منع

هذا هو الدليل على وجود الخالق: جولة صباحية



1.
منذ حوالي ثلاثين دقيقة (07:30 am) عدة من جولة الصباح في الغابة القريبة من بيتي.
كنت خلال التسعين دقيقة الماضية في حضرة مجموعة من الأعمال الموسيقية الألمانية والنمساوية.
بدأت جولتي في دروب الغابة الصغيرة بـ " Overtures and preludes " لريتشارد فاغنر [آمل أن تستمعوا إليها فالعنوان يتضمن الرابط].
كان الطقس بارداً بعض الشيء في مثل هذا الوقت من الصباح وثمة رياح خفيفة تهز الأشجار هنا وهناك. لكنني لم أكن أشعر بالبرد ولم أكن أسمع ما يدور حولي.
بين فترة وأخرى وفي بعض المناطق العالية من الغابة كنت أسمع خرير النهر القريب، سرعان ما ابتعدت قليلاً في الطريق الملتوي الضيق نحو اليمين فيبتعد صوت النهر وأبقى وحيداً مع فاغنر...

2.
عندما وصلت النقطة الأخيرة من جولتي وكعصفور يحط على أحد أغصان الأشجار العالية راودتني فكرة الدليل على وجود الخالق!
فجأة قفز من أمامي سنجاب صغير ثم تسلق الشجرة برشاقة مختفياً في مكان ما بعيداً في أعلى الشجرة.
ذكرني السنجاب بالمسلمين!
جميع مَنْ على الأرض أعداء لهم. السنجاب لا يميز ما بين المارين المُسَالِمِين، وأنا واحد منهم – أو هكذا أعتقد، والمؤهلين للإضرار به. إنه يهرب من أي شبح بعيد لشخص قادم. ثمة خصلة سنجابية أخرى لها صدى في الإسلام: السنجاب يقضي عمره في جمع الثمار للشتاء مخفياً إياها في الأرض. لكنه عادة ما ينسى مواقع الكثير من هذه الثمار المدفونة – فالمسلمون يجمعون (هل هي للشتاء؟) ما لا يعد ولا يحصى من الخرافات والأساطير المتناقضة عن محمد بن عبد الله وقريانه وسيرته، غير أنهم (وهذه هي الخصلة السنجابية) ينسون أنهم قد دونوها. ومثلما تتعفن الثمار السنجابية المدفونة في الأرض وتتلف، فإنَّ تناقضات أساطيرهم وخرافاتهم تستحيل عالة عليهم وعلى وجودهم.
3.
قطع السنجاب الصغير فكرتي لكن الصوت المتعالي في رأسي من موسيقى فاغنر أعادني من جديد إلى فكرة الخالق.
إذا كنتم تستمعون الآن إلى ما استمعت إليه خلال نزهتي فإن فكرة الخالق ستبدو لكم واقعية وأرضية:
ها هو صوت "الخلق" يتعالى وليس ثمة حاجة إلى البراهين.
فهل ثمة شك في ذلك؟
هل علينا أن نعيد في أذهاننا هراء البراهين العقلية الأنطولوجية أو برهان الصديقين؟!
ها هو الخالق يقف بيناً وراء موسيقاه....
4.
موسيقى فاغنر عنيفة، متوترة، تتغلغل إلى العقل موقظة فيه رؤى قد لا يتوقعها المرء، إنها تتدفق وتتعالي بقوة شلالات الماء العالية، أو كأن إعصاراً يهب.
حتى عندما تبدو وكأنَّ نوعاً من السكينة قد حلت فإنه من السهل سماع العاصفة مسبقاً.
هل تتذكرون موسيقى هجوم طائرات الهليكوبتر على القرية الفيتنامية في فيلم "القيامة الآن - Apocalypse Now"؟
إنها مقطوعة لفاغنر تحت اسمه "ركوب الفالكيري ". إن القوة التصويرية للمقطوعة والممتزجة بصوت طائرات الهليكوبتر العدائي والمرعب يعكس ببراعة عالية فظاعة الحرب والقوة الغاشمة.
5
الدانوب الأزرق: ﭬالس



في طريق العودة إلى البيت كنت في حضرة يوهان شتراوس و:" The Blue Danube ".
مررت بالنهر الصغير من جديد.
وعندما أزلت السماعتين تعالى من جديد صوت تدفق الماء بهدوء. فهو يمر هنا بمنطقة منبسطة من غير أن تعيق حركته صخور أو جذوع الأشجار الساقطة.
لا علاقة لهذا النهر بـ " The Blue Danube ". كانت محض مصادفة أن تبدأ موسيقى شتراوس عند اقترابي من الطريق المحاذي للنهر.
الآن لو يستمع أحدكم إلى المقطوعة فسوق يتفق معي أننا في حضر إله مختلف ومغاير!
إلهنا الجديد النمساوي رائق المزاج، لعوب، مرح، يتدفق حياة وحيوية.
الخالق الجديد – شتراوس، يعشق الرقص، خلافاً لرب المسلمين الذي "يفترض" أنه يستوي على عرش ما و"يفترض" أنه يراقب البشر ويسجل ذنوبهم مكشراً عن أسنانه المتسوسة!
لي صديق تشيلي (لم يعد بيننا الآن!) كان يرى بأن الناس نوعان – مهما اختلفوا دينياً وأثنيا وثقافياً وسياسياً، وسواء شاءوا أم أبوا: هم نوعان لا ثالث لهما:
نوع يبحث عن السعادة؛ ونوع حوَّل التعاسة إلى نمط حياة وأسلوب عيش!
والمسلمون من النوع الثاني من الناس.
فهل سيعشقون شتراوس؟
5.
ها أنا في البيت...
أشم رائحة القهوة من المطبخ. ..
إنها تتصاعد (أو ربما تتعالى) وكأنها موسيقى. الحق أنها أقرب إلى شتراوس من فاغنر...
وبعد أن أخذت دوشاً حاراً ولم أغتسل على طريقة الوضوء كما تغسل القطة وجهها بلعابها تكون "صَلَاتِي" الصباحية قد انتهت وعليَّ أن أبدأ العمل ...
يا للحياة الكئيبة، سيقول المجاهدون الذين آمنوا بعالم لا وجود له وبخرافات صنعوها بأنفسهم في قيظ الصحراء!
ماذا أفعل؟
هذه هي الحياة . . .



الصلاة الإسلامية [4]: صلاة الجُمْعَة والجَمَاعَةُ هي صلاة الإرهاب الجماعي!


1.
عندما "عرَّج" محمد بن عبد الله:
في إطار خرافته عن معراج محمد بن عبد الله (الذي طار مِنْ هنا... وإلى هناك) على الحِمَار البراقِ (أَمِ البغلة – لا أحد يعرف) يروي لنا البخاري (قدَّس الله سِرَّه رغم أنَّه لم يحفظ سِرَّاً) حكاية قد يعتقد من لا يعرف الإسلام بأنها "غريبة" و"عجيبة" و"فاضحة". ولأن خرافات الإسلام لم تعد غريبة علينا فإنَّ الحكاية التي من غير خرافة هي ليست إسلامية (وبكلمة أدق: ليست إبراهيمية)!
يقولُ (قدَّس الله سِرَّه!) عن هُدْبَة بن خالد عن همام عن قتادة. وقال خليفة حتى تنتهي لعبة العنعنة إلى مالك بن صَعْصَعَة (من صعصعة هذا؟):
عندما أنطلق محمد بن عبد الله مع جبريل لم يتعرف أحد من ملائكة السماوات عليه!
وهذا "اعتراف" شخصي ورغم أنه ليس بخط يده، فإن جميع المحاكم الإسلامية تقبله ويتم ضمه إلى باقي الأدلة المعنية بالأمر:
لم يتعرف أحد على محمد بن عبد الله!
لننسَ هذا الموضوع حتى نأتي إلى مربط الفرس - قصة الصلاة. يقول محمد:
"ثُمَّ فُرِضِتْ عليَّ خمسون صلاة فأقبلتُ حتى جِئتُ موسى، فقال: ما صنعتَ؟ قلتُ: فُرِضِتْ عليّ خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق، فارجعْ إلى ربك فسله. فرجعت فسألته فجعلها أربعين، ثم مثله، ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشراً، فأتيت موسى فقال: مثله فجعلها خمساً، فأتيت موسى فقال: ما صنعتَ؟ قلت: جعلها خمساً فقال مثله، قلت: فسلمت فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشراً" [صحيح البخاري، دمشق/بيروت 2002، ص 794]
2.
لا أحد يعرف لا أحد يعلم:
إنَّ هذه الحكاية التي يعتزون بها لا تكشف إلا عن فكرتين اثنتين لا غير:
الفكرة الأولى:
لا الله عليمٌ ولا محمدَ بن عبد الله عارفٌ بأمَّته!
ولولا كبير الأنبياء إبراهيم (غفر الله له ولنا ذنوبنا) لهرب المسلمون من الإسلام منذ زمن بعيد جداً (ويا ليته لم يتدخل!).
أما الفكرة الثانية:
فقد كانت الصلاة صفقة مُضْنِيَةً حققها محمد بن عبد الله بعد "رواح ومجيء" طويلين مستعطفاً ربه (الحقيقة أن الحديث لا يذكر ماذا كان يقول محمد بالضبط!)!
بل لا أحد يعرف (لا محمد بن عبد الله ولا ربه) معنى وأهمية الصلاة.
فمعرفة معنى الشيء وتأثيره ووظيفته تتعلق بشكله وحجمه وكميته (وعدده إنْ كان له عددٌ) ووزنه (إنْ كان له وزنٌ) وغيرها من الخصائص المميزة للأشياء- ووصفة الدواء مثال نموذجي على قيمة هذه المعايير. أما ما يتعلق بالصلاة فإن الأمر ينبغي أن يكون أكثر التزاماً بالدقة وأكثر حزماً وحسماً في التطبيق.
وطالما كان عدد الصلوات اعتباطياً وهو في أحسن الأحوال "صفقة"، فإن معنى الصلاة ظل ممتنعاً على الجميع.
3.
صلاة السلطة والسلطان:
" أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلهِ ِللهِ"! – قيل أن يشوع قد قال هذا الكلام.
فكما أشرنا في الحلقة السابقة (وكما تقول لنا الحكاية أعلاه) فإن صلاة الأفراد كانت لله.
ولكن ماذا عن صلاة الجَمَاعَة – لمن هي؟
إن التاريخ يقول وليس السيرة الأدبية للإسلام، ومن دون مواربة، هي لقيصر – للسلطان.
فإذا كانت الصلاة الفردية خضوعاً للفرد، فإن صلاة الجَمَاعَة هي وسيلة للخضوع الجماعي.
4.
منذ أن تحول الدين الإسلامي إلى قوة حربية فقد تحول بدوره إلى "تنظيم" سياسي تنطبق عليه الكثير من السمات التنظيمية للأحزاب المعاصرة (بل أن الأحزاب المعاصرة هي استمرار للتنظيمات الدينية السرية ذات الشكل الهرمي من العصور الوسطى) والصلاة هي العلاقة المرئية الوحيدة بهذا التنظيم أو بِلُغة رجال اللاهوت: " الفارقة بين الكفر والإيمان"!: بكلمات أخرى مَنْ هو مع السلطان ومَنْ يحوك المؤامرات ضده!
وهذا ما دفع بالأمويين (ومن ثم العباسيين حتى الآن) إلى تحويل الصلاة الجماعة إلى معيار للوفاء لهم والإيمان بخلافتهم. وبالإضافة إلى ذلك فإن صلاة الجمعة أضحت (حتى اللحظة الراهنة) منبراً للتعبير عن أفكار الدولة والتحريض ضد المعارضين.
ولكي يمنح الأمويون لصلاة الجمعة أهمية استثنائية لازمة فقد انبرى محدثو وفقهاء السلطان بصناعة الأحاديث التي حولت ترك الصلاة إلى جريمة كبرى. إذ أن "من ترك الصلاة جحودًا بها، وإنكارًا لها، فهو كافر، خارج عن الملة بالإجماع"!
وعقوبة الكافر القتل والتحريق:
من أحاديث "صحيح!" مسلم "الصحيحة!"
-عن أبي هريرة (طبعاً!):
"إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنار"!
غير أن هذا لا يكفي. فقد كان على السلاطين أن يمنحوا الالتزام بالصلاة ورائهم صيغة جبرية "شرعية!" لاهوتية وبغض النظر عن مواقف الناس المعلنة والمستترة عنهم فقد جهد محدثو السلطان - ولكل سلطان محدثون وبتـ"حفيز بسيط" من السلطان أن يلبسوا لبوساً نصياً رسولياً:
-"عن عامر بن ربيعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها ستكون بعدي أمراء يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها فصلوا معهم فإن صلوها لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم فإن أخروها عن وقتها فصلوها معهم فلكم وعليهم من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية"!
5.
ولكي تكون صلاة الجماعة صلاة للسلطان مضموناً وشكلاً وأن تتم مراقبة وتسجيل الحضور فقد قرر فقهاء السلطان أن تكون صلاة الجمعة في مكان واحد. ورغم ذلك فلم تكن المدن آنذاك صغيرة بما يكفي لكي يصل إليها الناس من القرى والأطراف البعيدة فقرر فقهاء السلطان التساهل (وهو أمر لا علاقة له بالتساهل الديني بل حكم الواقع) إمكانية أن تُعقد صلاة الجمعة في مكان آخر بعيد عن المكان الأولى وبقيادة (إمامة) شيخ موالٍ للسلطان (الخليفة أو أياً كان لقبه).
ولكي تكون صلاة الجماعة من جديد صلاة للسلطان سياسةَ وأهدافاً فقد أُسْتُحدث أن تكون الخطبة في البداية (لا تهمني النقاشات المتعلقة ببدايات وجود الخطبة قبل أو بعد الصلاة وفيما إذا كانت خطبة واحدة أو اثنتين).
وفي الخطبة التي تبدأ بالدعاء للسلطان (والشتائم ضد المعارضين أياً كانوا) يقرر إمام الجامع ما يريده السلطان وما يرضيه ويرضي الله ورسوله. وحين يتطلب الأمر تهديداً لأعداء السلطان فلا بأس هنا التهديد باسم ما يقوله "القريان" لتقديم رسوم الطاعة للسلطان حتى وإن كان أسوا ما يكون!
ولكي (للمرة الرابعة) أنْ تكون خطبة صلاة الجمعة والصلاة نفسها باسم السلطان لا سلطان غيره فإن أئمة الجوامع الرسمية"!" هم أئمة تعينهم الحكومات وتصرف عليهم وتعلفهم على أحسن ما يكون العلف حتى اللحظة الراهنة!
6.
وإن هذه التقاليد لا تزال قائمة في جميع دويلات مملكة الظلام. ولهذا ليس من الصدفة أن يتم النقل الحي لصلاة الجمعة وتقوم ببثها جميع محطات الإذاعة والتلفزيون الرسمية "الحكومية" وغالباً ما يحضرها " الأب القائد" أو "الأب الحنون" أو "الرئيس المؤمن" أو "الأب المؤسس" أو ... إلخ!
أما خطبة الجمعة فهي لا تزال – وقد أصبحت أكثر فجاجة ووقاحة - عبارة عن منشور "شفهي" مباشر حكومي للدفاع عن توجهات هؤلاء "الآباء" وتبريراً لسياساتهم الغاشمة وحربهم المعلنة أو المتسترة ضد المخالفين والمختلفين.
والجميع يرى ويعرف فقهاء السلطان الذين لي عنهم حديث خاص في المستقبل.
7.
صلاة الإرهاب الجماعي:
إذن صلاة الجمعة هي صلاة سياسية بحق سواء كانت للسلطان حين يكون الفقيه قريباً من سلطته وشرطته أو ضد السلطان إن بَعُد الفقيه (لأسباب طائفية وليس دينية/إسلامية) عن سلطته وشرطته أو تضررت مصالحه.
وبظهور الحركات الإسلامية المتطرفة واتساع ثقافة التوحش تحولت صلاة الجمعة إلى سلاح حركي ضد الجميع:
السلطان وسلطته وشرطته والمخالفين لهم والناقدين لتطرفهم والمختلفين معهم مذهبياً وطائفياً والناس أجمعين لا فرق بينهم إن كانوا مسلمين أم مسيحيين أم حتى هواة جمع الطوابع!
في هذا النوع من "الصلاة وخطبتها" تحولت ثقافة التوحش إلى أسلوب مميز ويكاد يكون "ماركة مسجلة" لها سواء داخل الدول الإسلامية أم ضد مجتمعات قامت بئوائهم من قمع سلطانيهم المسلمين .
إنها الشكل المرئي الجماهيري للتنظيمات الإسلامية. بل هي الشكل الاستعراضي لقوة هذه التنظيمات. وهو السبب الذي تسعى السلفية من أجله إلى التحريض على إقامة "صلاة الجمعة" في شوارع أوربا.
فهي مثلما تعني دلالياً استعراضاً فإنها بمثابة تحدي للقوانين الأوربية. إنها المعادل البصري والتأثيري والسيكولوجي لمارشات النازية والشيوعية على حد سواء (وهي في حقيقتها من منجزات الرومان) وموسيقى المارشات العسكرية التي تبثها الإذاعات العربية على مدار اليوم في وقت الحروب والانقلابات والتغيرات السياسية.
أن تقول للناس والأنصار على حد سواء: "نحن هنا" ومن أجل إشاعة الخوف والرعب في نفوس الآخرين.
8.
هذه هي باختصار صلاة الجماعة:
إنها صلاة الحرب ضد المخالفين والمختلفين.





بابا هتلر: التاريخ السري لبيوس الثاني عشر بابا الكنيسة الكاثوليكية

غلاف كتاب: Hitler's Pope: The Secret History of Pius Xii (Hardcover, 1999)


إن مصداقية العقائد تكمن في تطبيقاتها العملية
1.
لقد أشرت في مناسبات عديدة إلى الدور الفعال للمؤسسة الدينية في الحروب. وحاولت أنَّ أقدم تفسيراً جدلياً لهذا الدور وهو أنَّ فكرة "الحق المقدس" الذي تدعيه الدول في حروبها يستند بوعي أو بغير وعي، تحت التأثير المباشر للمؤسسة الدينية أو بصمتها، إلى عقيدة دينية.
وقد تجسد هذه المبدأ بأشكال ومستويات مختلفة في حروب أوربا وبشكل خاص حربي القرن العشرين العالميتين الأولى والثانية. إذ أنه ورغم غياب الدور المباشر للمؤسسة الدينية فإن هذا المبدأ كان لا يزال قائماً خلال الحربين في إطار الثقافة المسيحية للمجتمعات التي خاضت هذه الحروب بصمت المؤسسة الدينية أو بمباركتها العلنية
2.
إلا أنَّ الحرب العالمية الثانية كشفت أيضاً عن وجه انتهازي ومهادن للكنيسة الكاثوليكية متمثلاً بشخص البابا بيوس الثاني العاشر المُمَالِي للنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا.
وفي مقال للكاهن السابق الكاتب الكاثوليكي جيمس كارول [الذي اقترحت له مقالاً سابقاً حول الاعتداءات الجنسية للكهنة الكاثوليك في موضوعي: الجرائم الأخلاقية وسط الكهنة الكاثوليك] يتحدث عن علاقة بيوس 12 بابا الفاتيكان [1939-1958] وتواطؤه مع هتلر والصمت إزاء الهولوكوست، تحت عنوان: " الهولوكوست والكنيسة الكاثوليكية".
وهذا هو المقال المشار إليه:
2.
في هذا المقال يقدم جيمس كارول عرضاً سريعاً لكتاب "بابا هتلر" لكاتب كاثوليكي آخر وهو الصحفي البريطاني جون كورنويل. وقد حظي الكتاب باهتمام واسع في أثناء صدوره عام 1999.
في هذا الكتاب سعى كورنويل إلى فحص سلوك أوجينيو باتشيلي الذي كان قبل الحرب سفيراً للفاتيكان في ألمانيا ومن ثم البابا بيوس الثاني عام 1939 بعد وأثناء الحقبة النازية.، مستكشفاً التهمة المتعلقة بدور البابا بيوس الثاني بإضفاء الشرعية على الزعيم النازي أدولف هتلر.
وفي الكتاب سعى كورنويل من خلال المصادر والوثائق البرهنة على أن مهمة بيوس الثاني بأكملها بصفته سفيرًا لألمانيا ووزيراً لخارجية الكاردينال، ومن ثم رئس الكنيسة الكاثوليكية، قد تميزت بالرغبة في زيادة قوة السلطة البابوية وتعميق مركزتيها وإخضاع المعارضة الكاثوليكية للنازية لتحقيق هذا الهدف.
3.
يقول جيمس كارول بصدد كتاب "بابا هتلر" إن بيوس الثاني عشر وعلى الضد من الصورة التقليدية للبابا الذي يستحق القداسة فإن كورنويل يروي قصة متلاعب نرجسي متعطش للسلطة إلى الدرجة التي كان مستعدًا فيها للكذب وللاسترضاء والتعاون مع النازية من أجل تحقيق هدفه الخاص الذي لم يكن إنقاذ البشر أو حتى لحماية الكنيسة الكاثوليكية، بل حماية وتعزيز السلطة البابوية.
وقد تحول بيوس الثاني عشر على حد قول كورنويل "إلى بيدق بيد هتلر، إلى بابا هتلر".


[البابا بيوس الثاني عشر: بابا هتلر!]
4.
يُعرِّف القانون الكنسي الذي صدر عام 1917 (وقد كان باتشيلي – البابا القادم أحد الاثنين اللذين عملا على هذا القانون)
سلطة البابا بأنها "السلطة القضائية العليا والتامة في جميع الجوانب المتعلقة بالكنيسة – سواء كانت في الأمور المتعلقة بالإيمان والأخلاق أو تلك التي تتعلق بالانضباط وحكومة الكنيسة في جميع أنحاء العالم ".
إنَّ هذا النزوع المخيف نحو هذه السلطة للبابا الذي تسلم مقاليد الفاتيكان عام 1939 لهو في أمس الحاجة إلى الوجود والبقاء من أجل ممارسة هذه السلطة إلى النازية والفاشية على حد سواء؟
كانت ألمانيا أهم دولة كاثوليكية في أوروبا في فترة الحرب العالمية الأولى رغم أن أغلبيتها من البروتستانت. وبعد فترة قصيرة من تنصيب باتشيلي باعتباره سفيراً بابوباً في ألمانيا يشير كورنويل بأن مهمة البابا القادم كانت لم تكن غير فرض قانون عام 1917 الكنسي المتضمن السلطة البابوية على الأساقفة ورجال الدين المؤمنين العاديين الكاثوليك. وتحقيقاً لهذا الغرض بدأ باتشيلي بإعادة التفاوض على الاتفاقيات التي كانت قائمة مع السلطات الإقليمية على أمل التوصل إلى اتفاق شامل مع الدولة الألمانية بصورة عامة من أجل تعزيز سلطة الفاتيكان وخصوصاً بما يتعلق بتعيين الأساقفة.
5.
ما الذي يفسر سلوك البابا في زمن الحرب: صمته على فضائع النازية سواء ضد اليهود أو تلك التي ضد بولندا الكاثوليكية مثلاً؟ وما الذي يفسر جهوده المتكررة لمنع الحلفاء من قصف روما في الوقت الذي لم يبذل أي جهد بالعلاقة مع مدن أخرى؟
وكيف يمكن تفسير دعم بيوس الثاني عشر بصورة واضحة وملحة للقومية الكاثوليكية في كرواتيا وقد استمر بدعمه هذا حتى بعد أن أتضحت سياسية الإبادة الجماعية لنظام Ustache.
بيوس الثاني عشر في أثناء إقاكة طقوس  القداس الإلهي


إنه الجبن واللامبالاة إزاء معاناة الأبرياء. فهوس السلطة بالنسبة له هو كل شيء وهذا من أهم عوامل فشله التاريخي باعتباره بابا.
للمزيد من المعلومات حول الموضوع:

هل المجتمعات الإسلامية متخلفة؟[2] غياب العقلانية وحرية الإرادة



[قُلْ بِرِضَاك وَبِرَحَابَة صَدْرٍ وبكلِّ مرح وسرور ومِنْ غَيْرِ إجْبَار إنَّ سببَ تَخَلُّف المسلمين ليس الإسلام، بلْ الطَّقْسُ الحَارِّ!]

هل المجتمعات الإسلامية متخلفة؟
محاولة للإجابة:
1.
لقد طرحتُ هذا السؤال في الحلقة السابقة وأنا أدرك جيداً الصعوبات الكثيرة التي ستواجه المسلم العلني والمستتر - إنْ قرر الإجابة وإنْ قرر أن يلتزم بالعقلانية المستندة إلى الوقائع التجريبية وليس الثرثرة الكلامية!
وإذا كنتُ من حيث المبدأ لا أنتظر أي نوع من الإجابة فإنني من جهة أخرى لم أكتب يوماً حرفاً واحداً ولن أكتب هذا الحرف في المستقبل لغرض تبادل وجهات النظر مع المجاهدين. فهذا أمر عبثي!
إن هدفي كان ولا يزال نقد اللاهوت الإسلامي مستنداً إلى النقد الثقافي الشامل الذي لا يفهمه السذج.
النقد الثقافي هو نقد شامل للبنية الثقافية التي يستند إليها الإسلام في مجالات اللاهوت والحقوق والاقتصاد والسياسية.
2.
لكن الشكَّ في عجز المؤمن العلني والمستتر عن الإجابة هو أمرٌ أقرب إلى الجواب المعلن مسبقاً وما طَرْحُ السؤال إلا محاولة للعثور على "بارقة أمل" بين ركام العقائد المغلقة على نفسها مستشهداً ببيت الطغرائي:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بالآمَالِ أرْقُبُهَا
ما أضْيَقَ العَيْشَ لُولا فُسْحَةُ الأملِ
ولكن لم يتجرأ أحد منهم على الإجابة واختفوا خلف وشاح الحكمة الفاسدة: الصَّمت مِنْ ذَهَبٍ!
هل الصمتُ على التخلف يصنع ذهباً؟!
وما حدث لم يكن مفاجأة!
3.
خلافاً للاديني والملحد فإن المسلم العلني والمستتر غارق حتى أذنيه في الوهم. وهذا "الغرق في الوهم " يمنعه من رؤية الواقع الذي يعيش فيه.
إنه لا يتنفس!
فهو بكلمة أدق: يعيش في الدين وما الواقع الخارجي إلا انعكاس "لإرادة وحكمة خالقه الموهوم". وإن هذه "الإرادة" و"الحكمة" فرضية لم ير المسلم يوماً تطبيقاً لها ولن يرى (هذا وعدٌ)!
هو كالمدمن على المخدرات، عاجز عن إدراك الكارثة التي صنعها بنفسه وأصبح هو نفسه ضحية لها. ولهذا فإن أول خطوة في علاج ضحايا المخدرات، التي تحولت إلى حجر زاوية في آليات العلاج في جميع المصحات المتخصصة في العالم، هو أن يدرك (ويعترف) الشخص الذي يتعاطى المخدرات بمشكلته وأن "يرغب" في علاجها.
بدون أدراك المشكلة والاستعداد لحلها لا يمكن الحديث عن أي تقدم.
4.
وهذا هو المفتاح إلى فهم آلية تفكير المتدينين:
الوهم الديني والذي يعني عجزهم عن إدراك وضعهم الحقيقي في المكان والزمان وعجزهم عن طلب المساعدة.
لكن الكارثة العربية (والإسلامية بصورة عامة) هي أن مَنْ يقود الدولة العربية سياسياً واقتصادياً وأكاديمياً هو ذات النوع من المسلمين الغارقين في الوهم والذي يبدأ اجتماع مناقشة الخطة الاقتصادية بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"!
5.
ولكي نستطيع الإجابة على السؤال المطروح " هل المجتمعات الإسلامية متخلفة؟" أجد من اللازم الانطلاق من البداية حتى نسد الثغرات التي يبحث عنها المتدين العلني والمستتر في المواقف المناوئة للدين. فهو الباحث عن الثغرات: بل هو عن حقٍ سيد الباحثين عن الثغرات!
حسناً:
لماذا تُربط قضية التخلف بالدين؟
ما هو أثر الدين على التطور؟
ما الذي سيحصل بإلغاء أثر الدين على المجتمع؟
هل سيخسر المجتمع عندما نخسر الدين؟
هذه أسئلة معيارية لا يمكن التَّهرُّب منها بوسائل مدرسية أكلَ عليه الدهر وشرب.
6.
العقلانية الاقتصادية:
لقد أثبت العالم السوسيولوجي ماكس فيبر في كتابه الشهير " الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" الدور السلبي للعقيدة الكاثوليكية في التطور العام للمجتمع. وكان عليه أن يطرح السؤال التاريخي عن حق:
لماذا تظهر أكثر المناطق تقدماً من الناحية الاقتصادية مؤهلة بشكل خاص وفي ذات الوقت أن تحتضن عملية ثورية داخل الكنيسة الكاثوليكية؟
ويلاحظ فيبر بأن النزوع إلى التحرر من الاتجاه الاقتصادي التقليدي هو أحد العوامل التي تعزز الميل إلى التشكيك بالتراث الديني وإلى التمرد على السلطات التقليدية وقد مهدت تعاليم مارتن لوثر إلى هذا النزوع نحو التحرر. وعندما نتحدث عن التطور الاقتصادي فإن هذا التطور لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن التطور العلمي – النظري والتكنولوجي، حتى بدى بأنَّ الأول حصيلة الثاني والثاني نتيجة للأول.
إن نضال لوثر لم يكن ضد "الكتاب المقدس". وهذا أمر ينبغي إدراكه بصورة واضحة. إنَّ مشكلته الحقيقية هي السلطة التقليدية للكنيسة الكاثوليكية التي كانت تهيمن على إرادة الفرد.
إلا أن هذا النضال ضد ممارسات الكنيسة الكاثوليكية أخذت مارتن لوثر بعيداً عما كان يعتقده في البداية خارج إرادته. إذ تحول التحرير من هيمنة الكنيسة ورجال اللاهوت إلى تحرير حرية الفرد من سلطة الكنيسة. فبدون هذه "الحرية" لا يمكن له أن يفصل أنصاره نهائياً عن الكنيسة الكاثوليكية.
إنَّ تحرر البروتستانت من قيود السلطة الدينية التقليدية قد كشف عن استعداد خاص للعقلانية الاقتصادية. وما يثير الاهتمام هنا هو أن هذه العقلانية كانت قائمة في مختلف الشروط التي مرت بها الجماعات البروتستانتية: سواء عندما كانت مجرد أقلية في المجتمع أم أكثرية، شريحة مُسَيْطِرَة أم مُسَيْطَرٌ عليها. وهذا ما لم يكن ملحوظاً عند الكاثوليك كظاهرة في ذات الشروط المختلفة.
7.
حرية الإرادة:
بصدد نقده لمارتن لوثر بالذات يرفض ديسيدريوس إيراسموس حرية الإرادة [حرية الإرادة، 2014]. ولا يتوانى المؤلف أن يؤسس منطق الرفض هذا حتى قبل أن يعرض تصوراته وكأنه يريد أن يوحي إلى هذه التصورات مسبقاً:
"وأنا أيضاً أكره كثيراً التأكيدات وأفضل آراء التشكيك حيث تتيح ذلك سلطة الكتاب المقدس الذي تُنتهك حرمته وحيثما تتيح ذلك سلطات الكنيسة التي أخضع آرائي لها طواعية سواء فهمت ما تمليه أو لم أفهم" .
فالكتاب المقدس من وجهة نظر إيراسموس "يحتوي على أسرار لم يرغب الرب في مناقشتها بعمق لأننا إن حاولنا ذلك، سيزيد الظلام المحيط بنا لدرجة قد ندرك معها عظمة الحكمة الإلهية التي لا يمكن سبر أغوارها وضعف العقل البشري"!
لماذا؟
يقول إيراسموس:
"لم يعتد الإنسان على اقتحام الغيبيات، ولا حتى بالتساؤل المدفوع بفضول غير ديني عما إذا كان العلم المسبق للرب بالكون طارئاً أم أزلياً؟ وما إذا كانت إراداتنا تسهم في خلاصنا الأبدي أم خاضعة للعفو الرباني؟ وإذا كان كل شيء نفعله بفعل الحتمية فقط أم أننا في حالة قبول سلبي لأفعالنا والرب أراد أن تظل بعض الأمور غيبية محجوبة عنا كموعد الوفاة ويوم الحساب"!
هل يذكركم هذا اللغو بكلام آخر أقرب إلينا ويستوي أمامنا كل يوم في مملكة الظلام؟
8.
الإصلاحات المُحْبَطَة:
على ضوء هذا المنطق يمكن أن نفهم أهمية الإصلاحات العميقة التي قام بها مارتن لوثر في الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر.
إن تحرير إرادة الفرد من براثن سلطة دينية مغلقة على المستقبل تَحوَّلَ إلى حافز للتطور الثقافي الشامل والذي رأينا أولى مظاهره في الثورة التكنولوجية والنمو الاقتصادي في أوربا - وهذا وما لم يحدث بأي شكل من الأشكال في الإسلام.
فقد فشلت ما تسمى بـ"حركة الإصلاح" في المنطقة العربية في آواخر القرن التاسع عشر من تحرير إرادة الفرد من فكرة الخضوع والعبودية الغيبية.
فما قام به الكواكبي ومحمد عبد مثلاً لم يكن غير محاولة لملائمة الإسلام لعصر الحداثة. غير هذه المحاولة كانت خالية بصورة مأساوية من أي نقد للعناصر المكون للعقيدة الإسلامية التي كانت ولا تزال توجه المسلم صوب عصور الظلام وليس المستقبل. بل يمكن القول إن ما قامت به حركة الإصلاح "المتنورة" لا يختلف عما قامت به الوهابية: تدعيم مركزية الإسلام من جهة ودمج هذه المركزية في إطار الدولة القومية المرتقبة.
8.
لا شك أن الكواكبي قد أدان الاستبداد في مختلف أشكاله في "طبائع الاستبداد" واعتبر أنَّ الحلَّ في إنهاء الاستبداد. لكنه لم ير في الاستبداد إلا خروجاً عن الإسلام القويم ونتيجة لتفسيرات فقهاء السلاطين. وهو لا يرى في "القريان" إلا مثالاً على التعاليم المناهضة للاستبداد:
"وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي حتى في القصص منه [...]
"بناء على ما تقدم لا مجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مع تأسيسها على مئات من أمثال هذه الآيات البينات التي منها قوله تعالى وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ أي في الشأن، ومن قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ أي أصحاب الرأي والشأن منكم، وهم العلماء والرؤساء على ما اتفق عليه أكثر المفسرين، وهم الأشراف في اصطلاح السياسيين".
وما الحل في هذه الحالة؟
أما في كتاب "أم القرى مؤتمر النهضة الإسلاميّة الأوّل" فهو يؤسس أو ل مؤتمر للمسلمين وفي مكة بالذات داعياً إلى كل شيء وناقداً كل شيء يعيق تطور المسلمين ما عدا أيديولوجية كتاب محمد التي أثبت تطور الأحداث خلال القرن العشرين بأنها هي السبب المباشر في التخلف والإرهاب للمجتمع الإسلامي وليس "قشور الدين".
إن كارثة المسلمين هي العقائد التي يقررها كتاب محمد وأحاديث السنة والشيعة وليس في التصورات المتخلفة عن الإسلام فقط.
9.
وهذا هو بالذات ما نراه الآن:
الدولة العربية الحالية هي دولة المركزية الإسلامية الملتزمة بمقومات الإسلام اللاهوتية (في كتاب محمد) وظهور المرجعية السلفية السنية والشيعية والتي هي المعادل الموضوعي لسلطة الكنيسة الكاثوليكية آنذاك.
وقد أدت مساعي مارتن لوثر إلى فصل الفرد عن سلطة الكنيسة البابوية ومعايير التقوى التي تعيق انخراط الإنسان الكامل في مباهج الحياة لم يحرر إرادته فقط بل مهد لفكرة كون النشاط الاقتصادي والنجاح في العمل لا يقل تقوى عن الطقوس الدينية. وهذا ما أدى بدوره إلى تقبل فكرة انفصال العبادة عن سلطة الدولة.
لم يقم جميع رموز حركة الإصلاح المسلمين بأية محاولة – بل لم يكن حتى يخطر على بالهم أن يقوموا بهذه المحاولة وهي فصل الدين عن الدولة: الشرط الذي أدركته جميع المجتمعات الغربية من أجل الشروع بالنهضة الثقافية الشاملة على مستوى الاقتصاد والعلم والتعليم وفي جميع مجالات الحياة. وإذ كان الاقتصاد في مقدمتها فإنه واحد من المحركات الفعالة للتغير والنمو.



نهاية الإسلام [1]: كلُّ منظومة قابلة للعطل - ولهذا فإنها ستعطل!

انهيار الحضارات

مقدمة هامة:
لكيلا يشوش مَنْ اعتاد ألا يفهم ما يكتبه الآخرون المخالفون لعقائدهم على قراءة الآخرين وجدت أن أشرح دلالة "النهاية" في هذا الموضوع.
لقد أثبت الفكر الحداثي عدم مصداقية جميع المنظومات الشمولية وأسقطها من الحساب. أما الحياة فقد أسقطت الأنظمة الشمولية والدكتاتورية من سلطة الثلاثين الفردية في اليونان القديمة حتى انهيار منظومة الدول الاشتراكية من الداخل - وهذا ما له أهمية كبيرة.
وقد انهارت أيضاً جميع الأيديولوجيات الشمولية النازية والفاشية وقد تحولت إلى جريمة في دساتير وقوانين الكثير من الدول الديموقراطية المعاصرة وإن وجد استثناء فأنا لا أعرفه!
وفي هذا الانهيار التاريخي وجدت نفسها الكثير من الأديان كالبوذية والهندوسية والزرادشتية وغيرها الكثير – ومن بينها الأديان الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية.
فإذا كانت اليهودية قد انحسرت في إطار إسرائيل؛ 
وإن انتشار مفهوم "اليهودي اللايهودي" في أمريكا وأروبا وكندا يعني أن النسبة الغالبة من اليهود خارج إسرائيل لم تعد لها أي ارتباط ديني باليهودية وتقتصر يهوديتهم على نوع من الارتباط العائلي وربما النفسي؛ 
وإذا ما أدى فصل الدين عن الدولة في الدول ذات الثقافة المسيحية في أمريكا وأروبا وكندا وأستراليا إلى عزل الكنيسة وسحب منها أي نوع من السلطة على الأفراد وحررت المجتمعات المسيحية من الاشتراطات الدينية المفروضة والقوانين اللاهوتية؛ 
وإذا تمت إزاحة المسيحية من الشارع والدولة والمؤسسات إلى حدود الكنيسة وحسب؛
فإنَّ هذا لا يعني إلا نهاية لمرحلة تاريخية طويلة كان الفكر الديني والشمولي والسلطة الفردية هو الحاكمُ والحُكْمُ والحَكَمُ واستحال هذا الفكر الشمولي إلى مجرد "فكر" لا يتعدى حدود الأشخاص وإن فرضه على الآخرين يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
هذه هي النهاية التي أسعى إلى الكشف عنها في مصير الإسلام. 
1.
لابدَّ أن القارئ مطلع على قوانين مرفي " Murphy's law"، وهي "قوانين" تتعامل مع منطق المفارقة والمنطق اللاشكلي من أجل رؤية ما يختفي وراء الأشياء والكلمات. ورغم أنها ليست "قوانين" علمية بالمعنى الحرفي للكلمة فإنها قابلة إلى حد ما للمقاربات الإحصائية.
فاستناداً إلى قانون مرفي الأساسي هو أن ما بين حدثين متساويين من حيث احتمالية الحدوث نظرياً فإنه من المرجح أن يحدث الأسوأ!
ولهذا فإن: 
" كلُّ مَا مِنْ شأنه أن يعطل فإنه سوف يعطل!".
2.
إن مثل هذه الفرضية تدعمها الإحصائيات وتجارب الحياة اليومية. ومن الأدلة التي تتبدى أمام أي عاقل هو أنَّ واحدة من أهم العمليات المُكْلِفَة والتي ترافق عمليات الإنتاج الصناعي (كالطائرات والسيارات وأجهزة الكومبيوتر وإطلاق الأقمار وغيرها) هي التيقن من فعالية كل نظام من الأنظمة على حدة وضمان تجنب عطله ومحاولة اختراع نظام مرافق للتنبؤ بإمكانيات العطل.
ولكن مع ذلك فإن كل نظام قابل للعطل فإنه، عاجلاً أم آجلاً، سوف يعطل!
3.
من مبادئ التفكير والتجربة العلميتين هو المبدأ التالي: إن الخطأ في العلم ذو طابع ذاتي (شخصي).
فالمصدر البشري للخطأ حقيقة يمكن البرهنة عليها تجريبياً. وهي تدعيم للحقيقة الشاملة التي ترفض خرافة "المعصومية" عن البشر وتتضمن اعترافاً صريحاً بعدم كمال العقل والتفكير الإنسانيين.
إن كمال العقل البشري له طبيعة تاريخية نسبية تتجسد بفكرة التطور الحثيث والدائم. لكن هذا الكمال يظل قضية نظرية تسبغ التفاؤل بآفاق تطور المعرفة البشرية.
ولهذا فإن الخطأ المتوقع في الأنظمة المختلفة هو نتيجة لتدخل البشر، والبشر يخطؤون.
وإن خطأهم سوف يفسد المنظومة التي هم فيها.
4.
والآن علينا أن نجمع خلاصات المنطق:
كل "منظومة" تقنية أو فكرية أو تنظيمية واجتماعية يصنعها البشر قابلة للعطل والخراب آجلاً أمْ عاجلاً وإن النسبة الكبرى من أسباب الحوادث في مجال صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية والطيران والتكنولوجيا المعقدة (كمفاعل الطاقة النوية) تكشف عن دور الخطأ البشري. والخطأ البشري ذو وجهين:
- خطأ بشري في عملية التخطيط والهندسة.
- وخطأ بشري في عملية الاستخدام والتطبيق.
- وأخطاء بسبب تقادم المنظومات.
فالخطأ البشري مكون عضوي من آليات التجربة البشرية وحتى في أرقى مستوياتها التقنية والهندسية.
وعندما نتحدث عن "منظومات" يصنعها أو يبتكرها البشر فإن الأمر يتعلق بالمستويين: الهندسي (التقني) وعلى مستوى الأفكار (الإيديولوجيا).
فإذا كانت المنظومات الهندسية والتقنية ومهما وصلت إلى درجات المهارة والإتقان العالية معرضة للخطأ والتلف والعطل، أو في أحسن الأحوال هو وجود مدة صلاحية معينة تبدأ الأخطاء بالظهور في هذه المنظومات والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى مشاكل تقنية وحوادث مأساوية، فإن المنظومات الإيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية لهي أكثر تعرضاً لأخطاء "التكوين" والأداء على حد سواء.
5.
والدين من بين أكثر المنظومات التي صنعها البشر بشريةً وهي لذلك من أكثر المنظومات المعرضة للانهيار في آن واحد. غير أن انهيار المنظومات الدينية ذو طابع بنيوي داخلي. فالخطأ الذي يبني الدين عليه عقائده هو: الوَهْم!
إلا أن انهيار الأديان يختلف بعض الشيء عن انهيار الحضارات والدول والمدن.
فانهيار الدين لا يتسم دائماً بعناصر مرئية تكشف عن هذا الانهيار كما يحصل في الحضارات والدول التي تختفي تقريباً، أو تختفي تماماً عن الأنظار. ولكن خلافاً للعلماء والمفكرين العقلانيين فإن المتدينين لا يعترفون بانهيار ما صنعوه بأنفسهم: دينهم - لأنهم لا يروه!
ومن جهة أخرى فإن الدين تصور مزيف عن العالم؛ أي أنه تصور. ولهذا فإن انهياره لا يمكن أن يُرى بالعين.
6.
ولكن مع ذلك يمكن تمييز انهيار الدين في عدد من الأمور:
- انحساره في إطار المكان وتوقف تمدده وانتشاره.
- فقدان سلطته السياسية تدريجياً وتحوله إلى عقيدة شخصية/عائلية، وفي أحسن الأحوال نشاط محصور في المعابد الدينية.
- الفقدان التدريجي للسلطة الدينية على أنصار الدين.
- انحساره في إطار دولة أو شعب أو منطقة ما.
- انحسار تأثيره المعنوي والأخلاقي – لم يعد قيمه ومثلاً للاحتذاء به.
- تنامي التناقضات اللاهوتية داخله وتحوله إلى طوائف مختلفة متعادية. وهو يفقد بذلك هيبته ومصداقيته.
- تناقضه مع متطلبات العصر والتطور.
- ظهور التمرد الداخلي بين أعضاءه والمناديين بالإصلاحات وتقديم التنازلات لصالح ضرورات العصر (أنظروا ماذا يحدث في أعتى الدول السلفية – السعودية!).
- تنامي الإصرار من قبل مراكز السلطة الدينية المدعومة من قبل الدولة على أهمية الدين والسعي إلى العودة إلى أوضاع الماضي التي لم يعد لها مبرر تاريخي. وهذا بدوره يخلق مقاومة مقابلة من قبل الدولة وممثليها – لأن الأمر يتعدى الحدود المقررة للدين من جهة، وإن هذه العودة إلى الماضي تهدد مصالحها المعاصرة!
- تنامي عدد الخارجين من الدين وتصاعد أصوات الرفض والاستهجان ضد الصيغة المتخلفة التي يحافظ عليها الدين.
- انتشار الإلحاد بصورة متزايدة ومقلقة بالنسبة لمراكز السلطة الدينية.
- تزايد الفضائح الدينية العقائدية وانتشارها خارج الطائفة الدينية وداخلها.
7.
والآن ولأنني أعرف كيف يعمل "مخ" المسلم فهو سينطُّ حالاً ويطرح السؤال التالي:
ولماذا، عجباً، لم يصبْ الانهيارُ الإسلامَ ما دمت قد قررت بأن كل نظام لابد أن يعاني من خلل يمكن النفاذ من خلاله؟
لو فكر المسلم بجدية لوجد الإجابة بنفسه:
لأنَّ العمليات التحتية الحقيقية لتدمير أركان الإسلام لم تحدث إلَّا منذ بضعة عقود قليلة. إذ كانت المجتمعات الإسلامية "مُعَلَّبة" وقد كان شرورها مختفية فيها.
فقد ساهم خروج الإرهاب من أعماق الفكر الإسلامي مساهمة فعالة في بداية العمليات التحتية لانهيار الإسلام. إذ أن البشاعات والجرائم التي قامت بها الحركات الإسلامية المتطرفة دفعت الكثير من الناس إلى التفكير وطرح الأسئلة:
أهذا هو الدين الذي كنا قد آمنا به؟!
أهذا هو "الرحمن" الذي يدعي الرحمة والعفو والعطف والحب؟!
أهذا ما ينبغي القيام به: أن نفجر محطات المترو والمقاهي والمحلات التجارية التي توجد فيها عشرات الأطفال والنساء والناس الأبرياء؟!
لا!
وقد كانت كلمة "لا" مؤلمة ومريرة بالنسبة للمسلمين أصحاب العقل اليقظ مما دفعت الكثير منهم إلى مغادرة الإسلام وأصبح الإلحاد هو البديل.
8.
لقد انهارت حضارات وأنظمة ودول وأحزاب وهيئات وتكتلات وأديان.
ويعود هذا الانهيار إلى سببين أساسيين مرتبطين ببعضهما بعلاقات داخلية:
السبب الأول هو انهيار الأسس التكوينية الداخلية التي تستند إليها كل هذه التشكيلات والكيانات السياسية والدينية والاجتماعية. فهي مبنية على افتراضات ورغائب ومصالح داخلية وعقائد غيبية لم تعد بإمكانها أن تكفي لقيام هذه الكيانات.
أما السبب الثاني فهو أن التعارض ما بين وجود هذه الكيانات ومتطلبات التطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب قد وصل حداً لم يعد بالإمكان تذليله.
والآن عليَّ أنْ أمُرَّ من خلال أصعب الأدلة:
وماذا عن المسيحية واليهودية؟
9.
كما أشرت في المقدمة إنَّ كلا الديانتين قد فقدتا صيغتهما "الإسلامية" – وهي نزوع الاستحواذ على السلطة كاملة.
فبفضل عصر التنوير وما لحقه من أحداث وتطورات درامية في أوربا ومن ثم عصر الحداثة لم تعد المسيحية ديناً "حكومياً" يوازي سلطات الدولة، بل استحال إلى "دين" فقط لا سلطة له خارج الكنيسة إلا السلطة الإيمانية على مَنْ يؤمن؛ وسقطت سلطة الدين من أغلب الدساتير الأوربية – ولم يتبق للدين إلا وجوداً أدبياً ومعنوياً في دساتير بعض الدول.
إن تخلي المسيحية عن مطالبتها بالسلطة السياسية قد ضمن لها البقاء وإن وضع المسيحية في أيامنا هذا دليل على ذلك.
أما اليهودية فهي منذ عصور بعيدة قد انغلقت على نفسها، كما أنها لم تكن في يوم ما ديانة تبشيرية – انتشارية. فاليهودية هي ديانة "شعب مختار" ولهذا لا تسعى إلى توسيع حدودها. بل إن شرط الانتماء إلى الأم قد حد من أية ميول تبشيرية.
10.
ولم يبق إلا الإسلام حاملاً لواء الحق السماوي بالتبشير والانتشار والمطالبة بالسلطة الكاملة وهذا هو واحد من مصادر انهياره المستقبلي!

للموضوع بقية . . .

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر