منع

مَبْدَأُ تَشيخُوفَ" الدُّرَامِي وعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"!

[الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف]

تمهيد:
من ضمن ملاحظاته في أثناء بروفات إحدى مسرحياته "طائر النورس" عَلَّقَ الكاتب والمسرحي الروسي أنتون بافلوفيتش تشيخوف (1860 ـ 1904 ) على وجود بندقية الصيد المعلقة على جدار الغرفة في اللوحة الأولى من المسرحية كالتالي:
ـ "إذا ما ظهرت بندقية الصيد في اللوحة الأولى من المسرحية فإنها لابد وأن تُطلق رصاصة في اللوحة الأخيرة"!
لقد تحول هذا التعليق منذ ذلك الوقت إلى واحدة من أهم المبادئ في المسرح العالمي والمتعلقة بأهمية عناصر الأكسسوار المتواجدة على خشبة المسرح وعدم جدوى وجود ما لا معنى أو ضرورة له من الناحيتين الدرامية والدلالية. فخشبة المسرح ليست مشجباً للملابس ويجب إلا يتم التعامل معها ببساطة ولا مبالاة.
1.
إذا ما علَّق اليهودي على باب بيته نجمة داود، والمسيحي الصليب، والمسلم الهلال (أو أي رمز إسلامي آخر) فإن الأمر، ربما، لا يتعدى كونه محاولة "للإعلان" عن انتمائهم الديني (بغض النظر عن هدف هذا الإعلان)، ولا ينبغي أن يجد المرء في الأمر أية غضاضة، رغم أنه نزوع لا يستجيب لحياتنا المدنية المعاصرة ولا ضرورة له. ومع ذلك فهو أمر شخصي ولا يفترض منَّا أن نذهب بعيداً في التفسير والتعليل.
2.
ولكن حين يبدأ مؤلفون يهود في مجالات الفلسفة والعلوم والثقافة والسياسة كتبهم مثلاً بعبارة " اسمع يا إسرائيل: الربّ إلهنا، هو ربّ واحد، فأحبب الربّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكلّ قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك"، والمسيحيون بعبارة "باسم الأب والابن والروح القدس" والمسلمون بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"، فأن الأمر سوف يختلف جذرياً عن حالة الأشخاص المتدينين العاديين وما يعلِّقون على أبواب بيوتهم!
إن مثل هذا "التقليد" سوف يخضع لا محالة لـ"مبدأ تشيخوف" الدرامي: نحن الآن أمام عمل واع من قبل المؤلف يعبر من خلاله (وبغض النظر عن المجالات العلمية التي يكتب فيها) عن منطلقات فكرية/دينية/عقائدية وإنَّ ما سينتهي إليه من خلاصات وأحكام وقضايا قد تم بلورتها منذ الصفحة الأولى: حين يبدأ الكِتَابُ بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" فإنه سينتهي لا محالة بـ "تم الكتاب بعون الله تعالى"!
إنَّها طلقة الخلاص من العقل!
3.
إنه لا شكَّ أمر ينقض المنطق والمنهج العلميين في أية عملية بحث عقلية. أنْ ينطلق الكاتب في الحديث عن "نظرية الكم" أو "مبادئ الحريات المدنية"، أو "جماليات النحت" وغيرها من الموضوعات الممكنة من عقيدة دينية واضحة المعالم حددها منذ الصفحة الأولى فإن كتابه منذ الصفحة الثانية إلى نهايته يفقد "قيمته"، إن كان له قيمة؛ ويفقد "معناه" إن كان له معنى؛ ويفقد "مصداقيته العلمية" إن كانت له مصداقية!
وعندما تكون هذه "المظاهرة الدينية" واعية ومدركة الأهداف والنتائج فإن ادعاء الانتماء إلى "البحث العلمي" هو ادعاء سخيف ومضحك.
4.
فهل يتم عملياً مثل هذا التقليد؟
إن الواقع يكشف إن مثل هذا التقليد لا يسير عليه غير المسلمين ـ والمسلمين وحدهم! والأمر سيان: سواء كانوا من "المتحزبين" و"المسيسين"، إسلامياً (بغض النظر عن التسميات والألقاب والطوائف والفِرق)، أو يدعون أنفسهم بأنهم من "محبي التفكير العلمي" و"مناصري حقوق الإنسان" و"حرية الرأي"! إن هذا الادِّعاء لا يستقيم منطقياً.
5.
لماذا؟
الأمر بسيط للغاية:
كيف تَكْتُبَ عن "قوانين الفيزياء" مُنْطلِقاً من إيمان وعقيدة والتزام ديني؟
كيف يمكن أن تجمع "تحت إبط واحد" قوانين الكم والنسبية من جهة والبسملة وكأنك عجوز رأتْ صورتها لأول مرة بالمرآة (ربما في هذه الحالة ستقول العجوز أيضاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)!
كيف يمكن أن تؤمن بكون هناك "خالق" للكون وأنت تتحدث عن القوانين الطبيعية للكون؟
كيف تؤمن بـ"معجزات" تلغي قوانين الفيزياء وتكتب بـ"قناعة" عن قانون حفظ المادة؟
كيف تنطلق من عقائد ترفض الفنون البصرية رفضاً قاطعاً وتنادي بعقيدة "البيوت التي تقنتي لوحات تشكيلية لا تدخلها الملائكة "(!) وأنت تكتب عن جماليات الأعمال الزيتية لعصر النهضة؟!
إن هذا عبث يصدع الرأس ويبدد رغبة الكلام!
فللغة تَبَعات. وللِّسياق معانٍ لا تقولها الكلمات. لا يمكنك أن تصدر كتباً وكأنك تلعب "الطاولة" في إحدى مقاهي المحلة!
إن "السَّبحلة"[1] و"البَسْمَلَة"[2] و"الحَوْقلة"[3] و"الهَيلَلَة"[4] (وغيرها من الكلمات على وزن "فعللة" . . .) هي مفاهيم محددة وتعكس تصورات محددة عن الإنسان والعالم. وحين تستخدمها بقناعة فهذا يعني أنك تنتمي إلى "نظام عقلي" بعيد كل البعد عن "الأنظمة العقلية" العلمية.
واذا كنت تكتبها عن غير إيمان وقناعة فأنت كذَّاب مداهن! فلماذا تبدأ الكتابة بها إذن؟
6.
إن هذه لصورة من صور الهوس العربي بالدين!
الهوس بترديد أسماء الله ورموزه وكأنَّ هناك من يراقب الكُتَّاب عن كثب ليرى هل يبدأ الكِتَاب بالسملة أم لا!
إنه هوس يبدد ضياء العقل ويستنفد طاقته.
هو سير في الأنفاق المسدودة وكأنه آلة "الزمن" التي لا تعمل إلا بالعودة إلى الوراء ـ العودة إلى "خير القرون"!



[1] القول "سبحان الله"!
[2] القول "بسم الله الرحمن الرحيم"!
[3] القول "لا حول ولا قوة إلا بالله"!
[4] القول "لا الله إلأا الله"!


ملكوت الممنوعات


نَحْنُ الآنَ فِي مَلَكُوتِ النَّظَريَّاتْ!
نَحْنُ الآنَ فِي مَلَكُوتِ الإلَهِيَّاتْ!
نَجْتَزِءُ منها ما نَشْتَهي ونُحَدِّدُ المَسَارَاتْ:
هَذَا حَرَامٌ،
وَهَذَا مُسْتَحَبْ!
هَذَا تَمَامٌ،
وَهَذَا إثْمٌ مُرْتَكَبْ!
مَرْحَبَاً يَا مَلَكُوتَ الممنوعاتْ!



لاءات







1.
لَا تَطْلُبْ مِنَ اللهِ السِّتْرَ!
فَهُوَ لَيْسَ سِتّارْ.
لَا تَطْلُبْ مِنَ اللهِ أنْ يَحْمُلَ أعْبَاءَكْ!
فَهُوَ لَيْسَ قِطَارْ.
لَا تَطْلُبْ مِنْهُ الرُّزْقَ!
فَهُوَ لَيْسَ مِصْرفَ ادْخَارْ.
2.
لَا تَسْألْ اللهَ المَغْفِرَةْ!
فَهُوَ لَيْسَ غَفَّارْ.
لَا تَطْلُبْ مِنَ اللهِ المَعْرِفَةْ!
فَهُوَ لَا يَعْرِفُ حَتَّى عَدَدَ البِحَارْ،
بلْ لا يعرفُ أصْحَابَ الكَهْفِ،
ولا يعرفُ إنْ كانَ الكلبُ:
رابعَهُمْ أوْ خَامِسَهُمْ (فَهَذَا سِرُّ الأسْرَارْ!) 
3.
لا تُكَّلِفْ نَفْسَكَ زِيَارَةَ "بَيْتِهِ"!
فَهُوَ يَسْكُنُ بِالإيجَارْ.
لا تُصَلِّ لَهُ أبَدَاً!
فَمَلَايينَ النَّاسِ فِي قَاعَةِ الانْتِطَارْ.
4.
لا تَبْعَثْ لَهُ رَسَائِلَ!
فَهُوَ يَكْرَهُ الأخْبَارْ.
لا تَحْيَا مِنْ أجْلِهِ!
فَهُوَ فِي لَحَظَاتِ الاحْتِضَارْ.
ـ هَلْ تَفْهَمُ ما أقُولُ يَا حِمَارْ؟!



نَحْنُ بِصَرَاحَة . . .

دّنَاصِيرْ


1.
نَحْنُ بِصَرَاحَةْ: مُخَلَّفَاتْ!
نَحْنُ بَقَايَا أسَاطِيرْ
نَحْنُ مُتَحَجَّرَاتْ
نَحْنُ دّنَاصِيرْ
ومَعْلُومَاتٌ مُزَيَّفَةْ فِي الأَضَابِيرْ
نَحْنُ مُعَلَّبَاتْ:
خَلِيطٌ مِنْ ضَفَادِعَ فَاسِدْةٍ ولُحُومِ الخَنَازِيرْ
نَحْنُ تُرَّهَاتْ
نَحْنُ خَوَابِيرْ[1]
نَحْنُ "ظَاهِرُةٌ صَوْتِيَّةْ"
نَحْنُ مُجَرَّدُ تَسْجِيلاتْ
تبَثُنُّاَ الإذَاعَاتْ
وَمَحَطَاتُ الأقْمَارِ الصِّنَاعِيَّةْ
نَحْنُ، مَا يُسَمَّى "جَمَاهِيرٌ عَرَبِيَّةْ"
مُجَرَّدُ كَائِنَاتْ:
نَقِفُ فِي الطَوَابِيرْ ــ أيَّاً كَانْتْ هَذِي الطَوَابِيرْ!
طَوَابِيرُ الخُبْزِ
طَوَابِيرُ الانْتِخَابَاتْ
طَوَابِيرُ الهُرُوبِ مِنَ الذَّاتْ
والبّحْثِ عِنْ ملاجئ فِي الغَرْبِ للصَّدَقَاتْ!
2.
"نَحْنُ أمَّةٌ أمُيَّةٌ
لا تقْرَأُ ولا تَعْرِفُ الحِسَابْ"[2]
لا تَزُورُ المَتَاحِفَ
لا ترَتَادُ المَكْتَبَاتْ
لا تَطْرُح الأسْئِلَةْ ـ لا تَبْحَثُ عَنْ إجَاَباتْ!
تَبْدَأُ اليَوْمَ بِالتَّعُوذِ مِنْ الشَّيْطَانْ
وَتَنَامُ عَلَى فِتَاتِ الحُكُومَاتْ
3.
نَحْنُ ضَحَايَا الإجْمَاعِ والقِيَاسَاتْ
نَحْنُ ضَحَايَا أوْهَامِنَا:
الآنَ وَعَلَى مَرِّ العُصًورْ
لا صَوْتَ لَنَا ــ
نحن "إمًعَاتْ"،
نُرَدِّدُ الأسَاطِيرْ
بَلْ ـ نَحْنُ مِنْ غَيْرِ وُجُوهْ
نَحْنُ فُقَاعَاتْ
نَحْنُ، بِصَرَاحَةْ:
مُجَرَّدُ طَرَاطِيــرْ! [3]
________________________________________________

[1] "الخابور" مجرد قطعة من الخشب أو البلاستك يُسَدّ بها ثَقْبٌ في الحائط ليسهل تثبيت البرغي (المسمار اللولبي).
[2] "إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسِبُ"! [حديث نبوي]
[3] الطُّرْطُورُ: شخص ضعيف لا يملك اتّخاذ القرارات والجمع : طراطيرُ

مُجَرَّدُ كَلِمَات

كانَ واقعاً مصنوعاً من العاداتِ والكلماتْ
كفقاعاتِ الصابونِ: بِضْعُ لحظاتْ،
ثمَّ تنهارُ، فتفقدُ صُورَتَها
وكأنَّها لَمْ تَكُنْ يوماً،
لَمْ تَكُنْ إلَّا بقايا ذكرياتْ
أوْ بقايا أصواتٍ قلقةْ:
بيتٌ
أخوةٌ
واصدقاءْ
ودٌّ وأواصرُ وعلاقاتْ،
واهتماماتْ،
وعلاقات الدمِّ،
وذكرياتُ الطفولةِ، ولقاءاتُ المناسباتْ
تبخرتْ معانيها، وَلَمْ يبقَ إلَّا:
كلماتْ،
مُجَرَّدُ كلماتْ
لا مَعْنَى لَهَا،
مُجَرَّدُ كلماتْ . . .

هذا ما جناه علي أبي: الإسلام VS الحقوق المدنية!

1.
هذا ما جناه عليَّ أبي وما جنيت على أحد!
هكذا عبر أبو العلاء المعري عن لوعته من الواقع اللامعقول للدولة الإسلامية وهو في نفس الوقت رفضٌ لهذا الواقع. فهو مسلمٌ لا لسبب إلا لأنَّ أباهُ مسلمٌ!
ولكي نلتزم بقول الصدق والحق فإننا ينبغي أن نقول:
ــ "هذا ما جناهُ عليَّ أبي وما جناهُ أبوه عليه"!
ويمكن العودة إلى الوراء في "سلسلة الجنايات" حتى بدايات تاريخ سيرة محمد وفرض الإسلام بإنصال السيوف! 
لم يكن أمام الناس أي مخرج آخر غير "الدخول" في الإسلام "أفواجاً"! فعساكر مرتزقة المسلمين هي الأخرى "أفواجاَ" وكانت تدمر أمامها كل شيء: 
اغتصاب النساء والأموال والأرض وقتل الرجال وحرق الأشجار. فأي بديل تبقَّى أمام الناس؟
2.
ولكن، ولتكن "لكن" كبيرة: 
أليس هذا مناقضاً لفكر ومعتقدات الإسلام؟
استناداً إلى العقيدة الإسلامية فإن المسلم من قَبِلَ "أركان" الإسلام التالية:
الإيمان بالله وبالأنبياء والرسل وبالملائكة وبالكتب السماوية وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر (ومن له رغبة في الإضافة فليضف!).
3.
إذن "اللامسلم" [كائناً من كان ــ آمن بإله آخر أو لم يؤمن] هو من لا يؤمن بهذه "الأركان". 
هذا أمر معقول ومقبول. ولأنني لا أؤمن بهذه "الأركان" ولا بأي أركان دينية أخرى، فأنا لست مسلماً. ولأنني لست مسلماً من حيث المبدأ واستناداً إلى عقيدة المسلمين ذاتها فإنه ليس من الممكن أن أكون مرتداً عندما أرفض الإسلام! لأن "حكم المرتد" يتعلق بــ "المرتد" عن الإسلام[**]. و"المرتد" هو من أنكر إيمانه بعد أن آمن.
4.
وبالتالي فإن:
"حكم الردة" لا يمكن تطبيقه على المسيحي واليهودي والبوذي والبهائي أو “أي شخص آخر" لأنهم لا يؤمنون إمَّا بجميع الأركان الستة أو ببعضها أو بواحد منها.
فلماذا، إذن، تسعى حكومات دول القمع إلى تطبيق هذا الحكم على الأشخاص الذين يرفضون الإسلام، علماً بأنهم لم يقدموا يوماً إقراراً خطياً أو شفهياً على إيمانهم؟!
ما الفرق في هذه الحالة، مثلاً، ما بين المسيحي واللامسيحي (؟). أو لنقل بكلمات أكثر وضوحاً، ما بين المسيحي الذي لا يؤمن بأركان الإسلام والشخص الذي من أب مسلم ولا يؤمن هو الآخر بهذه الأركان؟
ــ لا فرق.
فهما كلاهما لا يؤمنان بأركان الإسلام ولم يكونا يوماً مسلمين، ولم يقدما يوماً إقراراً خطياً أو شفهياً على إيمانهما أو انتمائهما إلى الإسلام!
فلماذا يطبق "حكم الردة على" الشخص الذي ينحدر من أبٍ مسلمٍ ولا يطبق على المسيحي مثلاً، وكلاهما يرفضان أركان الإسلام [***]؟!
5.
وكيف يمكن أن يرث الابن عقيدة أبيه؟
أنا أعرف بأن الإسلام لا يفقه شيئاً من الميراث [أنظروا آيات الميراث في كتاب محمد]، ولكن الأمر لا يتعلق بأشياء عينية [مواد]، بل بعقيدة. والعقيدة فردية: الإنسان يؤمن بشيء بنفسه ومن أجل نفسه وليس ممثلاً عن الآخرين!
6.
هذا هو خرق من أكبر الخروقات الإسلامية للحقوق المدنية. وفي قبضة هذا "الحكم" يقع الملايين من الناس [عشرات المرات أكثر من ضحايا القمع السياسي والديني والجنسي].
وهذا هو سبب صرخة الجزع من الإسلام التي أطلقها المعري. لأنه ليس من المعقول أن يرث المرء عقيدة أبيه فالعقيدة، كما يدعي المسلمون، لها أركان وشروط وليس نعالاً أو كيساً من الروث يرثه الأبن أو البنت!
متى سوف يعقل هؤلاء الناس؟

هوامش:
[*] (VS) هي اختصار لكلمة VERSUS الإنجليزية وتعني "ضد".
[**] إذا توجد شروط أخرى لكي يكون الشخص مسلماً فليتفضل بقولها من شاء أن يقولها.
[***] من حيث المبدأ أنا أرفض رفضاً مطلقاً "حكم المرتد" ولكنني أحاول هنا أن أكشف عن صورة أخرى له وهي اللامعقول في تفكير المسلمين. فـ"حكم الردة" صيغة إسلامية لعشرات القرارات والأحكام "القانونية" التي شرعتها النازية والفاشية والستالينية وغيرها من الأنظمة الشمولية التي لم تكن الأنظمة العربية تفتقر إليها.

اسْتِفْتَاء

ـ السلام عليكم "مولانا"، لابد وأنكم تعرفون مبدأ "هايزنبرغ": "مبدأ اللايقين" المتعلق بعدم إمكانية قياس سرعة الإلكترون وتحديد موقعه في آن واحد بدقة كاملة. 
وكما تعرفون [فأنتم المجتمهدون!] فإن من نتائج هذا المبدأ هو عدم التيقن من الحقيقة بصورة مطلقة ويقين تام. 
فكيف تنظرون يا مولانا إلى حقيقة الأئمة المعصومين على ضوء هذا المبدأ؟
ـ يا ولدي، حفظك الله، طالما كان وجود الأئمة المعصومين، عليهم السلام، قد سبق اكتشاف هذا الذي سميته "هايزنبرغ"،  فإن "مبدأ اللايقين" لا يشملهم!
ـ وهل هذا يتعلق بقانون الجاذبية أيضاً، يا مولانا؟
ـ اغرب عن وجهي يا فاسق!




فَكِّرْ لَحْظَةً!


1.

فَكِّرْ لَحْظَةً!
فَالأمْرُ جِدٌّ بَسِيطْ:
لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤَهِّلَاتٍ أكَادِيمِيِّةْ
بلْ لَا يَقْتَضِي حَتَّى رُسُومَاً مَالِيَّةْ!
فَكِّرْ لَحْظَةً!
فَالتَّفْكِيرُ لا يُسَبِّبُ أيَّ َّأذِيَّةْ
التَّفْكِيرُ، يَا سَيِّدِي، خَصْلَةٌ بَشَرِيَّةْ!
2.
فَكِّرْ لَحْظَةً!
مِنْ غَيْرِ لَفٍّ أوْ دَوَرَانْ
مِنْ غَيْرِ أنْ تُفَكِّرَ بِالجِيرَانْ
فَالأمْرُ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةْ
انْسَ كَلامَ النَّاسْ!
انْسَ الكُتُبَ المَدْرَسِيَّةْ
وَاسْألْ نَفْسَكَ مَرَّةً:
هَلْ رَأيْتَ اللهَ فِي يَوْمٍ مَا؟ 
هَلْ سَمِعْتَ صَوْتَهَ؟
هَلْ وَقَفَ يوماً في صَفِّكّ
هَلْ شعرت بآثَارِه العلوية؟!
3.
لا تَخْجَلْ مِنْ عَدَالَةِ الجَوَابْ!
لا تَرْتَعِبْ!
فَأنْتَ وَحْدَكَ الآنْ ـ
وَلا تَنْسَ أبَدَاً:
أنْتَ جَوْهَرُ القَضِيَّةْ!
لا تُفّكِّرْ بالآخَرِينْ!
الأمْرُ جِدٌّ بَسِيطْ
فَهُوَ لَيْسَ قَضِيَّةً دِينِيَّةْ!
4.
فَكِّرْ بِمَا حَوْلَكَ!
فَكِّرْ بالحقائقِ اليَوْمِيَّةْ:
هَلْ حَفَظَتْكَ الصَّلاةُ مِنَ الحِرْمَانْ؟
هَلْ حصَّنَ الحَجُّ أطفالكَ من آفَاتِ الزَّمانْ؟
وهَلْ أنْقَذَكَ من بَلايَا السَّرطانْ؟
أوْ حَوادِثَ المُرُورِ وَظُلْمِ السُّلْطَانْ؟
5.
فَكِّرْ لَحْظَةً!
لا تَنْظُر إلى السَّمَاءْ!
فالسَّمَاءُ قَضِيَّةٌ نِسْبِيَّةْ
أنْظُرْ إلى نَفْسِكَ!
فَكِّرْ بِمَا حَوْلَكَ!
فَكِّرْ بِمَا تَرَاهُ عَبَرَ النَّافِذَةْ،
فَكِّرْ بِتَارِيخِ العَائِلَةْ:
هَلْ رأيتَ اللهَ في مِكِانْ؟
وَهَلْ سَمِعْتَ في يومٍ مَا،
إنَّهُ أعْلَى مِنَ الإرَادَةِ المَلَكِيَّةْ (أو رئيس الجمهورية، فالأمر سواء)؟
6.
أنْتَ حُرٌ يا أخِي، قَرِّرْ مَا تَشَاءْ!
فَالأمْرُ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةْ
غَيرَ أنَّكَ لا تَنْسَ:
لا غَيْرُكَ سَيَكُونُ الضَحِيَّةْ!



خديجة بنت خويلد والدليل التجريبي على نُبُوَّة محمد!

لوحة بالأسود والأبيض تصور ملاكاً وما "يشبه محمد"


 1.

من أشدَّ ما يكره اللاهوت الإسلامي هو المنطق العلمي التجريبي!
والسبب بسيط ومتجذر في المنطق اللاهوتي ذاته: هو استناده المطلق إلى الإيمان الغيبي. وبالتالي فإن الأدلة التجريبية ستقع لا محالة خارج الثقافة الدينية- إنها ألد أعداء هذه الثقافة. 
أما ما يعتقدوه منطقاً تجريبيا للبرهنة على وجود خرافة "الله" وحقيقة خلقه للعالم فهو منطق فاسد في جوهره، وساذج في جدليته، لا يصلح إلا للمؤمنين - والمؤمن "جاهز" لتلقي مثل هذه البراهين من نوع: " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ. . . . . . . " [الغاشية/ 17- 20].
حسناً:
كيف خُلقت الإبل؟
وكيف رُفعت السماء؟
وكيف نُصبت الجبال؟
وكيف سُطحت الأرض؟
لا توجد إجابات ولا يمكن أنْ يقدم الدين إجابات!
2.
ولأنَّ الحق ينبغي أن يقال، إنْ كان لنا أو علينا، فإن تاريخ الإسلام لا يخلو من الأدلة التجريبية مطلقاً، رغم أنها حادثة واحدة وحيدة لا غير وكأنها غراب أبيض تلوح في أفق السيرة الإسلامية الملتبسة و"حَمَّالة الأوجه". 
وبطل هذه الحادثة التجريبية هي خديجة بنت خويلد، وللتعريف: زوجة محمد الأولى.
3.
فكلنا يعرف ومنذ سنوات المدرسة "الحدوتة" الأثيرة على قلوب المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والخاشعين والخاشعات التي تحكي لنا قصة محمد الذي أرعبه "ظهور" الملك جبرئيل له والذي كاد يلقي بنفسه (المقصود محمد) من أعلى الجبل (لماذا لم يفعلها؟)، فيذهب إلى زوجته يشكو لها مخاوفه وشكوكه.
ولهذا تقوم خديجة بتجربة "عِلْمِيَّة"، يحسدها عليها العلم المعاصر، للبرهنة على أن من يخاطبه ويظهر له في خلوته ليس الشيطان:
فتطلب منه أن يخبرها حين يظهر له "صاحبه - هكذا تقول الحدوتة!". وحين جاء صاحبه "جبرائيل" كما كان يأتيه عادة أخبر محمدٌ خديجةَ بحضوره. فطلبت خديجة من محمد أن يجلس على فخذها اليسرى ثم طلبت منه أن يجلس على فخذها اليمنى. وفي الحالتين ظل جبرائيل ولم يغادر المكان وكان محمد يراه في الحالتين. فحينئذ تحسرت خديجة.
وها هو تَحَسُّر خديجة يلقيني في هوة الحيرة!
لماذا تحسرت؟
هل هو دليل على حيرتها، مثل حيرتي، أم أنها اكتشفت البرهان التجريبي على نبوة محمد؟!
4.
إذن، تحسرت "السيدة" خديجة وكأنها تردد في سرها صيحة الاكتشاف “وَجَدُتَها!". ثم طلبت من محمد أن يجلس في حجرها رافعة خمارها. وهذه هي "الخطوة التجريبية" الحاسمة: 
فإذا كان مَنْ يظهر لمحمد شيطان فإنه لن يخجل من "عري" خديجة ولن يغادر الغرفة. أما إذا كان الذي يظهر لمحمد هو "الملك جبرائيل" فإن "حياءه" سيمنعه من البقاء في الغرفة وسيختفي حالاً!
وحالما رفعت خديجة خمارها فإن جبرائيل قد قرر الاختفاء (أو الهرب، لا أحد يعرف) ولم يعد محمد يراه.
- لم أعد أراه!
قال محمد متنهداً.
فقالت خديجة بكل ثقة "علمية":
- يا بن عمِ، اثبتْ وأبشرْ! فوالله إنه لملكٌ وما هو بشيطان!
...
وها أنا أخُرُّ على ركْبَتَي من شدة الانفعال وجسامة التجربة الدينية التي مررتُ بها مع خديجة وأنا أستعيد "الحدوتة" في ذاكرتي وكأنني خديجة نفسها أشاهد بأم عيني ولادة نبيٍّ مصطفى من ربه. في هذه التجربة الروحية تشهد خديجة عقيلة محمد وخازن أسراره"بل تبرهن" بأن محمداً هو الرسول المُرْتَقَب!
5.
ها هو البرهان التجريبي الذي عجزت أكثر من 14 قرناً من تاريخ الإسلام عن تقديمه على نبوة محمد!
البرهان الذي حير اللاهوت الإسلامي وحيرنا معه (لأنهم بدلاً من تقديم البرهان أخذوا يطالبوننا بتقديمه).
إنه البرهان الصَّلْبُ الذي لا يمكنه إبطاله مهما حاول الملحدون!
فقد أثبتت خديجة وبصورة تجريبية/ عيانية/ علمية/ استقرائية/ واضحة/ بسيطة/ مقنعة/ قابلة للتكرار/ ومفهومة من قبل جميع البشر/ أن الذي كان في غرفة نومها هو مَلَاكاً أميناً على إبلاغ العَهْدِ لمحمد/عفيفاً/ شريفاً / خجولاً/ مؤدباً/ خلوقاً/ لا ينظر إلى عري النساء!
الله أكبر!
إنه الملك الأمين!
6.
هنا لدينا مادة للتأمل:
إنَّ مَنْ كان في غرفة نوم محمد وخديجة ليس الشيطان:
أليس هذا ما تقوله "الحدوتة"؟
وهذا يعني، منطقياً، أن الشيطان أكثر عفة واحتراماً لحياة الناس الشخصية. فــ"الملك" هو الذي كان "يبصبص" في غرفة نوم خديجة! لأنه لم يكن مضطراً الظهور لمحمد في غرفة النوم بالذات. فصحراء الله العربية واسعة لا حدود لها وكان يمكن أن يختلي بمحمد في أية نقطة من هذه الصحراء الشاسعة!
7.
ولكننا لا يمكن أن نغير أحداث الماضي. 
هذا ما حدث وعلينا قبوله. هكذا يقول منطق التاريخ. لكن وجود الملك في غرفة نوم محمد يقلقنا.
كما أننا لا نعرف سبب مغادرته الغرفة عندما رفعت خديجة خمارها؟!
هذا سؤال بمثابة مفترق طرق.
فالإجابة عليه تغير مسارات الحدوتة والدروس المستفادة منها. فهي تقول لنا بأن الذي كان في غرفة نوم محمد وخديجة هو الملك. وإذا كان هو الملك حقاً فلماذا ظل في مخدع الرسول المنتظر مع زوجته حتى رفعت الأخيرة خمارها؟!
ما هو هدف هذا "الملك" من وجوده في مخدع محمد وخديجة من حيث المبدأ؟ 
فإذا كان يريد أن ينقل رسالة من ربه لمحمد فلماذا لم يتفوه بكلمة (الآن يخطر على بالي قصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت/عيني في لغة الهوى عيناك
لماذا لم يحرك ساكناً إلا عندما رفعت العجوزُ خمارها؟
فهل كان خروجه (أو اختفاءه) عفة أم هروباً من هول الصدمة؟!
8.
إن "دماغي المعاصر" وثقافتي الحياتية وتعليمي الأكاديمي تأبى عليَّ أن أقف عند هذا الحد.
ثمة قوة هائلة تنبع من أعماقي تصرخ بأعلى صوتها: كيف يمكن لشخص عاقل في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يأخذ هذه الخرافات مأخذ الجد؟!
أيُّ انهيار يصيب خلايا الدماغ ويعيق عملياته لكي يقبل الإنسان مثل هذه الترهات؟!
9.
كما تسرد لنا "الحدوتة" هذا الحَدَثَ النبوي العظيم وبلسان شيوخ الإسلام أنفسهم فإن تفاصيله تدفعني إلى أن أسجل دهشتي، بل حيرتي العميقة، إزاء سلوك هذا الرجل الذي تجاوز الأربعين، كما تخبرنا "السيرة":
أولا، كان محمد ينفذ كل ما تطلبه منه خديجة، وكأنه صبي معتوه، من غير سؤال أو اعتراض أو ملل، وهذا الرجل الذي لا حول له ولا قوة سيصبح "نبياً"!
ثانياً، كما تقول لنا السيرة، وعلينا أن نثق بها "!"، فإن خديجة أكثر "حكمة" ومعرفة بأمور السماوات وجبرائيل "شخصياً" من محمد نفسه. وهذا أمر جدير بالاهتمام.
إلى متى سيماطل المسلمون بالتهرب من المنطق السوي؟ 
فإذا كان محمد مختاراً من الله فلماذا لا يخبره الله شخصياً أو عن طريق "الملك" (وتنتهي المشكلة)؟
هل يريد اختبار إيمان محمد؟
إذن، فإن محمداً قد فشل في الامتحان فشلاً ذريعاً بغض النظر عن طبيعة الأنظمة والمناهج الامتحانية المتبعة في العالم: فهو كان خائفاً/متردداً/ مرتعباً/شكاكاً/مرعوباً/ ترتجف فرائصه وكلما "يظهر" له الملك يسارع لإخفاء رأسه في أحضان زوجته صارخاً: "زملوني .. زملوني .. دثروني .. دثروني"!
ثالثاً، لم أستطع (ولن أستطع) أن أفهم ماذا يفعل جبرائيل في غرفة نوم محمد وخديجة؟ 
فإذ كان هذا "الجبرائيل" مؤدباً وعفيفاً حقاَ، كما شاءت السيرة أن يكونَ، فلماذا اكتفى بالمراقبة السلبية بدلاً من أن يفعل شيئاً وينهي الموضوع؟! 
فهل هو على اتفاق مع خديجة؟!
وأليس من الممكن أن يكون هذا "الملك" خادماً من خدمها؟
10.
لكم تمنيت أن تكون برهنة خديجة التجريبية على نبوة محمد تمتلك ما يكفي من التماسك، ولكن للأسف أدى سلوك "الملك" إلى أتلاف تجربة البرهان "الخديجي". 
كاد البرهان ينجح لو أن "الملك" قد غادر غرفة نوم محمد وخديجة منذ جلوس محمد على فخذ خديجة!
لقد فشلت التجربة وها نحن بخفي حنين!
ومن جديد لا أدلة تجريبية على نبوة محمد ولا هم يحزنون!



فذلكات لغوية وأسالبيب قرآنية ...



[هذه هي لغة الكهنوت الإسلامي!]

1.
لم يخضع كتاب ديني “للمناورات اللغوية" و"الألعاب البهلوانية" مثلما خضع القريان! وهو لايزال يخضع لهذه المناورات حتى الآن!
إن الهدف الوحيد من هذه "المناورات" هو الدفاع عن "نص القريان" بعد أن اتضح للقراء المعاصرين لا معقوليته الدلالية من جهة، وسعياً إلى التوصل إلى معنى محدد ينقذ هذا النص ويزيل هذه اللامعقولية من جهة أخرى!
وفي الجزء الأعظم من هذه المناورات تتم هذه "العملية" بصورة مكشوفة وواعية (إذا كان ثمة وعي بذلك) حيث يتم "لوي عنق" اللغة العربية إلى حد إزهاق روحها!
لقد نشأت هذه الظاهرة منذ بداية مرحلة ما يسمى "بالتدوين" ومن ثم محاولة إعطاء "دلالات منطقية" للنصوص لا تتعارض مع الأفكار المسبقة لما ينبغي أن تكون عليه دلالات القريان أو العقائد الإسلامية المتفق عليها، مسبقاً، بالعصا السحرية التي تسمى "الإجماع"! وإن "استخدام" اللغة العربية كمنافذ للهروب بصدد تفسير نص القرآن يصح هو الآخر بالعلاقة مع "تفسير" نصوص الأحاديث أيضاً.
2.
فاذا ما أخذنا بنظر الاعتبار القاعدة الفقهية والمبدأ الأصولي بكون أحاديث محمد تمثل تفسيراً وتوضيحاً لنصوص القريان، فإن بذل جهود "جبارة" للوصول إلى تفسير معقول منطقياً لأحاديث محمد هو أمر عبثي من طراز فريد:
فالنص "المُفَسِّرُ" للنص "المُفَسَّرِ" يتحول إلى نص يحتاج إلى "تفسير"!
3.
أما من الناحية التاريخية ـ الوقائعية فإن مراكز السلطات الدينية قامت خلال مرحلة التدوين، عملياً، "بكتابة" جديدة للقريان ليس عن طريق التفسير المتحرر من أية قيود منطقية وعقلانية وعمليات "التأويل" الاعتباطية فقط بل وعن طريق "اختلاق" إطار معقول للنص القرياني بما يسمى بــ " أسباب النزول" والحديث. وهذه هي الظروف التاريخية التي أعطت الدلالات التي ورثناها!


4.
هذا هو المنطق المتغلغل (والمكشوف بالعين المجردة في نفس الوقت) في كامل التاريخ النصيِّ للقريان والحديث والإسلام. حتى أضحى من المستحيل تفسير النصوص العقائدية الإسلامية من غير هذا المنطق التبريري الساذج.
غير أن التراجيديا التاريخية هي أن مرحلة التدوين لم تقم بـ “صنع الدلالات" فقط بل وقامت بتدمير جميع الوثائق التاريخية الممكن وجودها آنذاك وتجاهلت كل الحقائق الممكن وصولها بما يتعلق بالفترات الإسلامية السابقة والحقائق المتعلقة بـ “القريان" والتاريخ الإسلامي ذاته.
وفي عصر الإنترنيت تحولت هذه "المناورات" و"الفذلكات" إلى ظاهرة شاملة في متناول الجميع: أساتذة اللغة العربية منهم وأنصاف المتعلمين ورجال الدين والمراكز الجامعية على حدٍ سواء!



وهو تكرار ممل وسخيف في ظروفنا الثقافية المعاصرة وقدرتنا على الوصول إلى حقائق ومعلومات ما كانت بمتناول السلف "المؤسسين" لهذا المنطق، بل ولم يكن يخطر على بالهم (وكأنه لم يخطر حتى على بال الخلف أيضا) بأننا بلمح البصر نستطيع مقارنة العشرات من النصوص وأن نكشف بثوان عن مختلف الجمل وعن عشرات الكلمات في أي نص نرتئي تحليله. بل لم يخطر على بالهم أن يكون في حوزتنا ليس ما كان في متناول "السلف" من كتب اللغة، بل أضعافها، وفي مقدورنا بسهولة خارقة التعرف على مضامينها والتحقق من رأي مختلف المدارس اللغوية والاتجاهات الفكرية!
5.
هذا هو مصدر الكابوس الإسلامي ولا تنفع جميع المحاولات الترقيعية والتقنيات التبريرية. بل إن هذه "الفلسفة" تزيد الطين بله وتدفع بهم إلى "مصائد" ومفارقات مضحكة وتفسيرات لا معقولة مضاعفة.
والحل بسيط جداً للخلاص من هذا الكابوس:
الاعتراف بالأخطاء اللغوية النحوية والإملائية؛ والاعتراف بعدم معرفة معنى الكثير من كلمات القريان أو الرجوع إلى أصولها الآرامية والعبرية والحبشية والفارسية وغيرها وقبول حقيقة الأصول المختلفة لنصوص القريان والتدخلات التاريخية والفوضى التي تعصف بكل سوره والتخلي عن الترتيب اللاتاريخي لسور القريان والاعتراف بأسطورية الحديث وأمور أخرى يعرفها أغلب دارسي القريان والحديث والنصوص الإسلامية الأخرى.
وإذا ما بدا هذا الحل للدوائر المتحكمة بواقع الإسلام بأنه أمر كارثي ومستحيل، فإن لحقائق الواقع قوة القوانين الطبيعية التي لا يمكن تغييرها:
فالسرطان المستفحل والمتغلغل في جسد المرء لا يمكن علاجه بأقراص الأسبرين وإن العمليات الجراحية المتطرفة لاستئصال الأورام السرطانية والتي تفرض في كثير من الأحيان استئصال عضو بكامله لا مفر منها!
6.
هذه هي الحقيقة.
وإذا شاءوا إن يضربوا رؤوسهم بجدارها بدلا من إدراكها - فهم أحرار!

 




مهرجون

مهرجون


أنْتُمْ مُهَرِّجُونْ
حّتَّى كأنَّكَمْ تَخَرَّجْتُمْ مِنْ أكَادِيمِيَّةٍ للفُنُونْ!
تَطْلُونَ وُجُوهَكُمْ بِالمَسَاحِيقِ
وَتَرْتَدُونَ أسْمَالَ المَيْمُونْ
وَتَتَظَاهَرُونَ مَرَّةً بالبَلَهِ ـ ومَرَّةً بِالجُنُونْ
تَصْنَعُونَ مِنَ الأوْهَامِ كَائِنَات ٍلَا وُجُودَ لَهَا
وحين تَصْحُونَ مِنْ غَفْلَتِكُمْ ـ تسْجُدُونَ لَهَا
وَتَكَبِّرُونَ بِاسْمِها!
تَدَّعُونَ كُلَّ مَا لَا يَكُونُ أوْ مَا لَنْ يَكُونْ
فَتُصَدِّقُونَ، يَا لِلْعَجَبِ، مَا أنْتُمْ مُدَّعُونْ!
لا تَقْبُلُونَ البَرَاهِينَ
وتَحْتَقِرُون الوَقَائِعَ
وَحِينَ تُجَابَهُون بالحَقَائِقْ:
تَلْتَفُّونَ حَوْلَ أنْفُسِكُمْ كَالحَلَزُونْ
هَذَا هُوُ تَأرِيخُ "تَأرِيخِنَا" المَصْنُوعُ مِنْ الظُنُونْ،
وَمِنْ رُكَامٍ كُتُبٍ "تتناسخُ" فِيمَا بَيْنَهَا
وَافْتَرَاضَاتٍ مِنْ غَيْرِ بَرَاهِينْ
تَتَعَاطُونَ كُلَّ "المُوبِقَاتِ" باسْمِ الدِّينْ
تَكْذِبُونَ،
تُدَلِّسُونْ،
وَتُزَوِّرُونَ الأحَدَاثَ وَتَخْرِقُونَ كُلَّ القَوَانِينْ
هَذِي هِيَ سَرَادِيبُكُمْ،
هِيَ مِلْكٌ لَكُمْ!
وسَتَبْقُونَ فِيهَا أبَدَاً قَابِعُونْ!




نَكُونُ أوْ لا نَكُونْ!

هاملت

1.

كانُ السؤالُ يتردَّدُ كَتَعْوِيذةٍ سِحْرِيَّةْ:
 " نَكُونُ أوْ لا نكونْ"!
وَلْمْ نكنْ نَعي، أنَّ هَامْلِتَ مُغَفَّلٌ بَلِيدْ
لا يفقهُ مِنَ التاريخِ شيئاً
لا يُدْرِكَ جغرافيا المَسَافاتْ
كانَ مثَالَنَا السَّخِيفْ
فَدَفَعْنَا، غَالياً، ثمنَ الحماقاتْ!
2.
كُنَّا لا نُبْصِرُ الاحتمالاتْ،
 ولا الفَرْقَ بين النظرياتْ
كنا لا نُمَيَّزُ حَتَّى الفَرْقَ ما بين أصُولِ التَّفكيرِ ومَعْنَى الكلماتْ
كنا لا نُمَيَّزُ حَتَّى الفَرْقَ ما بين بَنَاتِ الجَامِعَةِ والعَاهِرَاتْ
تَسُوقُنَا الأيديولوجياتْ،
كأنَّنَا (ولنْ أخجَلَ) منْ صِغَار الحَمِيرْ
والآنَ لا نَرَى إلا الاخْتيارَ الأخيرْ:
نهايةَ الطريقِ وطعمَ الهزائمِ والخياناتْ
3.
ألَمْ نَكُنْ نَقْرَأ وَنَبْحَثُ فِي المَكْتَباتْ!
ألَمْ نَكُنْ نَدَّعِي العِلمَ،
ونَفُكَّ ألغاز المتاهات؟
فلماذا لَمْ نبصر النَّهَايَات؟
ولّمْ نكتشفِ الأوهامَ خَلَفَ الكَلِمَاتْ؟
ولماذا لَمْ نرَ الفَرْقَ ما بين الحَقَائِقِ والخُرَاَفاتْ؟
كنا نُفَكِّرُ ،
ونبحثُ،
ونتأملُ صُوَرَ الناسِ والحيواناتْ
كنا نتعاطى الخمرَ والتدخينَ ونرتاد المتَاحِفَ والحَاَناتْ
فلماذا لم نكتشفْ حقيقةَ الأوهامِ والخيالاتْ؟!
4.
بحثنا عنِ المدنِ الفاضلةِ ببوصلاتٍ "ُصنِعَتْ في الصَّينْ"
فكانتْ تشيرُ لنا إلى بضعِ متاهاتْ:
موسكو، صوفيا، برلينْ ..
كنا نسألُ عَنْ موعدِ الطَّائراتِ والقِطَاراتْ
وعَنْ تأشِيراتِ السَّفرِ
وعَنْ أسْعارِ العملاتْ
كنا نسألُ الكثيرَ ولَمْ نسألْ يوماً السؤالَ الوحيدْ:
هَلْ هَذِي هيَ الطَّريقْ؟!
هَذِي هِيَ نِهَايَةِ الأخطاءِ والحماقاتْ:
حَفْنَةٌ من الأيَّامِ لا غيرَ وبقايا ذكرياتْ!



قضية منطقية!

هِيَ قَضِيَّةٌ مَنْطَقِيَّةْ:
لا تَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ أو بحوثٍ أكادِيمِيَّةْ!
كلُّ حاكمٍ، ومنذ أن شَرَعْنا بِفَبْرَكًةِ التأريخِ، طاغِيَة!
هذي هِيَ القَاعِدَةُ الذَّهَبِيَّة!
وكلُّ خِلَافٍ ـ إنْ كانَ ثّمَّةَ خِلَافْ،
وكلُّ شذوذٍ عَنِ الْقاعِدِةْ،
هُوَ افتراضٌ،
هُوَ محضُ ادِّعَاءْ،
هُوَ، بالأحْرَى، أُسْطُورَةٌ عَرَبِيَّةْ!

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر