منع

نهاية الإسلام [1]: كلُّ منظومة قابلة للعطل - ولهذا فإنها ستعطل!

انهيار الحضارات

مقدمة هامة:
لكيلا يشوش مَنْ اعتاد ألا يفهم ما يكتبه الآخرون المخالفون لعقائدهم على قراءة الآخرين وجدت أن أشرح دلالة "النهاية" في هذا الموضوع.
لقد أثبت الفكر الحداثي عدم مصداقية جميع المنظومات الشمولية وأسقطها من الحساب. أما الحياة فقد أسقطت الأنظمة الشمولية والدكتاتورية من سلطة الثلاثين الفردية في اليونان القديمة حتى انهيار منظومة الدول الاشتراكية من الداخل - وهذا ما له أهمية كبيرة.
وقد انهارت أيضاً جميع الأيديولوجيات الشمولية النازية والفاشية وقد تحولت إلى جريمة في دساتير وقوانين الكثير من الدول الديموقراطية المعاصرة وإن وجد استثناء فأنا لا أعرفه!
وفي هذا الانهيار التاريخي وجدت نفسها الكثير من الأديان كالبوذية والهندوسية والزرادشتية وغيرها الكثير – ومن بينها الأديان الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية.
فإذا كانت اليهودية قد انحسرت في إطار إسرائيل؛ 
وإن انتشار مفهوم "اليهودي اللايهودي" في أمريكا وأروبا وكندا يعني أن النسبة الغالبة من اليهود خارج إسرائيل لم تعد لها أي ارتباط ديني باليهودية وتقتصر يهوديتهم على نوع من الارتباط العائلي وربما النفسي؛ 
وإذا ما أدى فصل الدين عن الدولة في الدول ذات الثقافة المسيحية في أمريكا وأروبا وكندا وأستراليا إلى عزل الكنيسة وسحب منها أي نوع من السلطة على الأفراد وحررت المجتمعات المسيحية من الاشتراطات الدينية المفروضة والقوانين اللاهوتية؛ 
وإذا تمت إزاحة المسيحية من الشارع والدولة والمؤسسات إلى حدود الكنيسة وحسب؛
فإنَّ هذا لا يعني إلا نهاية لمرحلة تاريخية طويلة كان الفكر الديني والشمولي والسلطة الفردية هو الحاكمُ والحُكْمُ والحَكَمُ واستحال هذا الفكر الشمولي إلى مجرد "فكر" لا يتعدى حدود الأشخاص وإن فرضه على الآخرين يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
هذه هي النهاية التي أسعى إلى الكشف عنها في مصير الإسلام. 
1.
لابدَّ أن القارئ مطلع على قوانين مرفي " Murphy's law"، وهي "قوانين" تتعامل مع منطق المفارقة والمنطق اللاشكلي من أجل رؤية ما يختفي وراء الأشياء والكلمات. ورغم أنها ليست "قوانين" علمية بالمعنى الحرفي للكلمة فإنها قابلة إلى حد ما للمقاربات الإحصائية.
فاستناداً إلى قانون مرفي الأساسي هو أن ما بين حدثين متساويين من حيث احتمالية الحدوث نظرياً فإنه من المرجح أن يحدث الأسوأ!
ولهذا فإن: 
" كلُّ مَا مِنْ شأنه أن يعطل فإنه سوف يعطل!".
2.
إن مثل هذه الفرضية تدعمها الإحصائيات وتجارب الحياة اليومية. ومن الأدلة التي تتبدى أمام أي عاقل هو أنَّ واحدة من أهم العمليات المُكْلِفَة والتي ترافق عمليات الإنتاج الصناعي (كالطائرات والسيارات وأجهزة الكومبيوتر وإطلاق الأقمار وغيرها) هي التيقن من فعالية كل نظام من الأنظمة على حدة وضمان تجنب عطله ومحاولة اختراع نظام مرافق للتنبؤ بإمكانيات العطل.
ولكن مع ذلك فإن كل نظام قابل للعطل فإنه، عاجلاً أم آجلاً، سوف يعطل!
3.
من مبادئ التفكير والتجربة العلميتين هو المبدأ التالي: إن الخطأ في العلم ذو طابع ذاتي (شخصي).
فالمصدر البشري للخطأ حقيقة يمكن البرهنة عليها تجريبياً. وهي تدعيم للحقيقة الشاملة التي ترفض خرافة "المعصومية" عن البشر وتتضمن اعترافاً صريحاً بعدم كمال العقل والتفكير الإنسانيين.
إن كمال العقل البشري له طبيعة تاريخية نسبية تتجسد بفكرة التطور الحثيث والدائم. لكن هذا الكمال يظل قضية نظرية تسبغ التفاؤل بآفاق تطور المعرفة البشرية.
ولهذا فإن الخطأ المتوقع في الأنظمة المختلفة هو نتيجة لتدخل البشر، والبشر يخطؤون.
وإن خطأهم سوف يفسد المنظومة التي هم فيها.
4.
والآن علينا أن نجمع خلاصات المنطق:
كل "منظومة" تقنية أو فكرية أو تنظيمية واجتماعية يصنعها البشر قابلة للعطل والخراب آجلاً أمْ عاجلاً وإن النسبة الكبرى من أسباب الحوادث في مجال صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية والطيران والتكنولوجيا المعقدة (كمفاعل الطاقة النوية) تكشف عن دور الخطأ البشري. والخطأ البشري ذو وجهين:
- خطأ بشري في عملية التخطيط والهندسة.
- وخطأ بشري في عملية الاستخدام والتطبيق.
- وأخطاء بسبب تقادم المنظومات.
فالخطأ البشري مكون عضوي من آليات التجربة البشرية وحتى في أرقى مستوياتها التقنية والهندسية.
وعندما نتحدث عن "منظومات" يصنعها أو يبتكرها البشر فإن الأمر يتعلق بالمستويين: الهندسي (التقني) وعلى مستوى الأفكار (الإيديولوجيا).
فإذا كانت المنظومات الهندسية والتقنية ومهما وصلت إلى درجات المهارة والإتقان العالية معرضة للخطأ والتلف والعطل، أو في أحسن الأحوال هو وجود مدة صلاحية معينة تبدأ الأخطاء بالظهور في هذه المنظومات والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى مشاكل تقنية وحوادث مأساوية، فإن المنظومات الإيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية لهي أكثر تعرضاً لأخطاء "التكوين" والأداء على حد سواء.
5.
والدين من بين أكثر المنظومات التي صنعها البشر بشريةً وهي لذلك من أكثر المنظومات المعرضة للانهيار في آن واحد. غير أن انهيار المنظومات الدينية ذو طابع بنيوي داخلي. فالخطأ الذي يبني الدين عليه عقائده هو: الوَهْم!
إلا أن انهيار الأديان يختلف بعض الشيء عن انهيار الحضارات والدول والمدن.
فانهيار الدين لا يتسم دائماً بعناصر مرئية تكشف عن هذا الانهيار كما يحصل في الحضارات والدول التي تختفي تقريباً، أو تختفي تماماً عن الأنظار. ولكن خلافاً للعلماء والمفكرين العقلانيين فإن المتدينين لا يعترفون بانهيار ما صنعوه بأنفسهم: دينهم - لأنهم لا يروه!
ومن جهة أخرى فإن الدين تصور مزيف عن العالم؛ أي أنه تصور. ولهذا فإن انهياره لا يمكن أن يُرى بالعين.
6.
ولكن مع ذلك يمكن تمييز انهيار الدين في عدد من الأمور:
- انحساره في إطار المكان وتوقف تمدده وانتشاره.
- فقدان سلطته السياسية تدريجياً وتحوله إلى عقيدة شخصية/عائلية، وفي أحسن الأحوال نشاط محصور في المعابد الدينية.
- الفقدان التدريجي للسلطة الدينية على أنصار الدين.
- انحساره في إطار دولة أو شعب أو منطقة ما.
- انحسار تأثيره المعنوي والأخلاقي – لم يعد قيمه ومثلاً للاحتذاء به.
- تنامي التناقضات اللاهوتية داخله وتحوله إلى طوائف مختلفة متعادية. وهو يفقد بذلك هيبته ومصداقيته.
- تناقضه مع متطلبات العصر والتطور.
- ظهور التمرد الداخلي بين أعضاءه والمناديين بالإصلاحات وتقديم التنازلات لصالح ضرورات العصر (أنظروا ماذا يحدث في أعتى الدول السلفية – السعودية!).
- تنامي الإصرار من قبل مراكز السلطة الدينية المدعومة من قبل الدولة على أهمية الدين والسعي إلى العودة إلى أوضاع الماضي التي لم يعد لها مبرر تاريخي. وهذا بدوره يخلق مقاومة مقابلة من قبل الدولة وممثليها – لأن الأمر يتعدى الحدود المقررة للدين من جهة، وإن هذه العودة إلى الماضي تهدد مصالحها المعاصرة!
- تنامي عدد الخارجين من الدين وتصاعد أصوات الرفض والاستهجان ضد الصيغة المتخلفة التي يحافظ عليها الدين.
- انتشار الإلحاد بصورة متزايدة ومقلقة بالنسبة لمراكز السلطة الدينية.
- تزايد الفضائح الدينية العقائدية وانتشارها خارج الطائفة الدينية وداخلها.
7.
والآن ولأنني أعرف كيف يعمل "مخ" المسلم فهو سينطُّ حالاً ويطرح السؤال التالي:
ولماذا، عجباً، لم يصبْ الانهيارُ الإسلامَ ما دمت قد قررت بأن كل نظام لابد أن يعاني من خلل يمكن النفاذ من خلاله؟
لو فكر المسلم بجدية لوجد الإجابة بنفسه:
لأنَّ العمليات التحتية الحقيقية لتدمير أركان الإسلام لم تحدث إلَّا منذ بضعة عقود قليلة. إذ كانت المجتمعات الإسلامية "مُعَلَّبة" وقد كان شرورها مختفية فيها.
فقد ساهم خروج الإرهاب من أعماق الفكر الإسلامي مساهمة فعالة في بداية العمليات التحتية لانهيار الإسلام. إذ أن البشاعات والجرائم التي قامت بها الحركات الإسلامية المتطرفة دفعت الكثير من الناس إلى التفكير وطرح الأسئلة:
أهذا هو الدين الذي كنا قد آمنا به؟!
أهذا هو "الرحمن" الذي يدعي الرحمة والعفو والعطف والحب؟!
أهذا ما ينبغي القيام به: أن نفجر محطات المترو والمقاهي والمحلات التجارية التي توجد فيها عشرات الأطفال والنساء والناس الأبرياء؟!
لا!
وقد كانت كلمة "لا" مؤلمة ومريرة بالنسبة للمسلمين أصحاب العقل اليقظ مما دفعت الكثير منهم إلى مغادرة الإسلام وأصبح الإلحاد هو البديل.
8.
لقد انهارت حضارات وأنظمة ودول وأحزاب وهيئات وتكتلات وأديان.
ويعود هذا الانهيار إلى سببين أساسيين مرتبطين ببعضهما بعلاقات داخلية:
السبب الأول هو انهيار الأسس التكوينية الداخلية التي تستند إليها كل هذه التشكيلات والكيانات السياسية والدينية والاجتماعية. فهي مبنية على افتراضات ورغائب ومصالح داخلية وعقائد غيبية لم تعد بإمكانها أن تكفي لقيام هذه الكيانات.
أما السبب الثاني فهو أن التعارض ما بين وجود هذه الكيانات ومتطلبات التطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب قد وصل حداً لم يعد بالإمكان تذليله.
والآن عليَّ أنْ أمُرَّ من خلال أصعب الأدلة:
وماذا عن المسيحية واليهودية؟
9.
كما أشرت في المقدمة إنَّ كلا الديانتين قد فقدتا صيغتهما "الإسلامية" – وهي نزوع الاستحواذ على السلطة كاملة.
فبفضل عصر التنوير وما لحقه من أحداث وتطورات درامية في أوربا ومن ثم عصر الحداثة لم تعد المسيحية ديناً "حكومياً" يوازي سلطات الدولة، بل استحال إلى "دين" فقط لا سلطة له خارج الكنيسة إلا السلطة الإيمانية على مَنْ يؤمن؛ وسقطت سلطة الدين من أغلب الدساتير الأوربية – ولم يتبق للدين إلا وجوداً أدبياً ومعنوياً في دساتير بعض الدول.
إن تخلي المسيحية عن مطالبتها بالسلطة السياسية قد ضمن لها البقاء وإن وضع المسيحية في أيامنا هذا دليل على ذلك.
أما اليهودية فهي منذ عصور بعيدة قد انغلقت على نفسها، كما أنها لم تكن في يوم ما ديانة تبشيرية – انتشارية. فاليهودية هي ديانة "شعب مختار" ولهذا لا تسعى إلى توسيع حدودها. بل إن شرط الانتماء إلى الأم قد حد من أية ميول تبشيرية.
10.
ولم يبق إلا الإسلام حاملاً لواء الحق السماوي بالتبشير والانتشار والمطالبة بالسلطة الكاملة وهذا هو واحد من مصادر انهياره المستقبلي!

للموضوع بقية . . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر