إن مصداقية العقائد تكمن في تطبيقاتها العملية
1.
لقد أشرت في مناسبات عديدة إلى الدور الفعال للمؤسسة الدينية في الحروب. وحاولت أنَّ أقدم تفسيراً جدلياً لهذا الدور وهو أنَّ فكرة "الحق المقدس" الذي تدعيه الدول في حروبها يستند بوعي أو بغير وعي، تحت التأثير المباشر للمؤسسة الدينية أو بصمتها، إلى عقيدة دينية.
وقد تجسد هذه المبدأ بأشكال ومستويات مختلفة في حروب أوربا وبشكل خاص حربي القرن العشرين العالميتين الأولى والثانية. إذ أنه ورغم غياب الدور المباشر للمؤسسة الدينية فإن هذا المبدأ كان لا يزال قائماً خلال الحربين في إطار الثقافة المسيحية للمجتمعات التي خاضت هذه الحروب بصمت المؤسسة الدينية أو بمباركتها العلنية
2.
إلا أنَّ الحرب العالمية الثانية كشفت أيضاً عن وجه انتهازي ومهادن للكنيسة الكاثوليكية متمثلاً بشخص البابا بيوس الثاني العاشر المُمَالِي للنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا.
وفي مقال للكاهن السابق الكاتب الكاثوليكي جيمس كارول [الذي اقترحت له مقالاً سابقاً حول الاعتداءات الجنسية للكهنة الكاثوليك في موضوعي: الجرائم الأخلاقية وسط الكهنة الكاثوليك] يتحدث عن علاقة بيوس 12 بابا الفاتيكان [1939-1958] وتواطؤه مع هتلر والصمت إزاء الهولوكوست، تحت عنوان: " الهولوكوست والكنيسة الكاثوليكية".
وهذا هو المقال المشار إليه:
2.
في هذا المقال يقدم جيمس كارول عرضاً سريعاً لكتاب "بابا هتلر" لكاتب كاثوليكي آخر وهو الصحفي البريطاني جون كورنويل. وقد حظي الكتاب باهتمام واسع في أثناء صدوره عام 1999.
في هذا الكتاب سعى كورنويل إلى فحص سلوك أوجينيو باتشيلي الذي كان قبل الحرب سفيراً للفاتيكان في ألمانيا ومن ثم البابا بيوس الثاني عام 1939 بعد وأثناء الحقبة النازية.، مستكشفاً التهمة المتعلقة بدور البابا بيوس الثاني بإضفاء الشرعية على الزعيم النازي أدولف هتلر.
وفي الكتاب سعى كورنويل من خلال المصادر والوثائق البرهنة على أن مهمة بيوس الثاني بأكملها بصفته سفيرًا لألمانيا ووزيراً لخارجية الكاردينال، ومن ثم رئس الكنيسة الكاثوليكية، قد تميزت بالرغبة في زيادة قوة السلطة البابوية وتعميق مركزتيها وإخضاع المعارضة الكاثوليكية للنازية لتحقيق هذا الهدف.
3.
يقول جيمس كارول بصدد كتاب "بابا هتلر" إن بيوس الثاني عشر وعلى الضد من الصورة التقليدية للبابا الذي يستحق القداسة فإن كورنويل يروي قصة متلاعب نرجسي متعطش للسلطة إلى الدرجة التي كان مستعدًا فيها للكذب وللاسترضاء والتعاون مع النازية من أجل تحقيق هدفه الخاص الذي لم يكن إنقاذ البشر أو حتى لحماية الكنيسة الكاثوليكية، بل حماية وتعزيز السلطة البابوية.
وقد تحول بيوس الثاني عشر على حد قول كورنويل "إلى بيدق بيد هتلر، إلى بابا هتلر".
[البابا بيوس الثاني عشر: بابا هتلر!]
4.
يُعرِّف القانون الكنسي الذي صدر عام 1917 (وقد كان باتشيلي – البابا القادم أحد الاثنين اللذين عملا على هذا القانون)
سلطة البابا بأنها "السلطة القضائية العليا والتامة في جميع الجوانب المتعلقة بالكنيسة – سواء كانت في الأمور المتعلقة بالإيمان والأخلاق أو تلك التي تتعلق بالانضباط وحكومة الكنيسة في جميع أنحاء العالم ".
إنَّ هذا النزوع المخيف نحو هذه السلطة للبابا الذي تسلم مقاليد الفاتيكان عام 1939 لهو في أمس الحاجة إلى الوجود والبقاء من أجل ممارسة هذه السلطة إلى النازية والفاشية على حد سواء؟
كانت ألمانيا أهم دولة كاثوليكية في أوروبا في فترة الحرب العالمية الأولى رغم أن أغلبيتها من البروتستانت. وبعد فترة قصيرة من تنصيب باتشيلي باعتباره سفيراً بابوباً في ألمانيا يشير كورنويل بأن مهمة البابا القادم كانت لم تكن غير فرض قانون عام 1917 الكنسي المتضمن السلطة البابوية على الأساقفة ورجال الدين المؤمنين العاديين الكاثوليك. وتحقيقاً لهذا الغرض بدأ باتشيلي بإعادة التفاوض على الاتفاقيات التي كانت قائمة مع السلطات الإقليمية على أمل التوصل إلى اتفاق شامل مع الدولة الألمانية بصورة عامة من أجل تعزيز سلطة الفاتيكان وخصوصاً بما يتعلق بتعيين الأساقفة.
5.
ما الذي يفسر سلوك البابا في زمن الحرب: صمته على فضائع النازية سواء ضد اليهود أو تلك التي ضد بولندا الكاثوليكية مثلاً؟ وما الذي يفسر جهوده المتكررة لمنع الحلفاء من قصف روما في الوقت الذي لم يبذل أي جهد بالعلاقة مع مدن أخرى؟
وكيف يمكن تفسير دعم بيوس الثاني عشر بصورة واضحة وملحة للقومية الكاثوليكية في كرواتيا وقد استمر بدعمه هذا حتى بعد أن أتضحت سياسية الإبادة الجماعية لنظام Ustache.
إنه الجبن واللامبالاة إزاء معاناة الأبرياء. فهوس السلطة بالنسبة له هو كل شيء وهذا من أهم عوامل فشله التاريخي باعتباره بابا.
للمزيد من المعلومات حول الموضوع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق