منع

ملفات بندورا والفساد وجلالة الملك!

عبد الله الثاني


1.
لم تكن تعنيني يوماً حياة الملوك المزيفين العرب.
فلم يعد يمكن معرفة شيئ جديد عنهم غير أعمارهم المتغيرة أو أخبار من مات منهم على ما اقترفه من جرائم الفساد وقمع المعارضين له لكي يحل محله آخرُ لا يقلُّ عنه سوءاً ووقاحة.
ولهذا لم يكن يعنيني ملكاً مزيفاً يعيش على المساعدات الأجنبية مثل "الملك" الأردني.
2.
لكن المصيبة (وهي مصيبة جميع السياسيين المتسلطين الذين منحوا أنفسهم سلطة ربانية) هي أنَّ ضررهم الخفي على شعوبهم أكثر عمقاً مما يتصور الشعب ذاته.
فدولة تعتاش على المساعدات الدولية والتي يجب صرفها على تحسين حياة الناس نجد أن "الملك!" الأردني يقوم بصرف هذه الأموال على مصالحه الشخصية ومراكمة احتياطات مالية من خزينة الدولة لليوم الأسود الذي يتوقعه جميع الحكام العرب. فحساباته في البنوك السرية التي تم الكشف عنها لا تقول غير شيء واحد:
إنه لا يصلح لكي يكون رئيساً لدولة (للمعلومات رئيس الوزراء في الأردن وفي المغرب مثلاً منصب شكلي - أي: فزاعة خضرة)!
فإذا كان الفساد يبدأ من "الملك!" فما هو أمل الناس في تحسين أوضاعهم ومكافحة الفساد؟
ومن هذا الذي سوف يسمع مطالبهم التي عبروا عنها في مظاهرات العام الماضي وتم اعتقال المناوئين للسلطة؟
3.
فقائمة أموال الفساد التي قام بتهريبها الكثير من السياسيين (وأغلبهم من المستبدين) لا تعني غير أموال مسروقة من ميزانية الشعوب التي يحكمونها أو هم جزء من "شلة الأنس" الحاكمة [وبالتعبير الأدبي المصري: القطط السمان].
هذا ما كشفت عنه (وهو ليس مفاجأة) ملفات باندورا "Pandora papers" التي ساهم بها حوالي 600 صحفياً من مختلف دول العالم الذين قاموا بدراسة أكثر من مليوني وثيقة تتعلق بأموال السياسيين من مختلف بقاع العالم المخفية في شركات الأوفشور offshore .
وقد كان "الملك" عبد الله واحد مهم.
[من أملاك "جلالة الملك!" في ماليبو -كاليفورنيا وهي من أموال المساعدات الأجنبية]
ففي الوقت الذي صرح فيه العام الماضي رئيس الوزراء الأردني بأنه سوف يلاحق جميع الأموال التي تهرب إلى خارج البلاد والتي تقدر بـ 800 مليون دولار سنوياً فإن سيده بالذات هو واحد من "هؤلاء المهربين".
فكما ظهر فإن "الملك" قد قام بتهريب ما قيمته 100 مليون دولار أمريكي ويمتلك 14 منزلاً (قام بشرائها ما بين عامي 2003 و2014) في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار أمريكي وغيرها الكثير!
4.
ولأنَّ موضوعنا "الإيمان" والتقوى" والأخلاق" الإسلامية فإنَّ صاحبنا "جلالة الملك!" تعبير "ناصع" عن قيم الإيمان والتقوى وهو القدوة الحسنة والخلف الصالح لذاك السلف.
عبد اله الثاني أثناء الحج!
[هذا هو الملك التقي.أمَّا الأموال المهربة فهي مدفوعة الزكاة!]

إن الظروف القاسية التي يعاني منها الأردنيون، وخصوصاً في ظروف الكوفيد- 19، تفترض من "القادة" الأتقياء مزيداً من التقوى، ومن القادة الذي يحثون شعوبهم على الأخلاق أن يمتلكوا المزيد من الأخلاق.
لكن سرقة أموال الدولة وتهريبها خارج البلاد والتمتع بملذات الدنيا (التي يحتقرها المسلمون) لا علاقة لها بالادعاءات والهراء والسخف الذي يملأ الصحف المحلية عن الأمانة والصدق وحماية مصالح الشعب.
5.
إنه مجرد وجه واحد من وجوه الفساد في مملكة الظلام - أي بالعربي الفصيح: حاكم عربي.
فعندما يغيب القانون (أو أنْ يصنع الحاكم نفسه قوانين الدولة)، وتغيب المراقبة المالية الفعلية، وعندما تتحول الحكومة إلى وظيفة للدفاع عن الحاكم فإن على الشعب أن يفقد الأمل في هذه النوع من الحكم.
وكل دولة فاسدة لابد أن تكون دولة قمعية.
وهذه هي العلاقة الجدلية ما بين الاثنين: الفساد والقمع.
وفي ظل هذا الخراب نجد مداحي ووعاظ السلاطين من الفقهاء والمثقفين المزيفين يدافعون عن "أولي الأمر" ليل نهار صانعين صورة مزيفة عن الواقع المرير وخداع الناس.
سوق أ{دني والبائع يقرأ صحيفة الرأي!

[في عنوان المقال الافتتاحي خطأ مطبعي - الصحيح هو: لا أحد فوق الملك]
6.
في موضوعي المنشور: [الإصلاح والتحديث والخروج من الإسلام] كتبت ما يلي:
إن الأمر يتعلق برأس للدولة فوق الجميع وفوق القانون. تَسَلَّح بالجيش والشرطة وأجهزة القمع السرية والعلنية والمؤسسة الدينية. فهو بحاجة إلى أيديولوجيا للأوهام – ومن غير الدين يمكن أن يلعب هذا الدور؟
فالقوة الغاشمة مهما كانت صالحة لفرض الإرادة فإنها بمفردها ستكون عاجزة عن تحقيق أهدافها.
والدين يوفر للَمَلِك القديم والمَلِك الجديد "السلطة الروحية" ولهذا فإن عليه شراء المؤسسة الدينية المستعدة للشراء، أو كما يسميهم محمد أركون "العلماء الموظفين المعَّينين رسمياً لتسيير شؤون التقديس في المجتمع".
إذن، بإسقاط "الخليفة والسلطان والإمام" من جميع الأنواع والموديلات الذين حولوا أنفسهم إلى ظل الله على الأرض وعندما يتم إسقاط ما تبقى منهم في شخص الملك العلني والمستتر، فإن الله سيبقى من غير ظل!
فظل الله هذا - هو الذي كان النقطة الواصلة ما بين السماء والأرض. وعندما يسقط هذا الظل فإن الأرض ستبقى من غير سماء.
ولكن كيف يمكن خلع الملك العلني والمستتر (رئيس الجمهورية) وإعادة السلطة الأرضية للمجتمع؟
إن الحل هو الديموقراطية!


تعقيب [مضاف في ساعة متأخرة من ذات اليوم]:
1.
اليوم بعد الظهر عرضت الكثير من محطات الأخبار جزءاً من تسجيل لخطاب "صاحبنا الملك!" أمام مجموعة مجهولة من البشر في قاعة ما، في مكان ما وفي ساعة ما.
وفي هذا الفيديو القصير يدعي "صاحبنا الملك" بأنَّ ما نُشر بصدد الأموال المهربة والعقارات الكثيرة في أمريكا وبريطانية هي "حملة" موجهة للتفرقة "بيننا"!!!
2.
والحق أنني لم أفهم شيئين:
أولاً، من هُمْ هؤلاء الـ "بيننا"؟
وبينه وبين مَنْ تسعى الحملة إلى التفرقة؟
ثانياً، من "هذا" الذي يقود الحملة ضده؟!
- الإمبريالية والاستعمار؟
هو يعيش من مساعداتها.
- إسرائيل (كعادة العرب)؟
هي من أقرب الأقرباء له ومنذ حياة أبيه!
إذن لم يبق أحد آخر!
3.
وما رأيه بالوثائق المنشورة حول الموضوع؟
وما رأيه بمحاولاته الفاشلة (من خلال أجهزة أمنه) لأعاقة انتشار الخبر في الأردن والإعلام العربي؟
هذا مثال فقط على مهزلة الحكام العرب من المحيط إلى الجحيم!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر