محملة بحشيش مقدس رُشَّ من قبل الملائكة الطائرة بأجنحة من نور (الحق أنني غير متأكد فيما إذا كان للملائكة أجنحة أم إنها كديفيد كوبرفيلد تتقن تقنيات الطيران!)؟
3.
وقد نزل عليَّ الجواب من غير جبريل:
إنه تأثير الضفدع المسلوق ببطء.
هذا هو المفتاح إذن!




كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر