1.
منذ حوالي ثلاثين دقيقة (07:30 am) عدة من جولة الصباح في الغابة القريبة من بيتي.
كنت خلال التسعين دقيقة الماضية في حضرة مجموعة من الأعمال الموسيقية الألمانية والنمساوية.
بدأت جولتي في دروب الغابة الصغيرة بـ " Overtures and preludes " لريتشارد فاغنر [آمل أن تستمعوا إليها فالعنوان يتضمن الرابط].
كان الطقس بارداً بعض الشيء في مثل هذا الوقت من الصباح وثمة رياح خفيفة تهز الأشجار هنا وهناك. لكنني لم أكن أشعر بالبرد ولم أكن أسمع ما يدور حولي.
بين فترة وأخرى وفي بعض المناطق العالية من الغابة كنت أسمع خرير النهر القريب، سرعان ما ابتعدت قليلاً في الطريق الملتوي الضيق نحو اليمين فيبتعد صوت النهر وأبقى وحيداً مع فاغنر...
2.
عندما وصلت النقطة الأخيرة من جولتي وكعصفور يحط على أحد أغصان الأشجار العالية راودتني فكرة الدليل على وجود الخالق!
فجأة قفز من أمامي سنجاب صغير ثم تسلق الشجرة برشاقة مختفياً في مكان ما بعيداً في أعلى الشجرة.
ذكرني السنجاب بالمسلمين!
جميع مَنْ على الأرض أعداء لهم. السنجاب لا يميز ما بين المارين المُسَالِمِين، وأنا واحد منهم – أو هكذا أعتقد، والمؤهلين للإضرار به. إنه يهرب من أي شبح بعيد لشخص قادم. ثمة خصلة سنجابية أخرى لها صدى في الإسلام: السنجاب يقضي عمره في جمع الثمار للشتاء مخفياً إياها في الأرض. لكنه عادة ما ينسى مواقع الكثير من هذه الثمار المدفونة – فالمسلمون يجمعون (هل هي للشتاء؟) ما لا يعد ولا يحصى من الخرافات والأساطير المتناقضة عن محمد بن عبد الله وقريانه وسيرته، غير أنهم (وهذه هي الخصلة السنجابية) ينسون أنهم قد دونوها. ومثلما تتعفن الثمار السنجابية المدفونة في الأرض وتتلف، فإنَّ تناقضات أساطيرهم وخرافاتهم تستحيل عالة عليهم وعلى وجودهم.
3.
قطع السنجاب الصغير فكرتي لكن الصوت المتعالي في رأسي من موسيقى فاغنر أعادني من جديد إلى فكرة الخالق.
إذا كنتم تستمعون الآن إلى ما استمعت إليه خلال نزهتي فإن فكرة الخالق ستبدو لكم واقعية وأرضية:
ها هو صوت "الخلق" يتعالى وليس ثمة حاجة إلى البراهين.
فهل ثمة شك في ذلك؟
هل علينا أن نعيد في أذهاننا هراء البراهين العقلية الأنطولوجية أو برهان الصديقين؟!
ها هو الخالق يقف بيناً وراء موسيقاه....
4.
موسيقى فاغنر عنيفة، متوترة، تتغلغل إلى العقل موقظة فيه رؤى قد لا يتوقعها المرء، إنها تتدفق وتتعالي بقوة شلالات الماء العالية، أو كأن إعصاراً يهب.
حتى عندما تبدو وكأنَّ نوعاً من السكينة قد حلت فإنه من السهل سماع العاصفة مسبقاً.
هل تتذكرون موسيقى هجوم طائرات الهليكوبتر على القرية الفيتنامية في فيلم "القيامة الآن - Apocalypse Now"؟
إنها مقطوعة لفاغنر تحت اسمه "ركوب الفالكيري ". إن القوة التصويرية للمقطوعة والممتزجة بصوت طائرات الهليكوبتر العدائي والمرعب يعكس ببراعة عالية فظاعة الحرب والقوة الغاشمة.
5
الدانوب الأزرق: ﭬالس
في طريق العودة إلى البيت كنت في حضرة يوهان شتراوس و:" The Blue Danube ".
مررت بالنهر الصغير من جديد.
وعندما أزلت السماعتين تعالى من جديد صوت تدفق الماء بهدوء. فهو يمر هنا بمنطقة منبسطة من غير أن تعيق حركته صخور أو جذوع الأشجار الساقطة.
لا علاقة لهذا النهر بـ " The Blue Danube ". كانت محض مصادفة أن تبدأ موسيقى شتراوس عند اقترابي من الطريق المحاذي للنهر.
الآن لو يستمع أحدكم إلى المقطوعة فسوق يتفق معي أننا في حضر إله مختلف ومغاير!
إلهنا الجديد النمساوي رائق المزاج، لعوب، مرح، يتدفق حياة وحيوية.
الخالق الجديد – شتراوس، يعشق الرقص، خلافاً لرب المسلمين الذي "يفترض" أنه يستوي على عرش ما و"يفترض" أنه يراقب البشر ويسجل ذنوبهم مكشراً عن أسنانه المتسوسة!
لي صديق تشيلي (لم يعد بيننا الآن!) كان يرى بأن الناس نوعان – مهما اختلفوا دينياً وأثنيا وثقافياً وسياسياً، وسواء شاءوا أم أبوا: هم نوعان لا ثالث لهما:
نوع يبحث عن السعادة؛ ونوع حوَّل التعاسة إلى نمط حياة وأسلوب عيش!
والمسلمون من النوع الثاني من الناس.
فهل سيعشقون شتراوس؟
5.
ها أنا في البيت...
أشم رائحة القهوة من المطبخ. ..
إنها تتصاعد (أو ربما تتعالى) وكأنها موسيقى. الحق أنها أقرب إلى شتراوس من فاغنر...
وبعد أن أخذت دوشاً حاراً ولم أغتسل على طريقة الوضوء كما تغسل القطة وجهها بلعابها تكون "صَلَاتِي" الصباحية قد انتهت وعليَّ أن أبدأ العمل ...
يا للحياة الكئيبة، سيقول المجاهدون الذين آمنوا بعالم لا وجود له وبخرافات صنعوها بأنفسهم في قيظ الصحراء!
ماذا أفعل؟
هذه هي الحياة . . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق