منع

العصبية القبلية في القرن الحادي والعشرين

صحراء وقلفلة جمال صغيرة

1.
بين مدّة وأخرى يتم الإعلان [أو التصريح، أو الاعتراف، أو أي شيء آخر من هذا القبيل] من قبل ملحد أو لا ديني أو من غادر الإسلام بأنه قد تاب من إلحاده وهو عائد إلى حظيرة الإسلام سواء كان الخبر صادقاً أم كاذباً [هناك أسماء محددة ولكن هذا الأمر لا يعنيني بقدر ما تعنيني القضية المبدأية التي بصَدَدِ الحديث عنها].
2.
وفي كل مرة كنت أتوقع أن تقوم القبائل الإسلامية "الإنترنيتية" بالتزمير والتطبيل والتهليل بمناسبة "عودة الابن الضال إلى حظيرة الإسلام بعد أن هداه الله إلى الإسلام مرة أخرى وانتصار قضية الإيمان"!
ولم يخطأ ظني بهم [لم يخطأ ظني بهم يوماً أبداً]!
فقد حدث ما توقعته وسيحدث دائماً. 
لكنني، والحق يقال، لم يكن يخطر على بالي بأن القبائل الإسلامية الإنترنيتية سوف تقيم الدنيا ولا تقعدها بهذه "المناسبة السعيدة" التي عدها واحدٌ من المنتمين إلى إحدى القبائل الإسلامية في أحد الفيديوهات بأنه “أسعدُ خَبَرٍ لعام 2020"!
3.
ولنبدأ من البداية:
هل يعني إلحاد هذا أو إسلام ذاك شيئاً خاصاً بالنسبة للإلحاد والملحدين ؟
بل هل علينا إن نفرح ونهلل حين يترك المسلم قبيلته وأن نحزن ونوزع القهوة المُرَّة إن عاد إليها؟!
إن كلا الاستجابتين لمدعاة للسخف.
وإذا حدثت مثل هاتين الاستجابتين بين الملحدين فإن الأمر من غير شك يتعلق بتحول الإلحاد إلى عقيدة – وهذا أمر مضاد للإلحاد ذاته ولا يقل سخفاً.
4.
إنه مضاد لقضية الإلحاد الأساسية: وهي الدفاع عن حرية التفكير والاختيار والرأي.
إن قضية الإلحاد ليست النضال ضد إيمان الآخرين، بل النضال ضد فرض الإيمان على الآخرين. فإن تلحد، لا يعني غير أنك اكتسبت القدرة على التفكير المستقل وامتلكت ناصية اختيارك الوجودي. وهذا أمر يفتح لك نوافذ التفكير  العقلاني الطبيعي.
وإذا ما "قررت" أن ترجع خطوة إلى الخلف – تعود إلى حظيرة الإيمان الغيبي، فهذا قضيتك وحدك واختيارك وحدك، لا أحد يلومك عليه، أو أن يكون مدعاة لا للفرح ولا الحزن!
5.
أما ما يتعلق بردود أفعال القبائل الإسلامية [ومن يدعي الإلحاد] فإن الأمر طبيعي ومنسجم مع آليات تفكير القبائل الإسلامية: فالإيمان بالنسبة لها جزء من مكونات العصبية القبلية وهو يعني الموالاة التامة للقبيلة "على الخير والشر" و"الصح والخطأ" و"ظالمة أو مظلومة". 
إنها ثقافة القطيع: 
الفرد لا يعني شيئاً إلا بالتماهي في القبيلة ومع القبيلة، والانفصال عنها انحطاط وخيانة لها، من وجهة نظر القطيع ذاته!
فإذا كان هذا النوع من الاستجابات "مبررة" في عصور "القرون الثلاثة الأولى"، ولهذا قام أبو بكر بعمليات التقتيل الجماعية التي سموها "حروب الردة"، فإنَّ تحول "الإيمان الديني" أو "اللاإيمان" إلى قضية "حكومية"، "جماهيرية" وتُرفع من جديد "بيارق القبائل" وفي عصرنا الحالي بالذات فإنَّ كوفيد-19 سيكون من غير شك أقل كارثية وأرحم على مواطني الدول العربية.
6.
كيف من الممكن أن تتحول اختيارات المرء اليومية إلى مناسبة وطنية يرجمون فيها بالحجارة أو يُكللون بالورود؟
هذا هو قانون التخلف بعينه: 
تحول القضية الدينية للأفراد إلى قضية تخص الدولة والقبائل المكونة منها ولها!
وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في ممالك القمع والمنع والحظر التي يُراقِبُ فيها الجميعُ الجميعَ!


ما فلئدة علم الله إذا كان له علم [3]



في الحلقة السابقة من الموضوع الذي نشرته تحت عنوان “القطة السوداء وعِلْمَها اللامحدود!"  [قطة جارتنا]حاولت أن أطرح فكرة تتعلق بالوجه الآخر من خرافة "علم الله". 

وتتمثل هذه الفكرة في التساؤل عن الجدوى من هذا "العلم" بالنسبة للبشر. وهو تساؤل لا قيمة له، بل ويشكل تعدياً على "الذات الإلهية" بالنسبة للجاهلِ الفقيرِ لأبسط مقومات التفكير السليم للإنسان المعاصر. لكنه، وكما أعتقد، يجب أن يكتسب أهمية قصوى بالنسبة لمن يدَّعي بأنه يحمل خصائص العاقل والباحث عن الحقيقة ويعبر دوماً، بمناسبة أو غير مناسبة (غالباً بدون مناسبة)، بأهمية المنطق والبراهين العقلية.

1.

وقد تحدثت عن مشاعر الفخر والاعتزاز التي تغمر جارتنا العجوز بقدرة القطة على التنبؤ بأحوال الطقس ومعرفة أسعار البطاطا مسبقاٌ، وعن مبالغتها في وصف نباهة القطة وقدراتها "العقلية" النادرة وذكائها "الحاد" الذي وصل إلى حد تفضل فيه القطة مشاهدة نشرة الأخبار ومن إحدى محطات التلفزيون بالذات وفي حالة ظهور مقدمة أخبار جميلة بعينها!

وقلت إن هوس العجوز بنباهة القطة قد تعدى حدود الإعجاب بقطتها متحولاً إلى عقيدة ذكرتني في الكثير من جوانبها بعقيدة "الله العليم".

إذ يكاد المسلمون، مثلاً، يقتلون أنفسهم (وقد قتل الكثير نفسه فعلاً) بسبب الهوس والحماس بعقيدة اسمها " الله". فَهُم كجارتنا العجوز لا يكفون عن الصراخ والتهليل بأن إلههم "الله" يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور"، حتى أنهم مستعدون لذبح أبناءهم، كما فعل "إبراهيمُهُم" في الخرافة التي يعرفها الجميع، حتى يبرهنون على شيء واحد لا غير: “علم الله".

وقلت إن جارتنا العجوز واجهت تحدياً من الناس الآخرين الذين سألوها عن الفائدة من نباهة القطة هذه: فهل ستقوم بشراء الحليب من السوبرماركت بدلاً منها؟

2.

كان جزع الناس كرد فعل على إلحاح العجوز الذي خرج من حدود اهتمامها الشخصي بقطتها إلى إشغال الآخرين بقضية ليس بوسع المرء العثور على مبررات الاقتناع بها أو أخذها مأخذ الجد. فكان التساؤل عن جدوى معارف القطة هذه تساؤلاً منطقياً وهو لا يتعلق بالقطة بل بصاحبتها.

فالقطة لم تدعِ يوماً بأي قدرات عقلية، بل حتى أن هذا الأمر لا يشغل بالها، وأنْ شغل بالها فإنَّ لا دليل لنا على ذلك.

وإن مثل هذا الجزع استحوذ أيضاً على الناس من جراء ترديد عقيدة "علم" الله أيضاً صباح مساء وكأن لا قضية أخرى تشغل المسلمين غير علم الله وهم غارقون في مستنقع الجهل حتى الاختناق.

3.

ينبغي أن نتأمل هذه القضية بمزيد من التفكير والتأني:

فالمؤمنون، وجارتنا العجوز من هذا النوع من البشر، عاجزون عن التراجع عن/أو إعادة التفكير بحقيقة "علم" الله والقطة على حد سواء. فهم مصرون على "وجوده". وإن "وجود" هذا العلم يأتي من إيمانهم بــ"وجود" أربابهم. ولهذا فإنه من العبث مناقشة العجوز وإقناعها بأن ما تنسبه إلى القطة لا يتعدى أوهامها ورغائبها. أما المؤمنون بالأديان فإن الأمر أكثر تعقيداً وصعوبة. ولا يتأتى هذا الأمر بسبب عددهم الغفير ولكن بسبب أن إيمانهم بالخرافات يكاد يكون متجذر في أعماقهم.

ولهذا فمن "يعتقد" بأن لربه علم واسع لا حدود له يسبق وجود الكون والبشر، فإنه لابد وأنْ يخطو إلى الأمام خطوة واحدة بسيطة في نفس الاتجاه، وهي خطوة لابد منها وإلا تراجع آلاف الخطوات؛

والخطوة البسيطة هذه هي الإجابة المحددة (الخالية من البسملة والحمدلة والحوقلة) على السؤال: ما نفع هذا "العلم" سواء للإله نفسه أو للبشر؟كاريكاتير عن "العلم الرباني"

4.

حسناً:

لنفترض أن لــ"إلَهِهِم" هذا، وكما يدعون هُمْ، عِلْمٌ لا عِلْمَ قبله أو بعده.

ولنفترض أن السخافات التي يثرثرها الترمذي من "إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان، وما هو كائن إلى الأبد"!

ولنفترض إن السخافات التي يرويها مسلم في "صحيحه!" نقلاً عن نبيهم" من نوع: كتب الله مقادير

الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء "!

ولن أحاجج خرافات من هذا القبيل، فللناس الحق في التخريف، ولن أبحث عن إجابة حول ما يعرفه وما لا يعرفه ربهم قبل "خمسين ألف سنة" مثلاً وليس قبل مائة ألف سنة!

لنقبل افتراض "علم" الله، ولنفترض أنه "سبق" الوجود، وليفترضوا هم ما شاءوا وما رغبوا، ولتصل افتراضاتهم المُهْوَسَّة إلى حيث شاءوا أن تصل؛

ومن جديد نصطدم بذات السؤال:

ما الفائدة من هذا العلم؟

على المسلمين عدم التهرب وعليهم تقديم إجابة على السؤال.

5.

وعندما أتحدث عن "إجابة" فإنني أعني إجابة تستجيب لمعارف عصرنا واحتياجات الحياة الفعلية، وليست إجابات منطقية "قرآنية" لا معنى لها إلا لكي تدعم افتراضاتهم:

- ما الفائدة من هذا العلم؟

- وهل استطاعوا من خلال هذا العلم المفترض أن يحاربوا الأمية التي تنتشر بين صفوف المسلمين؟

- وهل حلَّ هذا العلم "الأمية المقنعة" بين صفوف حتى خريجي الجامعات؟

- وهل ساعد هذا العلم المفترض تطوير العلوم الطبية وتحسين حياة المسلمين؟

- وهل أنتج هذا "العلم" علماً تكنولوجياً لحل مشكلة تناقص الغذاء؟

- وهل يُدَّرسُ هذا "العلم" في الجامعات الإسلامية في مجالات الطب والتقنية والفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها - من العلوم الطبيعية التي تحتاجها البشرية بدلاً من العلوم الغربية – علوم الكُفَّار؟

- وهل سيغير أحوالهم إلى الأفضل؟

- وهل سينقذهم من البؤس والجهل والتخلف؟

- وهل سيعوضهم عن خسائر الحياة؟

- هول سيشفيهم من أمراض ضغط الدم والتهاب الكلى ومرض السكر وأمراض القلب والجهاز التنفسي وتشمع

الكبد ناهيك عن الأمراض الفيروسية؟

- وهل سيحميهم من الكورونا فيروس مثلاً خلافاً لبقية أنحاء العالم؟

- وهل سيرسل أبناءهم إلى المدراس والجامعات ويدفع تكاليفها العالية بدلاً منهم؟

- وهل سيحل مشكلة التصحر وقلة الماء؟

- وهل سيحل تناقص

الغذاء؟

- وهل سيذهب لشراء قنينة حليب من السوبرماركت القريب؟

ثمة مئات من لأسئلة التي يمكن أن تُطرح بسبب هذا العلم الموهوم، ويبقى السؤال واحداً لا غير:

مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائدة

هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذا

العلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

يا نـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاس؟

5.

الجواب ببساطة: 

لا فائدة منه مطلقاً!

لأن إمكانية الله في القيام بكل الأمور المشار إليها لا تختلف عن إمكانية قطة العجوز في شيء!

◄ ثلاثبة "الله العليم" الذي لا علم له



القطة السوداء وعلمها اللامحدود [2]

قطة سوداء
1.
لجارتنا العجوز قطة سوداء اسمها "ميري"، هي مصدر فخرها وإعجابها بعد أن فقدت أعجابها بنفسها ويئست في أن تكون ملكة جمال أوربا!
لا تنفك جارتنا عن الحديث عن قطتها فتتحدث أمام كل مَنْ تلتقي به عما ينبغي قوله وعما لا ينبغي. وهي لا تتردد عن وصفها بأغرب الأوصاف وأكثرها بُعداً عن طبيعة القطط حتى تساءلتُ مرة ألا يمكن أن تكون هذه العجوز الأوربية حفيدة لأبي هريرة؟!
أنا لا أعرف فيما إذا كان لأبي هريرة "خلف" أمْ لا، وآمل إلا يكون له "خلف" فهو لن يكون أقل سوءاً من السلف!
ولكن مَنْ يعرف، "الله على كل شيء قدير"!
فإذا ما استثنينا قدرة القطة على التنبؤ بأحوال الطقس ومعرفة أسعار البطاطا مسبقاٌ، كانت العجوز عاجزة عن وصف نباهتها وقدراتها "العقلية" النادرة وذكائها "الحاد". إن عِلْمَها يكاد يكون سابقاً حتى على وجودها هي شخصياً!
في إحدى لقاءاتنا (بمعنى أن نكون في مكان واحد صدفة)، والتي غالباً ما تحدث أمام البناية التي نعيش فيها أو أمام السوبرماركت القريب، حدثتني جارتنا العجوز عن اكتشاف مدهش يتعلق بقطتها.
لم يفاجئني اهتمامها بقطتها، مثلما لم تفاجئني معجزات قطتها. فقد فارقها أغلب أفراد عائلتها، ومن تبقى منهم يبعدون عنها آلاف الكيلومترات، ولكن في الآونة الأخيرة تحول اهتمامها بقطتها إلى ما يشبه الهوس حتى أخذ كل من يعرفها تجنب الحديث معها، إذ غالباً ما تسرد لهم ذات القصص عن "ميري" عشرات المرات.
ولكنها تبدو هذه المرة أكثر انفعالاً وأكثر إعجابا.
كالعادة كانت تبدأ الحديث باسمها من قبيل "ميري فعلت، "ميري عرفت"، "ميري فطنت"، وليس استثناء هذه المرة. فقد ظهر أنَّ “ميري"، قطتها السوداء، تفضل مشاهدة نشرة الأخبار ومن إحدى محطات التلفزيون بالذات وفي حالة ظهور مقدمة أخبار جميلة بعينها!
الآن تخطت جارتنا العجوز كل حدود!
الحق أنني لا أشك بنباهة القطط. فهي أكثر نباهة من الكثير من الناس الذين لا يزالون يؤمنون، مثلاً، بأن الأرض مسطحة. وإذا ما أراد أحدهم، كالعادة، برهاناً عقلياً على هذا، فإن القطط ونظراً لاعتزازها بنفسها فإنها لا تؤمن بما هو خارج نفسها!
فالإيمان عبودية، والقطة عبد لنفسها!
2.
كانت جارتنا فخورة ومنفعلة شديد الانفعال بهذا الاكتشاف حتى أنها عبرت عن غيظها الشديد من رد فعل بعض الناس في السوبرماركت القريب الذين سألوها عن الفائدة من نباهة القطة هذه: فهل ستقوم بشراء الحليب من السوبرماركت بدلاً منها؟
إن معارف القطة ونباهتها المدهشة لهي جديرة بالإعجاب ومع أنها لا تكفي لكي تقوم بشراء الحليب من السوبرماركت، فإنها تحمل لجارتنا العجوز العزاء لضياع السنين وتبخر كل الأحلام وغياب الآفاق. فسواء كانت القطة قادرة على شراء قنينة حليب أم لا، فإن الأمر سواء بالنسبة للعجوز. إنَّ اهتمام القطة بأخبار العالم يكفي بالنسبة لها.
3.
ولكن، مع ذلك، في تساؤل الناس شيء من المنطقية.
إذ أن هوس العجوز بنباهة القطة قد تعدى حدود الإعجاب بقطتها متحولاً إلى عقيدة ذكرتني في الكثير من جوانبها بعقيدة "الله العليم". إذ يكاد المسلمون، مثلاً، يقتلون أنفسهم (وقد قتل الكثير نفسه فعلاً) بسبب الهوس والحماس بعقيدة اسمها " الله". فَهُم كجارتنا العجوز لا يكفون عن الصراخ والتهليل بأن إلههم "الله" يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور"، حتى أنهم مستعدون لذبح أبناءهم، كما فعل "إبراهيمُهُم" في الخرافة التي يعرفها الجميع، حتى يبرهنون على شيء واحد لا غير: “علم الله".
القطة السوداء




إن هذا النوع من الهوس من المشكوك في إمكانية علاجه من قبل الطب النفساني. فوضعهم كوضع جارتنا العجوز ميؤوس منه؛ فالهوس قد استفحل وتحول إلى عصاب ولم يعد بمقدورهم الانسحاب حتى خطوة واحدة إلى الخلف.
4.
ولكن لنفترض أن لــ"إلَهِهِم" هذا، وكما يدعون هُمْ، عِلْمٌ لا عِلْمَ قبله أو بعده.
ولنفترض أن ما يقوله الترمذي من "إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان، وما هو كائن إلى الأبد"!
ولنفترض إن ما يرويه مسلم في "صحيحه" نقلاً عن نبيهم:" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء " !
ولن أحاجج خرافات من هذا القبيل، فللناس الحق في التخريف، ولن أبحث عن إجابة حول ما يعرفه وما لا يعرفه ربهم قبل "خمسين ألف سنة" مثلاً وليس قبل مائة ألف سنة!
حسناً، وما الفائدة من هذا العلم؟
- هل سيغير أحوالهم إلى الأفضل؟
- هل سينقذهم من البؤس والجهل والتخلف؟
- هل سيعوضهم عن خسائر الحياة؟
- هل سيشفيهم من أمراض ضغط الدم والتهاب الكلى ومرض السكر وأمراض القلب والجهاز التنفسي وتشمع الكبد ناهيك عن الأمراض الفيروسية؟
- هل سيحميهم من الكورونا فيروس مثلاً خلافاً لبقية أنحاء العالم؟
- هل سيرسل أبناءهم إلى المدراس والجامعات ويدفع تكاليفها العالية بدلاً منهم؟
- وهل سيحل مشكلة التصحر وقلة الماء؟
- وهل سيحل تناقص الغذاء؟
- وهل سيذهب لشراء قنينة حليب من السوبرماركت القريب؟
الجواب ببساطة: 
لا!
أن إمكانية الله بالقيام بكل هذه الأمور لا تختلف عن إمكانية قطة العجوز في شيء!
5.
أنتظرُ من المسلمين أن يتعلموا الإجابة على الأسئلة الواضحة والمحددة والبينة والمفهومة بكلام منطقي واضح ومحدد وبين ومفهوم:
ما قيمة وأهمية هذا العلم؟
هل هذا سؤال صعب؟



"الإصلاح" و"التحديث" والخروج من الإسلام

1.
ليست ثمة علاقة مباشرة وأتوماتيكية ما بين اللغة والحقيقة. غير أن اللغة العلمية هي لغة لا تحتمل إلى حد كبير التورية والمجاز والمحسنات اللفظية وهي تسعى بوعي شديد إلى تجنب المجاز والتورية بقدر الإمكان وخلق توازن فعال ما بين اللغة والحقيقة، حتى يبدو وكأنَّ التعريف العلمي الصحيح لا يحتمل إمكانية التغيير إلَّا بدرجات طفيفة.
وهذا ما لا نجده في اللغة الدينية عموماً، والإسلامية خصوصياً، التي غالباً ما تسقط في منطق العموميات والتعاريف "الفقهية" الملتوية للأشياء والبلاغة الفارغة.
وهنا يلعب "التكرار" دوره كعباءة يحجب عنا المعنى الحقيقي للكلمات والمصطلحات التي تدور على لسان الجميع وكأنها مفاهيم علمية لا تقبل النقاش والشك.
ومن هذه الكلمات التي فقدت معناها (أو بالأحرى أُفقدت المعنى) هي: الإصلاح – وبكلمة أدق وجودها في عبارة "إصلاح الإسلام"!
2.
الإصلاح:
فعل أصْلَحَ – والاشتقاقات المرتبطة به، سواء بالعلاقة مع السلوك أو الأفكار أو الأشياء المادية، تشير إلى إعادة الشيء إلى الوضع السوي السابق أو الحالة المثلى له بعد حدوث خلل في ذلك الوضع أو تلك الحالة.
فالإصلاح إذن عملية "ترميم" و"تصليح" لشيء يعاني من خلل أو تلف أو استهلاك لإحدى مكوناته. فيتم ترميمه وإصلاحه وإعادته لحالته القديمة السوية.
والإسلام لم يكن في يوماً ما وضعاً أو سلوكاً أو شيئاً سوياً يستحق المحافظة عليه أو دعم وجوده كما هو. فقد كان ديناً عَكَسَ نشاط "نبيٍّ" هو مجرد واحد من بين عشرات "الأنبياء" الذين ظهروا في الجزيرة العربية. ولا فرق بينه وبين "الأنبياء" الآخرين غير أنه استطاع بحد السيف ومن ثم أنصاره بذات السيف القضاء على جميع الأنبياء الآخرين المنافسين بقوة السلاح والقتل - وقد كان آخرهم مسلمة الحنفي.
والإسلام عقيدة دينية كانت تعبر عن شروط اجتماعية واقتصادية بُطلت وكفتْ بعد أقل من قرن.
ولهذا فإن الإسلام والعقائد الإسلامية كانت ظاهرة تاريخية استحالت الآن إلى عقبة كبرى أمام التطور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي – بل هي الآن سبب حاسم للتخلف الشامل للشعوب الإسلامية.
ويمكن القول من غير مبالغة أن جميع الأديان القائمة الآن قد انسحبت من حياة الدولة والمجتمع واكتفت بكونها عقيدة دينية لها أنصارها ويمارسون طقوسهم في المعابد المخصصة لذلك. غير أن هذا الوضع لا ينطبق على الإسلام.
فما الذي يمكن "إصلاحه" في هذه العقيدة؟
وإذا كان ثمة شيء يمكن "إصلاحه" فمن هو المسؤول عن هذا "الإصلاح"؟
3.
التحديث:
ولم يبق أمامنا غير مفهوم "التحديث".
إنَّ الحديث عن قضية "التحديث" في عام 2021 يستحيل إلى مفارقة مثيرة للسخرية والعبث التاريخي!
فقد مرت الفرصة التاريخية الذهبية والتي استثمرتها الكثير من المجتمعات وقد كان على المسلمين استثمارها والقطيعة مع قرون التخلف وثقافة أصبحت خارج التاريخ. وبدلاً من عملية التحديث الديني والثقافي والاجتماعي فقد أهتم المسلمون باستعادة كل رموز التخلف التاريخي – ثقافة وعقيدة القرون الثلاثة الأولى وكأن الزمن كان ولا يزال ثابتاً في مكانه!
بل أنهم استعادوا ثقافة التوحش بأبشع صورها وقاموا بنشرها بديلاً عن حاجات المجتمعات إلى الحداثة والتطور.
الآن وبعد أنَّ فوت المسلمون على أنفسهم فرصة الدخول في عالم الحضارة المعاصرة؛ وبعد أن حرقوا كل قوارب النجاة لعبور الماضي إلى الحاضر، فإن عملية التحديث لتبدو مهمة خرافية ومستحيلة.
وإذا يعتقد مفكر مسلم مثل محمد أركون بأن الأحداث السياسية الخارجية والداخلية والاجتماعية وظهور الحركات الدينية وأنظمة القمع القسرية "تجعل اليوم كل محاولة لتحديث الفكر الإسلامي وتوحيده شيئاً بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً"[1] فإنه لشاهد على ما آل إليه الإسلام والطريق المسدود الذي وصل إليه.
4.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: وماذا بعد؟
لقد أشرت في موضوعي " نهاية الإسلام [1]: كلُّ منظومة قابلة للعطل - ولهذا فإنها ستعطل!" إلى انهيار حضارات وأنظمة ودول وأحزاب وهيئات وتكتلات وأديان ويعود هذا الانهيار إلى سببين أساسيين مرتبطين ببعضهما بعلاقات داخلية:
السبب الأول: هو انهيار الأسس التكوينية الداخلية التي تستند إليها كل هذه التشكيلات والكيانات السياسية والدينية والاجتماعية. فهي مبنية على افتراضات ورغائب ومصالح داخلية وعقائد غيبية لم تعد بإمكانها أن تكفي لقيام هذه الكيانات.
أما السبب الثاني: فهو أن التعارض ما بين وجود هذه الكيانات ومتطلبات التطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب قد وصل حداً لم يعد بالإمكان تذليله.
وهذا ما يحدث الآن مع الإسلام.
فقد وصل إلى نهاية طريق عقيم من التطور. والمسلمون الآن أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أنْ يتمادوا في رفضهم لقوانين التاريخ والحياة ويقوموا بتصعيد مارد الإرهاب وتصعيد تطبيق الأيديولوجيا الشمولية إلى حدودها القصوى؛ وإما أنْ يدركوا بأنَّ رفضهم لمنطق التطور سوف يؤدي بهم إلى الهاوية وأنَّ عليهم التكيف مع الزمان والتاريخ وفي هذا التكيف خلاصهم.
5.
هذا هو مفترق الطرق أمام المسلمين:
فهل سيختارون الحل العقلاني والبراغماتي أمام حلول التمادي بالخراب الشامل والانهيار الداخلي البطيء؟
إنَّ يأسي من قدرة المسلمين على اختيار الحل العقلاني بمفردهم وبمحض إرادتهم لهو أضعاف يأس محمد أركون في إمكانية تحديث الإسلام!
كيف يمكن إذن الخروج من هذه المحنة التاريخية؟
إنَّ تطور المجتمعات العلمانية والديمقراطية قد قدمت ولا تزال تقدم لنا الحلول الممكنة العقلانية. وليس ثمة بديل عن الحل العلماني: فصل الدين عن الدولة.
هذا هو "الكود" التاريخي الذي سوف يفكُّ مفتاح الطريق المسدود أمام الإسلام. فإنَّ وقائع التاريخ الإسلامي منذ نشأته ووقائع الدولة العربية في القرن العشرين تكشف بما لا يقبل الشكَّ أنَّ مصدر بقاء الإسلام هو: سلطة الدولة. فهما مرتبطان بعلاقة تكافلية متبادلة symbiosis ولا يمكن فصل عراها بالكلام والأماني. وإنَّ انفصال المؤسسة الكهنوتية (السنية والشيعية) انفصالاً بنيوياً حاسماً عن مؤسسات الدولة إدارةً وتشريعاً وسياسةً هو الطريق المفتوح أمام "تحديث الإسلام" ولا يمكن مثل هذا "التحديث" طالما لا تستشعر المؤسسة الدينية الحاجة إلى هذا التحديث.
6.
الخروج من الدين:
إن تصورات موريس غوشيه في "الدين في الديموقراطية" عن طبيعة وبنية الحل العلماني مثيرة للاهتمام وتلقي الضوء على جوانب هامة من الحل العلماني التطبيقي في الدول الديموقراطية.
تعني العلمانية، بالنسبة لغوشيه "خروجاً من الدين". وهو يرى بأن الخروج من الدين في الدولة الديموقراطية العلمانية "لا يعني التخلي عن المعتقد الديني، وإنما الخروج من عالم يكون الدين فيه بحد ذاته مُنَظِّماً بنيوياً، يوجه الشكل السياسي للمجتمعات ويعيِّن البنية الاقتصادية للرباط الاجتماعي". [2] فـ"الخروج من الدين" هو من حيث المبدأ ليس رفضاً للدين وأقل ما يكون حجباً له، بقدر ما هو الانتقال إلى شكل سياسي وتنظيم جماعي لم يعد للدين أي دور في تحديدهما أو اشتراط طبيعتهما.
7.
ويرى موريس غوشيه بأن المَلَكِيًّة كانت قمة الهرم وهي النقطة الواصلة ما بين السماء والأرض. وعندما خلع المجتمع المَلَكِيًّة عن قيادته وشرع في أرساء نفسه كمصدر لكل سلطة فإنه عملياً قد قام بخلع الدين. فما هي المَلَكِيًّة في الحقيقة، كما يتساءل غوشيه إن لم تكن حشداً من الدين ذا وجه سياسي؟
وهذا ما يمكن رؤيته بوضوح في تاريخ الخلافة والدول الإسلامية عبر العصور حتى الآن. وإذا ما ظهرت الدولة العربية "الجمهورية" بالاسم فإنَّ "مكانة الملك " لم تكن شاغرة بأي حال من الأحوال.
لقد احتل "رئيس الجمهورية" العربية عملياً "وظيفة" الملك الدنيء المتشبث بالسلطة حتى الموت داعماً مكانته هذه عن طريق دستور مهلهل (آخر دستور للحبيب بورقيبة قام بتخليده كرئيس للجمهورية حتى آخر حياته!). فهو قد بقي رئيساً للدولة متمتعاً بامتيازات الملك "مصون وغير مسؤول “حتى نهايته وجوده الثقيل على الأرض: إما بالموت الطبيعي بسبب العمر أو الحالة الصحية، أو بالاغتيال. ولم يتم الخروج عن هذه القاعدة إلا نادراً جداً.
إن الأمر يتعلق برأس للدولة فوق الجميع وفوق القانون. تَسَلَّح بالجيش والشرطة وأجهزة القمع السرية والعلنية والمؤسسة الدينية. فهو بحاجة إلى أيديولوجيا للأوهام – ومن غير الدين يمكن أن يلعب هذا الدور؟
فالقوة الغاشمة مهما كانت صالحة لفرض الإرادة فإنها بمفردها ستكون عاجزة عن تحقيق أهدافها.
والدين يوفر للَمَلِك القديم والمَلِك الجديد "السلطة الروحية" ولهذا فإن عليه شراء المؤسسة الدينية المستعدة للشراء، أو كما يسميهم محمد أركون "العلماء الموظفين المعَّينين رسمياً لتسيير شؤون التقديس في المجتمع" [3].
8.
إذن، بإسقاط "الخليفة والسلطان والإمام" من جميع الأنواع والموديلات الذين حولوا أنفسهم إلى ظل الله على الأرض وعندما يتم إسقاط ما تبقى منهم في شخص الملك العلني والمستتر، فإن الله سيبقى من غير ظل!
فظل الله هذا - هو الذي كان النقطة الواصلة ما بين السماء والأرض. وعندما يسقط هذا الظل فإن الأرض ستبقى من غير سماء.
ولكن كيف يمكن خلع الملك العلني والمستتر (رئيس الجمهورية) وإعادة السلطة الأرضية للمجتمع؟
إن الحل هو الديموقراطية!
بل هو الحل الوحيد ليس فقط لخلع السلطة التي كانت تستند إلى الدين وإنما إعادة السلطة إلى الأرض وإقامة تشريعات تستجيب لقوانين الأرض وحاجة الناس اليومية إليها.
هذه هي السلطة التمثيلية، وبتعبير غوشيه، هي السلطة التي "ليس لها من كُنْهٍ سوى ما تمُدَّها بها رَعِيَّتَها" [4].
إنَّ فصل الدين عن الدولة والدولة الديموقراطية الحقة:
هما الطريق المفتوح أمام المجتمعات العربية المعاصرة للخروج من قرون الظلام – إن أرادت ذلك!

هوامش:
[1] من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي، ص90
[2] الدين في الديموقراطية، موريس غوشيه، بيروت 2009، ص27
[3] من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي، محمد أركون، ص28
[4] الدين في الديموقراطية ص 29


🔁 العلمانية والديموقراطية والحقوق المدنية

القصة الكاملة للرحمة الإلهية المحمدية [1]: الوجه الآخر لمملكة الظلام

A painting by the Swiss artist Otto Pilny, c. 1900 depicting a women's market













1.
إن العقائدَ، والعقائد دوغمائية الجوهر مطلقاً، تدفع بوعي أو بغير وعي إلى كلا "البَلادَتَين":
بلادة العقل وبلادة الضمير!
وبلادة العقل وبلادة الضمير تؤديان بدورهما إلى الاستخفاف بحقوق البشر الأساسية؛
وهذا قانونٌ طبيعيٌّ يمكن اختباره دائماً – هنا والآن وفي كل مكان وزمان!
ومن الحقوق الأساسية هو حق المرأة أن تتزوج مَنْ تشاء وحقها في الأمومة – سواء كان هذا بالأمومة الطبيعية (بالولادة) أو بالتبني.
وحين يخرق مجتمع ما هذه الحقوق أو يجعل منها وظيفة للعقائد فإنه يخرق حقوق المجتمع ككل.
والعقيدة والدولة الإسلاميتين، شرعاً وفقهاً وثقافةً، تحجبان عن المرأة هذين الحقين من خلال:
• جَعْلِ المرأة العاقر "التي لا تَلِدُ" امرأة من الدرجة الثانية؛
• تحريم التبني!
2.
أريد أن أروي لكم قصةَ خرافةِ "الرحمة الإلهية!" التي لا ينفك المسلمون من ترديدها وكأنها "السلام الجمهوري أو الملكي"، ولا أظن أن أحداً لا يعرفها. لكنني أجد ضرورة لروايتها من جديد وعلى طريقتي التي أعتقد أنكم قد أعتدتموها - فطريقتي هي جزء من منهجي بالتفكير والتأمل.
وسأسعى إلى روايتها بكل أمانة ودقة مستنداً إلى أوثق المصادر الإسلامية وأكثرها جدارة بتمثيل عقيدة الإسلام: كتاب محمد "القريان" وكتابي الغزالي "تهافت الفلاسفة" و"علوم أحياء الدين".
اخترت الكتابين الأخيرين لكي أشرح طبيعة "العقلِ المُفَكِّر" الذي فيهما ومدى حساسيته للحقوق البشرية: أكرر حساسيته للحقوق البشرسة والألم البشري!
هذان شخصان لا يشكُّ أحدٌ بقدرتهما على التعبير عن عقديتهما وتأثيرهما على "قلوب المؤمنين". فَهُما، على كل حال، ليسا من حُثالات الإنترنت الإسلاميين الذين يدافعون عن عقائد لا يدركون كنهها ويهاجمون نصوصاً لا لسبب إلا لأنهم لم يطلعوا عليها.
إنها قصة مؤلمة مثل عشرات قصص الناس في مملكة الظلام.
3.
من القوانين البنائية للأدب والدراما هو أن تكون ثمة بداية ووسط ونهاية لأية قصة (درامية أو ملحمية). إذ من خلالها تتطور الأحداث وتنمو الشخصيات.
وسواء صدقتم أم لا فإن بداية قصتنا هي محمد (فمنه تبدأ الأشياء وإليه تنهي!):
هي قصة القمع المنظم الإلهي الذي تحول إلى "عقيدة" اعتنقها المسلمون في عصور الظلام المعرفي والأخلاقي من القرن السابع العربي ولا يزال يعتنقها البشر في القرن الحادي والعشرين ومن بينهم أشخاص يعلقون على جدران مكاتبهم الزنخة شهاداتهم الجامعية!
وهذه هي البداية:
"وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)"/سورة الأحزاب.
هذه هي بداية واحدة من أبشع القصص الإسلامية:
بطلها محمد؛
وهي تبدأ من استحواذه على (زينب) زوجة ابنه بالتبني (زيد) وتنصله عن أبوته له بقرار من "ربه" وهذه حماقة ما بعدها حماقة أن يتدخل كيان أسطوري في مساعدة "رسوله" وإيجاد المسوغات الشرعية له ليسلب امرأةَ رجلٍ، الأمر الذي دعا عائشةَ إلى القولَ [أو تَقَوُّلوا عليها – والله أعلم!]: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك!
4.
من هنا تبدأ جذور اثنين من أبشع الجرائم في التاريخ الإسلامي:
تحريم التبني واغتصاب نساء الآخرين بمباركة الرب!
وَلَكِنْ (ويجب أن تكون هذه الكلمة بالخط العريض على طريقة عنوانين الصحف اليومية أيام زمان) ليس هذه نهاية القصة، وإلَّا لكانت ورغم تراجيديتها قصة باهتة ولكانت الآلامُ آلامَ (زيدٍ) وحده ولبقيت محنة (زينب) مع نفسها ولأصبحت مجرد تفصيل من تفصيلات الماضي البعيد الذي لن نعد نراه أو نحس بوجوده.
لا نعلم ما هي معاناة (زيد)!
ولا نعلم حقيقةً كيف استقبل خَبَرَ رغبة محمد في الاستحواذ على امرأته الجميلة (لا كما تنقله لنا الكتب الصفراء)!
كما لا نعلم ما هو رد فعل زينب (لا كما ترويه لنا الكتب الصفراء)، وقد علمت بأنها قد فقدت زوجها الشاب وتحولت إلى مجرد رقم من حريم شيخ مزْوَاج بقرار مصادق عليه من قبل "المشيئة الإلهية" غير قابل لا للشكِّ في مصداقيته، ولا التسويف في تنفيذه!
لا نعلم وما قُدَّرَ لنا أن نعلم. فــ" المشيئة الإلهية" مشيئة لا مكان فيها للعاطفة والانفعال؛ هي مشيئة "العصا السحرية: كن فيكون! وما عدا هذا لا قيمة له!
فللقصة تكملة وللآلام درب يقود إلى حياتنا.
5.
إلا أنَّ نتائج هذه البدايات الغائرة في كيان الزمن الإسلامي، والتي عصفت بها الرياح الرملية وفُقد وجودها وكأنها لم تحدث، مازالت بادية للعيان على وجود النساء، اللواتي أصبحن جَوارٍ في مملكة الظلام المعاصرة.
فبعد أن حدثت البدايات الأولى وتلاشت مع تلاشي أولى الشخصيات (محمدٍ وزيدٍ وزينبَ) فإن على مسرح القصة تظهر آلام جديدة، نتائج طبيعية لتلك البدايات، هي "مسببات" لذلك السبب. وحتى حين يرفض "عباقرة" الإسلام مبدأ السبب والنتيجة، كما سنرى بعد قليل مع الشخصية الجديدة التي اخترناها، فإن الخلاصة في حالتنا ستكون واحدة: الله ومحمد هما "سبب الأسباب" في مآسي قصتنا.
أما ما يتعلق بالشخصيات التي ستواصل القصة، فإنه سيظهرُ أشخاص جدد، ولاعبون أكثر حيوية، وأكثر ابتكاراً ومهارةً يمضون قدماً في تطوير الحدث الأساسي، واذا ما استعرنا لغة الدراما - "الفعل المتغلغل"، فإنهم سيواصلون هذا الفعل حتى لحظة الانفجار. وبسبب كثرة هذه الشخصيات وتنوعها فإن القصة ستفقد خصائصها الأدبية وتتشتت الأحداث وسيفقد القارئ اهتمامه وتمتعه بأحداثها. ولهذا تطلب الأمر أن نختار ممثلاً أميناً ومعبراً عن جميع هذه الشخصيات، يحل محلها ويقوم بعملها على أتم وجه وأحسن تنفيذ. وَمَنْ تكون هذه الشخصية غير أبي حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري (الله أكبر)؟!
فهو أشهر من نار على علم:
حُجَةُ الإسلام الذي أخرج الفلاسفة من ملكوت الإسلام بعد أن أصبح الشعراء بفضل محمد يتبعهم الغاوون!
الحق أقول، وأنا ابن القرن العشرين، وها أنا أتنفس معارف وهواء القرن الحادي والعشرين، لا يستطيع عقلي أن يستوعب سفاسف هذا "الحُجَّة" الذي ولد بعد أكثر من 14 قرناً من عصر الفلاسفة اليونانيين، غير أنه نسخة مهلهلة وكئيبة ومزرية مقارنة بأكثر المفكرين الإغريق سطحية وتهافت.
كيف يمكن لمثل هذا " الحُجَّة "، والذي يتهم الفلاسفة بالتهافت، أن يفكر كما فكر وأن يصدَّق الناس بأنه حِجَّة!
The Slave Market (1910) by Otto Pilny (28 June 1866 – 22 July 1936)  Czech-Swiss painter


6.
وحتى نعرف مكانة هذا " الحُجَّة " في التطور المأساوي للقصة وكيف تحولت مؤامرة محمد في الاستحواذ على زينب إلى عقيدة معادية للمرأة والأمومة لنسمع صخب تفكير هذا الحِجَّة:
وهذا ما كتبه في "تهافت الفلاسفة":
للتدليل على رفضه لعلاقة السبب والمُسَّبب يقول:
"فليس من الضرورة وجود أحدهما، وجود الآخر، ولا ضرورة عدم أحدهما، عدم الآخر، مثل الري والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وحز الرقبة، والشفاء وشرب الدواء"[239] وغيرها من المشاهدات!
لماذا؟
لأنَّاقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه [. ..]، بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة، مع جز الرقبة، وهلم جرا إلى جميع المقترنات.
وأنكر الفلاسفة إمكانه، وأدعوا استحالته.
فلنعين مثالاً واحداً، وهو الاحتراق في القطن مثلاً، عند ملاقاة النار، فإنا نجوز وقوع الملاقاة بينهما دون الاحتراق، ونجوز حدوث انقلاب القطن، رماداً محترقاً، دون ملاقاة النار وهم ينكرون جوازه"!
ثم يقول مُدَلِّلاً على كلامه، وسأقتبس جزءاً صغيراً واضحاً وجلياً:
"أن يدعى الخصم، إن فاعل الاحتراق، هو النار فقط، وهو فاعل بالطبع لا بالاختيار، فلا يمكنه الكف عما هو في طبعه، بعد ملاقاته لمحل قابل له.
وهذا مما ننكره، بل نقول: فاعل الاحتراق، يخلق السواد في القطن، والتفرق في أجزائه، وجعله حُراقأ، أو رماداً هو الله تعالى، إما بوساطة الملائكة، أو بغير وساطة، فأما النار وهي جماد، فلا فعل لها.
فما الدليل على أنها الفاعل؟! وليس لهم دليل، إلا مشاهدة حصول الاحتراق منذ ملاقات النار، والمشاهدة تدل على الحصول عندها، ولا تدل على الحصول بها، وأنه لا علة له سواها" [ص240]
[تهافت الفلاسفة، دار المعارف – مصر 1966]
هذا هو حُجَّة الإسلام - هذا هو العقل الذي سيتلقف فكر محمد ويمضي قدماً بارتكاب الجرائم الإنسانية بحق النساء. ها هو مفكرنا مغلق أمام الحقائق. فما عساه أن يفعل أمام الألم البشري وغياب الحب ووطأة الوحدة؟
إنها بلا شك من فعل فاعل هو الله، ولأنها من فعل الله، فإنها حق وأمر مقبول، هي "من تقدير الله سبحانه" ولا سبب أرضياً يحكم وجودها. ولأنها "تقديرٌ" فلا اعتراض لنا عليها، ولا تذمر منا لوجودها!
وهو "موديل" نستطيع التعرف عليه ورؤيته في آلاف الفقهاء وأنصاف الفقهاء اليوم، في آلاف المثقفين وأنصاف المثقفين الذين فقدوا القدرة على الشعور بالحاجة إلى الحرية.
ولكي نواصل القصة التي بدأها محمد باغتصابه زينبَ والتنصل عن أبوته لزيد وتحريمه للتبني سنمر من جديد على حجة الإسلام وكتابه " إحياء علوم الدين".

ليس الله شخصية سياسية – بل إيمانية!

امرأة معصوبة العينين
[إيمان]

مقدمة:
"في كل مرة وعندما نرسم فيها رسماً كاريكاتورياً لمحمد؛ وفي كل مرة عندما نرسم فيها رسماً كاريكاتورياً لنبي؛
وفي كل مرة عندما نرسم فيها رسماً كاريكاتورياً للإله، فإننا ندافع عن الحرية الدينية".
فالمبدأ الذي تستند إليه الجريدة هو معارضة أن يكون "الله" شخصية سياسية! وبكلمات أخرى فإن الجريدة تناضل ضد ربط الدين بالسياسة.
ويرى Gerard Biard بأن الدين لا يجب أن يكون حجة سياسية.
ففي اللحظة التي يتحول فيها الإيمان والدين إلى سياسة فإن "لدينا مشكلة". ولهذا "فإننا نشعر بالقلق ونهاجم. ثم نرد لأننا مقتنعون بأن الدين لا مكان له في الساحة السياسية. لأنه بمجرد أن يُدْخِل الدين نفسه في الجدل السياسي، يصبح الجدل السياسي شمولياً".
1.
ليس "الله" شخصية سياسية:
هذه واحدة من الحقائق الكبيرة التي لا يمكن إلا أنْ يقبلها العقل السليم والتي يعجز عن فهمها منتسبو الأحزاب والشلل والطوائف والفرق والملل والتجمعات الإسلامية ومن يتبعهم من السُّذج والمُغَرَّر بهم.
وهذا يعني أنَّ الموقف من "الله" لا يشكل قضية سياسية ولا قانونية، بل هي قضية إيمانية شخصية محض.
فهل الموقف المضاد من الجبن الأصفر الإيطالي Parmesan يجب أن تُحاسب عليه القوانين أو أنه خرق للمبادئ السياسية وحقوق البشر؟!
وهل يجب أن تعاقب الحكومات العربية (على عادتها) المواطنين المعادين للباذنجان المحشي؟!
2.
فبغض النظر فيما إذا آمن المرء بـ"الفيل الطائر" أو بـ"الله!" أو بـ "كرشنا" أو بـ"أهورا مَزدا" أو بـ"نَنَّار " أو "نَمُّو" أو بـ"اللات ووهبل ومنات" أو بـ"الباذنجان" أو بأي كيان آخر أسطوري أو نباتي أو حيواني قررت مجموعة بشرية ما منحه نوعاً من الوجود المقدس [وأنا آمنُ بالفيل الطائر وأخجل حتى من التفكير بأنْ أكون مؤمن بشيء من قبيل "رب محمد"] أو لم يؤمنْ فإنَّ الأمر يتعلق بفكرة عن كيان وهمي لا وجود له – ومن جديد يمكن القول: هي قضية شخصية. ولأنها قضية شخصية فلا ينبغي منعه أو أن يُفرض عليه كيان نباتي أو حيواني آخر.
بكلمات أخرى فإنَّ وجود هذا الإله أو ذاك أو عدم وجوده هو قضية شخصية أولاً، وهي قضية ينبغي إلا تكون لها علاقة بموقف هذا الشخص إزاء الآخرين – أو موقف الآخرين منه ثانياً – ولا علاقة للدولة بالموضوع مطلقاً ثالثاً.
[الإلهان السومريان"نَنَّار " أو "نَمُّو" ]


[الإلهان السومريان"نَنَّار " أو "نَمُّو" ]
3.
إن إضفاء القدسية على فكرة "الله" العقيمة لا تختلف من حيث الجوهر عن محاولتنا إنْ نضفي على كوكب المريخ مثلاً قدسية ما!
ونحن إن حولنا موقفنا من قدسية المريخ إلى "نظام سياسي مِرِّيخِي" فإننا واحدٌ من احتمالين:
إما أنْ نكون قد فقدنا عقولنا إلى الأبد وإما أنْ نكون من سكان المِريخ المتعصبين. ولأننا لسنا من سكان المريخ (وهذا ما أعتقده بعمق روحاني باطني عميق) فإننا ولابدَّ أن نكون قد فقدنا عقولنا.
4.
السياسة قضية لا تتعلق بالمعتقدات والخرافات والأساطير الدينية [حتى لو تم تقديسها أو لم يتم تقديسها!] وإنما تتعلق بإدارة الدولة – الوجود الواقعي للمجتمع وحماية الحقوق الشخصية للمواطنين بغض النظر عن معتقدات الأشخاص الدينية.
وهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً:
إن نقد الأديان والآلهة هي قضية ثقافية فكرية وشخصية وهي جزء من حرية الكلام والتفكير والعقيدة – بل وحتى الوجود.
فيلة طائرة - بالاسود والأبيض


[آلهتي الجميلة]
5.
ولهذا وبسبب تعدد الأديان والآلهة فإن "المُقَدَّس" هو مفهوم شخصي نسبي وذاتي ومتعدد المعنى في نفس الوقت.
فما هو عدد الآلهة؟
رغم أنَّ الإجابة الواقعية هي صفر[إذ لا وجود لهم من وجهة النظر الوقائعية]، فإنَّ الناس "تؤمن" بآلاف الآلهة.
وإنَّ لكلَّ من فقد عقله إلهه "المقدس" الخاص به يؤمن بوجوده وفي لحظات الجنون يقرر الموت من أجله.
وهكذا يتحول "التقديس" للآلهة في المجتمع إلى قضية اعتباطية تنفي مشروعية "التقديس" جملة وتفصيلاً. وهذا ما يؤدي بالضرورة إلى خروج "الآلهة" من الاعتبارات المتعلقة بالحصانة ولن يعد الاحترام لهذا الإله أو ذاك أو الموقف المضاد منه قضية واجب أو حق يجب أن يلتزم بها المواطن وإلا فإن على البشرية احترام مشاعر الباذنجان وعدم جرح مشاعر من يعبده!
وليس في الأمر اي نوع من المزاح.
هناك مدن في العالم تبجل "القرع" (ربما لا تقدسه) وتقيم له الاحتفالات والنصب الفنية وتؤلف له الأغاني؛ وهناك مدن في العالم تضع "الثوم" فوق كل شيء حتى في الحلويات وتقيم له المهرجانات والاحتفالات السنوية. لكنني لم أسمع يوماً أن هذه المدن قد عاقبت من لا يحب القرع والثوم - بل حتى لو شتمها على طريقة المسلمون في شتم الآخرين.
ولهذا فإنَّ نقد الآلهة والأنبياء أو تقديسهم هي قضية شخصية ولا علاقة للدولة بها.
أي أنها ليس قضية سياسية - بل إيمانية.
6.
فإذا كان الموقف من "الفيل الطائر" خالياً من المواقف السياسية والقانونية فلماذا يتحول "الله" بالذات إلى قضية من هذا النوع؟!
الجواب واضح:
إنها البربرية المعاصرة.


قضية منطقية

لوحة تعبيرية عن الطاغية بالألوان



هِيَ قَضِيَّةٌ مَنْطَقِيَّةْ:
لا تَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ أو بحوثٍ أكادِيمِيَّةْ!
كلُّ حاكمٍ، ومنذ أن شَرَعْنا بِفَبْرَكًةِ التأريخِ، طاغِيَة!
هذي هِيَ القَاعِدَةُ الذَّهَبِيَّة!
وكلُّ خِلَافٍ ـ إنْ كانَ ثّمَّةَ خِلَافْ،
وكلُّ شذوذٍ عَنِ الْقاعِدِةْ،
هُوَ محض افتراض،
هُوَ محضُ ادِّعَاءْ،
هُوَ، بالأحْرَى، أُسْطُورَةٌ عَرَبِيَّةْ!


الإجماع: فكرة منافية للمنطق العقلاني وقوانين العلم [2]


1.
من العبث مناقشة قضية "الإجماع" بمعزل عن "موضوع" الإجماع نفسه. فهي قضية "لاهوتية" يتم الاتفاق عليها "لاهوتياً". وهذا يعني أنَّ قضية "الإجماع" قائمة في ذات الموضوع "المجمع" عليه.
وكل "إجماع" هو "إجماع" باطل وعلى موضوع باطل يحمل في نفسه عقيدة الإجماع:
فــ"مجتهدو أمة محمد" لم "يجتمعوا" يوماً على قضية تتعلق بحرية البشر،
أو ضِدَّ سلطة الظلم والجور،
أو دفاعاً عن كرامة الناس،
أو تأييداً لقضية عادلة،
أو في مصلحة فقراء المسلمين والبؤساء والمطرودين والمنفيين من ديارهم،
أو ضِدَّ تجاوزات المتنفذين والأغنياء وأصحاب السلطة،
أو تسهيلاً لحياة الناس،
أو اعترافاً بالخطأ،
أو تصديقاً لحقائق مدعومة بالوقائع وتفنيداً لأكاذيب دينية صريحة،
ويمكن المضي إلى ما لا نهاية!
- كلا!
إنَّهم "يجتمعون" على قضايا تتعلق "بالنجاسة"،
أو فيما إذا يجب تحريم لحم الخنزير مع شحمه أم لا،
وهل"حيض النساء" نجاسة؟
أوتحريم هذا الأمر وتقنين ذاك،
واللف والدوران حول تفسير ما لا معنى له في القرآن،
وتحليل ما ظهر لهم فجأة بأنه مفيد،
وقبول ما لا يؤثر في مصالحهم،
ورفض ما يمنح الناس الحرية،
والاتفاق والاختلاف على قرآن لا نهاية لمشاكله التفسيرية،
وتوضيح ما لا قيمة له،
وتحشيد الآراء ضد أعدائهم الفقهيين،
وغيرها من عالم خرافاتهم الواسع!
2.
إنَّ الإجماعَ لغةً، كما يرد في القاموس المحيط، هو "اتفاقُ الخاصَّة أَو العامَّة على أَمرٍ من الأُمور"، وعُدَّ ذلك دليلًا على صحته. ويَقْصُرُه "فقهاء الإسلام" على "اتفاق المجتهدين" في عصر على أَمر دينيٍّ، ويُعَدُّ أَصلًا من أُصَول التشريع.
ويستجيب هذا التعريف اللغوي في خطوطه العامة إلى تعاريف "الفقهاء" أنفسهم لمصطلح "الفقهاء". فالإجماع بالنسبة "للجمع الغفير من علماء الأصول" هو "اتفاق مجتهدي أمة محمد بعد وفاته في عصر من العصور، على حكم شرعي في واقعة من الوقائع"[1]. ويحتوي هذا التعريف على منطق تعريف الغزالي للإجماع باعتباره اتفاق إمة محمد خاصة على أمر من الأمور.
3.
هنا يصطدم المرء، أول ما يصطدم بشكلية التعريف وانتقائية عناصره. فهو:
أولاً، لا يتعدى إجماع "مجتهدي أمة محمد" بعد وفاته.
فَمَنْ هُمْ هؤلاء "مجتهدو أمة محمد" ؟ وما هي الطريقة الإجرائية التي تحددهم من جهة وكيف يتم استشارتهم فيها في بقاع متباعدة؟ وما هي الكيفية التي توصلوا إليها آنذاك في هذا الإجماع رغم اختلاف المدارس فقهية (وفي كثير من الأحيان تكون متناقضة) والطوائف دينية التي تَدَّعِي كل طائفة منها بأنها وحدها حاملة الحقيقة ومدافعة عن الدين القويم؟!
بل حتى لو تم طرح السؤال في إطار القرن الواحد والعشرين - قرن التطور العاصف لوسائل الاتصال، فما هي الطريقة الإجرائية التي تُتخذ للوصول إلى "إجماع" ما (إذا ما تم التوصل إلى مثل هذا "الإجماع") أو التي يمكن أن تُتخذ بالمستقبل بالعلاقة مع قضية ما؟
إنه لمن السُّخُفِ والخِفَّةِ العقلية الادعاء بأنَّ "فقهاء الإسلام" في تلك العصور سعوا فعلاً وحقيقة إلى استشارة بعضهم البعض.
يقول احمد عبد الموجود في كتاب "فقه الزكاة":
[ ... لأن بعض الفقهاء نقل الإجماع في مسائل ثبت فيها الخلاف عند غيرهم، وسبب هذا: أن بعض العلماء المجتهدين في العصور الأولى كانوا منتشرين في عامة الأقطار والبلدان، وكان من الكثرة بحيث يتعسر معرفة أقوالهم في كل مسألة اجتهادية، وهذا ما جعل الأمام أحمد يقول: "من أدعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه". ثم يورد المؤلف أمثلة كثيرة "ادعى فيها الإجماع أو قرر عدم العلم بالخلاف، ومع هذا ثبت الخلاف".[2]
ومن أسباب خرق الإجماع، في رأي محمد الخضيري، هو:
"الاعتداد بالقول الشاذ، أو بما يسمى: "زلة العالم"، حيث يذكر بعض المفسرين الخلاف في مسألة قد وقع فيها إجماع سابق، بناء على اعتبار قول لا يعتد به، لشذوذه.
وقد قرر الشاطبي: "أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له، وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع". [3]
ورغم سذاجة حيلة " زلة العالم" التقنية، فإن الأمر الذي لا جدال فيها هو: خرافة الإجماع.
إنَّ ما يحدث عملياً لا يتعدى موافقة كل واحد من هؤلاء "المجتهدين!" معَ واحد آخر مِنْ الذين سبقوه بالقول. وهكذا حصل "الإجماع". وحتى يكون لقضية هذا "الإجماع" وجهاً فقهياً وضعوا له ما "تيسر" لهم من "القواعد" التي كانوا ولا يزالون يخرقونها، كما أشرت إلى ذلك منذ قليل.
ثانياً، وإذا ما تم الاعتراف "شكلياً" بضرورة "إجماع" الخاصة والعامة، فهو اعتراف فاسد لا وجود له تماماً من الناحيتين النظرية والعملية. فالادعاء بـ"استشارة" العامة في القضايا الفقهية والدينية هو محض ديماغوجية رخيصة يرفضها الفقه الإسلامي نفسه من حيث المبدأ.
4.
والأسئلة التالية تفقأ عيون الفقهاء:
هل المذاهب السنية على اختلاف منطلقاتها وشدة تمسكها بعقائدها (الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية) متفقة فيما بينها من جهة وما بينها وبين الظاهرية في مواضيع الإجماع من جهة أخرى؟
وهل جميع هذه المذاهب السنية متفقة مع المذاهب الشيعية؟
وهل المذاهب الشيعية متفقة فيما بينها على مواضيع الإجماع؟
وهل الأسس التي تستند إليها كل هذه المذاهب، سنية وشيعية، متشابهة؟
5.
إنَّ قضية "الإجماع"، وكما خلصت في جزء الأول من هذا المقال، ليست مجرد "قاعدة فقهية" لإصدار الأحكام، وبالتالي يمكن الاعتراف بها أو لا (أو وضع شروط صارمة لتطبيقها أو لا)، "الإجماع" أداة لاهوتية سلطوية سُنِيَّة المنشأ (ومن ثم تلقفتها الشيعة) تسعى إلى فرض الأحكام الفقهية في مجالي الدين والدولة من جهة، وهي قاعدة لاهوتية منافية للعقل من جهة أخرى. وهي لا تخرج عن إطار فكرة الإجماع/الاتفاق في أي مجال من مجالات الحياة.
وإذا صَحَّ الإجماع في مجال من مجالات الحياة المختلفة فإنه، لا شكَّ، يَصُحُّ التفكير في "الإجماع اللاهوتي" والتفكير في شروطه وهو أمر من الصعب تصوره! ففكرة الإجماع في شروط الحياة المعاصرة، من حيث المبدأ، هي فكرة مناقضة لحرية الرأي ولمبدأ التعددية على حد سواء. بل وحتى في العلوم الطبيعية فإن "إجماع" العلماء يكون دائماً إجماعاَ مشروطاً بالكثير من العوامل والظروف ذات الطابع العلمي البرهاني، كما أن آلية الاختبارات العلمية في قضية ما يمكن أن تنقض هذا الافتراض أو ذاك والتوصل إلى افتراض جديد يخضع للدراسة والاختبار.
ولهذا فإنَّ "الإجماع" الديني قضية يرفضها المنطق العقلاني جذرياً وهو لا يوجد إلا في رؤوس "الفقهاء" الذين ما فقهوا إلا ما "فقهوه" ولا شيء آخر!



[1] موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، سعدي أبو حبيب، دمشق ط4 2011، ص26
[2] فقه الزكاة، احمد عبد الموجود، الجزء 1
[3] الإجماع في التفسير، محمد بن عبد العزيز بن أحمد الخضيري، دار الوطن للنشر بدون تاريخ، ص 117


أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر