1.
تُحرِّم حكومات الدول العربية، بمباركة شيوخ الإسلام وفرسان القومية العربية الذين فشلوا سياسياً فشلاً ذريعاً على امتداد القرن العشرين، فعلين شرعيين ويتم اعتبارهما بمثابة "جريمتين “تستحقان أقسى العقوبات وفي الكثير من الأحيان يتم حكم التنفيذ رغم خلو الدساتير والقوانين العربية الجنائية من أيَّ ذكر لهما [ولا يمكن للمشرِّع العربي التصريح علناً بوجود طابع أجراميٍّ في مثل هذه الأفعال]: إنَّهما نَقْدُ العَرَبِ ونَقْدُ الإسلام، ومن ثم يمكن ترجمتهما بصياغة تجريمية مختلفة بعض الشيء: رَفْضُ الانْتِمَاء العربي والتَّخِلِّي عن العقيدة الإسلامية أو الإساء إلى الدين والأمة!
2.
هاتان "جريمتان" لا وجود لهما في أي مجتمع متحضِّر وهما من "صناعة" عصور الخلافة الإسلامية الظلامية. بل أن تجريم فعل التخلي عن الإسلام هو استمرار مكشوف وأصيل لـ"حروب الردة" التي خاضها أبو بكر والتي أزهق بها أرواح الآلاف من "العرب" "المسلمين"!
إذا ما يوجد اتفاق يكاد يكون مطلقاً على مبدأ ما بين دساتير وقوانين الدول المتحضرة الديمقراطية فإنه الاتفاق على حرية الرأي والاختيار. وإنَّ هذا الحق هو بمثابة حجر أساس الثقافة العقلانية المعاصرة، والتي تشكل مصدراً روحياً وأخلاقياً عميقاً للعلم والتكنولوجيا، بدونه لا وجود للحرية ولا يمكن الحديث عن التحرر الروحي والعقائدي بدونه.
والحكومات العربية "تضرب" هذا الحق بعرض الحائط وكأنها لم تغادر القرون الهجرية الأولى أو أنَّ عصور الخلافة لم تولِّ من غير رجعة!
هنا في "مملكة الظلام العربية" عليك أن تكون عربياً "غصباً عن أنفك" طالما هكذا تقول السجلات "الرسمية"!
عليك أن تكون مسلماً "غصباً عن أنفك" طالما هكذا تقول السجلات "الرسمية"!
3.
هذا هو قَدَرُك وعليك الخضوع له ولا مكان للأدلة التاريخية فيما إذا كنتُ قد أنحدرت من أصل عربيٍّ أمْ لا وفيما إذا كنتُ أرغب في أنْ أكون عربياً أمْ لا!
لا يمكن العثور على مثل هذا المنطق العبثي إلا في “مملكة الظلام العربية"!
نحن هنا محاطون بالممنوعات، تَلُفُّنَا كالشرنقة وعلينا الخضوع والاستسلام!
إنَّها "عقيدة" مضادة للتاريخ والمنطق وحرية الوجود والاختيار.
فهل ثمة "مسوغات" قانونية ومدنية ودينية وأخلاقية لمثل هذه "العقيدة" القمعية؟
4.
الشعوبية:
لمْ تصلْ إلينا معلومات شريفة وأمينة كافية عن طبيعة "الصراع" المفترض الذي كانت تخوضه الفئات الأثنية التي تم اعتبارها "أجنبية" في إطار "الخلافة العربية" سواء في فترة تمركزها في دمشق (الدولة الأموية) أو في بغداد [2] (الدولة العباسية) وقد أطلق على هذا الصراع "الشعوبية" كدلالة سلبية معادية للعرب [وحتى تكتمل سلبية هذا الصراع وحتى تجد السلطة السياسية مسوغات قمعها أضافوا لها صفة معاداة الإسلام "الخفية" رغم إنَّ هذه الفئات قد اعتنقت الدين الإسلامي].
إننا وقد تجاوزنا القرن العشرين بأكثر من عقدين مازلنا نستهلك ذات المعلومات و"المُرافعات" السياسية والأخلاقية المضادة لما يسمى بالشعوبيين" وبأقلام كُتَّاب مضادين لهم من فترتي الخلافة الأموية والعباسية. ولكن لم تصل إلينا التصورات الحقيقية لممثلي "الشعوبية" وإن وصل البعض منها [كأعمال ابن المقفع المتهم بالشعوبية مثل "كليلة ودمنة" و"الأدب الكبير" و"الأدب الصغير"] فإنَّ ما يُعتقد بعداءها لا يُشَكِّل إلا تأويلاً إرادوياً كان من الممكن أن يخضع لتأويلات مختلفة في ظروف سياسية مختلفة. وحتى "مرافعات" الدفاع عن اللغة العربية والأدب العربي لممثل بارز للثقافة العربية والدفاع عنهما آنذاك كالجاحظ [وهو الذي ينتمي إلى أصول غير عربية والحامل لمنطق التفكير الإعتزالي العقلي] لا نجد فيها ما يشير إلى أدلة الشعوبية في أدب ابن المقفع.
5.
لم يكلف أحد نفسه للإجابة على أسئلة كان لها حتى في ذلك الوقت أهمية كبيرة:
ما هو منشأ مواقف الفئات والجماعات الأجنبية المعادية للعرب؟
هل هي معادية حقاً للعرب أمْ للسلطة العربية الجائرة (الجائرة حتى على العرب)؟
هل هي معادية للسلطة السياسية أم للسلطة الدينية التي فرضت عليهم بحد السيف التخلي عن ثقافتهم وعقائدهم الروحية وعن أصولهم الثقافية؟
هل "عداء" هؤلاء الناس هو "عداء" أم مواقف سياسية وثقافية لا غير؟
من هُم السَّكان الأصليين ولنقل لأهم مدن الخلافة الأموية والعباسية: دمشق والبصرة والكوفة وبغداد ومصر؟
أليس "العرب" و"الأعراب" أنفسهم هم فئات أجنبية على هذه المدن، بل وأكثر أجنبيةً حتى من ممثلي "الشعوبية"، على الأقل من وجهة النظر التاريخية؟
مَنْ هم سكان العراق الأصليين؟
مَنْ هم سكان مصر الأصليين؟
مَنْ هم سكان سوريا ولبنان الأصليين؟
مَنْ هم سكان تونس والمغرب والجزائر الأصليين؟
مَنْ هم سكان السودان الأصليين؟
مَنْ هم ....
إنَّ الحقائق المرة لا نهاية لها!
6.
على امتداد القرن العشرين ولا يزال الكتاب العرب - الإسلاميون [العلنيون والمستترون] يطبلون للثقافة العربية الإسلامية "العملاقة" وعلم اللغة العربي الذي لا يضاهيه علم ولكنهم يعبرون كالمجانين جسر الحقيقة من غير أن يلتفتوا إلى حقيقة بسيطة، إلا وهي بأنهم يدلسون!
ما هي نسبة المنتجين الحقيقيين من العرب للثقافة "العربية" آنذاك في مجال اللغة والفلسفة والعلوم الطبيعية والطب والترجمة مقارنة بالفئات والمجموعات الأثنية الأجنبية أو غير العربية في هذه المدن؟
هاكم بعض الأمثلة ـــ أكرر بعض الأمثلة [من هذه الأمثلة استثنيت الكثير من اللغويين والفلاسفة والكتاب من مدن الأندلس. إذ أن تكونهم جاء نتيجة للتلاقح الثقافي والبشري مع سكان أوربا]:
ابن الرومية (إشبيلية)
ابن العبري (سرياني)
حنين بن إسحاق (سرياني عراقي)
متى بن يونس (سرياني عراقي)
ابن باجة (سرقسطة)
يوحنا البطريق (سرياني)
فسطا بن لوقا البعلبكي (سرياني)
ابن جني (من عائلة يونانية)
ابن سقلاب (مسيحي لا توجد إشارة إلى أصوله القومية)
ابن سينا (بخارى وهو في رأي فقهاء الإسلام ملحد)
أبو الحسن العامري (نيسابور)
أبو الريحان البيروني (خوارزم)
أبو الفرج الأصفهاني (أصفهان)
أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ــ الشيخ الطوسي (طوس)
أبو نصر منصور بن علي بن عراق (خوارزم)
أثير الدين الأبهري (سمرقند)
أحمد ابن فارس (قزوين)
الجرجاني (جرجان)
الخوارزمي (خوارزم)
الزمخشري (تركمانستان)
سيبويه (قرية البيضاء ــ بلاد فارس)
الشيرازي (شيراز)
الفارابي (من فاراب ــ تركستان بخارى وهو في رأي فقهاء الإسلام ملحد)
الفيروز آبادي
7.
فمَنْ هو "الأجنبي" ومَنْ هو من السكان الأصليين. وَمَنْ هو "العربي" ومن هو "اللاعربي" في تلك العصور؟
هذه أسئلة لا يمكن "النطُّ" عليها وكأنَّ لا وجود لها لمن يبحث عن الحقيقة الغائبة. فالإجابة عليها سوف تكشف لنا بأنَّ "الشعوبية" لا تتعدى حقيقة كونها ظاهرة ثقافية واجتماعية وسياسية وهي نتاج لسلطة الجور العربية المنظمة التي بدأت منذ الأمويين، والمفارقة التاريخية هو إنه بدأت من الأمويين وتم تعزيزها في أثناء فترة حكم الكثير من الخلفاء العباسيين!
لماذا مفارقة؟
8.
نعم - إنها مفارقة تاريخية!
وإن إدراك هذه المفارقة أمر بسيط وسهل للغاية:
- مِنْ بين الخلفاء الأمويين الثلاثين (في دمشق وقرطبة) هناك 19 خليفة من أمهات ليست عربيات!
- مِنْ بين الخلفاء العباسيين الستة والثلاثين يوجد 33 خليفة من أمهات ليست عربيات!
- بل ويمكن إضافة حقيقة مدهشة أخرى: كل أئمة الشيعة من بعد الحسين هم من أمهات ليست عربيات!
أما ما يتعلق بالأفراد الآخرين من "علية القوم" والقواد والأمراء والأغنياء فحدِّث ولا حرج!
وعلينا أن ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى:
- كم عدد سكان العراق المحليين (سريان ويهود وأكراد وغيرهم) في مرحلة الغزو العربي - الإسلامي؟
- كم عدد المصرين المحليين (أقباط ويونانيين وروم ويهود ومن أصول مصرية قديمة على سبيل المثال) قبل الغزو العربي - الإسلامي؟
- كم عدد سكان شمال إفريقيا المحليين الذي لا علاقة لهم بالأصول العربية (كالبربر والأمازيغ وغيرهم)؟
- كم عدد سكان السودان العرب؟
وهذا ما ينطبق على كامل الدول العربية الحالية باستثناء دول شبه الجزيرة العربية.
9.
فأية "عروبة" التي يدعي بها عرب القرن العشرين والواحد والعشرين؟
فهل أنا عربي؟
وهل أنت وهو وهي عرب؟
أنا لا أدعو إلى الانتماء القومي ولا أسعى إلى ذلك. فالانتماء القومي ما عدا كونه "ثقافة متخيلة" هو آخر ما يحدد شخصيتي وأفكاري وطريقة تفكيري. إنني أتحدث عن التاريخ المزور وتغييب الحقائق وهي المهمة الأثيرة للدولة الإسلامية/العربية.
الحقيقة هي الحقيقة بغض النظر عن طريقة استخدمها من قبلنا.
وقد تم تغييب حقيقة أصولنا وتاريخنا وقد تم ذلك باسم الإسلام. وهذه من أكبر الجرائم التاريخية!
--------------------------------------------------------------------
[1] الحامض النووي الصبغي (Deoxyribonucleic acid) ويطلق عليه اختصاراً: دنا ا (DNA).
[2] لفترة تاريخية قصيرة (أثناء خلافة المعتصم والمتوكل العباسيين) كانت مدينة سامراء هي عاصمة الدولة العباسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق