منع

خديجة بنت خويلد والدليل التجريبي على نُبُوَّة محمد!

لوحة بالأسود والأبيض تصور ملاكاً وما "يشبه محمد"


 1.

من أشدَّ ما يكره اللاهوت الإسلامي هو المنطق العلمي التجريبي!
والسبب بسيط ومتجذر في المنطق اللاهوتي ذاته: هو استناده المطلق إلى الإيمان الغيبي. وبالتالي فإن الأدلة التجريبية ستقع لا محالة خارج الثقافة الدينية- إنها ألد أعداء هذه الثقافة. 
أما ما يعتقدوه منطقاً تجريبيا للبرهنة على وجود خرافة "الله" وحقيقة خلقه للعالم فهو منطق فاسد في جوهره، وساذج في جدليته، لا يصلح إلا للمؤمنين - والمؤمن "جاهز" لتلقي مثل هذه البراهين من نوع: " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ. . . . . . . " [الغاشية/ 17- 20].
حسناً:
كيف خُلقت الإبل؟
وكيف رُفعت السماء؟
وكيف نُصبت الجبال؟
وكيف سُطحت الأرض؟
لا توجد إجابات ولا يمكن أنْ يقدم الدين إجابات!
2.
ولأنَّ الحق ينبغي أن يقال، إنْ كان لنا أو علينا، فإن تاريخ الإسلام لا يخلو من الأدلة التجريبية مطلقاً، رغم أنها حادثة واحدة وحيدة لا غير وكأنها غراب أبيض تلوح في أفق السيرة الإسلامية الملتبسة و"حَمَّالة الأوجه". 
وبطل هذه الحادثة التجريبية هي خديجة بنت خويلد، وللتعريف: زوجة محمد الأولى.
3.
فكلنا يعرف ومنذ سنوات المدرسة "الحدوتة" الأثيرة على قلوب المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والخاشعين والخاشعات التي تحكي لنا قصة محمد الذي أرعبه "ظهور" الملك جبرئيل له والذي كاد يلقي بنفسه (المقصود محمد) من أعلى الجبل (لماذا لم يفعلها؟)، فيذهب إلى زوجته يشكو لها مخاوفه وشكوكه.
ولهذا تقوم خديجة بتجربة "عِلْمِيَّة"، يحسدها عليها العلم المعاصر، للبرهنة على أن من يخاطبه ويظهر له في خلوته ليس الشيطان:
فتطلب منه أن يخبرها حين يظهر له "صاحبه - هكذا تقول الحدوتة!". وحين جاء صاحبه "جبرائيل" كما كان يأتيه عادة أخبر محمدٌ خديجةَ بحضوره. فطلبت خديجة من محمد أن يجلس على فخذها اليسرى ثم طلبت منه أن يجلس على فخذها اليمنى. وفي الحالتين ظل جبرائيل ولم يغادر المكان وكان محمد يراه في الحالتين. فحينئذ تحسرت خديجة.
وها هو تَحَسُّر خديجة يلقيني في هوة الحيرة!
لماذا تحسرت؟
هل هو دليل على حيرتها، مثل حيرتي، أم أنها اكتشفت البرهان التجريبي على نبوة محمد؟!
4.
إذن، تحسرت "السيدة" خديجة وكأنها تردد في سرها صيحة الاكتشاف “وَجَدُتَها!". ثم طلبت من محمد أن يجلس في حجرها رافعة خمارها. وهذه هي "الخطوة التجريبية" الحاسمة: 
فإذا كان مَنْ يظهر لمحمد شيطان فإنه لن يخجل من "عري" خديجة ولن يغادر الغرفة. أما إذا كان الذي يظهر لمحمد هو "الملك جبرائيل" فإن "حياءه" سيمنعه من البقاء في الغرفة وسيختفي حالاً!
وحالما رفعت خديجة خمارها فإن جبرائيل قد قرر الاختفاء (أو الهرب، لا أحد يعرف) ولم يعد محمد يراه.
- لم أعد أراه!
قال محمد متنهداً.
فقالت خديجة بكل ثقة "علمية":
- يا بن عمِ، اثبتْ وأبشرْ! فوالله إنه لملكٌ وما هو بشيطان!
...
وها أنا أخُرُّ على ركْبَتَي من شدة الانفعال وجسامة التجربة الدينية التي مررتُ بها مع خديجة وأنا أستعيد "الحدوتة" في ذاكرتي وكأنني خديجة نفسها أشاهد بأم عيني ولادة نبيٍّ مصطفى من ربه. في هذه التجربة الروحية تشهد خديجة عقيلة محمد وخازن أسراره"بل تبرهن" بأن محمداً هو الرسول المُرْتَقَب!
5.
ها هو البرهان التجريبي الذي عجزت أكثر من 14 قرناً من تاريخ الإسلام عن تقديمه على نبوة محمد!
البرهان الذي حير اللاهوت الإسلامي وحيرنا معه (لأنهم بدلاً من تقديم البرهان أخذوا يطالبوننا بتقديمه).
إنه البرهان الصَّلْبُ الذي لا يمكنه إبطاله مهما حاول الملحدون!
فقد أثبتت خديجة وبصورة تجريبية/ عيانية/ علمية/ استقرائية/ واضحة/ بسيطة/ مقنعة/ قابلة للتكرار/ ومفهومة من قبل جميع البشر/ أن الذي كان في غرفة نومها هو مَلَاكاً أميناً على إبلاغ العَهْدِ لمحمد/عفيفاً/ شريفاً / خجولاً/ مؤدباً/ خلوقاً/ لا ينظر إلى عري النساء!
الله أكبر!
إنه الملك الأمين!
6.
هنا لدينا مادة للتأمل:
إنَّ مَنْ كان في غرفة نوم محمد وخديجة ليس الشيطان:
أليس هذا ما تقوله "الحدوتة"؟
وهذا يعني، منطقياً، أن الشيطان أكثر عفة واحتراماً لحياة الناس الشخصية. فــ"الملك" هو الذي كان "يبصبص" في غرفة نوم خديجة! لأنه لم يكن مضطراً الظهور لمحمد في غرفة النوم بالذات. فصحراء الله العربية واسعة لا حدود لها وكان يمكن أن يختلي بمحمد في أية نقطة من هذه الصحراء الشاسعة!
7.
ولكننا لا يمكن أن نغير أحداث الماضي. 
هذا ما حدث وعلينا قبوله. هكذا يقول منطق التاريخ. لكن وجود الملك في غرفة نوم محمد يقلقنا.
كما أننا لا نعرف سبب مغادرته الغرفة عندما رفعت خديجة خمارها؟!
هذا سؤال بمثابة مفترق طرق.
فالإجابة عليه تغير مسارات الحدوتة والدروس المستفادة منها. فهي تقول لنا بأن الذي كان في غرفة نوم محمد وخديجة هو الملك. وإذا كان هو الملك حقاً فلماذا ظل في مخدع الرسول المنتظر مع زوجته حتى رفعت الأخيرة خمارها؟!
ما هو هدف هذا "الملك" من وجوده في مخدع محمد وخديجة من حيث المبدأ؟ 
فإذا كان يريد أن ينقل رسالة من ربه لمحمد فلماذا لم يتفوه بكلمة (الآن يخطر على بالي قصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت/عيني في لغة الهوى عيناك
لماذا لم يحرك ساكناً إلا عندما رفعت العجوزُ خمارها؟
فهل كان خروجه (أو اختفاءه) عفة أم هروباً من هول الصدمة؟!
8.
إن "دماغي المعاصر" وثقافتي الحياتية وتعليمي الأكاديمي تأبى عليَّ أن أقف عند هذا الحد.
ثمة قوة هائلة تنبع من أعماقي تصرخ بأعلى صوتها: كيف يمكن لشخص عاقل في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يأخذ هذه الخرافات مأخذ الجد؟!
أيُّ انهيار يصيب خلايا الدماغ ويعيق عملياته لكي يقبل الإنسان مثل هذه الترهات؟!
9.
كما تسرد لنا "الحدوتة" هذا الحَدَثَ النبوي العظيم وبلسان شيوخ الإسلام أنفسهم فإن تفاصيله تدفعني إلى أن أسجل دهشتي، بل حيرتي العميقة، إزاء سلوك هذا الرجل الذي تجاوز الأربعين، كما تخبرنا "السيرة":
أولا، كان محمد ينفذ كل ما تطلبه منه خديجة، وكأنه صبي معتوه، من غير سؤال أو اعتراض أو ملل، وهذا الرجل الذي لا حول له ولا قوة سيصبح "نبياً"!
ثانياً، كما تقول لنا السيرة، وعلينا أن نثق بها "!"، فإن خديجة أكثر "حكمة" ومعرفة بأمور السماوات وجبرائيل "شخصياً" من محمد نفسه. وهذا أمر جدير بالاهتمام.
إلى متى سيماطل المسلمون بالتهرب من المنطق السوي؟ 
فإذا كان محمد مختاراً من الله فلماذا لا يخبره الله شخصياً أو عن طريق "الملك" (وتنتهي المشكلة)؟
هل يريد اختبار إيمان محمد؟
إذن، فإن محمداً قد فشل في الامتحان فشلاً ذريعاً بغض النظر عن طبيعة الأنظمة والمناهج الامتحانية المتبعة في العالم: فهو كان خائفاً/متردداً/ مرتعباً/شكاكاً/مرعوباً/ ترتجف فرائصه وكلما "يظهر" له الملك يسارع لإخفاء رأسه في أحضان زوجته صارخاً: "زملوني .. زملوني .. دثروني .. دثروني"!
ثالثاً، لم أستطع (ولن أستطع) أن أفهم ماذا يفعل جبرائيل في غرفة نوم محمد وخديجة؟ 
فإذ كان هذا "الجبرائيل" مؤدباً وعفيفاً حقاَ، كما شاءت السيرة أن يكونَ، فلماذا اكتفى بالمراقبة السلبية بدلاً من أن يفعل شيئاً وينهي الموضوع؟! 
فهل هو على اتفاق مع خديجة؟!
وأليس من الممكن أن يكون هذا "الملك" خادماً من خدمها؟
10.
لكم تمنيت أن تكون برهنة خديجة التجريبية على نبوة محمد تمتلك ما يكفي من التماسك، ولكن للأسف أدى سلوك "الملك" إلى أتلاف تجربة البرهان "الخديجي". 
كاد البرهان ينجح لو أن "الملك" قد غادر غرفة نوم محمد وخديجة منذ جلوس محمد على فخذ خديجة!
لقد فشلت التجربة وها نحن بخفي حنين!
ومن جديد لا أدلة تجريبية على نبوة محمد ولا هم يحزنون!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر