منع

خرافة الإسلام دين الدولة

غلاف "الإسلام وأصول الحكم" 19251.
إنَّ هوس المسلمين بدينهم قد تخطى كل الحدود المعقولة للتطرف [هل توجد حدود معقولة للتطرف؟!]. 
فهو يستحوذ على عقولهم من صلاة الفجر حتى صلاة الفجر مرة أخرى ويمر بكل تفصيلات حياتهم الجنسية والمهنية والعادات والتقاليد وبداية البث الإذاعي والتلفزيوني والمدرسة وحتى وسائل النقل المزركشة بعشرات الآيات القرآنية؛
الدين في كل مكان وفي كل مرحلة من الزمان - بل وترى على الثلاجات ومكيفات الهواء والغسالات الأتوماتيكية عبارة "الله أكبر" وسيارات نقل الركاب والحمولة والعربات التي تجرها الحمير ومدخل المقاهي التي تصدح بها العجوز بأغنية "أنت عمري"!!!!
2.
وبالرغم من هذا كله فإن هذا الهوس لم يكن يكفيهم ولا يبدو أنه سوف يكفيهم وكان عليه أن يكتمل بـ"اعتناق" الدولة دين الإسلام [فهل تصلي الدولة خمس مرات في اليوم؟]!
وهكذا، قرروا غزو الدساتير (وكأن المكتبات والصحف والمجلات والمنهاج تعليمية لم تكفيهم) [*] وقرروا أن "دين الدولة هو الإسلام"[**].
وعلى عادتهم "أغلقوا باب الاجتهاد"، ضاربين بعرض الحائط "وطوله" كل التقاليد الدولية المعاصرة بأن "الدين" ليس جزءاً من نظام الدولة. فالدولة نظام سياسي يتكون من مؤسسات [منتخبة في جميع الدول الحديثة] تقوم على عاتقها إدارة شؤون الدولة المختلفة. ورغم أن الدولة "كيان سياسي" فإنها تكون فوق العقائد السياسية والانتماءات القومية، وبطبيعة الحال: فوق الأديان والمعتقدات الروحية للناس المنتمين إليها.
3.
وهذا ما نادى به ومنذ فترة مبكرة من تأسيس الدول العربية الشيخ الأزهري علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" الذي صدر عام 1925 .
علي عبد الرزاق



يقول عبد الرزاق:
"طبيعي ومعقول إلى درجة البداهة أن لا توجد بعد النبي زعامة دينية، وأما الذي يمكن أن يتصور وجوده بعد ذلك فإنما هو نوع من الزعامة جديدٌ. ليس متصلاً بالرسالة ولا قائماً على الدين. هو إذن نوع لا ديني. وإذا كانت الزعامة لا دينية فهي ليست شيئاً أقل وأكثر من الزعامة المدنية أو السياسية، زعامة الحكومة والسلطان، لا زعامة الدين، وهذا الذي قد كان" (2).
ويكاد المرء لا يحتاج إلى الاطّلاع على التاريخ لكي يعرف مصير الكاتب! 
فقد هب إعصار الرجعية المصرية من الأزهر إلى ما يسمى "هيئة كبار العلماء" مروراً بالكثير من الكتاب الصغار والكبار المأجورين من في حملات تشنيع وتشيهير [لم تنته حتى الآن]وتقديم الشيخ الأزهري علي عبد الرزاق إلى محاكمات "تأديبية" سخيفة أمام " هيئة كبار العلماء" غيرها الكثير من خزين وسائل الإرهاب الإسلامية.
4.
إن اعتراضات علي عبد الرزاق على أسلمة الدولة لا تزال قائمة حتى الآن. إذ كيف يمكن أن تكون الدولة إسلاميةٌ وهي كيان سياسي معنوي ينتمي إليه الناس، فهو يقول أيضاً:
" وإذا رأيتَ كيف تمت البيعة لأبي بكر، واستقام له الأمر، تبين لك أنها كانت بيعة سياسية ملكية، عليها كل طوابع الدولة المحدثة وأنها إنما قامت كما تقوم الحكومات، على أساس القوة والسيف"(3).
هكذا كانت دولة أبي بكر ــ أول "خليفة" للمسلمين، " بيعة سياسية ملكية "فأي دولة هي الآن التي تناءت بـ 14 قرناً عن عنا؟!
[يجب الانتباه إلى أن محاكمات علي عبد الرزاق ذات طابع لاهوتي. ولكنها مع ذلك لها قيمة تاريخية. فهو قد أعلن ومنذ العشرينات [وقد تحمل الكثير من المتاعب على آراءه آنذاك] بأن الحديث عن "دولة إسلامية" كلام لا معنى له].
5.
إنها مفارقة غريبة أن يكون الإسلام، أو أي دين آخر، ديناً للدولة!
فإذا ما أردوا ذلك، فإنها من غير شك دولة دكتاتورية دينية! لأن الدكتاتورية هي نظام الفكر الواحد، المنطق الواحد، العقيدة المواحدة ــ والدين الإسلامي هو بالذات الفكر الواحد الذي لا يعترف بأي فكر آخر إلا أن يكون خاضعاً له:
ــ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولً". (سورة النساء، الآية 47)
ــ "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ". (سورة آل عمران، الآية 19)
ــ "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ". (سورة آل عمران، الآية 85)
6.
أما شيوخ الإسلام، ولن نأخذ مثلاً من "المتطرفين"، بل ممَنْ يسمون أنفسهم "وسطيين"، فأنهم يشترطون في التعددية الشرطين التاليين (أو ربما شروط أخرى):
1. أن تعترف بالإسلام - عقيدة وشريعة – ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة.
2. ألا يعمل لحساب جهة معادية للإسلام ولأمته، أيا كان اسمها وموقعها.
حكم إدانة "هيئة كبار العلماء" ضد علي عبد الرزاق
فلا يجوز أن ينشأ حزب يدعو إلى الإلحاد أو الإباحية أو اللادينية، أو يطعن في الأديان السماوية عامة، أو في الإسلام خاصة، أو يستخف بمقدسات الإسلام: عقيدته أو شريعته أو قرآنه، أو نبيه عليه الصلاة والسلام"[يوسف القرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام، دار الشروق، 2001، 148].
فكما هو واضح "والرأي لأحد أنصار الوسطية!" إن حضور "الآخر" في هذه الدولة له شرط واحد لا يتغير: أن يخضع لمعايير وقيم وتفسيرات "الدولة الإسلامية" لكل ما يتعلق بالحق والقانون وحرية الرأي وحرية العقيدة. وهكذا يتحول هذا الشرط "البسيط" إلى آلية "إلغاء" للآخر مهما كان. وفي الوقت الذي يقرر فيه بتحريم الطعن في الأديان السماوية، فإن على هذه الأديان " أن تعترف بالإسلام - عقيدة وشريعة – ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه ـــ فلتحتفظ به لنفسها!
7.
إن تقريراً مثل: “أن تعترف بالإسلام ـــ عقيدة وشريعة) له نتائج خطيرة على امتداد كامل منظومات الحقوق المدنية:
مثل قانون العائلة (الزواج والطلاق) وتوزيع الإرث والمناهج المدرسية والقوانين الجنائية وحقوق المرأة وقضية التبني وحرية الرأي والتعبير والتصريح بالعقيدة الدينية مهما كانت (أو اللادينية) وغيرها الكثير.
إن فظاظة وقمعية الدولة العربية واضحة للعيان. إذ رغم طبقة مساحيق الوجه السميكة، فإنَّ ما يتبدى من وراءها بيناً وبليغاً: دولة إسلامية " الإسلام فيها:
دين وحيد، واحد، أحد، لا أحد غيره ولا "غير" يوازيه، مدعوم بقوة القانون والسلاح. لا بهلوانيات اللغة تنفع ولا شعارات "المساواة أمام القانون" تغني شيئاً، باختصار ومن غير لف أو دوران:
الإسلام دين الدولة!
وبكلمة أخرى أكثر صراحةً ومعاصرةً:
إنها فاشية عادية!


هوامش:
* المواد المتعلقة بقضية "الإسلام دين الدولة" في أغلب دساتير الدول العربية"
- الدستور العراقي (المادة 2): أولا: الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع:
- الدستور المصري (مادة 2): الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
- الدستور السوري (مادة 3): دين رئيس الجمهورية الإسلام. الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع. تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.
- الدستور الجزائري (المادة 2): الإسلام دين الدّولة.
- الدستور المغربي (الفصل 3): الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.
- الدستور السعودي (المادة 1): المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة؛ دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله ولغتها هي اللغة العربية. وعاصمتها مدينة الرياض.
- الدستور الكويتي (مادة 2): دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
- الدستور اليمني (المادة 2): الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية
- الدستور الأردني المادة 2): الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية.
- دستور الإمارات العربية المتحدة (المادة 7): الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية.
- الدستور التونسي (الفصل 1): تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها.
- الدستور الليبي (المادة 1): ليبيا دولة ديمقراطية مستقلة، الشعب فيها مصدر السلطات، عاصمتها طرابلس، ودينها الإسلام، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، وتكفل الدولة لغير المسلمين حرية القيام بشعائرهم الدينية، واللغة الرسمية هي اللغة العربية مع ضمان الحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ والتبو والطوارق وكل مكونات المجتمع الليبي.
- ** هناك بعض الاستثناءات مثل الدستور السوداني. إذ لا ينص على أن "الإسلام دين الدولة" لكن المادة 5، الفقرة 1 تنص على: تكون الشـريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشـريعات. كما أن الدستور اللبناني أيضاً يخلو من هذه المادة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر