منع

العصبية القبلية في القرن الحادي والعشرين

صحراء وقلفلة جمال صغيرة

1.
بين مدّة وأخرى يتم الإعلان [أو التصريح، أو الاعتراف، أو أي شيء آخر من هذا القبيل] من قبل ملحد أو لا ديني أو من غادر الإسلام بأنه قد تاب من إلحاده وهو عائد إلى حظيرة الإسلام سواء كان الخبر صادقاً أم كاذباً [هناك أسماء محددة ولكن هذا الأمر لا يعنيني بقدر ما تعنيني القضية المبدأية التي بصَدَدِ الحديث عنها].
2.
وفي كل مرة كنت أتوقع أن تقوم القبائل الإسلامية "الإنترنيتية" بالتزمير والتطبيل والتهليل بمناسبة "عودة الابن الضال إلى حظيرة الإسلام بعد أن هداه الله إلى الإسلام مرة أخرى وانتصار قضية الإيمان"!
ولم يخطأ ظني بهم [لم يخطأ ظني بهم يوماً أبداً]!
فقد حدث ما توقعته وسيحدث دائماً. 
لكنني، والحق يقال، لم يكن يخطر على بالي بأن القبائل الإسلامية الإنترنيتية سوف تقيم الدنيا ولا تقعدها بهذه "المناسبة السعيدة" التي عدها واحدٌ من المنتمين إلى إحدى القبائل الإسلامية في أحد الفيديوهات بأنه “أسعدُ خَبَرٍ لعام 2020"!
3.
ولنبدأ من البداية:
هل يعني إلحاد هذا أو إسلام ذاك شيئاً خاصاً بالنسبة للإلحاد والملحدين ؟
بل هل علينا إن نفرح ونهلل حين يترك المسلم قبيلته وأن نحزن ونوزع القهوة المُرَّة إن عاد إليها؟!
إن كلا الاستجابتين لمدعاة للسخف.
وإذا حدثت مثل هاتين الاستجابتين بين الملحدين فإن الأمر من غير شك يتعلق بتحول الإلحاد إلى عقيدة – وهذا أمر مضاد للإلحاد ذاته ولا يقل سخفاً.
4.
إنه مضاد لقضية الإلحاد الأساسية: وهي الدفاع عن حرية التفكير والاختيار والرأي.
إن قضية الإلحاد ليست النضال ضد إيمان الآخرين، بل النضال ضد فرض الإيمان على الآخرين. فإن تلحد، لا يعني غير أنك اكتسبت القدرة على التفكير المستقل وامتلكت ناصية اختيارك الوجودي. وهذا أمر يفتح لك نوافذ التفكير  العقلاني الطبيعي.
وإذا ما "قررت" أن ترجع خطوة إلى الخلف – تعود إلى حظيرة الإيمان الغيبي، فهذا قضيتك وحدك واختيارك وحدك، لا أحد يلومك عليه، أو أن يكون مدعاة لا للفرح ولا الحزن!
5.
أما ما يتعلق بردود أفعال القبائل الإسلامية [ومن يدعي الإلحاد] فإن الأمر طبيعي ومنسجم مع آليات تفكير القبائل الإسلامية: فالإيمان بالنسبة لها جزء من مكونات العصبية القبلية وهو يعني الموالاة التامة للقبيلة "على الخير والشر" و"الصح والخطأ" و"ظالمة أو مظلومة". 
إنها ثقافة القطيع: 
الفرد لا يعني شيئاً إلا بالتماهي في القبيلة ومع القبيلة، والانفصال عنها انحطاط وخيانة لها، من وجهة نظر القطيع ذاته!
فإذا كان هذا النوع من الاستجابات "مبررة" في عصور "القرون الثلاثة الأولى"، ولهذا قام أبو بكر بعمليات التقتيل الجماعية التي سموها "حروب الردة"، فإنَّ تحول "الإيمان الديني" أو "اللاإيمان" إلى قضية "حكومية"، "جماهيرية" وتُرفع من جديد "بيارق القبائل" وفي عصرنا الحالي بالذات فإنَّ كوفيد-19 سيكون من غير شك أقل كارثية وأرحم على مواطني الدول العربية.
6.
كيف من الممكن أن تتحول اختيارات المرء اليومية إلى مناسبة وطنية يرجمون فيها بالحجارة أو يُكللون بالورود؟
هذا هو قانون التخلف بعينه: 
تحول القضية الدينية للأفراد إلى قضية تخص الدولة والقبائل المكونة منها ولها!
وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في ممالك القمع والمنع والحظر التي يُراقِبُ فيها الجميعُ الجميعَ!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر