منع

الديموقراطية والشورى [1]: الأصول اللاهوتية للادعاءات الإسلامية عن "الشُّورى"

باب أخضر مقفل بالسلاسل

صورة كولاج لعالم الإسلام الإرهابي بمقدمة البغدادي وعلم الدولة الإسلامية الأسود باللون الأخضر
1.
نشيد الرغائب!
ما انْفَكَّ الكُتَّاب المسلمون العلنيون والمستترون والمتأسلمون الجدد من ترديد مقولات تتعلق بـ"ديمقراطية!" الإسلام مستلين من مشجب الأوهام فكرة "الشورى!" باعتبارها "ديموقراطية" الإسلام وغيرها من الكليشيهات الجاهزة بأطر أسلوبية وإنشائية تبدو للقارئ غير المُسَلَّح نظرياً ومعلوماتياً بأنها لا تخلو من "المنطق" والمصداقية!
غير أن التاريخ الواقعي (وليس الأدبي الإسلامي) يقول لنا إنها محض أوهام عن الماضي.
إذ أنَّ قراءة متأنية - تاريخية ولغوية لتاريخ المفاهيم الراسخة للديموقراطية من جهة و"الشورى" من جهة أخرى سيرى القارئ بأن محاولة إضفاء دلالة مفهوم الديموقراطية على "الشورى" هي محاولة عقيمة ومتهافتة لا تصمد أمام الوقائع التاريخية لكلا المفهومين وهي لا تختلف بأي حال من الأحوال عن حالة القطة التي ترى نفسها نمراً!
يمكن تمييز فريقين رئيسين من أصحاب هذه المحاولات:
فريق يفتقد لأبسط أنواع الحِسِّ النقدي والتحليلي ويجعل من التدليس والإنشاء منطلقات للكتابة بغض النظر عن "مكانتهم" الأدبية والفكرية "الشائعة" بين فئات مختلفة من القراء.
وفريق ثان، تقوده النية الحسنة لكنه يتناسى بأن "الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة"! إنها "رغبة" أن يكون الإسلام كما يتمنون. ولكن للأسف الواقع لا يقول ذلك.
المفهومان متناقضان ويرفض أحدهما الآخر والديموقراطية مناقضة للحكم الديني بأي شكل من أشكال التفصيلات.
ولنر الآن ماذا تعني "الشورى" وماذا تعني "الديموقراطية":
2.
الشُّورَى:
الدلالة اللغوية:
الشُّورى لغةً (كما نجده في لسان العرب) تأتي من فعل "أَشَار". وللفعل "أشَار" معان مختلفة من بينها؛ أشَارَ عليه بأمر ما، يعني: أمره به، وهيَ الشُّورَى والمَشُورَة. وكذلك المَشْوَرَة؛ ويُقال: شَاوَرْتُه في الأَمر واسْتشرته والمعنى واحد. وشاوَرَهُ مُشاوَرَةً وشِوَاراً واسْتَشاره: طَلَب منه المَشُورَة.
ونفس المعنى يرد في (القاموس المحيط): أشارَ عليه بكذا، أيْ أمَرَهُ، وهي: الشُّوْرَى والمَشُورَةَ.
كما يتضح من قواميس اللغة إنَّ العربَ يستخدمون كلمة "الشُّورى"، سواء في فترة ظهور الإسلام وعصر التدوين وظهور القواميس العربية وكذلك العصر الحالي، بمعنى واحد لم يتغير: طلب المَشُورة من أحدٍ في أمْرٍ ما. والمَشُورة التي يقدمها المرء لآخر (بصورة طوعية) لا تُشَكِّلُ أمْراً مُلزماً لابدَّ من تنفيذه. فهي "نصيحة" لا غير، سواء أخذ بها الشخص أم لم يأخذ بها.
3.
المصدر النَّصِّي:
ترد كلمة "شورى" في كتاب المسلمين مرة واحدة لا غير فيما يسمى "سورة الشورى" - الآية 38:
[وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ]
وكما هو واضح، يستطيع القارئ المحايد أنْ يلاحظ ما يأتي:
- بأنَّ مفهوم الشورى الذي سُطِّرَت من أجله آلاف الصَّفحات في مئات الكتب منذ عصر التدوين حتى الآن لم يرد عملياً في كتاب محمد غير مرة واحدة فقط!
- وهذا ما يعكس الأهمية الدلالية والشرعية له إذا ما قارناه بالصلاة والصوم والحج والزكاة مثلاً. فهذه الكلمات التي تعبر عن قيم شرعية ومطالب مفروضة "كواجبات دينية" يتردد استخدامها بما يكفي للتدليل على أهميتها: فكلمة "الصلاة" ترد 67 مرة؛ والصوم 11؛ والحجًّ 10؛ والزكاة 32 مرة.
- لقد ورد مفهوم "الشورى" في النص المُشار إليه في إطار تعداد صفات "المؤمنين" من قبيل:
"وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"
"وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ"
"إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ"
"وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ"
"أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"
"وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"
أي أنَّ ورودها كان وروداً "أدبياً" عابراً تماماً ولا تُشَكِّل فكرة "الشُّورى" الواردة في السَّورة التي تحمل نفس الاسم والتي تحتوي على 59 آية، أية قيمة دينية مركزية أو استثنائية وهي ليست مفهوماً يعبر عن مطالبة تتعلق بقيام “مؤسسة" سياسية أو اجتماعية أو دينية. وإنَّ إطْلاق اسمِ "الشُّورى" على السورة لهو أمر اعتباطي تماماً. فهي فكرة من عشرات الأفكار الواردة في السورة ولا تختلف عن أهمية كلمة "البقرة" في "سورة البقرة". وإلَّا لماذا لا يخلصون إلى ضرورة قيام "مؤسسة" ما للبقرة مثلما يحاولون مع كلمة "الشورى"؟!
- أمَّا ما يتعلق بنصوص "الحديث" فإنَّ الظروف التاريخية ومصادر المعلومات الغنية المتوفر لدينا الآن لا تقدم أية مسوغات لكي تؤخذ مأخذ الجد. فهي من "صناعة" عصر التدوين والقرون التي تلت ذلك. وهذا ما حدا بالكثير من "فقهاء الإسلام"، مثل ابن حزم في "المحلى"، بعدم الأخذ بالحديث في عملية التشريع وإصدار الأحكام. وهناك من لا يرى غير "أحاديث" معدودة يمكن الأخذ بها باعتبارها "صحيحة" مثل أبي حنيفة. بل وكما يعرف المطلعون على تاريخ اللغة العربية فإن الجزء الأعظم من النحوين قد رفضوا رفضاً صريحاً الاستشهاد بالحديث في التدليل على معاني الكلمات أو القضايا النحوية في الحديث واقتصروا أساساً على الشعر الجاهلي وكتاب محمد وحسب! ورغم حذر النحوين من إطلاق موقف ضد الحديث، فإنَّ "التبرير" الرسمي والممكن بالنسبة لهم آنذاك هو أنَّ "الأحاديث" صادقة معناً وليس نصاً وهذا يعني بوضوح أنَّ "الكلمات" و"المفاهيم" المستخدمة فيها هي من "صنع" المحدثين لا غير.
وهذا اعتراف ضمني بكون ما ورد في "الأحاديث النبوية!" عن مبدأ "الشورى" هو صناعة فقهية متأخرة جداً سواء تبريراً لأحداث سابقة أو تأسيساً وتدعيماً لمواقف تخدم سلطة الخلافة آنذاك. ولهذا لا قيمة لهذه النصوص في مناقشة مبدأ "الشورى".
4.
الشيعة يرفضون الشورى والديموقراطية معاً!
غير أن أسطورة "الشورى" باعتبارها تعبيراً عن الديموقراطية هي في جوهرها ذات طابع سني معاصر محض. فجوهر العقيدة الشيعية ينظر إلى خلافة الدولة "الإمامة" باعتبارها قضية أصولية تستند إلى كتاب محمد وهي "رئاسة في الدين والدنيا ومنصب إلهي يختاره الله بسابق علمه ويأمر النبي ص بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه" [عقائد الإمامية الأثني عشرية - السيد إبراهيم موسوي الزنجاني] ولهذا فإن الشيعة لا يؤمنون لا بالشورى ولا بالديمقراطية. وقد تحدثنا عن هذا الموضوع تفصيلياً في موضوعنا:

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني [3]: الأساطير الشيعية والإمامة

5.
خلاصة:
أولاً؛
كما هو واضح لا يكشف مفهوم "الشورى"، استناداً إلى نص كتاب محمد بن عبد الله عن أي واجب عقائدي أو تشريع ديني، كما حدث في حالة "الصوم" و"الصلاة" و"الحج" و"الزكاة". فكلمة "الشُّورى" وردت بصورة عابرة كعشرات الكلمات الأخرى ولم ترتبط بتشريع محدد أو مطالبة محددة كالواجبات الأخرى. بل أن نص "القريان" يحتوي على الكثير من الأدلة على ما هو معاكس تماماً ويتلخص بمطالبة الناس الخضوع لإرادة السلاطين، وحتى الجائر منهم، خضوعاً كاملاً وبدون قيد وشرط (أنظر: لماذا الحديث عن الإسلام؟). وهو مبدأ يتناقض جَذْرِيَّاً وعلى المكشوف مع مفهوم يتعلق بإمكانية طلب المشورة والنصح من الناس، أو أي مفهوم يرتبط من قريب أو بعيد بفكرة "الديمقراطية". بل إن مطالبة الخضوع للحاكم الجائر تتناقض مع أبسط مبادئ العدل، سواء تلك "المعلنة" من قبل فقهاء الإسلام أو تلك التي تنادي بها البشرية آنذاك.
ثانياً؛ الديموقراطية:
ليست الديموقراطية "عقيدة" كما إنها ليست "وصفة" جاهزة. إذ تتعدد المعاني الخاصة والمحددة للديمقراطية بتعدد أشكال الإدارة الديمقراطية ومستوى تطور المجتمع المدني ورسوخ الثقافة الديموقراطية في البلد المعين.
إنها فلسفة وطريقة تفكير لإدارة الدولة والمجتمع المعاصر على أسس أكثر عدالة، وأكثر شرعية، وأكثر عقلانية.
غير أن المحدد الأساسي في إدارة الدولة الديموقراطية هو استنادها إلى إرادة الشعب عن طريق منظومة واسعة من القواعد الأساسية الملزمة ومن أهمها:
- مبدأ التمثيل الذي يستند إلى الانتخابات الدورية (كل أربع أو خمس سنوات).
- للقوانين الصادرة عن البرلمان سلطة حقيقية يخضع لها الجميع ومن ضمنهم أعضاء الحكومة (السلطة التنفيذية) ورئيس الجمهورية والسلطة القضائية. وتقوم "المحكمة الدستورية" بمتابعة حقيقية لتطبيق القوانين والبت بالشكاوى المتعلقة بالقوانين التي تتناقض مع فلسفة وروح الدستور.
الفصل الحاسم ما بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
- توجد قوانين وهيئات رقابية مختلفة ذات تأثير واقعي على سياسة الحكومة في المجالات المختلفة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية.
- الحقوق المدنية: أنها واحدة من أهم المبادئ التي تستند إليها الديموقراطيات المختلفة. وهي تتضمن الحرية الشخصية: فالمواطن لا يخضع لأي سلطة مهما كانت خارج ما تقرره القوانين؛ حرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية؛ - حرية الرأي والتعبير حتى لو كانت ضد الحكومة القائمة؛ حرية التجمع والتنظيمات السلمية.
- الشفافية في اتخاذ القرارات وحق المواطن بالحصول على وثائق القرارات المتخذة من قبل جميع وزارات ومؤسسات الحكومة استناداً إلى قانون الحصول على المعلومات ذات الطابع العام.
وهكذا فإن الديموقراطية لا علاقة لها بـ"الشورى" لا من قريب ولا من بعيد.
ثالثاً؛ إن تاريخ الحكم الإسلامي الحقيقي منذ محمد وحتى هذه اللحظة الراهنة لم يعرف لا على مستوى المعنى ولا على مستوى التطبيق فلسفة الديموقراطية. أما الشورى فهي واحدة من الخرافات اللغوية ولا شيء آخر.
وانطلاقا من اللحظة الراهنة فإننا عاجزون عن استشراف أي نزوع للدولة العربية/ الإسلامية لأي شكل من أشكال الديموقراطية في فلسفة الحكومات الإسلامية الراهنة (سنية كانت أم شيعية) وسياساتها المعلنة.
إن الدولة العربية (من المحيط إلى الجحيم - ملكية كانت أم جمهورية) هي ليست دولة غير مؤهلة لكي تكون ديموقراطية فقط، بل على العكس من ذلك نشاهد استشراء سياسة الاستحواذ الشامل على السلطة في ظل تفاقم الفساد الاقتصادي وسوء استخدام السلطة والقمع المكشوف أو المستتر لأي شكل من أشكال المعارضة والتعبير عن الرأي. وكل هذا يحدث في شروط تصاعد المد الديني المتطرف والتوحش العقائدي العلني أو المستتر وتغلغله في مكونات الدولة سواء بدعم الدولة نفسها أو بالتغاضي عنه.
الدولة العربية (جمهورية وملكية) أُسِّست لكي تكون دولة استبدادية بسبب عقيدة الإسلام التي تستند إليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر