منع

"الخنزير المدهون بالوحل" ومنطق تبرير "حكم الردة"

مقدمات:

[1] في عدد من المدن الأوربية وبعض الولايات الأمريكية وفي المهرجانات المخصصة للمحاصيل الزراعية وتربية الحيوانات تجري سباقات مسك الخنزير المدهون بالسمن.
كما توجد مسابقات قريبة من هذا النوع وهي مسك الخنزير في حلبات من الوحل مخصصة لغرض السباق.
فمن المعروف أنَّ مَسْكَ الخنزير وفي الحالات الاعتيادية مهمة صعبة جداً وخصوصاً عندما يكون الخنزير سيء الطبع! فهو قادر على التملص من قبضة أكثر الرجال قوة وتجربة. ولهذا فإنَّ مهمة مسكه مدهوناً بالسمن أو بالوحل مهمة مضاعفة وتكاد تكون " Mission: Impossible “!
[2] هذا الوصف المرئي "لمنطق التملص" يكشف عن طبيعة نوع من المنطق الإسلامي المداهن وأسلوب التملص من المآزق الفكرية والأخلاقية واللاهوتية التي لابد وأن يقع فيها المسلم عاجلاً أم آجلاً – وفي أغلب الأحيان عاجلاً!
فالتناقضات ما بين حقائق الحياة واشتراطاتها وقوانين التطور الطبيعية للوجود البشري من جهة والمكونات الداخلية للعقيدة الدينية الإسلامية من جهة أخرى لابدَّ وأنْ تنفجر في كل لحظة من النقاش.
[3] للحق والحقيقة يمكن القول أنَّ منطق الخنزير المدهون بالسَّمن أو بالوحل ليس حكراً على المسلمين. فهو سمة لموقف كل من يرفض الحقائق بجلافة وسماجة وابتذال وصلافة لاهوتية.
1.
في هذا الموضوع لا أناقش قضية "حكم الردة" من حيث الجوهر. فقد سبق لي مناقشته وعبرت عن رأيي فيه وكشفت عن منطق الإيديولوجيا الشمولية الاستبدادية التي ينتمي إليها ولا ضرورة لتكرار هذه المناقشات إذا يمكن الاطلاع عليها في المنتدى.
ولكن ثمة جانب هام آخر من الموضوع غالباً ما يظل خارج الضوء والاهتمام رغم أنَّ المسلمين العلنيين والمستترين لا يتوانون عن استخدامه وهو:
أنَّ الحديث عن "حكم الردة" هو هجوم غير مبرر على الإسلام والمسلمين لأنه لم يُطَبَّقْ على أرض الواقع"!" وإنْ طُبِّقَ فإنَّ المسلمين والإسلام بريؤون منه كبراءة الذئب من دم يوسف (رغم اعتراضي على هذا المثل من الناحية المنطقية بسبب كون الذئب لم يأكل يوسف)!
2.
هذا التملص من فلسفة استبدادية عن طريق الخرق الفاضح للوقائع يجعل مسك الخنزير المدهون بالسمن أو بالوحل مهمة صعبة!
إذن:
"حكم الردة" لا يُطَبَّقُ عملياً؛
أيْ: أنه حُكْمٌ مُعَطَّل!
وبالتالي فإنَّ مَنْ يترك الإسلام سيبقى يسرح ويمرح في ديار المسلمين والأحلام!
وهذه نتيجة تمتلك الحد الأعلى من الوقاحة الأخلاقية – سواء أدرك صاحب الرأي هذا أم لم يدرك.
ومع ذلك فإن الأمر أكثر تعقيداً من وقاحة أخلاقية:
إنه جهل صلف واستهتار بمنطق التشريع وآليات تطبيق القوانين..
3.
الفرق ما بين الحُكْم المُعَطَّل والحُكْم الفاعل مع وقف التنفيذ: منطق التهديد
إنَّ المسلم يمتلك حق الكذب دفاعاً عن عقيدته. فهذا أمر تبيحه له العقيدة نفسها.
ولهذا فأنا لا أتحدث عن كذبه – فهذا أمر مفروغ منه.
أنا اتهمه بأنه يبرر ثقافة الكذب "ثقافة الاستبداد" ويبرأ ساحة الحكَّام ولاهوت عقيدة الاستبداد على حد سواء.
إنَّ أثر الأحكام التشريعية ذو طبيعة مزدوجة:
مادية: (تنفيذ الحكم فعلياً في حالة اقتراف الفعل الجرمي)؛
ونفسية: "الإرهاب" - حتى لا يقوم الناس بارتكاب الجرائم.
وهذا ما يجعل الطبيعة النفسية لأثر الأحكام هي الطبيعة الدائمة. فالناس يخشون تطبيق أحكام القانون إنْ قاموا بخرقه. أما الطبيعة المادية "الفعلية/التنفيذية" فهي الطبيعة المؤقتة للأحكام التشريعية.
ولهذا غالباً ما يُقال: بأن للقانون دوراً رادعاً.
بكلمات أخرى:
إنَّ أثر أحكام القانون قائم وفاعل بصورة دائمة على جميع الأفراد: سواء ارتكبوا فعلاً جرمياً أم لا..
ولأنَّ تطبيق أحكام القوانين المدنية تتعلق بحالات ذات طابع موضوعي وليس اعتباطية أو ذات طابع أخلاقي وديني ولا تقوم بخرق الحقوق المدنية للناس ومن ضمنها الحق المطلق بالإيمان أو عدم الإيمان بالعقائد فإن أحكام القوانين الجنائية لا تشكل عبئاً على حياة الناس إلا إذا تم خرقها رغم أنها قائمة دائماً.
4.
فكيف تستوي الأمور في حالة الأحكام الدينية: الشريعة؟
لا تستند الأحكام الدينية إلى أي نوع من الحقوق المدنية – بل هي ترفض الحقوق المدنية من حيث المبدأ. ولهذا فإنَّ موضوعة التحريم لا تتعلق بـ"جرائم" واقعية موجهة ضد الفرد والمجتمع والدولة، بل هي أحكام "إرادوية" تستند إلى عقيدة مجموعة من الناس (قلَّ أو كثر أعدادها) وتتضمن فرضاً من هذه العقيدة على كل شخص تمتلك إمكانية فرض الأحكام عليه: وهو الإيمان بـ"الله" أو بالفيل الطائر أو بالبطاطا المشوية!
وبالتالي فإن "حكم الردة" هو حكم يُفرض على الناس عقيدةً ما وسوف تكون عقوبتهم الموت إن رفضوا هذه العقيدة.
إذن:
أولاً، لا يستند حكم الردة إلى أية مسوغات منطقية أو اجتماعية أو حقوقية. فهو فرض وجبر وتطويع للناس في اعتناق العقيدة الإسلامية، أو الفيل الطائر، أو البطاطا المشوية؛
ثانياً، إن هذا الحكم، ومن حيث الأثر، هو قائم وفاعل بصورة دائمة باعتباره رادعاً للناس حتى لا يقوموا بتغيير آرائهم الدينية. وهو في جوهره حكم لا يختلف عن حكم إجبار الناس ارتداء نوعاً من الملابس – كما يحدث في كوريا الشمالية!
5.
وعندما نتحدث عن تأثير "الردع" ضد حق الناس بالإيمان أو عدم الإيمان بـ"الفيل الطائر" فإنَّ "حكم الردة" يطبق يومياً.
ولكي يفلت الناس من مخاطر الوقوع في المصيدة فإن عليهم استخدام وسائل مختلفة في العيش والسلوك والممارسة حتى يتجنبوا العقوبة.
وهذا لا يعني غير خوف دائم ومتواصل طالما عاش المرء في إطار هذا المجتمع الإسلامي أو ذاك. ولا خلاص أمامه – إن رفض الخضوع للإيمان الإسلامي أو الفيل الطائر ألا بمغادرة بلاده أو التستر على رفضه لعقيدة " الفيل الطائر". وهذا يعني أن يعيش الإنسان بصورة سرية في بلاده؛ أي يعيش متنكراً لحقوقه المدنية وخاضعاً لأحكام جائرة وجلفة.
وبالتالي فإن "حكم الردة" تعبير مثالي عن الاستبداد الإسلامي والإرهاب اليومي الذي يعيش في ظله المختلفون عن المسلمين - سواء طُبِّق أم لم يُطَبَّق.
6.
فهل الحديث عن "حكم الردة" هو هجوم غير مبرر على الإسلام والمسلمين لأنه لم يُطَبَّقْ على أرض الواقع"!" وإنْ طُبِّقَ فإنَّ المسلمين والإسلام بريؤون منه كبراءة الذئب من دم يوسف!
هذا سؤال خطابي على أقل تقدير، لكنه سخيف بالتأكيد.
7.
خاتمة:
إنَّ منطق الخنزير المدهون بالوحل له نتائج تتعدى انحطاط الأخلاق والفكر والعقل:
فمن يدخل في هذا النوع من المسابقات، من المسلمين المستترين أو العلنيين، فإن عليه أن يطمس نفسه بالوحل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر