[هل ثمة حياة أخرى على كوكب آخر؟]
1.
مَلَكِيٌّ أكْبَرُ مِنَ المَلِك!
لهذه الفكرة عدة صياغات مختلفة في الثقافات المختلفة. ففي بعض البلدان الأوربية مثلاً، ذات الأكثرية المسيحية تبدو هكذا:
"كاثوليكي أكبر من البابا"!
والمعنى واحد. فهما يشيران إلى منطق المبالغة والمزايدة على أفكار وعقائد معينة- فلسفية ودينية وسياسية وغيرها. وهو منطق مسيء في جوهره إلى منظومة الأفكار التي ينتمي أصحابها إليها. وإن ما يهمني هنا هو الدفاع عن الفلسفة الإلحادية: فهذه قضيتي.
2.
من السخف أن أقول بأن لا وجود لحقيقة مطلقة!
لأنه ببساطة لا وجود لحقيقة مطلقة! إذ أن تكرار بعض الحقائق من قبل كاتب ما يبدو في بعض الأحيان وكأنه اكتشاف!
ولكن في بعض الأحيان توجد ثمة ضرورة لقول ما هو بديهي حتى لا يبادر مجاهدو الانترنت للاعتراض على ما يقول الكاتب قائلاً: "لا توجد حقائق مطلقة"، بدلا من التفكير فيما يريد الكاتب الوصول إليه.
3.
هذا صحيح جداً: "لا توجد حقائق مطلقة".
لكننا مع ذلك ندافع عن الحقائق التي نرى بأنها على صواب، جاهدين أنفسنا (بقدر ما نمتلك من معارف وتجارب) في أن يكون طرح هذه الحقائق ينسجم مع منطق التفكير النقدي.
هنا أنا أدافع عن فكرة الإلحاد: ضد المؤمنين بالأديان وضد "المؤمنين" بالإلحاد على حد سواء!
هذا هو منطق تفكيري:
لا يكفي أن تدافع عن الإلحاد (بل من الأفضل حتى ألا تدافع عنه) إذا لم يكن دفاعك مبنياً على أفكار الإلحاد الأصيلة. والإلحاد ليست قضية إيمانية:
الإلحاد ليس ضد الدين كلعبة أطفال: أنا ضد ما تقوله أنت!
أنا ضد الدين ليس لأنني أريد أن أكون ضد المتدينيين؛
أنا ضد الدين لأن الحقائق اليومية ودروس التاريخ ومنطق التفكير النقدي العلمي قادتنا وهدتنا إلى أن الحياة هنا على الأرض فقط (ليس لدي أدلة على وجود أو عدم وجود حياة على كواكب أخرى وأكوان أخرى) ولا حياة أخرى لنا.
هنا، في هذا العالم المدهش (الذي ليس من النادر أن يكون قاسياً ومأساوياً وفظاً)؛
في هذا الوجود الوحيد، يكمن سر الحياة.
4.
وهكذا وبصورة أتوماتيكية سَقَطَت الأرباب الواحد بعد الآخر من حساباتنا واتضح كامل خرافة تاريخ الأديان.
نحن لسنا ضد السماء فقط، بل نحن مع الحياة على الأرض.
وهذا ما يعني ببساطة:
أن الإلحاد هو فن الحياة الحقيقية: الحياة هنا والآن: ولهذا فأن الدفاع عن السعادة الأرضية والحرية والحقوق المدنية للبشر، جميع البشر ومن ضمنهم المتدنيين، هي التي تشكل مبادئنا اليومية، وليس النوم والغذاء والتنفس!
5.
إذن، وأنا أعني بقولي هذا النوع من الملحدين "الملكيون الذين هم أكبر من الملك"، فإن صياغة من هذا النوع: "الحياة هي الصفة التي نطلقها على الكائنات القادرة على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي" لهي من أسوء الصياغات وأكثرها إساءة لكرامتي كملحد، وهي تسيء إلى الإلحاد لأنها توفر شروط سوء الفهم العميق من قبل المتدينين.
6.
إن هذ التصورا، في أحسن الأحوال، "مغالاة عقائدية" من أسوء الأنواع!
فالحياة بالنسبة لنا ليست مجرد فعاليات " بيولوجية". هذا ينطبق على الموت، لأن عملية التحلل تؤدي إلى انتهاء الحياة وعودة جسد الإنسان إلى مكونها الأساس "المادة". ولكن الحياة بحد ذاتها - وأقصد حياة البشر - ليست مجرد نقيض للموت. في الموت ينتهي التفكير وينتهي إلى الأبد.
الموت تحلل لمادة الجسد.
لكن الحياة ليست مجرد بناء الخلايا. نحن لسنا كالعشب النامي على حافة الطريق!
7.
ما هو الفرق ما بين حياة الملحد وحياة المؤمن؟
الملحد لا يؤمن بــ"السماء" الإبراهيمية. ففي الأعالي، هناك خلف مدار الأرض مليارات الأكوان ومليارات النجوم "ولا شيء آخر"؛
لا رب يستوي على العرش ولا خالق "يبحلق" فينا ويترصد خطواتنا.
نحن أطفال هذا الوجود الأرضي: هنا ولدنا، وهنا نموت، وهنا نبقى إلى الأبد.
المؤمن يهفو إلى السماء الإبراهيمية، عاجز عن الحياة من غير آلهة؛ عاجز عن الوجود بدون خرافات أرباب تحميه من نفسه وتدير حياته.
أما نحن فنسعى إلى التفكير واستغلال الخيرات الأرضية بصورة عقلانية عادلة، نعتمد على وجودنا الأرضي ونطمح إلى حل معضلات الوجود هنا على الأرض لا في عوالم مختلقة!
هذا هو الفرق، لا شيء آخر!
الإلحاد فن العيش على الأرض!
8.
إن الصياغات السطحية للأفكار الإلحادية التي يقوم بها البعض تكتسب دائماً معنى عقائديا لا يختلف عن العقيدة الدينية، لأنها تبدد الأدلة ضد فشل الفرضية الدينية من جهة، وتقدم الإلحاد بوجه غريب عنه.
هذا هو منطق "الملكي أكبر من الملك". لأنه يدًّعي للملك حقوقاً لم تخطر حتى على بال الملك نفسه الادعاء بها. وهكذا يقوم بتحريض الآخرين عليه.
هذه المغالاة لا تدل على وعي بالألحاد وإنما فشل في مغادرة الإيمان الديني.
"ملكي أكبر من الملك" نوع من الهتافات الحماسية، كهتافات السلفيون: تجريد فض وسخيف للوجود البشري وقيمة هذا الوجود الذي لا قيمة له إلا بربطه بالسماء الإبراهيمية وربٍ جعلوا منه "هيئة رقابية" تتدخل حتى في حيض النساء!
السلفية، كتطرف عقيدي، تجعل الحياة نظاماً مقرراً محدداً مسبقاً ومبرمجاً من السماء.
إما الإلحاد "الإيماني"، فهو لا يختلف من حيث الجوهر. إذ يستحيل الإلحاد إلى فكرة معطاة مسبقاً وعلينا "صناعة" الأدلة على صحتها!
هذا سخف يرفضه كل الملحدين الذين دفعوا ثمناً باهضاً لكي يروا العالم والتاريخ على حقيقته وبعيون نقدية.
9.
إن القول بأن "حياة هي الصفة التي نطلقها على الكائنات القادرة على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي":
هي باختصار فكرة مبتذلة لتصورات مبتذلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق