منع

الثقافة الإسلامية: الإيمان عبودية ضد العقل والحرية




1.
يمارس العرب (أميون وأساتذة جامعات!) طوال سنين حياتهم مهنة "الاعتقاد" بصدد الكثير من القضايا المتعلقة بحياتهم:
بدءاً من قضية "وجود الله " والإيمان به وممارسة طقوس الدين وحتى قيمة وجودهم، مروراً بمعنى وطبيعة وقيمة أنظمة الحكم التي يرزحون تحتها، من غير أنْ تتم مراجعة هذا "الاعتقاد" ولا أنْ يتساءلوا، حتى ولو مرة واحدة:
 كيف حصل هذا "الاعتقاد" ذاته!
بل حتى حين يصطدمون بجدار الحقائق المصنوع من "الخرسانة المسلحة" ويكتشفون وَهْمَ كل هذه الاعتقادات فإنَّ وفاءهم العميق لـ"معتقداتهم"، الذي لا تهزه لا صواعق السماء ولا زلازل الأرض، يجعلهم يفتحون أبواب مستودعات الوَهْم على مصراعيها بحثاً عن تبريرات لآلامهم وجراحهم الدامية على الجدار الخرساني بعيداً.. بعيداً عن الأسباب الحقيقية!
2.
الحقائق عدوهم الأكبر (وهو في أحيان كثيرة: الشيطان الأكبر)!
إنَّها تحيُّرهم؛ تقلقهم؛ تشكك في "عقيدتهم"؛ تخرجهم عن طورهم؛ تدفعهم إلى المزيد من الأسئلة؛ فهي تفتح أمامهم أنفاق البحث والتقصي عن هذا الموضوع أو ذاك وتعرِّضهم لمهاوي اللاوضوح والتعقيد!
"قالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وإن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ"[1]؛
هذا هو مفتاح الوجود المزدوج:
"الإيمان" و"الطاعة" ولا شيء آخر: إنه ملكوت السعادة!
"الإيمان" هو الدليل على الوجود والانتماء وهو ما يجعل الأشياء واضحة، بَيَّنَة، سهلة القبول والاستهلاك، تريح العقل
أما "الطاعة" فتحررهم من قلقهم ومن حريتهم على حدٍّ سواء!
فهي تحررهم من قلق المسؤولية وتقدم لهم حلولاً تُسَهِّل عليهم وجودهم السطحي!
الحرية عبءٌ يُثْقلُ كواهلهم ويورطهم بما لا رغبة لهم فيه: الاختيار!
اللعنة على الاختيار!
3.
أنْ تختار، فهذا يعني أنْ تفضِّل وتمِّيز وتقارن وتشك وتناقش وتتحقق من حقيقة الأشياء والأقوال والأساطير التي حلت محل الوقائع. وهذا ما يفقدهم الثقة في مواطئ أقدامهم.
لقد فقدوا نعمة التفكير المستقل: إنهم يفكرون، وهذا أمر لا ريب فيه، ولكن من خلال الإيمان. بل يطالبون أولاً بالإيمان ومن ثم التفكير. ولكي يجعلوا "الإيمان" يستقيم مع "حقيقية" من نوع ما فقد سلَّحوا أنفسهم بسلاح مصنوع من البلاغة والتأويل الذي لا يعتدُّ لا بدلالات الكلمات ولا بحقائق الوجود المعبرة عنها.
فهم يخرقون مواضعات اللغة من أجل الإيمان المسبق بمعاني الكلمات.
إنهم ضحايا "عقائدهم" المصنوعة من أسمال تاريخ من أنصاف الحقائق والخرافات والأكاذيب الصريحة.
لا شيء يخيفهم أكثر من الحقائق المثيرة للأسئلة!
لا شيء يخيفهم إلى حدِّ الرعب أكثر من الغموض واللاوضوح، والحقائق المختلفة، والوقائع الملتبسة وتنائي الدلالة بعيداً عنهم!
لا شيء يخيفهم إلى حدِّ الجنون أكثر من التفكير!
فالتفكير يدفع إلى الاختلاف لا محالة، والاختلاف أشدُّ الخطايا:
"وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ"[2] !
فـ"البينات" قد جاءت و"بانت
و"رفعت الأقلام وجفت الصحفوظهر نور الحق يضيء الكون والتاريخ، وعلاوة على إرادة الله فإنَّ "الحَشْرَ مع الناس عِيدٌ" كما يقولون.
أنْ تكونَ مع الآخرين - مجرد قيمة تافهة من الكتلة الكبيرة، هو عيدٌ للروح وطمأنينة للخاطر.
فالآخرون يدفعون عنك شرَّ وحدة التفكير ورجاحة العقل.
4.
"الخلاف يهدم الرّأي"، كما يقول إمام الشيعة الأول: علي بن أبي طالب!
أنْ "تُحشر" مع الناس حشراً في نفق "الإيمان" و"الطاعة" هو الطريق المُعَبَّد إلى عبودية الدولة:
أنْ "تُحشر" مع الناس حشراً، فالأمر لا يعني غير أن تكون عبداً لأوهامك من غير أغلال مرئية، تقف في طوابير "الجماهير" للحصول على بركة "القائد الأوحد" أو "المُحَرِّر" أو "الأمير الحكيم" أو "الرئيس الملهم" أو "حُماة الديار" أو "المجتهد الأعلى" وغيرها من ألقاب العتاة!
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"[3]!
وها هي الطاعة الثلاثية:
طاعة الله،
طاعة الرسول،
وطاعة الحاكم!
ولأن الله والرسول لا وجود لهما – فيحل محلهما الحاكم ورجال اللاهوت – الوجود الذي لا يحتاج إلى أدلة. وهكذا تستحيل طاعة الحاكم والشيوخ إلى طاعة شاملة في المكان والزمان، بل هي طاعة بنيوية من الأعلى إلى الأسفل: كلٌّ يطيع من فوقه حتى آخر السلسلة!
إذن الإيمان لا يعني غير الطاعة – الطاعة وحسب!
وماذا عن العقل؟
5.
من بين دروب الضلال التي يشير إليها الإسلام هو "العقل"، كما ينصُّ قولٌ مسندٌ، وهذه المرة أيضاَ إلى عليٍّ بن أبي طالب:
"مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى عَقْلِهِ ضَلَّ"!
وفي باب الوضوء (مسألة المسح على الخفين) يقول عليٌّ "أيضاً وأيضاً":
" لو كانَ الدِّينُ بالرأي لكانَ أسفلُ الخَفِّ أوْلَى بالمَسْحِ من أعْلاه".
ويقول هو أيضاً: "إياك أن تفسر القرآن برأيك، حتى تفقهه عن العلماء".
لا تفكرْ!
أطعْ!
اتبع!
كل شيء قد قيل وليس ثمة ما يُقال!
لا تعملْ الرأي فيما ترى أو تعتقد!
اتبع ما قاله شيوخٍ من قرون عديدة ولا يشكون أدنى شك بقول من نوع:
"إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن" – كما يقول عمر بن الخطاب!
فالعقل ضَلال والإتباع نجاة!
هذه هي المعادلة المُثْلى للوجود الإنساني!
الإسلام لا ينادي بالحرية – فالحرية منافية للإيمان:
الحرية عصيان!
6.
إذن، هذا هو عدو الدين:
العقل!
هنا سَيَنُطُّ المدافع عن الدين (وهو لذلك على استعداد لمهاجمة العقل):
كيف يمكن أن تولي كل هذه الأهمية للعقل، والعقل يمكن أن يخطأ؟!
هل ثمة اعتراض آخر؟
أجل – العقل قد يخطأ. غير أن منطق العقل يفترض اختبار الفرضيات ونتائج التفكير؛
العقل يعني الشكَّ والحيطة؛
قد يحتاج العقل إلى شيء آخر – غير أن هذه الشيء الآخر لن يكون هراء "الوحي".
فمهما كانت نواقص العقل ورغم كل شيء فهو مناقض للإيمان وهذا يعني: أنه مناقض للأوهام!
ورغم كل الافتراضات الممكنة وغير الممكنة، وإذا ما أردنا أن نزن الأشياء لا بمكيال الدين، بل بمكيال الواقع الذي نعيش فيه ونتنفس هواءه، فإن أدوات العقل - التفكير النقدي والمعرفة الواقعية تقودنا إلى حلول تنقذنا من قيود الزمان والمكان وتحررنا من أسارهما.
التفكير العقلاني يحصن البشر من الإيمان الأعمى المؤدي إلى الطاعة العمياء.
وهذا هو المحذور!
ليس المشكلةُ أن نؤمن أو لا نؤمن:
فليس الإيمان هو العقبة الصعبة، بل بأي شيء نؤمن وكيف؟
لنتأمل قضية الموت:
إنها قضية القضايا والشيء الذي لا يجب أن ننساه أو "نتناساه" هو أنَّ لا حياة لنا غير هذه الحياة؛ لم نعثر على امتداد تاريخنا البشري، ولن نعثر، على أتفه دليل على وجود عالم آخر من أي شكل كان: لا جنات تجري من تحتها الأنهار ولا أشجار تظللنا ولا حياة خالدة!
لم نعثر، لا بالعقل ولا بالحواس ولا أحدَ عادَ من هناك (من وراء حدود القبر) لكي يخبرنا عن وجودٍ غير وجودنا وعن حياةٍ غير حياتنا!
وإن مثل هذا الاستدلال العقلي يقودنا إلى الحياة هنا – والآن.
وهذا يعني الخروج عن سلطة اللاهوت.
7.
هل العقل ضالتنا؟
أعرف أن العقل ليس عصاً سحرية، ولا هو مفتاح يفتح كل الأبواب، لكن وجودنا البشري لم يكتشف "أداة" ناجعة غيره لحل مشاكل هذا الوجود.
نستطيع أن نكون ما نشاء، وأن نؤمن بما نشاء، لكننا لم ولن نستطع أن نسقي الزرع بالصلاة، ولن نشفي مرضانا بالدعاء، ولن نمتلك ناصية السيطرة على الطبيعة بشعائر وطقوس الدين.
كل هذه المصائب والتحديات لا يمكن مواجهتها بدون نور العقل!
8.
وهذا هو "الغائب" الحقيقي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر