منع

القطة السوداء وعلمها اللامحدود [2]

قطة سوداء
1.
لجارتنا العجوز قطة سوداء اسمها "ميري"، هي مصدر فخرها وإعجابها بعد أن فقدت أعجابها بنفسها ويئست في أن تكون ملكة جمال أوربا!
لا تنفك جارتنا عن الحديث عن قطتها فتتحدث أمام كل مَنْ تلتقي به عما ينبغي قوله وعما لا ينبغي. وهي لا تتردد عن وصفها بأغرب الأوصاف وأكثرها بُعداً عن طبيعة القطط حتى تساءلتُ مرة ألا يمكن أن تكون هذه العجوز الأوربية حفيدة لأبي هريرة؟!
أنا لا أعرف فيما إذا كان لأبي هريرة "خلف" أمْ لا، وآمل إلا يكون له "خلف" فهو لن يكون أقل سوءاً من السلف!
ولكن مَنْ يعرف، "الله على كل شيء قدير"!
فإذا ما استثنينا قدرة القطة على التنبؤ بأحوال الطقس ومعرفة أسعار البطاطا مسبقاٌ، كانت العجوز عاجزة عن وصف نباهتها وقدراتها "العقلية" النادرة وذكائها "الحاد". إن عِلْمَها يكاد يكون سابقاً حتى على وجودها هي شخصياً!
في إحدى لقاءاتنا (بمعنى أن نكون في مكان واحد صدفة)، والتي غالباً ما تحدث أمام البناية التي نعيش فيها أو أمام السوبرماركت القريب، حدثتني جارتنا العجوز عن اكتشاف مدهش يتعلق بقطتها.
لم يفاجئني اهتمامها بقطتها، مثلما لم تفاجئني معجزات قطتها. فقد فارقها أغلب أفراد عائلتها، ومن تبقى منهم يبعدون عنها آلاف الكيلومترات، ولكن في الآونة الأخيرة تحول اهتمامها بقطتها إلى ما يشبه الهوس حتى أخذ كل من يعرفها تجنب الحديث معها، إذ غالباً ما تسرد لهم ذات القصص عن "ميري" عشرات المرات.
ولكنها تبدو هذه المرة أكثر انفعالاً وأكثر إعجابا.
كالعادة كانت تبدأ الحديث باسمها من قبيل "ميري فعلت، "ميري عرفت"، "ميري فطنت"، وليس استثناء هذه المرة. فقد ظهر أنَّ “ميري"، قطتها السوداء، تفضل مشاهدة نشرة الأخبار ومن إحدى محطات التلفزيون بالذات وفي حالة ظهور مقدمة أخبار جميلة بعينها!
الآن تخطت جارتنا العجوز كل حدود!
الحق أنني لا أشك بنباهة القطط. فهي أكثر نباهة من الكثير من الناس الذين لا يزالون يؤمنون، مثلاً، بأن الأرض مسطحة. وإذا ما أراد أحدهم، كالعادة، برهاناً عقلياً على هذا، فإن القطط ونظراً لاعتزازها بنفسها فإنها لا تؤمن بما هو خارج نفسها!
فالإيمان عبودية، والقطة عبد لنفسها!
2.
كانت جارتنا فخورة ومنفعلة شديد الانفعال بهذا الاكتشاف حتى أنها عبرت عن غيظها الشديد من رد فعل بعض الناس في السوبرماركت القريب الذين سألوها عن الفائدة من نباهة القطة هذه: فهل ستقوم بشراء الحليب من السوبرماركت بدلاً منها؟
إن معارف القطة ونباهتها المدهشة لهي جديرة بالإعجاب ومع أنها لا تكفي لكي تقوم بشراء الحليب من السوبرماركت، فإنها تحمل لجارتنا العجوز العزاء لضياع السنين وتبخر كل الأحلام وغياب الآفاق. فسواء كانت القطة قادرة على شراء قنينة حليب أم لا، فإن الأمر سواء بالنسبة للعجوز. إنَّ اهتمام القطة بأخبار العالم يكفي بالنسبة لها.
3.
ولكن، مع ذلك، في تساؤل الناس شيء من المنطقية.
إذ أن هوس العجوز بنباهة القطة قد تعدى حدود الإعجاب بقطتها متحولاً إلى عقيدة ذكرتني في الكثير من جوانبها بعقيدة "الله العليم". إذ يكاد المسلمون، مثلاً، يقتلون أنفسهم (وقد قتل الكثير نفسه فعلاً) بسبب الهوس والحماس بعقيدة اسمها " الله". فَهُم كجارتنا العجوز لا يكفون عن الصراخ والتهليل بأن إلههم "الله" يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور"، حتى أنهم مستعدون لذبح أبناءهم، كما فعل "إبراهيمُهُم" في الخرافة التي يعرفها الجميع، حتى يبرهنون على شيء واحد لا غير: “علم الله".
القطة السوداء




إن هذا النوع من الهوس من المشكوك في إمكانية علاجه من قبل الطب النفساني. فوضعهم كوضع جارتنا العجوز ميؤوس منه؛ فالهوس قد استفحل وتحول إلى عصاب ولم يعد بمقدورهم الانسحاب حتى خطوة واحدة إلى الخلف.
4.
ولكن لنفترض أن لــ"إلَهِهِم" هذا، وكما يدعون هُمْ، عِلْمٌ لا عِلْمَ قبله أو بعده.
ولنفترض أن ما يقوله الترمذي من "إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان، وما هو كائن إلى الأبد"!
ولنفترض إن ما يرويه مسلم في "صحيحه" نقلاً عن نبيهم:" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء " !
ولن أحاجج خرافات من هذا القبيل، فللناس الحق في التخريف، ولن أبحث عن إجابة حول ما يعرفه وما لا يعرفه ربهم قبل "خمسين ألف سنة" مثلاً وليس قبل مائة ألف سنة!
حسناً، وما الفائدة من هذا العلم؟
- هل سيغير أحوالهم إلى الأفضل؟
- هل سينقذهم من البؤس والجهل والتخلف؟
- هل سيعوضهم عن خسائر الحياة؟
- هل سيشفيهم من أمراض ضغط الدم والتهاب الكلى ومرض السكر وأمراض القلب والجهاز التنفسي وتشمع الكبد ناهيك عن الأمراض الفيروسية؟
- هل سيحميهم من الكورونا فيروس مثلاً خلافاً لبقية أنحاء العالم؟
- هل سيرسل أبناءهم إلى المدراس والجامعات ويدفع تكاليفها العالية بدلاً منهم؟
- وهل سيحل مشكلة التصحر وقلة الماء؟
- وهل سيحل تناقص الغذاء؟
- وهل سيذهب لشراء قنينة حليب من السوبرماركت القريب؟
الجواب ببساطة: 
لا!
أن إمكانية الله بالقيام بكل هذه الأمور لا تختلف عن إمكانية قطة العجوز في شيء!
5.
أنتظرُ من المسلمين أن يتعلموا الإجابة على الأسئلة الواضحة والمحددة والبينة والمفهومة بكلام منطقي واضح ومحدد وبين ومفهوم:
ما قيمة وأهمية هذا العلم؟
هل هذا سؤال صعب؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر