منع

بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين

الشيطان وحوله الملائكة


"بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين" للكاتب "القرآني د. أحمد صبحي منصور من الكتب الإسلامية التي يستحق الاطلاع على تصورات كاتبيها. فهي تكشف بصورة جلية على ما يدور في ذهن اللادينيين عن خرافة الصلاة ومن وجهة نظر إسلامية بالذات.
وإذا كان عنوان الكتاب في الثمانينات وقت صدوره "الصلاة في القرآن الكريم" ثم تحول إلى "بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين" فإنَّ الأمر لم يختلف مطلقاً, لأن الموضوع لا يزال وسيبقى متعلق بصلاة المسلمين بالذات وإن الأدلة على "شيطانية" هذه الصلاة لا تزال كما هي.
لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن أدلة الكاتب ليست "إلحادية" بل إسلامية وتستند إلى ذات "القرآن" المبجل من قبل الجميع: القرانيين والسنة والشيعة وباقي الطوائف.
إنها زجهة نظر إسلامية محض وهي محرمة تماماً من قبل الإسلام الرسمي: السني والشيعي.

فهرس كتاب بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين:

الله العليم الحكيم ويعلم ما بالصدور: أجهزة الأمن الربانية! [1]


Big Brother!


لا يشكُّ "إبراهيميٌّ" واحدٌ ولا ثانية واحدة، بل ولا حتى "نانو" من الثانية، بفرضية "إنَّ الله عليم بذات الصدور" و"إنَّ الله عليم خبير" وغيرها من مظاهر الهوس المخابراتي الإبراهيمي. وأعتقد أن أركان كتبهم الإبراهيمية "المقدسة" تستند إلى هذه الفرضية بالذات. فماذا يتبقى من هذا الإله إذا كان لا يعرف ما كان ولا يعرف ما سيكون؟

طبعاً، لا شيء!

1.

من نافلة القول التأكيد على أنَّ فرضية "العلم" و"الخبرة" هذه من الناحية الإجرائية تفعل فعلها كــ "جهاز مخابرات" من المستوى الرفيع في الأنظمة الشمولية القمعية وهي لا تجد أية غضاضة من أن تنسب لنفسها فكرة القدرة على معرفة كل مُعادٍ للنظام ومراقبة ورصد كل "التحركات المشبوهة" بين السكان. بل أن هذا النوع من الأنظمة يوحي لمواطنيه بأن أجهزتها قادرة على الكشف عن أي سلوك معادٍ لها وهي على اطلاع على مناقشاتهم وتعليقاتهم المعادية. وهي تبادر بنفسها إلى طرح السؤال المتوقع عن سبب عدم تحركها واتخاذ الإجراءات القامعة مثلاً، ومن ثم تجيب عليه بنفسها: حتى تعرفون بأننا متسامحون وصبورون حتى تعودون إلى رشدكم. وهو نفس صوت الإله الإبراهيمي: "فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "!

2.

إن نوعي الرقابة، أي رقابة الدولة الشمولية عبر أجهزتها وما يسمى بـ"الرقابة الذاتية"، هما وجهان لعملة واحدة. وتكشف تجربة الدولة النازية والدول الاشتراكية السابقة جميعاً (مع بعض الاختلافات الطفيفة) عبر وثائق أجهزتها السرية بأن طموح هذه الأنظمة هو توسيع جغرافية "الرقابة الذاتية" لأنه أكثر فعالية وجذرية من الرقابة الخارجية إذا صح التعبير. وتكتسب الرقابة الخارجية أهمية استثنائية في خلق الظروف السيكولوجية والمناخ السياسي العام لتفعيل الرقابة الذاتية.

3.

لكن الدولة الشمولية، على الرغم نت جبروتها، غير قادرة على تخصيص شرطي لكل مواطن [ هذه الفكرة واحدة من الأساطير المنتشرة بين مواطني الدول الاشتراكية السابقة لكنها من الناحية العملية تخلو من أية مصداقية. لا لأن الدولة الاشتراكية لا ترغب في حدوث مثل هذل النوع من الرقابة، بل لأنها غير قادرة عملياً]. ولهذا لابد من "نقل" الرقابة إلى داخل الفرد:

خلق شرطي في رأس كل مواطن يحرس ويراقب أفكاره وتحركاته. وهكذا يراقب أفراد المجتمع أنفسهم بأنفسهم. وهو عمل يوفر على الدولة الشمولية موارد وأجندة لا تقدر بثمن.

4.

لكن الرقابة الذاتية لها جانب هام آخر، هو تفعيل النوع الثالث من الرقابة:

مراقبة أفراد المجتمع بعضهم البعض الآخر!

وقد كشفت وثائق أجهزة الأمن السياسي في الدول الاشتراكية السابقة وهي وهي تحمل أسماء مختلفة وتنتمي إلى جهات حكومية مختلفة وبشكل خاص الجهاز السري لوزارة أمن الدولة لألمانيا الديموقراطية الشعبية، والمعروفة في الصحافة العالمية تحت اسم "Stasi شتازي" [والسبب يعود إلى أن الحكومة الفيدرالية الألمانية، خلافاً للحكومات الجديدة للدول الشرقية بعد التحولات، قد وفرت شفافية عالية بالاطلاع على هذه الوثائق] حقائق مذهلة عن هذا النوع من المراقبة والتي عبرت عنها "التقارير" التي كان يكتبها الأبناء ضد آبائهم، والنساء ضد أزواجهن، والأصدقاء ضد أصدقائهم [ وكأن صدى إنجيل متي يتردد في الأرجاء: " فإني جئت لأفرقَ الإنسانَ ضدَّ أبيهِ، والابنة ضد أمها، والكنة ضدَّ حماتها"]!

5.

إنه سقوط شامل في قبضة آلية الخوف التي يشيعها النظام عن طريق مختلف الوسائل العلنية (الراديو والتلفزيون والصحف) أو عشرات الوسائل الأخرى كالمراسيم الحزبية التي توزع في مواقع العمل وفي المدارس والجامعات والإعلانات التي تلصق على جدران المعامل والقاعات الدراسية التي توجه الأنظار إلى هدف واحد لا غير وهو: الولاء، وإلا فإن العواقب وخيمة. طبعاً يكون إرهاب الدولة ضد "الأعداء" مصحاباً دائماً بمكافآت "للأصدقاء".

ومن النماذج الواقعية للملصقات في المعامل والدوائر الحكومية يمكن أن نقرأ:

"أيها المواطن أفضح أعداء المجتمع"!

"أيها المواطن اكشف عن الأشخاص الذين يخرقون قواعد النظام الاجتماعي"!

6.

ومن يقرأ القرآن بتأني وتأمل سيكتشف إن هذه هي نفس الفلسفة "الرقابية" التي يتبعها "كاتب" القرآن. ولا يحتاج المرء إلى الكثير من الأدلة والتنقيب ليكتشف بأن العقائد والأنظمة الشمولية تكاد تستخدم ذات الآليات والأدوات للضغط على الناس. إن الشيء الوحيد المختلف هو مستوى تطور التقنيات وبعض الأساليب المتميزة لكل عصر وثقافة. وقراءة سطحية لبعض سور كتاب محمد من شأنها أن تكشف عن هذا التشابه الرهيب. وهذه أمثلة من "البيانات والمنشورات الأمنية" في القرآن (ومن لا تكفيه هذه النماذج سأكون جاهزاً لإيراد العشرات من الآيات المشابهة):

"وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" [الملك/13]

"إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" [فاطر/38]

"وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "[آل عمران/154]

وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" [ المائدة/7]

يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [هود/5]

وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" [التغابن/4]

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" [الملك/13]

وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" [البقرة/215]

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم" [البقرة/231]

لنرفع الغلاف "الرباني" عن النصوص "المقدسة" ونقرأها بتمعن حتى نرى وجهها الأرضي اللامقدس!

7.

ففي مثل هذه الآيات، ومنها الكثير، يستطيع القارئ المحايد أن يستشف الآليات المتبعة من قبل الدول الشمولية بتشغيل محركات "الرقابة الداخلية" عن طريق زرع جذور الخوف في دماغ المؤمن:

إنَّ الله عليم بكل شيء يحدث وبكل شيء تفكر به.

ومهما صرحتم أو أخفيتم في صدوركم فإنه مكشوف أمام الله.

لا جدوى من أية محاولة للتستر على ما تفكرون به لأن الله قادر على معرفة الغيب لا ما في "صدوركم" فقط، وإنما كل ما يحدث في السماوات والأرض.

فلا مهرب أمامك إلا الطاعة والإذعان والتقوى.

وهو يكرر عشرات المرات عبارة " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" وإلى الحد الذي تتحول فيه العبارة إلى معادل للشعارات التي كانت ماكينة الإعلام الهتلرية والشيوعية تنشرها بأشكال مختلفة لكي تقنع المواطن بأن الحزب والدولة تعرف كل شيء. وكما هو الحال في الأنظمة الشمولية فإن مؤلف القرآن لا ينسى المكافآت فالجنات التي تجري من تحتها الأنهار تجتذب كالمغناطيس فضلات الحديد.

- هذه حياة فانية، وتلك هي الحياة الأبدية فاتق الله واربحها وإلا فإن ناراً وقودها الناس والحجار ستكون في انتظارك.

كتاب محمد يزرع في عقول الناس هيئة رقابية من نوع فريد تذكرهم في كل لحظة: إياك أن تنسى قضاء الله وتعاليمه فهو يعرف بما ضمرت القلوب ويدرك ما تنوي عليه.

إنها سياسة تعطيل الإرادات وتكبيل العزائم إلا ما ارتضاه الله وقبله الرسول وكل شيء آخر باطل حتى يوم الساعة. الله يراقب، يعرف دقائق الأمور، يحسب حساب كل خطوة نخطيها، قد قدَّر منذ الأزل ماذا سنفعل وماذا سنفكر!

8.

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية صدرت الكثير من الأعمال الروائية والسينمائية التي تتحدث عن هذا السعي المَرَضِي المحموم لماكينة الدول الشمولية لفرض الرقابة الشاملة على المواطن. لكن رواية "1984" للروائي جورج أرويل التي صدرت عام "1949" ربما تكون في طليعة هذه الأعمال. وليس من الصدفة إن تلهم أفكار الرواية منتجي البرنامج الشهير " Big brother ".

9.

لقد كشفت الرواية بصورة بصرية فذة عن "جبروت" جهاز الشرطة الذي يرى كل شيء ويسمع كل شيء بالمعنى الحرفي للكلمة عن طريق الكاميرات الموجودة في كل زاوية، والتي ترصد وتترصد كل جزئية، وكل تفصيل من تفصيلات حياة الناس اليومية والشخصية، فتتحول هذه الحياة إلى مجرد "ملفات" فيديو في دائرة الشرطة.

فشخصية Big brother رغم خصائصها الفنية، فإنها تعبر أسطع تعبير عن الواقع الفعلي لمساعي القادة الشموليين لكي "يمسكوا بزمام الأمور" ولكي لا يتركوا تصرفات البشر للصدفة أو للمزاج الشخصي.

10.

إنه "الله" المعاصر، وكاميراته هي عيون "الله" التي "تعرف كل ما في الصدور".

في نظام شمولي مثل هذا (سواء كان دولة أو عقيدة دينية) فإن الرسالة التي لا تفارق إعلامها: لا معنى للمقاومة. فإن أية مقاومة لا تجلب إلا البلاء لأصحابها. فالقائد المُلْهِم، والله، وأجهزة المخابرات على "علم بما في الصدور".

وهذا التكرار الممل والمقيت (هو يعلم بما في الصدور) يرسم صورة مأساوية المعالم عن النظام المنشود وعن طبيعته الإجرائية والسياسية والحقوقية: وقد رأيناه في دولة" داعش" الإسلامية. أنها التعبير المباشر والصريح عن مساعي كاتب القرآن. وكل الآراء التي تجعل من "داعش" مساعياً استثنائية للعقيدة الإسلامية وتطبيقاً شاذاً لها لهي آراء دفاعية أدرك أصحابها حقيقة الوجه المخفي للدولة الإسلامية، مثلما رأى الناس في كل مكان. وما عليهم الآن إلا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة كتابهم المجيد!

11.

والآن أتساءل: 

ألا تذكركم وسائل الأنظمة الشمولية بشيء نعرفه جميعاً من تجاربنا في " جمهورية الإسلام الديموقراطية الشعبية!؟

ألا تذكركم الدولة الشمولية بالإسلام (الدول العربية هي التعبير المدني عن هذه الدولة)؟

وألا تذكركم المادة الموجودة في جميع دساتير الدول الاشتراكية سابقاً والتي تنص على (أن الحزب الشيوعي هو القوة القائدة في الدولة) المادة الموجودة في أغلب ما يسمى بالدساتير العربية التي تنص على أن (الإسلام هو دين الدولة)؟

وألا يذكركم مبدأ الاسترشاد بوثائق الحزب الشيوعي في مجالات الحياة والقوانين بما تنص عليه الدساتير العربية بكون "الشريعة الإسلامية هي من المصادر الأساسية للتشريع)؟

وألا تذكركم أجهزة الأمن السري بهيئات الإفتاء والمديريات ولجان المراقبة الدينية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المدعومة من قبل أجهزة الأمن الحكومية؟

12.

فإذا كان كل هذا وكل ما نعرفه عن الأنظمة الشمولية في التاريخ المكتوب لا يذكركم بشمولية العقائد الدينية وما نعرفه عن الإسلام، ليس فقط كتاريخ خبرناه بأنفسنا، وكل ما نعرفه عن التعاليم الإلهية للسيطرة على تفكير الفرد، فإن ذاكرتكم، ولا آسف لذلك، لهي بائسة أشد البؤس!


حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً [10]: الإغتيال

رأس الحمار فقط وهو يستلقي على الأرض


[1]
قرار الحُكْم:
لم يمض أكثر من أسبوع على جلسة المحكمة الأخيرة التي نظرت في قضية الحمار نشرت الصحف الحكومية الرسمية خبر إطلاق سراح الحمار بكفالة مالية قدرها 100000 دولار أمريكي وتعهد خطي بعدم التدخل في السياسة والامتناع عن مناقشة الأمور الدينية التي تمس الذات الإلهية وسمحت له بالصلاة خمس مرات في اليوم على شرط عدم حضور صلاة الجمعة.
وقد نشرت إحدى صحف الحكومة المستقلة صورة للحمار وهو يغادر سجن التحقيقات وقد قدم له أحد الشرطة باقة من أزهار الورد الأحمر بمناسبة إطلاق سراحه!
[2]
الحرية الوهمية:
عندما خرج صاحبنا من المعتقل ووطأت "أقدامه" أرض الشارع المبلط مرت بمحاذاته وكالصاروخ سيارة سوداء بدون رقم. فتسمر في مكانه متابعاً السيارة السوداء وهي تختفي عن أنظاره.
لم يولِ الأمر أية أهمية، على عادته، فقد كان مبتهجاً لخروجه من السجن. رفع رأسه عالياً وهو يستنشق هواء الصباح بمليء رئتيه.
فكر بزوجته وأطفاله. . .
كان الشوق إليهم يحرق قلبه فسالت الدموع من عينيه وأخذ ينحب بأعلى صوته [للأسف فهم المارة بكاءه بصورة مغلوطة. فهم كانوا يعتقدون بأنه ينهق!].
لم يكن يدرك ما الذي يحدث حوله.
ولأنه كان قادراً على التفكير والتأمل في أي نقطة من المكان والزمان فقد كان متسمراً في وسط الطريق قاطعاً السير حيث تشكل طابور طويل من السيارات التي ينتظر سائقوها أن يعبر صاحبنا الشارع ويحرر الطريق. فأسرع بعبور الشارع وكادت إحدى السيارات تدهسه وقد أخرج السائق رأسه من نافذة السيارة صارخاً بأدب "جمِّ":
- هيه يا حمار، هل هذا وقت الحمرنة؟!
- وهل تبقى شيء من الحمرة؟!
ردد صاحبنا مع نفسه ثم تنبه إلى باقة زهور الورد الأحمر التي كان يقبض عليها بأسنانه فرماها تحت قدميه وأنطلق باتجاه القرية.
[3]
لم تكن [Donkey village] كما كانت عليه قبل اعتقاله.
لقد تغير كل شيء. وكما تقول القطة المرقطة [نقلاً عن هيراقليطس]: "لن تنزل النهر مرتين".
إذ كل شيء يتغير .. كل شيء يتحول. لكن مشكلة هذه القرية المستحيلة التي لا وجود لها على خارطة العالم هي أنها تتغير باستمرار إلى الأسوأ حتى أنَّ الشعور باقتراب الكارثة يلفُّ الجميع.
تسلقت القطة المرقطة منارة جامع القرية الذي بني على عجل حتى يتم افتتاحه في يوم "المولد النبوي". وقد كانت على ثقة بأنَّ هذه المنارة سوف تتهاوى في يوم ما [وقد تهاوت فعلاً في لحظة تهاوي القرية بسكانها].
كانت القطة المرقطة شاهدة على تاريخ بناء المنارة ورأت "بأمِّ عينيها" كيف تم إنجازها من مواد البناء الرخيصة، مثلما كانت شاهدة على مطالب أمين الشحات إمام الجامع الأحول المستمرة أنْ يقتصد العمال باستخدام السمنت. فقد كان إمام الجامع الأحول يكره التبذير جداً حتى كان يتمنى أنْ يتم بناء المنارة من طين المستنقع الذي يحيط بالجامع. ولهذا فقد كان الجزء الأكبر من أموال التبرعات التي يقدمها مهابيل القرية لبناء الجامع تذهب بهدوء وسلاسة إلى جيب إمام الجامع بدلاً من تبذيرها في مواد تضر ولا تنفع كما يقول!
وحسب معلومات القطة المرقطة فإنَّ إمام الجامع قد بنى بيتين خلال السنتين الأخيرتين من أموال التبرعات. وقد حدث هذا بدعم وصمت المختار الذي شمله إمام الجامع ببعض الخيرات [شاحنة بيك آب [Pick-Up] كهدية تعبيراً عن الود والامتنان بمناسبة عيد الشجرة!].
[4]
ظلت القطة المرقطة تراقب القرية من أعلى نقطة في القرية بانتظار الكارثة.
وخلافاً لجميع سكان القرية من الناس والحمير والماعز والقطط والكلاب، فإنها كانت تسخر من عقولهم، التي تصفها بالفاسدة كبيض دجاج القرية من شدة ارتفاع درجة الحرارة. إذ أنَّ ولعهم بانتظار قرب ظهور صاحب الزمان وخروج الأعور الدجال لا يثير فيها غير مشاعر القرف والاستهزاء في آن واحد.
فالأعور الدجال هو في الجامع أمامهم كل يوم: يؤم صلاتهم ويسرق تبرعاتهم أمام عيونهم.
أما الشعور باقتراب الكارثة من قبل سكان القرية فهو الشعور الوحيد الذي تأخذه القطة مأخذ الجد. وهي تعرف من تجربتها الغنية بأنَّ كوارث القرية لا علاقة لها بـ"صاحب الزمان" وهي تعرف جيداً بأنَّ الزمان لا "صاحب" له غير الخرفان والماعز التي ترعى حول القرية من غير أن تكترث لا بالزمان ولا المكان. إذ يجدها الناس ترعى في كل زمان وفي كل مكان حتى في غرف نومهم وفي سقائف مطابخهم، وفي الجامع، وفي غرفة المدرسة الوحيدة.
[5]
الكارثة التي تنتظرها القطة المرقطة لـ Donkey village هو أنْ تبتلعها الأرض كما ابتلعت سكان القرية المجاورة ولم يعرف أحد مصيرهم. ولأنَّ للكوارث دائماً بدايات تمهد لها فإنَّ إطلاق سراح الحمار وكأنَّ شيئاً لم يكن هو إنذار بأن الكارثة قادمة.
وفي هذه اللحظة بالذات من تأملات القطة سمعت عدة إطلاقات مكتومة.
وعندما صعدت القطة على سياج المأذنة العالي لم تر شيئاً غير مشهد الحمار وهو يجرجر قائمتيه الخلفيتين بصعوبة ثم سقط على الأرض من غير حراك.
[6]
النهاية المحتومة:
بعد ساعات فقط من إطلاق سراحه عثر أهل القرية الذاهبون إلى أعمالهم على جثة الحمار ملقاة في وسط الساحة المركزية للقرية!
أول من عثر عليه كانت القطة المرقطة التي كانت شاهدة على مصرعه.
كان يبدو وكأنه نائم.
لا تبدو على وجهه آثار ألم أو أسى – بل يبدو وكأن ابتسامة سخرية تتسلل من فمه المغلق.
وعندما نزلت القطة المرقطة من المنارة، التي تهاوت حالما نزلت منها، اقتربت من جثة الحمار ولاحظت بوضوح ثمة حفرة في صدغه والدم لا يزال يسيل حتى شكل بركة حمراء تحت مطيع الغائب.
لقد أصبح واضحاً بالنسبة لها بأنَّ نهاية الحمار هي نهاية الجميع.
فالذي حدث مع مطيع لم يكن غير استهتار القرية بوجوده وتحميل آراءه أكثر مما تحتمل.
ولأول مرة شعرت القطة بالأسى وأنها تعيش في عالم لامعقول.
- هل يستحق الأمر كل هذا؟
تساءلت القطة بغضب شديد، لكنها لم تكن قادرة على أن تفعل أكثر من هذا. فتركت المكان وهي تسير على غير عادتها ببطء وتثاقل.
بعد هذا اليوم لم ير أحد من أهل القرية القطة المرقطة قطُّ.
أما هي فلم تسمع بعد ذلك اليوم بوجود القرية أيضاً!
[7]
لم يثر غياب القطة المرقطة اهتمام أحد. فكلُّ واحد من أهل القرية الآيلة إلى الانقراض كمنارة الجامع [الحمير والبشر والماعز والخرفان والكلاب والقطط] حائر بمصيره الكارثي الذي على قاب قوسين أو أدنى.
كانت لقضية مطيع الغائب نتائج خطيرة لم يكن يتوقع حدوثها أحد – بل وآخر ما كان يمكن أن يتوقعها هو نفسه.
هنا يكشف "تأثير الفراشة" لنظرية الفوضى عن كامل صورته ومعانيه.
فهذا "الحدث الصغير" الذي اعتادت الصحافة المحلية والعربية والعالمية باعتباره "قضية مطيع الغائب" قد أدى إلى أحْداثٍ وتحولات عاصفة في حياة البلاد.
لقد تحولت "قضية مطيع الغائب" إلى "إعصار مطيع الغائب".
والمدهش في الأمر هو أنَّ هذا "الإعصار" وربما لأول مرة في تاريخ الأعاصير الفتاكة يحمل اسماً مذكراً مخالفاً للمنطق الفقهي الإسلامي الذي يعتبر النساء مصدر المصائب!
إنه "إعصار مطيع"!
[8]
فإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إحالة وزير الداخلية على التقاعد ومصادرة سياراته العشر والدراجة الهوائية العائدة لحفيده الصغير؛ وطرد الناطق الرسمي باسم هيئة الإفتاء الوطنية [أو القومية] من الخدمة والبلاد في آن واحد؛ وتجميد عمل "وزارة الأوقاف" إلى إشعار آخر واستحداث وكالة جديدة تحت اسم "المطاردة الديموقراطية لأصحاب الرأي"؛ وغلق دار "سينما الوطن" لأنها عرضت قبل فلم "طرزان" الأخبار المحلية التي أشارت إلى "قضية مطيع الغائب"؛ وغلق مطعم "الأفراح" لأنه ابتكر سندويشاً جديداً تحت اسم "سندويش مطيع"؛ وغلق جميع الطرق الدولية والفرعية والتجارية المؤدية إلى " Donkey village " وإزالة مادة الأسفلت منها نهائياً؛ وإقالة أمين الشحات الأعور كإمام لجامع القرية وتعينه سفيراً للبلاد في الفاتيكان؛ وإلقاء القبض على جميع القطط في القرية واستجوابها حول المقر السري للقطة المرقطة [إذ يعتقد بأنها عميل سري للمخابرات السويدية].
فإنَّ "إعصار مطيع" قد أدى إلى نتائج اقل ما يقال عنها بـأنها كارثية على " Donkey village"!
[9]
إنَّ ما حدث في Donkey village قد خرج عن طاقة الجميع لا على تحمل المفاجأة بأنَّ يقوم حمار قروي بالتمرد على الإرادة الإلهية فقط بل وقد أثبت أنَّ عالمهم يتهاوى من الداخل من غير تدخل الاستعمار والامبريالية والصهيونية.
لقد كان الحمار مطيع الغائب واحداً منهم؛ ولم يكن غير أضعف الحلقات ومع ذلك فقد تمرد عليهم وعرضهم كما تفعل أجهزة العرض السينمائي أمام الجميع في وضح النهار وأجبرهم على ارتكاب أكبر الحماقات ووضع في قلب البلاد الفضيحة التاية:
اغتيال حمار بحجة الاعتراض على الإرادة الإلهية!
[10]
وهكذا فقد كان على الحكومة أنْ تقوم بما قامت به بصدد القرى الأخرى:
مسح Donkey village عن وجه الأرض وإلغاء واجتثاث أية آثار لها. إذ لم تكن أوامر الدولة ترحيل سكانها وتدميرها وإنما تدمير القرية بسكانها ومنع أي كائن حي من الخروج منها.
ولم ينجُ من المذبحة غير اثنين:
أنا والقطة المرقطة!






مواطنو مملكة الأوهام يعترفون بأن ربهم لا حول له ولا قوة!


 ها هو "بيت الله" فارغ، فقد هرب الجميع!
1.
منذ بداية انتشار فيروس كوفيد – 19 وأنا أتابع ما يكتبه ويقوله مواطنو مملكة الأوهام الإسلامية.
لقد استقبل جلُّ المسلمين، وكالعادة، انتشار الفيروس بنظرية "العقاب الإلهي" الموجهة ضد الصين على ما فعلته بالمسلمين الإيغور!
2.
إن هذا "الإله" الجاهل والهمجي (استناداً إلى وهم المسلمين بوجوده) مستعد لمعاقبة شعب كامل يقدر عدد سكانه بحوالي 1.439.323.774 نسمة بسبب سياسة تتبعها السلطة السياسية للدولة الصينية. بل وسيكون ضحية هذا العقاب ذات البشر (أنصاره من الصينيين) الذين، كما يعتقد مواطنو مملكة السخف، يثأر لهم!
بل أنَّ ضحايا "العقاب الإلهي" للصين الكافرة مئات الآلاف من أنصار رب العالمين المؤمنين!
قولوا لي، وأنا أتوجه إلى القُرَّاء وليس المسلمين، هل ثمة سخف أوسعُ وأشملُ وأعمقُ وأطولُ وأعرضُ وأفظعُ وأعلى وأبعدُ من هذا السخف؟!
بل هل من المعقول أن تقوم قوة عاقلة وعادلة بمثل هذا الفعل الرخيص؟
إلا يخجل المسلمون من أنفسهم؟ [هذا سؤال خطابي!]
3.
ومن الأمثلة النموذجية على هذا السخف هو الفيديو التي عرضته قناة " مرتقون: قصص إسلامية وتاريخية" بتاريخ 31 كانون الثاني 2020 تحت عنوان:
"فيروس الكورونا اخبرنا به الله تعالى عن سبب نزوله فى القرآن الكريم.. وأخبرنا الرسول ﷺ عن سر علاجه!"
يستعرض الفيديو تاريخ عقاب الله للكفار والظالمين من خرافة "الطير الأبابيل التي هزمت أصحاب الفيل" مروراً بالهزات الأرضية و"هجوم" الجراد على مناطق مختلفة والأمطار والعواصف ثم ينتهي إلى فيروس كورنا الذي يهدد العالم والصين ويربط ظهوره بما تعرض له المسلمون الإيغور من اضطهاد واعتقال وتنكيل ومنعهم من دخول المساجد للصلاة مستشهداً بآية رقم 114 من سورة البقرة : "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".
فها هو "ربهم" الذي (يمهل ولا يهمل) يصب جام غضبه على ملايين الأبرياء من الصينين "الكفار والظالمين"!
ولأنني  أستطيع أن أسأل هذا "الإله" لكوني لا أمتلك وسائل اتصال نعه، ولهذا آمل أن يسأله أحد المسلمين بدلاً مني:
- وماذا عن الملايين من المسلمين الصينيين الذي يدافع عنهم؟!
- وماذا عن مئات الملايين من البشر الأبرياء في أوربا وآسيا وأفريقيا وأستراليا؟!
- وهل ينبغي عليهم أن يتحملوا ذنوب الصينين؟!
- وماذا عن المسلمين الذين يقدر عددهم (حسب دراسات أجريت في عام 2017) 1.8 مليار مسلم؟
هل سيعاقبهم هم أيضاً؟!
وها هي البشرى السعيدة:
يقول لنا الفيديو بأن محمداً "كان يتعوذ من أمراض ويقول: اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام"!
إذن، ليس الله أحمقاً إلى هذه الدرجة. فهو قد وفر لعباده معالج عظيم سوف ينقذ عباده ببساطة متناهية. فما عليهم إلا أن يرددوا ثلاث مرات: أعوذ بالله من فيروس كوفيد!
لا .. لا .. هذا التعوذ لا ينجح. يجب اتباع الأسلوب العلمي المحمدي بدقة. يجب التعوذ بصورة دقيقة:
أعوذ بالله من فيروس كوفيد - 19!
فالدقة مطلوبة في مثل هذه الظروف!
4.
أقول الحق بأن سخفهم هذا لم يفاجئني!
فقد ولدت بينهم وأعرف قصور عقول أغلبهم. ورغم أنني كنت ولا أزال عاجزاً عن احتمال مثل هذه الجرعات الهائلة من السخف، فقد كنت على ثقة، أجلاً أم عاجلاً، بأن هذا السخف سيصطدم بقوانين الحياة الواقعية. ولحسن الحظ قد حدث هذا الاصطدام وحدث التحول:
فقد ظهر للمسلمين، ولشيوخهم بصورة خاصة، بأن فيروس كوفيد – 19 ليس عقاباً، بل ابتلاء!
ففي فيدو لقناة " نفحات النابلسي" للشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، يخبرنا الشيخ بأن هذا ابتلاء. فالله لم يرد (انتبهوا: لم يَرِدْ)، بل سَمَحَ بانتشار الفيروس وهو ينصحنا بأن نفر إلى الله، مشيراً إلى الآية 50 من سورة الذاريات "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ"!
ورغم أن هذا هو الآخر سخف لا يختلف عن أي سخف، فهو مع ذلك، ويحب أن نتحلى بالموضوعية، سخف مخفف!
إذن، ها نحن أمام تطور جديد:
الفيروس ابتلاء من الله، لكن الله لم يرده، بل سمح به، وعلينا أن نفر إليه!
5.
ولأنَّ كلَّ هذا لم ينفع وأخذ الفيروس يحصد أرواح المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين من غير تمييز (فكلنا متساوون أمام فيروس كوفيد – 19) أدرك شيوخ المسلمين (وأنا أبارك لهم إدراكهم) بأن الله لن ينقذ أحداً وما على المسلمين إلا اتباع نصائح البوذيين والمسيحيين الذين اختبروا هذا المرض واكتشفوا طرق الوقاية منه حتى حين التوصل إلى لقاح شاف وهذا أمر، للأسف، لن يحدث قريباً!
ومن المثير للاهتمام في هذا الصدد ما قاله المحامي والكاتب السعودي عبد الرحمن اللاحم أمام صحيفة المرصد:
" لو تقرأ القرآن كاملاً وتقرأ الصحيحين مع سنن الدار قطني؛ فإن ذلك لن يحميك من انتقال العدوى بكورونا إذا لم تتبع التعليمات الصحية".
ملاحظة:
في فترة متأخرة من كتابة هذا الموضوع اكتشفت بأنه قد تم حذف مقال المحامي السعودي عبد الرحمن اللاحم من الصفحة المذكورة!!!
6.
علماء المسلمين يفتون بإيقاف صلاة الجمعة والجماعة!
وقد كان التطور الأخير هو فتوة "علماء المسلمين: بإيقاف صلاة الجمعة والجماعة!
فقد طالبت الحكومة الطاجكستانية المواطنين، في بداية هذا الشهر، بتجنب الصلاة في المساجد.
وقد انتظر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (مقره الدوحة) حتى منتصف هذا الشهر (بعد أن تيقنوا بأن الله لن يحميهم) للتصريح "بإيقاف إقامة صلاة الجمعة وكافة صلوات الجماعة في المساجد، في أي بلد يتفشى فيه فيروس كورونا، إلى حين السيطرة على الفيروس القاتل". كما قررت دول إسلامية كثيرة إيقاف خطبة وصلاة الجمعة والصلوات الخمس جماعة في المساجد، كإجراء احترازي ضد انتشار فيروس كوفيد - 19.
7.
هل علي أن أنتهي إلى خلاصة للكلام حتى يفهمني الأغبياء وصُنًّاع السخف؟!
آمل أن يكونوا قد فهموا الدرس!



الثلاثي المقدس [2]: الإسلام والعروبة ودولة حكم الأقلية

بصمة أصابع


1.

تُحرِّم حكومات الدول العربية، بمباركة شيوخ الإسلام وفرسان القومية العربية الذين فشلوا سياسياً فشلاً ذريعاً على امتداد القرن العشرين، فعلين شرعيين ويتم اعتبارهما بمثابة "جريمتين “تستحقان أقسى العقوبات وفي الكثير من الأحيان يتم حكم التنفيذ رغم خلو الدساتير والقوانين العربية الجنائية من أيَّ ذكر لهما [ولا يمكن للمشرِّع العربي التصريح علناً بوجود طابع أجراميٍّ في مثل هذه الأفعال]: إنَّهما نَقْدُ العَرَبِ ونَقْدُ الإسلام، ومن ثم يمكن ترجمتهما بصياغة تجريمية مختلفة بعض الشيء: رَفْضُ الانْتِمَاء العربي والتَّخِلِّي عن العقيدة الإسلامية أو الإساء إلى الدين والأمة!

2.

هاتان "جريمتان" لا وجود لهما في أي مجتمع متحضِّر وهما من "صناعة" عصور الخلافة الإسلامية الظلامية. بل أن تجريم فعل التخلي عن الإسلام هو استمرار مكشوف وأصيل لـ"حروب الردة" التي خاضها أبو بكر والتي أزهق بها أرواح الآلاف من "العرب" "المسلمين"!

إذا ما يوجد اتفاق يكاد يكون مطلقاً على مبدأ ما بين دساتير وقوانين الدول المتحضرة الديمقراطية فإنه الاتفاق على حرية الرأي والاختيار. وإنَّ هذا الحق هو بمثابة حجر أساس الثقافة العقلانية المعاصرة، والتي تشكل مصدراً روحياً وأخلاقياً عميقاً للعلم والتكنولوجيا، بدونه لا وجود للحرية ولا يمكن الحديث عن التحرر الروحي والعقائدي بدونه.

والحكومات العربية "تضرب" هذا الحق بعرض الحائط وكأنها لم تغادر القرون الهجرية الأولى أو أنَّ عصور الخلافة لم تولِّ من غير رجعة!

هنا في "مملكة الظلام العربية" عليك أن تكون عربياً "غصباً عن أنفك" طالما هكذا تقول السجلات "الرسمية"!

عليك أن تكون مسلماً "غصباً عن أنفك" طالما هكذا تقول السجلات "الرسمية"!

3.

هذا هو قَدَرُك وعليك الخضوع له ولا مكان للأدلة التاريخية فيما إذا كنتُ قد أنحدرت من أصل عربيٍّ أمْ لا وفيما إذا كنتُ أرغب في أنْ أكون عربياً أمْ لا!

لا يمكن العثور على مثل هذا المنطق العبثي إلا في “مملكة الظلام العربية"!

نحن هنا محاطون بالممنوعات، تَلُفُّنَا كالشرنقة وعلينا الخضوع والاستسلام!

إنَّها "عقيدة" مضادة للتاريخ والمنطق وحرية الوجود والاختيار.

فهل ثمة "مسوغات" قانونية ومدنية ودينية وأخلاقية لمثل هذه "العقيدة" القمعية؟

4.

الشعوبية:

لمْ تصلْ إلينا معلومات شريفة وأمينة كافية عن طبيعة "الصراع" المفترض الذي كانت تخوضه الفئات الأثنية التي تم اعتبارها "أجنبية" في إطار "الخلافة العربية" سواء في فترة تمركزها في دمشق (الدولة الأموية) أو في بغداد [2] (الدولة العباسية) وقد أطلق على هذا الصراع "الشعوبية" كدلالة سلبية معادية للعرب [وحتى تكتمل سلبية هذا الصراع وحتى تجد السلطة السياسية مسوغات قمعها أضافوا لها صفة معاداة الإسلام "الخفية" رغم إنَّ هذه الفئات قد اعتنقت الدين الإسلامي].

إننا وقد تجاوزنا القرن العشرين بأكثر من عقدين مازلنا نستهلك ذات المعلومات و"المُرافعات" السياسية والأخلاقية المضادة لما يسمى بالشعوبيين" وبأقلام كُتَّاب مضادين لهم من فترتي الخلافة الأموية والعباسية. ولكن لم تصل إلينا التصورات الحقيقية لممثلي "الشعوبية" وإن وصل البعض منها [كأعمال ابن المقفع المتهم بالشعوبية مثل "كليلة ودمنة" و"الأدب الكبير" و"الأدب الصغير"] فإنَّ ما يُعتقد بعداءها لا يُشَكِّل إلا تأويلاً إرادوياً كان من الممكن أن يخضع لتأويلات مختلفة في ظروف سياسية مختلفة. وحتى "مرافعات" الدفاع عن اللغة العربية والأدب العربي لممثل بارز للثقافة العربية والدفاع عنهما آنذاك كالجاحظ [وهو الذي ينتمي إلى أصول غير عربية والحامل لمنطق التفكير الإعتزالي العقلي] لا نجد فيها ما يشير إلى أدلة الشعوبية في أدب ابن المقفع.

5.

لم يكلف أحد نفسه للإجابة على أسئلة كان لها حتى في ذلك الوقت أهمية كبيرة:

ما هو منشأ مواقف الفئات والجماعات الأجنبية المعادية للعرب؟

هل هي معادية حقاً للعرب أمْ للسلطة العربية الجائرة (الجائرة حتى على العرب)؟

هل هي معادية للسلطة السياسية أم للسلطة الدينية التي فرضت عليهم بحد السيف التخلي عن ثقافتهم وعقائدهم الروحية وعن أصولهم الثقافية؟

هل "عداء" هؤلاء الناس هو "عداء" أم مواقف سياسية وثقافية لا غير؟

من هُم السَّكان الأصليين ولنقل لأهم مدن الخلافة الأموية والعباسية: دمشق والبصرة والكوفة وبغداد ومصر؟

أليس "العرب" و"الأعراب" أنفسهم هم فئات أجنبية على هذه المدن، بل وأكثر أجنبيةً حتى من ممثلي "الشعوبية"، على الأقل من وجهة النظر التاريخية؟

مَنْ هم سكان العراق الأصليين؟

مَنْ هم سكان مصر الأصليين؟

مَنْ هم سكان سوريا ولبنان الأصليين؟

مَنْ هم سكان تونس والمغرب والجزائر الأصليين؟

مَنْ هم سكان السودان الأصليين؟

مَنْ هم ....

إنَّ الحقائق المرة لا نهاية لها!

6.

على امتداد القرن العشرين ولا يزال الكتاب العرب - الإسلاميون [العلنيون والمستترون] يطبلون للثقافة العربية الإسلامية "العملاقة" وعلم اللغة العربي الذي لا يضاهيه علم ولكنهم يعبرون كالمجانين جسر الحقيقة من غير أن يلتفتوا إلى حقيقة بسيطة، إلا وهي بأنهم يدلسون!

ما هي نسبة المنتجين الحقيقيين من العرب للثقافة "العربية" آنذاك في مجال اللغة والفلسفة والعلوم الطبيعية والطب والترجمة مقارنة بالفئات والمجموعات الأثنية الأجنبية أو غير العربية في هذه المدن؟

هاكم بعض الأمثلة ـــ أكرر بعض الأمثلة [من هذه الأمثلة استثنيت الكثير من  اللغويين والفلاسفة والكتاب من مدن الأندلس. إذ أن تكونهم جاء نتيجة للتلاقح الثقافي والبشري مع سكان أوربا]:

ابن الرومية (إشبيلية)

ابن العبري (سرياني)

حنين بن إسحاق (سرياني عراقي)

متى بن يونس (سرياني عراقي)

ابن باجة (سرقسطة)

يوحنا البطريق (سرياني)

فسطا بن لوقا البعلبكي (سرياني)

ابن جني (من عائلة يونانية)

ابن سقلاب (مسيحي لا توجد إشارة إلى أصوله القومية)

ابن سينا (بخارى وهو في رأي فقهاء الإسلام ملحد)

أبو الحسن العامري (نيسابور)

أبو الريحان البيروني (خوارزم)

أبو الفرج الأصفهاني (أصفهان)

أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ــ الشيخ الطوسي (طوس)

أبو نصر منصور بن علي بن عراق (خوارزم)

أثير الدين الأبهري (سمرقند)

أحمد ابن فارس (قزوين)

الجرجاني (جرجان)

الخوارزمي (خوارزم)

الزمخشري (تركمانستان)

سيبويه (قرية البيضاء ــ بلاد فارس)

الشيرازي (شيراز)

الفارابي (من فاراب ــ تركستان بخارى وهو في رأي فقهاء الإسلام ملحد)

الفيروز آبادي

7.

فمَنْ هو "الأجنبي" ومَنْ هو من السكان الأصليين. وَمَنْ هو "العربي" ومن هو "اللاعربي" في تلك العصور؟

هذه أسئلة لا يمكن "النطُّ" عليها وكأنَّ لا وجود لها لمن يبحث عن الحقيقة الغائبة. فالإجابة عليها سوف تكشف لنا بأنَّ "الشعوبية" لا تتعدى حقيقة كونها ظاهرة ثقافية واجتماعية وسياسية وهي نتاج لسلطة الجور العربية المنظمة التي بدأت منذ الأمويين، والمفارقة التاريخية هو إنه بدأت من الأمويين وتم تعزيزها في أثناء فترة حكم الكثير من الخلفاء العباسيين!

لماذا مفارقة؟

8.

نعم - إنها مفارقة تاريخية!

وإن إدراك هذه المفارقة أمر بسيط وسهل للغاية:

- مِنْ بين الخلفاء الأمويين الثلاثين (في دمشق وقرطبة) هناك 19 خليفة من أمهات ليست عربيات!

- مِنْ بين الخلفاء العباسيين الستة والثلاثين يوجد 33 خليفة من أمهات ليست عربيات!

- بل ويمكن إضافة حقيقة مدهشة أخرى: كل أئمة الشيعة من بعد الحسين هم من أمهات ليست عربيات!

أما ما يتعلق بالأفراد الآخرين من "علية القوم" والقواد والأمراء والأغنياء فحدِّث ولا حرج!

وعلينا أن ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى:

- كم عدد سكان العراق المحليين (سريان ويهود وأكراد وغيرهم) في مرحلة الغزو العربي - الإسلامي؟

- كم عدد المصرين المحليين (أقباط ويونانيين وروم ويهود ومن أصول مصرية قديمة على سبيل المثال) قبل الغزو العربي - الإسلامي؟

- كم عدد سكان شمال إفريقيا المحليين الذي لا علاقة لهم بالأصول العربية (كالبربر والأمازيغ وغيرهم)؟

- كم عدد سكان السودان العرب؟

وهذا ما ينطبق على كامل الدول العربية الحالية باستثناء دول شبه الجزيرة العربية.

9.

فأية "عروبة" التي يدعي بها عرب القرن العشرين والواحد والعشرين؟

فهل أنا عربي؟

وهل أنت وهو وهي عرب؟

أنا لا أدعو إلى الانتماء القومي ولا أسعى إلى ذلك. فالانتماء القومي ما عدا كونه "ثقافة متخيلة" هو آخر ما يحدد شخصيتي وأفكاري وطريقة تفكيري. إنني أتحدث عن التاريخ المزور وتغييب الحقائق وهي المهمة الأثيرة للدولة الإسلامية/العربية.

الحقيقة هي الحقيقة بغض النظر عن طريقة استخدمها من قبلنا.

وقد تم تغييب حقيقة أصولنا وتاريخنا وقد تم ذلك باسم الإسلام. وهذه من أكبر الجرائم التاريخية!

--------------------------------------------------------------------

[1] الحامض النووي الصبغي (Deoxyribonucleic acid) ويطلق عليه اختصاراً: دنا ا (DNA).

[2] لفترة تاريخية قصيرة (أثناء خلافة المعتصم والمتوكل العباسيين) كانت مدينة سامراء هي عاصمة الدولة العباسية.






أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر