منع

عن الأدلة "الحسية" والمنطق الانتقائي وانتظار مجيء الله وأشياء أخرى

[مشهد من مسرحي "في انتظار غودو:]

1.
إذا ادعى أحد بأنه قد اتصل بي تلفونياً فإنني سأجد معلومات عن ساعة وتاريخ الاتصال في جهاز التلفون.
وإذا ادعى أحد بأنه زارني في البيت لكنه لم يجدني، فإنه لابد أن يكون قد ترك رسالة ما على الباب.
وإذا ما كان هذا الشخص يمتلك مفتاح بيتي، فإنني من غير شك سأجدُ بعض الآثار لتواجد هذا الشخص في البيت - بل هو الذي سيتركها عمداً حتى يخبرني بأنه كان في البيت (طبعاً هذا مثال سابق على ظهور التلفون النقال بآلاف السنين!). أما إذا كان لصاً، تسلل خفية، فإنني سأعرف بوجوده من خلال المفقودات!
وإذا كانت قد هبت خلال الليل عاصفة مدمرة لكنني كنت تحت تأثير دواء مخدر (!)، مثلاً، فأنا سأرى مخلفات العاصفة من خلال الأشجار المُقْتَلَعة وفي الأضرار الواضحة على سقوف البيوت وغيرها الكثير.
وإذا كانت السماء قد مطرت ثلجاً خلال نومي بعد منتصف الليل ولم أشعر بذلك (!)، فأنا في الصباح عند الذهاب إلى عملي سأرى كيف يغطي الثلجُ الشوارعَ وسقوف البيوت والسيارات.
ولحد الآن أتحدث عن أحداث يومية بسيطة يقودني المنطق إلى حقيقة حدوثها رغم أنني لم أكن شاهداً. والسبب بسيط للغاية: لأنها تترك آثاراً تخبرني عن نفسها.
فكل حدث يترك أثراً يمكن اكتشافه بطريقة أو أخرى. وإذا ما استخدمنا لغة التحقيقات الجنائية فإن كل فاعل جرمي يترك توقعيه على مكان الجريمة!
ونحن لا نرى بعض التفاعلات الكيميائية ولكننا نستطيع رؤية نتائجها.
كما أننا لا نرى حركة الأرض حول الشمس ولكن نستطيع إدراك وتلمس واختبار هذه الحركة بوسائل بسيطة أو معقدة.
بل نحن نستطيع معرفة مسار النمل عن طريق الإنزيمات التي يتركها على مساره.
هل من الضروري الاستمرار بسرد حقائق الحياة البسيطة؟!
وها نحن نأتي إلى مشكلة "الله"، وعندما أقول "مشكلة"، فإنني أعني مشكلة المؤمنين. فقد آمنوا بشيء من غير تروٍ ولا دراية ثم اكتشفوا فيما بعد بأنهم عاجزون عن البرهنة على وجوده!
2.
حسناً، هل خاطب هذا "الإله المُدَلَّل" (هو مدلل لأنه لا ينجز البرهنة على وجوده بنفسه!) البشر في يوم ما أم لم يخاطب أحداً قطُّ؟
في القضية احتمالان: إما أنه كان قد اتصل بالبشر (ولن يره أحد، كاللص المتسلسل) وإما لم يتصل بأحد مطلقاً.
- فإذا كان "الله" قد نزل من حيث "يستوي على عرشه" وقرر مخاطبة البشر فما هو الدليل على ذلك؟
إن لعبة الأدلة التي يستلها المسلمون من "القريان" و"الحديث" هي لعبة مملة، عليهم لعبها وحدهم مع أنفسكم إن شاؤوا، ولكن لا تقترحوها علينا!
عليهم تقديم دليل"حسي" واحد أن إلههم كان هنا على الأرض خلال تاريخ دام مئات الآلاف من السنين. أنا لا أتحدث عن حقبة يوم واحد حيث يصعب تقديم الأدلة على مخاطبته للبشر، بل تاريخ عظيم لا نستطيع، نحن البشر، حتى تصوره.
نريد أدلة قابلة للاختبار والتحليل حتى لو بلغت أقل من 0.1 % من الأدلة التي في حوزتنا على وجود وحياة ولغة السومريين؟
نريد أدلة قابلة للاختبار والتحليل حتى لو بلغت أقل من 0.1 % من الأدلة على وجود وحياة ودمار الديناصورات؟
نريد أدلة قابلة للاختبار والتحليل حتى لو بلغت أقل من 0.1 % من الأدلة على وجود سلالات الملوك الذين حكموا بابل وأكد وآشور؟
إنه ربكم، يا جماعة، الذي تطلقون عليه ألقابا تكاد اللغة تعجز عن التعبير عنها من تعابير العظمة والعلم والحكمة، فلماذا تعجزون عن تقديم الدليل على أنه كان هنا في يوم ما؟
إن البرهنة على وجوده هي قضية المسلمين وليس قضيتنا!
ليتمتعوا بحسن العقل والحكمة ولينهوا هذه المشكلة: 
- اعطونا دليلاً حسياَ، كما تطالبونا أنتم بها، على أن ربكم كان هنا، أو خاطب بشراً.
أكرر: دليلاً وليس آية قرآنيه من نوع "إن الله على كل شيء قدير"!
الجواب:
-صمت ....
3.
لا أريد أن أبالغ في غياب المسعى من جانب المسلمين في توليف بعض الحكايات عن مخاطبة "الله" لعباده. فقد بذلوا ما في وسعهم، لكن مساعيهم، لسوء حظهم، لم تثمر إلا عن حكايات في غاية الضعف التقني والتماسك والمصداقية (ابذلوا جهداً أكبر لوسمحتم!).
فاليهود قالوا أن الله كلم موسى على الجبل (طبعاً من وراء ستار، غبار، ضباب، دخان – لا أحد يعلم!). ولم تفلح توسلات موسى لرؤية الله "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ"!
إما المسيحيون فإن حكايتهم أكثر تطوراً ودرامية وفيها الكثير من تقنيات الأدب الإغريقي فجعلوا يسوع ابناً لله (يعطيكم العافية!). ومن المنطقي في هذه الحالة أن يرى ويكلم الابن أباه؟!
طوبا لمن كلَّمَ أباه في البرية،
فحدثه عن نفسه وآلامه!
وجهاً لوجه كانا،
وحين سالت دموع "يسوع" على خديه،
اقترب منه أبوه واحتضن رأسه.
طوبا للأب،
طوبا للابن!
[ملاحظة: هذا كلام من عندي]
4.
ثم جاء دور محمد [هنا تغص البشرية بالعبرات]:
لقد كان أضعف نقطة في سلسلة الأنبياء الإبراهيميين. وهذا أمر نأسف له، ولكن ليس في اليد حيلة. فهو كان بعيداً جداً عن ربه ولم يسمح له حتى بالإقتراب أو تكليمه. بل أن أهل السماء (في معراجه!) من السماء الأولى إلى السابعة لم يتعرفوا عليه وقد كانوا يجهلونه تماماً ويجهلون اسمه ولولا جبرائيل (والحمد لله) لطروده من هناك.
قلت لم يسمح له حتى بالإقتراب أو تكليمه. لأنهم كما يروون لنا في حدوتة المعراج وحين دنا من سدرة المنتهى فإنه قد " دَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى". وها هم كالعادة يتملصون "بالكلام" فلو كان الأمر كما قالوا قد اقترب منه" قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى"، فلماذا لم يكلمه بل "أَوْحَى إِلَيْه"؟
وكما يقول لنا المفسرون بأن "قَابَ قَوْسَيْنِ" هو : قدر قوسين، و "أَوْ أَدْنَى " أي: أقرب من القوسين، وهذا كما يقولون يدل على كمال المباشرة "للرسول" بالرسالة، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل "عليه السلام!". فهل كان "قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" من ربه أم من جبريل؟
[الحق أن الأمر لا يهمني لا من قريب ولا من بعيد]
5.
في انتظار غودو
من فضاءات الثقافة العالمية:
"لا شيء يحدث لا أحد يجيء"!
هذا هو جوهر فكرة واحدةٍ من أشهر الأعمال المسرحية في القرن العشرين: "في انتظار غودو" 1952 للكاتب الفرنسي صموئيل بيكيت. وعند ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية أطلق عليها أحد النقاد الإنجليز مصطلح "مسرح العبث". وقد ظل هذا المصطلح قائماً حتى الآن.
وكما يبدو من العنوان فإن هناك من ينتظر "غودو" (ألا يذكركم غودو هذا بغودو آخر Godot ؟ ) وهما فلاديمير وأسترغون، وهما يتكلمان بكل ما يخطر على بالهما، وفي بعض الأحيان يقعان في تكرار ممل، ولا هدف لهما غير انتظار غودو Godot
ثم تأتي شخصيات أخرى، وتشترك هي أيضاً في الكلام عن قدوم "غودو" ثم تغادر مثلما جاءت. وبعد ذلك يغادر الجميع وتبقى خشبة المسرح فارغة إلا من شجرة بلا أغصان والعديد من الأسئلة العالقة في فضاء تفكير المتفرجين:
من هو "غودو Godot
هل هذا هو اسمه الحقيقي؟
هل جاء في لحظة ما ولم يره أحد؟
وإذا لم يجيء لحد الآن فهل سيأتي في لحظة ما بعد أن يغادر الجميع؟
بغض النظر عن الإجابة وعدم الإجابة فإن ما هو غير قابل للنقاش شيء واحد لا غير:
لا شيء يحدث لا أحد يجيء!
هل وصلت الرسالة؟
انتظروا مجيئه!
أتمنى لكم التوفيق في انتظاركم!

فكر لحظة!

ملصق بالأسود والأبيض: سجن العقل

1.
فَكِّرْ لَحْظَةً!
فَالأمْرُ جِدٌ بَسِيطْ:
لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤَهِّلَاتٍ أكَادِيمِيِّةْ
بلْ لَا يَقْتَضِي حَتَّى رُسُومَاً مَالِيَّةْ!
فَكِّرْ لَحْظَةً!
فَالتَّفْكِيرُ لا يُسَبِّبُ أي َّأذِيَّةْ
التَّفْكِيرُ، يَا سَيِّدِي، خَصْلَةٌ بَشَرِيَّةْ
2.
فَكِرْ لَحْظَةً!
مِنْ غَيْرِ لَفٍّ أوْ دَوَرَانْ
مِنْ غَيْرِ أنْ تُفَكِّرَ بِالجِيرَانْ
فَالأمْرُ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةْ
انْسَ كلام النَّاسْ!
انْسَ الكُتُبَ المَدْرَسِيَّةْ
وَاسْألْ نَفْسَكَ مَرَّةً:
هَلْ رَأيْتَ اللهَ فِي يَوْمٍ مَا؟
هَلْ سَمِعْتَ صَوْتَهَ؟
هَلْ وَقَفَ يوماً في صَفَّكّ
هَلْ شعرت بآثاره العلوية؟!
3.
لا تَخْجَلْ مِنْ عَدَالَةِ الجَوَابْ!
لا تَرْتَعِبْ!
فَأنْتَ وَحْدَكَ الآنْ ـ
وَلا تَنْسَ أبَدَاً:
أنْتَ جَوْهَرُ القَضِيَّةْ!
لا تُفّكِّرْ بالآخَرِينْ!
الأمْرُ جِدً بَسِيطْ
فَهُوَ لَيْسَ قَضِيَّةً دِينِيَّةْ،
4.
فَكِّرْ بِمَا حَوْلَكَ!
فَكِّرْ بالحقائقِ اليَوْمِيَّةْ:
هَلْ حَفَظَتْكَ الصَّلاةُ مِنَ الحِرْمَانْ؟
هَلْ حصَّنَ الحجُّ أطفالكَ من آفَاتِ الزَّمانْ؟
وهَلْ أنْقَذَكَ من بَلايَا السَّرطانْ؟
أوْ حَوادِثَ المُرُورِ وَظُلْمِ السُّلْطَانْ؟
5.
فَكِرْ لَحْظَةً!
لا تَنْظُر إلى السَّمَاءْ!
فالسَّمَاءُ قَضِيَّةٌ نِسْبِيَّةْ
أنْظُرْ إلى نَفْسَكَ!
فَكِّرْ بِمَا حَوْلَكَ!
فَكِّرْ بِمَا تَرَاهُ عَبَرَ النَّافِذَةْ،
فَكِّرْ بِتَارِيخِ العَائِلَةْ:
هَلْ رأيتَ اللهَ في مِكِانْ؟
وَهَلْ سَمِعْتَ في يومٍ مَا،
إنَّهُ أعْلَى مِنَ الإرَادَةِ المَلَكِيَّةْ؟
6.
أنْتَ حُرٌ يا أخِي، قَرِّرْ مَا تَشَاءْ!
فَالأمْرُ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةْ
غَيرَ أنَّكَ لا تَنْسَ:
لا غَيْرُكَ سَيَكُونُ الضَحِيَّةْ!



المسلمون والشيطان (2): العلاج من الشيطان

مقدمة عامة:
ينبغي التأكيد مسبقا، إنَّ مناقشتنا لمكانة الشيطان في الإسلام لا علاقة لها بموقفنا من "الله" و"الوحي" و"عقائد المسلمين". فمصدر اهتمامنا ينبع من محاولات الكشف عن "الوجه الآخر" الذي تتراكم فوقه أطنان من الكلام وتخفي تهافت الفكر الديني الإسلامي  من جهة، والبرهنة على أنَّ الدين ليس شيئاً آخر غير وعي معكوس للعالم. إذ أن هذا الفكر يناقض أبسط حالات العقل ومستوياته ليس بصورة لاواعية فقط، بل وتجنيد كلَّ ما تبقى من هذا الوعي .
1.
تكاد "لعبة الشيطان" هذه أن تكون هي الوسيلة الكبرى الضاغطة على وعي البسطاء والأميين، أو أولئك الذين لا يختلفون عنهم من حملة الشهادات والألقاب العلمية، المنتسبين إلى هذه الأديان. وهذا ما نراه واضحاً من الاهتمام الواسع والمركز والمتعدد الوجوه على نشر المؤلفات والتعاويذ والتقنيات المختلفة لطرد "الشيطان" والتحصن ضده، كما أن شبكة الإنترنت تعجُّ بها.
2.
وليس مدعاة للدهشة أن تقرأ لـ "دكتور!" في علم النفس يتحدث عن الفرق ما بين "وسواس الشيطان والوسواس القهري"! فالوسواس من الشيطان،كما يقول "الخبير!" في "علم نفس الشيطان"، هي أفكار سلبية متعددة يفكر فيها الإنسان من وقت لآخر "يلقي بها الشيطان في نفس الإنسان" (تذكروا كيف ألقى الشيطان في أمنية محمد آية الغرانيق) حتى تثبطه عن عمل الصالحات. أما الوسواس القهري، كما يواصل الخبير في "علم نفس الشيطان"،  فهو من الأمراض النفسية المصنفة تحت الأمراض العصبية .. الخ من الكلام[1]!
أمَّا صفحات التعاويذ من هذا "الشيطان الرجيم" فإن شبكة الإنترنت تكاد تتحول إلى طوفان يُغرق القراء العرب ويطيح بما تبقى من عقولهم في غياهب الجهل والخرافة.
3.
ولكن، مع ذلك، من هو "الشيطان"؟
إنَّ شخصية "الشيطان" في الأديان والعقائد الأسطورية التي ظهرت في مختلف بقاع الشرق الأوسط كانت الوجه الآخر "للرَّحْمَن"[2]. فمثلما هي المعادل الموضوعي "للشرير" المُنَاقِض للربِّ "العادل والطيب"، هو أيضاً تعبير عن قوى الظلام والغواية. بل يكاد "الشيطان" هو السبب الذي ظهر "الرَّحمن" من أجل محاربته. ولهذا وكما صنع الإنسانُ الدينَ، فإنه يمكن أن نضيف إلى أنه  قد صنع الشيطان. فهي صناعة ليست أقلَّ بشرية من صناعة "الله".
4.
ففي البدء كان "الشيطان"، ثم ظهر الربُّ لمحاربته! إذ من العبث أن يأتي الشيطان لاحقاً!
فهو إذن وَهْمٌ، مثلما الوجه الآخر/الله وَهْمٌ! ولا وجود له من غير وجود "ربٍّ" يقف له في المحراب ويقوض خططه ومقاصده الشريرة لخلاص البشر. 
ولهذا فإنَّ على البشر أنْ يكونوا شاكرين لوجود الله الذي لولاه لأفسَدَ "الشيطان" في الأرض فساداً لا رجعة منه!
5.
فما العمل إذن؟
هل نخطو "خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف"، والكل يعرف إلى أين قادَ هذه المبدأ، أمْ نخطو خطوة واحدة إلى الأمام لا غير! 
خطوة خطتها البشرية في عدد لا يحصى من بقاع الأرض وفي جميع القارات؟
فكيف يمكن محاربة "الشيطان" وسخافات التعاويذ محاربة حقيقة والتخلص منه "ومن شروره" نهائياً؟!
ـ تخلصوا من وَهْمِ الرَّحْمَن!
وكيف يمكن الوصول إلى هذا الخلاص؟
إنَّ الخطوة بسيطة للغاية: استخدام ما نملكه ولا حاجة للبحث عنه:
إنَّهُ العَقْلَ، ذلك الغائبُ الحَاضِر!
هو وحده، ولا شيءَ غيره، حَمَلَ البشرَ على ظهره وعَبَرَ بهم كل صعاب التاريخ البشري وانتقل بهم من ظلمات العدم إلى نور الوجود!
هو وحده، ولا شيءَ غيره، أخذ بيد البشر وحولهم من عبيد لطبيعة ملغزة ومغلقة على نفسها إلى ملكوت الحرية: إدراك قوانينها والسيطرة على ظواهرها!
هذه ليست نظرية!
هذه ليست حتى قضية للمحاججة المنطقية: 
لننظر حولنا ولنرى إلى أين وصل البشر في تطورهم وفي عملية البحث عن حلول لمشكلات الطبيعة وتذليل ظواهرها المدمرة؟
6.
هذا هو الاختيار:
أمَّا العقل ...
 وإمَّا الجهل والعيش في "ملكوت الأوهام" سعداء رغم الكوارث الاقتصادية والسياسية والمآسي البشرية التي يكاد لا يوجد شعب واحد يعتنق الإسلام لم يمر بها، أو لايزال يمر بها، مُعَرِّضَةً وجوده التاريخي للهلاك! ولن اعطي أية أمثلة: 
ـ يكفي أنْ تَكْتُبَ اسمَ "دولة إسلامية" في مُحَرِّك البحث "جوجل" وستري النتائج!
 

 
[1]  صفحة اليوم السابع: " د. أحمد عبد الحي يكتب الفرق بين وسواس الشيطان والوسواس القهرى": السبت، 22 يناير 2011 09:34 م.
[2]  تكاد أن تكون كلمة "الرحمن" هي التسمية المشتركة بين جميع العقائد الدينية، وخصوصاً تلك التي تسمى بالأديان الإبراهيمية، لفكرة "الله". وهي في الإسلام لا تعني إلا هذا المعنى، بغض النظر عن إصرار المفسرين باعتبارها واحدة من صفات لله، كما يفسرونها عادة في عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم".
 


المسلمون والشيطان [1]: تقنية التحذير من الشيطان

مقدمة عامة:
ينبغي التأكيد مسبقا، إنَّ مناقشتنا لمكانة الشيطان في الإسلام لا علاقة لها بموقفنا من "الله" و"الوحي" و"عقائد المسلمين". فمصدر اهتمامنا ينبع من محاولات الكشف عن "الوجه الآخر" الذي تتراكم فوقه أطنان من الكلام وتخفي تهافت الفكر الديني الإسلامي  من جهة، والبرهنة على أنَّ الدين ليس شيئاً آخر غير وعي معكوس للعالم. إذ أن هذا الفكر يناقض أبسط حالات العقل ومستوياته ليس بصورة لاواعية فقط، بل وتجنيد كلَّ ما تبقى من هذا الوعي .
1.
على المسلم أن يعترف بواحد من الاحتمالين التاليين:
إمَّا أنَّ ما تقوله الكتب عن "الوحي" و"الله" و"محمد" مجرد كلام لا معنى له وإنَّ ما وِصِفَ به "قرآنهم" لا يتعدى إن يكون نوعاً من الأوهام والخرافات التي جعلت لها التقاليد التاريخية وتواطئ الدولة قوة يخضع لها الناس لجهلهم وانحطاط تفكيرهم؛
وإما أنَّ قصص "إغواء الشيطان" والمئات غيرها سخافات لا مكان لها في تاريخ "دينهم القويم"!
إنَّ عليهم الاختيار والاعتراف بأحد الأمرين. الأمر لا يتعلق بمسألة "الصدق". فالصدق مفهوم لا يعني شيئاً في العقيدة الدينية لإنه من حيث المبدأ موضوع للحقيقة وليس للوَهْم. أمَّا ـ"الإيمان" الديني فهو الوَهْمُ بعينه الذي يحل مَحَلَّ الواقع العيني ويدير ظهره لكل حقائق الوجود.  
ففكرة هذا الاختيار قد تخفف من وطأة جحودهم للعقل وتسخيره كبغل حامل للنفايات!
2.
لا يخشى دين من غواية "الشَّيطان" وسلطته مثلما يخشى الإسلام!
وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على "خشية" المسلمين من الشيطان وفزعهم منه لابد أن نرى بأنه قد وصل حداً يتعدى حدود خشيتهم حتى من ربهم!
إذ أن مدونات الإسلام ذاتها تخبرنا كيف أن محمداً نَفْسَهُ لم ينجُ من حبائل الشيطان وغوايتة. فقد ألقى الشيطان في فمه آياتٍ رغم إرادته وإرادة ربه وهو الرب الذي "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ!"[1] واضطره أن يقول، أو كما يحلو لكُتَّاب المسلمين القول "ألقى الشيطان في أمنيته" في "سورة النجم" وبعد الآيتين [أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ][2] ما نصَّه: [تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى إنَّ شَفَاعَتُهُّنَّ لتُرْتَجَى]! وهكذا يعترف "رسول الإسلام" برفعة وسمو الأصنام التي يحارب ضدها! أمَّا ما تلى فيما بعد من محاولات "التخريج" و"التبرير" و"التأويل" فهي لم تكن إلا جهوداً يائسة لتوجيه الأنظار بعيداً عن الحقائق ـ وهي "تقنيات" يختص بها الكتاب المسلمون بجدارة!
3.
تكشف هذه "الحكاية" لنا عن مفارقة كبيرة ـ دينية وعقلية على حَدٍّ سواء!
ليس ثمة قضية أكبر من هذه القضية تناقضاً مع المنطق الديني لطبيعة "الوحي" الذي يقوم المسلمون أنفسهم بتوصيفه بمئات (وربما آلاف) الكتب وذلك باعتباره  كلام الله المُدَوَّن في "اللوح المحفوظ"، "غير ذي عوج"، ["وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ "][3] والذي لا يمكن لأحدٍ تبديله أو تحريفه، المعجزة التي شرَّف الله فيها محمداً، "حبيب الله" و"آخر الرسل والأنبياء" و..الخ من الأوصاف التي تعجز أية لغة أخرى عن سردها وترديدها!
فكيف، إذن، استطاع "الشيطان" هذا، وحده، وهو: (الرَّجيم والوسواس الخناس والمارد) أن يفعل فعله وينجح "علناً وعلى رؤوس الأشهاد" ومن غير عَوْنٍ من أحدٍ أنْ يُحَرِّفَ "الوحي" ويغوي "آخر الرسل والأنبياء" ويضطره على قول ما لا يريد وأن يعترف بما لا يؤمن؟!
فهل يدرك المسلمون فداحة الأمر؟
إنَّه لأمر لا يمكن عبوره هكذا وكأن الكلام صناعة مجانية لا دلالات لها ولا نتائج!
4.
ولو أنَّ الأمر لم يتعد هذا الحدِّ، فربما كُنَّا قد تناسيناه وكأنَّه خرافة مثل جميع الخرافات التي تمتلئ بها كتب المسلمين. غير أنَّ ألأمر يتعدى حدود الخرافة المجردة. إذ إنَّه يخفى "لعبة دينية" خطرة، ربما تكون من الجوانب التي قلما يلتفت إليها النقاد.
إنَّ غالبية البشر، وأصحاب العقائد الدينية على اختلافها، على معرفة تامة بعجزهم عن الخضوع المطلق لأية تعاليم. وحين "تُسَجَّل" هذه التعاليم باسم ربٍّ "يستوي على عرش" في مكان ما من غياهب الغيب، أو في أفضل الأحوال معلقاً ما بين السُّحب؛ لم يره أحداً أو يشعر بوجود له  أو يعرف شيئاً آخر غير وجوده الأسطوري؛ و"استحدثوا" عالماً يأوي إليه الموتى ما عاد أحدٌ منه، فإنَّ تَفَتُّتَ الإيمان والملل من هذا الربِّ وانهيار الأمل بعدالته سوف تتسرب لا محالة إلى وعيهم وتبدأ عملية تنازلات وانسحابات مكشوفة أو متسترة، كبيرة أو صغيرة، وعلى مستويات مختلفة، عن هذه التعاليم[4]. حينئذ يصطدم "القائمون" على "تسيير العقيدة" بِوَضْعٍ لا يمكن التغلب عليه يتعلق بنقض مصداقية هذه التعاليم. وهذا ما شَكَّلَ منذ بداية ظهور الإسلام ولايزال يُشَكِّلُ خطراً على وجود السلطة الدينية (والسلطة الدينية تعني أيضاً مصالح مادية وامتيازات). ولهذا لابدَّ من "صنع" آلية تستبق مثل هذه "التنازلات والانسحابات"، هي من خارج "الوحي" رغن أنه مفترض من قِبَلِه وقد كانت هذه الآلية بجدارة هي: الشَّيْطَان:
[كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ][5].
لم تكن هذه "التقنية" حكراً على الإسلام. فجميع العقائد، أو أغلبها، تشير في كتبها المقدسة إلى تحذير الرب (مهما كان اسمه في كل عقيدة) من دسائس الشيطان وغوايته: وبالتالي فإنهم  يوفرون للناس أعذاراً هي من صميم الدين وحدوده. إنَّهُ قوة صانعها الله نفسه، هو امتحان واختبار للعقيدة والإيمان!
لكن وجود الشيطان الغاوي وحده، هي "تقنية" لا تكفي. إذ لابد من إيجاد طريقة للعودة من جديد، لابد من وجود خُطَّة للرجعة عن الغواية، فنراهم يقومون بصناعة آلية أخرى للعودة إلى ما قبل الخطوط المُتُجَاوَزَةِ وهي تتمثل بمنظومة من "العلاجات"  والحلول كـ"الصلوات" و"التعاويذ" و"الكفَّارات" التي تُبطل مفعول ما قام به الشيطان وتعيد الغاوي إلى حظيرة ربه!
وهكذا يُصبح "الشيطان" ليس وسيلة للغواية وحسب، بل ووسيلة للعودة إلى القطيع!
 
الجزء[2] ⏪⏪


 
[1]  سورة "الأنعام" ـ الآية 59
[2]  سورة النجم ـ الآيتان 19 و20
[3]  سورة "النجم" ـ الآيتان 3 و4
[4]  إنَّ من الأمثلة البارزة مثلاً هو حركة الردة التي انتشرت بين الكثير من الناس من القبائل ورفض التقيد بالكثير من العقائد الإسلامية حالما علموا بموت محمد. وقد قادت هذه الردة إلى حروب مدمرة راح ضحيتها الآلاف من القتلى. وبفضل جسامة هذه الأحداث فإن "التاريخ الإسلامي" لم يستطع التستر عليها. وعلى امتداد هذا التاريخ حدثت عشرات الثورات والانتفاضات ضد الظلم وغياب العدالة واستهتار رجال الحكم والدين على حد سواء (فإلى جانب الثورات الشيعية التي تكررت بأشكال مختلفة وبقيادة مختلفة على امتداد الخلافتين الأموية والعباسية، فإن هناك ثورات وضعت بصامتها على التاريخ الإسلامي مثل ثورة الزط وثورة الزنج وثورة عمر بن حفصون في الأندلس وثورة القرامطة وثورة يعقوب بن ليث وغيرها العشرات) والتي سُحقت جميعها بقوة النار والحديد، منها ما استمر لسنوات عديدة وهز أركان دولة الخلافة. وبالإضافة إلى هذا كله فإن تاريخ "الدولة العربية ـ الإسلامية" منذ تأسيسها حتى الآن تجابه حركة معارضة مستمرة وبأشكال مختلفة تتجسد في رفض التقيد بالطقوس والعقائد الإسلامية.
[5]  سورة "الأنعام" ـ الآية 112.
 المسلمون والشيطان (2): العلاج من الشيطان
x

البحث عن الله!

1.
هل أنت من الناس الذين تشغلهم أدلة "وجود الله"؟
هل أنت من الناس الذين "يصرفون" سنين حياتهم في البحث عما لا يُغّيِّرُ شيئاً من وجودهم ولا يُقَدِّم أو يُؤَخِّر من أحْدَاث حياتهم؟
إذا كنت واحداً من هؤلاء الناس، فإنَّ لَكَ (أو لَكِ) مني خبراً ساراً:
إذا كنت تبحث عن "دليل" لوجود الله حقاً فإنَّك، عاجِلاً أمْ آجِلاً، ستجد ما يُغريك بفكرة وجوده! غير أنَّك في اللحظة التي تعثر فيها على "دليل" الوجود هذا (وهنا يبدأ الخير السيء) ستكون قد فقدتَ نفْسَكَ ولم تقبض بيديك إلَّا على "دليلٍ" هَشِّ بحاجة إلى عشرات الأدلة الأخرى التي هي بدورها تحتاج إلى عشرات أخرى مثلها وهكذا!
2.
فـــ"الأدلة على وجود الله" لا تعني شيئاً أخر غير أوْهَام وخرافات وخيالات لا وجود لها؛ تماماً كالوجوه والكائنات التي تتشكل على جدران الغرف بتأثير الرطوبة أو ظلال الأشياء المختلفة وأغصان الشجرة الساقطة عبر النافذة على جدار الغرفة، أو ما نراه من كائنات خرافية أو حقيقية بتأثير تشكلات الغيوم في السماء! والشخص الذي سبق له أنْ رأى كَنْغَراً، على سبيل المثال لا الحصر،فإنه قد يحدث وهو يتطلع إلى الظلال الساقطة على جدار الغرفة أو "يبحلق" بالسماء بحثاً عن "الله" أنْ يعتقد بأنه يرى ظلَّ كَنْغَرٍ على الجدار وفي السماء بين الغيوم! 
أمَّا الشخص الذي لم يرَ كَنْغَراً في حياته فإنه لن يرى مطلقاً ظلَّ كَنَغرٍ على الجدار أو ملامح له عبر تشكلات الغيوم. لكنه قد يرى ثوراً أو قطة أو سلحفاة تعانق أفعى!
3.
نحن نرى ما هو في رؤوسنا لا غير ـ 
إذنْ، نحن لا نرى!
فالوجوه والكائنات تبدو وكأنها هناك أمام مرأى البصر ويكاد العقل يصدق بوجودها: فهل ثمة دليل أكثر قوة من دليل ما تراه العين ويدركه العقل؟! غير أنها مع ذلك، ولشديد الأسف، وَهْمٌ لا وجود له! 
هي نوع من خداع البصر: هي وجود مخادع، مؤقت، مشروط بحركة الظلال وتشكل مساحات الرطوبة على الجدار!
هذا هو "الدليل" على وجود الله!
إنَّهُ، باختصار، خِدَاعٌ بَصَرِيٌّ وضَيَاعُ البَصِيرة!
4.
نحن لا نرى إلَّا ما "نعتقد" إنَّه موجود ـ ما اعتدنا أن نرى!
أُكَرِّرُ: "نعتقد" بإنه موجود. وإنَّ هذا "الاعتقاد" من القوة بحيث يجعلنا نخدع أنفسنا بـ"وجوده"! نحن "نعتقد" بوجود شيء ما لا لسبب إلا لأننا ولدنا بين ناس يعتقدون إنه موجود. وبمرور الزمن يصبح اعتقادنا "راسخاً" وسنرى ما "نعتقد" بأنه موجوداً إلى حد لا توجد قوة يمكن أن تقنعنا بأنَّ ما نراه لا يتعدى ما نعتقد به!
وهذه هي سلسلة الإيمان المغلقة التي لا يمكن الانعتاق منها بسهولة.
5.
لا شيء أسهل من العثور على "دليل تأكيدي" من التاريخ والحياة على ما نعتقده. بيد أننا ينبغي أن ندركَ بأنَّ هناك "العشرات من الدلائل" التي تنقض هذا "الدليل"ـ وهذه الدلائل هي التي تمنح الحقيقة صورتها الأصيلة. فـ"الأدلة التأكيدية" لا تتعدى حدود الوجوه والكائنات المتشكلة من ظلال الشجرة.
أمَّا إذا أردتَ البحث عن الحقيقة فإنك لابد وأن تجد نفسك وتتعرف على ذاتك. فالحقيقة تؤدي دائماً إلى معرفة الذات. إن "الله" يقوم هناك حيث تغيب الحقيقة ويُخَيِّم الجهل. فوجود الله يتناقضاً مبدأياً مع وجود الحقيقة.
6.
لِتَقُمْ بهذه التجربة البسيطة:
اترك "الله" وشأنه للآخرين لمدة يوم واحد لا غير!
خذْ عطلة من معانقة هذا الذي تدعوه "الله" أو أيَّ شي آخر!
انس ما يقولونه عن "الله" وعن "وجوده" و"سلطته" و"قدرته" لمدة أربعة وعشرين ساعة لا غير! هي مدة لا قيمة لها مقارنة بسنوات عمرك التي ضاعت بسبب "الإيمان" وتلك التي ستأتي!
فما الذي سيحدث لك؟
ما الذي سيتغير فيك؟
ما الذي ستفتقده خلال تلك الساعات القليلة من حياتك؟
لا شَيء غير الأوهام!
هذه هي الحقيقة المجربة: هذه هي الحقيقة التي يعيش في كنفها ملايين الناس. وما عليك إلَّا أن تجربها!
هذا هو الأمر الذي يُقِيمُ الحقيقة ويسند وجودها: التجربة.
فارغ أيُّ كلام لا يخضع لحقائق الواقع.
باطل أيُّ حكم لا دليل عليه.
كاذب أيُّ خبر لا شاهد عيان قد شهد ما يُخْبِرُ عنه من أحداث أو نتائج ملموسة يمكن الحكم من خلالها على تلك الأحداث.
إنَّ ما هو "غير مَوْجُودٍ" يُعَادِلُ تماماً كلَّ ما نعتقد بأنه مَوْجُودٌ من غير دليل على وجوده!
لا حلَّ أمامك، إذن، غير أن تقوم بهذه التجربة البسيطة، فالتجربة هي المَحَكُّ على صحة ما نسميه "حقائق". أَلَا يقول الناس: "اسألْ مُجَرِّبَاً ولا تسألْ حَكِيماً"!
















7.
فماذا تعني التجرية؟
ـ التجربة تعنى أن تخضع الأفكار والفرضيات إلى التطبيق العملى لترى فيما إذا كانت تعمل أم لا، فيما إذا كانت تستجيب إلى حُكْمِ الوقائع أم لا.
لنأخذ مثلاً فكرة الجاذبية: فالعلمُ يقولُ لنا (حسب قوانين نيوتن) بأن المَوَادَّ (كُلَّ الموادِّ) تجذب بعضها البعض بقُوَّة تتناسب طردياً مع كتلة كل منها وتتناسب عكسياً مع مربع المسافة الفاصلة فيما بينهما. وهذا يعني كلما كانت كتلة المادة أكبر فإنَّ جاذبيتها هي الأخرى تكون أكبر وبالعكس. كما أنَّ المسافة بين مادتين هي الأخرى تؤثر على قوة الجاذبية؛ فكلما تبتعد المواد بعضها عن البعض الآخر فإنَّ قوة الجاذبية تتضاءل بدورها.
ولكنْ لماذا لا نرى عملية تجاذب فنجان القهوة الموضوع على الطاولة مع الملعقة التي تبعد عنه بضعة سنتمترات؟ بل لماذا لا نرى جميع الأشياء التي حولنا تتجاذب فيما بينها؟
الإجابة بسيطة: أنَّ كتلة هذه الأشياء من الصغر فإنَّ جاذبيتها هي الآخرى ضعيفة إلى حد عجزها عن جذب المواد الآخرى.
ولكنْ حينما تزداد كتلة المادة إلى قيم عالية جداً، والأرض والكواكب السيَّارة الآخرى أمثلة نموذجية، فإنَّ قيمة الجاذبية تزداد هي الأخرى بصورة عظيمة. وهذا ما يفسر خاصية الجاذبية التي تمارسها الأرض على كل ما عليها. وهذا ما يفسر أيضاً سقوط الأشياء على الأرض إذا لم تتوفر قوة أخرى تمنعها من السقوط (كما هو الحال مع الطيور في حالة طيارانها والطائرات مثلاً). وما عليك سوى إن ترسل كرة في الهواء لترى عودتها إلى الأرض لا محالة. لأنَّ قوة جاذبية الأرض هي بمقدار آلاف المرات مقارنة بقوة جاذبية الكرة الصغيرة.
إنَّها حقيقة قابلة للإثبات دائماً.
ولكنْ إذا ما ابتعدت الأشياء والناس عن الأرض مسافة كبيرة، كما يقول الجزء الثاني من قانون الجاذبية، فإن جاذبية الأرض تضعف بما يكفي لكي نرى رواد الفضاء يحلقون بحرية خارج مدار الأرض بسبب تضائل جذابية الأرض وضعف تأثيرها على رائد الفضاء. وكلنا قد رأى أفلاماً وثائقية عن تجارب رواد الفضاء في الفضاء الخارجي. هذه الظاهرة هي الآخرى قابلة للتجربة دائماً.
هذا هو الدليل الواضح على حقائق والذي تستطيع إقامته دائماً وفي كل مكان على الأرض، وفي جميع فصول السنة، وفي جميع أوقات الليل والنهار! 
8.
نحن نرى يومياً كيف تقودنا التجربة إلى الوصول إلى الدليل. 
إن حياتنا اليومية منذ ساعة الاستيقاظ صباحاً حتى نأوى إلى فراشنا ليلاً مكتظة بعشرات "التجارب" العملية. ولأننا لا نولي أهمية لتفاصيل الحياة اليومية فإنَّ قوة التجارب العملية للوصول إلى الأدلة تختفي عن أبصارنا ويبدو العالم حولنا وكأنَّه أمر مفروغ منه.
لنتذكر، مثلاً، عملية تركيب مصباح (لمبة)كهربائي جديد بدل المصباح التالف: فأنت تأخذ المصباح الجديد وتصعد على كرسيٍّ، مثلاً. ثم تقوم بتغير المصباح التالف بالمصباح الجديد وتنزل من الكرسي، حيث تذهب إلى الزر الكهربائي ضاغطاً عليه لترى فيما إذا كان المصباح الجديد يضيء أم لا. وحين تجد أنَّ المصباح الجديد لا يعمل فإنت تفترض شيئين: إمَّا أن يكون المصباح الجديد عاطلاً هو الآخر، وهذا أمر ممكن، وإمَّا أنك لم تركبه بصورة جيدة وهذا أيضاً افتراض ممكن.
فما العمل؟



لابدَّ أنَّك تتذكر الآن كيف قمت عن طريق التجربة للتوصل إلى دليل على صحة أحد الإفتراضين وهو إنَّك تصعد من جديد على الكرسي لتتأكد من الوضع الصحيح للمصباح وتعود من جديد للضغط على الزر الكهربائي فينتشر الضوء في أرجاء الغرفة. إذن فإنَّ المصباح يعمل! إما إذا لم يعمل المصباح رغم المحاولات المتكررة للتأكد من عملية التركيب فإنَّك تخلص إلى نتيجة تبرهن على صحة الفرضية الأولى وهي أنَّ المصباح الجديد هو الآخر عاطل وعليك تغييره!
9.
هذه هي أبسط قواعد المنطق العقلاني وخلاصة الحكمة والتجربة البشرية اليومية للتأكد من حقيقة الأشياء ووجودها.
جرَّبْ هذه القاعدة البسيطة مع "الله" حتَّى ترى ـ هل "يعمل" كما يدعون؟
هل ستتغير حياتك خلال الأربعة والعشرين ساعة التي تأخذ فيها عطلةً من وَهْمِ الإيمان بوجود أمرٍ لا وجود له!
ليس من الضروري أن تجمع حولك الناس. 
فكَّر وحدك وقُمْ بالتجربة على انفراد! 
لا ضرورة أن تقوم بأي شيء آخر غير أن تتحرى من حقيقة الأشياء بنفسك.
لا تضيع عمرك بالخرافات!

فالحياة حياتك وستدفعُ أنْتَ، ولا أحَدَ غيرك، ثمن الإيمان بالأوهام والأساطير!


مَبْدَأُ تَشيخُوفَ" الدُّرَامِي وعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"!

[الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف]

تمهيد:
من ضمن ملاحظاته في أثناء بروفات إحدى مسرحياته "طائر النورس" عَلَّقَ الكاتب والمسرحي الروسي أنتون بافلوفيتش تشيخوف (1860 ـ 1904 ) على وجود بندقية الصيد المعلقة على جدار الغرفة في اللوحة الأولى من المسرحية كالتالي:
ـ "إذا ما ظهرت بندقية الصيد في اللوحة الأولى من المسرحية فإنها لابد وأن تُطلق رصاصة في اللوحة الأخيرة"!
لقد تحول هذا التعليق منذ ذلك الوقت إلى واحدة من أهم المبادئ في المسرح العالمي والمتعلقة بأهمية عناصر الأكسسوار المتواجدة على خشبة المسرح وعدم جدوى وجود ما لا معنى أو ضرورة له من الناحيتين الدرامية والدلالية. فخشبة المسرح ليست مشجباً للملابس ويجب إلا يتم التعامل معها ببساطة ولا مبالاة.
1.
إذا ما علَّق اليهودي على باب بيته نجمة داود، والمسيحي الصليب، والمسلم الهلال (أو أي رمز إسلامي آخر) فإن الأمر، ربما، لا يتعدى كونه محاولة "للإعلان" عن انتمائهم الديني (بغض النظر عن هدف هذا الإعلان)، ولا ينبغي أن يجد المرء في الأمر أية غضاضة، رغم أنه نزوع لا يستجيب لحياتنا المدنية المعاصرة ولا ضرورة له. ومع ذلك فهو أمر شخصي ولا يفترض منَّا أن نذهب بعيداً في التفسير والتعليل.
2.
ولكن حين يبدأ مؤلفون يهود في مجالات الفلسفة والعلوم والثقافة والسياسة كتبهم مثلاً بعبارة " اسمع يا إسرائيل: الربّ إلهنا، هو ربّ واحد، فأحبب الربّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكلّ قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك"، والمسيحيون بعبارة "باسم الأب والابن والروح القدس" والمسلمون بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"، فأن الأمر سوف يختلف جذرياً عن حالة الأشخاص المتدينين العاديين وما يعلِّقون على أبواب بيوتهم!
إن مثل هذا "التقليد" سوف يخضع لا محالة لـ"مبدأ تشيخوف" الدرامي: نحن الآن أمام عمل واع من قبل المؤلف يعبر من خلاله (وبغض النظر عن المجالات العلمية التي يكتب فيها) عن منطلقات فكرية/دينية/عقائدية وإنَّ ما سينتهي إليه من خلاصات وأحكام وقضايا قد تم بلورتها منذ الصفحة الأولى: حين يبدأ الكِتَابُ بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" فإنه سينتهي لا محالة بـ "تم الكتاب بعون الله تعالى"!
إنَّها طلقة الخلاص من العقل!
3.
إنه لا شكَّ أمر ينقض المنطق والمنهج العلميين في أية عملية بحث عقلية. أنْ ينطلق الكاتب في الحديث عن "نظرية الكم" أو "مبادئ الحريات المدنية"، أو "جماليات النحت" وغيرها من الموضوعات الممكنة من عقيدة دينية واضحة المعالم حددها منذ الصفحة الأولى فإن كتابه منذ الصفحة الثانية إلى نهايته يفقد "قيمته"، إن كان له قيمة؛ ويفقد "معناه" إن كان له معنى؛ ويفقد "مصداقيته العلمية" إن كانت له مصداقية!
وعندما تكون هذه "المظاهرة الدينية" واعية ومدركة الأهداف والنتائج فإن ادعاء الانتماء إلى "البحث العلمي" هو ادعاء سخيف ومضحك.
4.
فهل يتم عملياً مثل هذا التقليد؟
إن الواقع يكشف إن مثل هذا التقليد لا يسير عليه غير المسلمين ـ والمسلمين وحدهم! والأمر سيان: سواء كانوا من "المتحزبين" و"المسيسين"، إسلامياً (بغض النظر عن التسميات والألقاب والطوائف والفِرق)، أو يدعون أنفسهم بأنهم من "محبي التفكير العلمي" و"مناصري حقوق الإنسان" و"حرية الرأي"! إن هذا الادِّعاء لا يستقيم منطقياً.
5.
لماذا؟
الأمر بسيط للغاية:
كيف تَكْتُبَ عن "قوانين الفيزياء" مُنْطلِقاً من إيمان وعقيدة والتزام ديني؟
كيف يمكن أن تجمع "تحت إبط واحد" قوانين الكم والنسبية من جهة والبسملة وكأنك عجوز رأتْ صورتها لأول مرة بالمرآة (ربما في هذه الحالة ستقول العجوز أيضاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)!
كيف يمكن أن تؤمن بكون هناك "خالق" للكون وأنت تتحدث عن القوانين الطبيعية للكون؟
كيف تؤمن بـ"معجزات" تلغي قوانين الفيزياء وتكتب بـ"قناعة" عن قانون حفظ المادة؟
كيف تنطلق من عقائد ترفض الفنون البصرية رفضاً قاطعاً وتنادي بعقيدة "البيوت التي تقنتي لوحات تشكيلية لا تدخلها الملائكة "(!) وأنت تكتب عن جماليات الأعمال الزيتية لعصر النهضة؟!
إن هذا عبث يصدع الرأس ويبدد رغبة الكلام!
فللغة تَبَعات. وللِّسياق معانٍ لا تقولها الكلمات. لا يمكنك أن تصدر كتباً وكأنك تلعب "الطاولة" في إحدى مقاهي المحلة!
إن "السَّبحلة"[1] و"البَسْمَلَة"[2] و"الحَوْقلة"[3] و"الهَيلَلَة"[4] (وغيرها من الكلمات على وزن "فعللة" . . .) هي مفاهيم محددة وتعكس تصورات محددة عن الإنسان والعالم. وحين تستخدمها بقناعة فهذا يعني أنك تنتمي إلى "نظام عقلي" بعيد كل البعد عن "الأنظمة العقلية" العلمية.
واذا كنت تكتبها عن غير إيمان وقناعة فأنت كذَّاب مداهن! فلماذا تبدأ الكتابة بها إذن؟
6.
إن هذه لصورة من صور الهوس العربي بالدين!
الهوس بترديد أسماء الله ورموزه وكأنَّ هناك من يراقب الكُتَّاب عن كثب ليرى هل يبدأ الكِتَاب بالسملة أم لا!
إنه هوس يبدد ضياء العقل ويستنفد طاقته.
هو سير في الأنفاق المسدودة وكأنه آلة "الزمن" التي لا تعمل إلا بالعودة إلى الوراء ـ العودة إلى "خير القرون"!



[1] القول "سبحان الله"!
[2] القول "بسم الله الرحمن الرحيم"!
[3] القول "لا حول ولا قوة إلا بالله"!
[4] القول "لا الله إلأا الله"!


ملكوت الممنوعات


نَحْنُ الآنَ فِي مَلَكُوتِ النَّظَريَّاتْ!
نَحْنُ الآنَ فِي مَلَكُوتِ الإلَهِيَّاتْ!
نَجْتَزِءُ منها ما نَشْتَهي ونُحَدِّدُ المَسَارَاتْ:
هَذَا حَرَامٌ،
وَهَذَا مُسْتَحَبْ!
هَذَا تَمَامٌ،
وَهَذَا إثْمٌ مُرْتَكَبْ!
مَرْحَبَاً يَا مَلَكُوتَ الممنوعاتْ!



لاءات







1.
لَا تَطْلُبْ مِنَ اللهِ السِّتْرَ!
فَهُوَ لَيْسَ سِتّارْ.
لَا تَطْلُبْ مِنَ اللهِ أنْ يَحْمُلَ أعْبَاءَكْ!
فَهُوَ لَيْسَ قِطَارْ.
لَا تَطْلُبْ مِنْهُ الرُّزْقَ!
فَهُوَ لَيْسَ مِصْرفَ ادْخَارْ.
2.
لَا تَسْألْ اللهَ المَغْفِرَةْ!
فَهُوَ لَيْسَ غَفَّارْ.
لَا تَطْلُبْ مِنَ اللهِ المَعْرِفَةْ!
فَهُوَ لَا يَعْرِفُ حَتَّى عَدَدَ البِحَارْ،
بلْ لا يعرفُ أصْحَابَ الكَهْفِ،
ولا يعرفُ إنْ كانَ الكلبُ:
رابعَهُمْ أوْ خَامِسَهُمْ (فَهَذَا سِرُّ الأسْرَارْ!) 
3.
لا تُكَّلِفْ نَفْسَكَ زِيَارَةَ "بَيْتِهِ"!
فَهُوَ يَسْكُنُ بِالإيجَارْ.
لا تُصَلِّ لَهُ أبَدَاً!
فَمَلَايينَ النَّاسِ فِي قَاعَةِ الانْتِطَارْ.
4.
لا تَبْعَثْ لَهُ رَسَائِلَ!
فَهُوَ يَكْرَهُ الأخْبَارْ.
لا تَحْيَا مِنْ أجْلِهِ!
فَهُوَ فِي لَحَظَاتِ الاحْتِضَارْ.
ـ هَلْ تَفْهَمُ ما أقُولُ يَا حِمَارْ؟!



نَحْنُ بِصَرَاحَة . . .

دّنَاصِيرْ


1.
نَحْنُ بِصَرَاحَةْ: مُخَلَّفَاتْ!
نَحْنُ بَقَايَا أسَاطِيرْ
نَحْنُ مُتَحَجَّرَاتْ
نَحْنُ دّنَاصِيرْ
ومَعْلُومَاتٌ مُزَيَّفَةْ فِي الأَضَابِيرْ
نَحْنُ مُعَلَّبَاتْ:
خَلِيطٌ مِنْ ضَفَادِعَ فَاسِدْةٍ ولُحُومِ الخَنَازِيرْ
نَحْنُ تُرَّهَاتْ
نَحْنُ خَوَابِيرْ[1]
نَحْنُ "ظَاهِرُةٌ صَوْتِيَّةْ"
نَحْنُ مُجَرَّدُ تَسْجِيلاتْ
تبَثُنُّاَ الإذَاعَاتْ
وَمَحَطَاتُ الأقْمَارِ الصِّنَاعِيَّةْ
نَحْنُ، مَا يُسَمَّى "جَمَاهِيرٌ عَرَبِيَّةْ"
مُجَرَّدُ كَائِنَاتْ:
نَقِفُ فِي الطَوَابِيرْ ــ أيَّاً كَانْتْ هَذِي الطَوَابِيرْ!
طَوَابِيرُ الخُبْزِ
طَوَابِيرُ الانْتِخَابَاتْ
طَوَابِيرُ الهُرُوبِ مِنَ الذَّاتْ
والبّحْثِ عِنْ ملاجئ فِي الغَرْبِ للصَّدَقَاتْ!
2.
"نَحْنُ أمَّةٌ أمُيَّةٌ
لا تقْرَأُ ولا تَعْرِفُ الحِسَابْ"[2]
لا تَزُورُ المَتَاحِفَ
لا ترَتَادُ المَكْتَبَاتْ
لا تَطْرُح الأسْئِلَةْ ـ لا تَبْحَثُ عَنْ إجَاَباتْ!
تَبْدَأُ اليَوْمَ بِالتَّعُوذِ مِنْ الشَّيْطَانْ
وَتَنَامُ عَلَى فِتَاتِ الحُكُومَاتْ
3.
نَحْنُ ضَحَايَا الإجْمَاعِ والقِيَاسَاتْ
نَحْنُ ضَحَايَا أوْهَامِنَا:
الآنَ وَعَلَى مَرِّ العُصًورْ
لا صَوْتَ لَنَا ــ
نحن "إمًعَاتْ"،
نُرَدِّدُ الأسَاطِيرْ
بَلْ ـ نَحْنُ مِنْ غَيْرِ وُجُوهْ
نَحْنُ فُقَاعَاتْ
نَحْنُ، بِصَرَاحَةْ:
مُجَرَّدُ طَرَاطِيــرْ! [3]
________________________________________________

[1] "الخابور" مجرد قطعة من الخشب أو البلاستك يُسَدّ بها ثَقْبٌ في الحائط ليسهل تثبيت البرغي (المسمار اللولبي).
[2] "إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسِبُ"! [حديث نبوي]
[3] الطُّرْطُورُ: شخص ضعيف لا يملك اتّخاذ القرارات والجمع : طراطيرُ

مُجَرَّدُ كَلِمَات

كانَ واقعاً مصنوعاً من العاداتِ والكلماتْ
كفقاعاتِ الصابونِ: بِضْعُ لحظاتْ،
ثمَّ تنهارُ، فتفقدُ صُورَتَها
وكأنَّها لَمْ تَكُنْ يوماً،
لَمْ تَكُنْ إلَّا بقايا ذكرياتْ
أوْ بقايا أصواتٍ قلقةْ:
بيتٌ
أخوةٌ
واصدقاءْ
ودٌّ وأواصرُ وعلاقاتْ،
واهتماماتْ،
وعلاقات الدمِّ،
وذكرياتُ الطفولةِ، ولقاءاتُ المناسباتْ
تبخرتْ معانيها، وَلَمْ يبقَ إلَّا:
كلماتْ،
مُجَرَّدُ كلماتْ
لا مَعْنَى لَهَا،
مُجَرَّدُ كلماتْ . . .

هذا ما جناه علي أبي: الإسلام VS الحقوق المدنية!

1.
هذا ما جناه عليَّ أبي وما جنيت على أحد!
هكذا عبر أبو العلاء المعري عن لوعته من الواقع اللامعقول للدولة الإسلامية وهو في نفس الوقت رفضٌ لهذا الواقع. فهو مسلمٌ لا لسبب إلا لأنَّ أباهُ مسلمٌ!
ولكي نلتزم بقول الصدق والحق فإننا ينبغي أن نقول:
ــ "هذا ما جناهُ عليَّ أبي وما جناهُ أبوه عليه"!
ويمكن العودة إلى الوراء في "سلسلة الجنايات" حتى بدايات تاريخ سيرة محمد وفرض الإسلام بإنصال السيوف! 
لم يكن أمام الناس أي مخرج آخر غير "الدخول" في الإسلام "أفواجاً"! فعساكر مرتزقة المسلمين هي الأخرى "أفواجاَ" وكانت تدمر أمامها كل شيء: 
اغتصاب النساء والأموال والأرض وقتل الرجال وحرق الأشجار. فأي بديل تبقَّى أمام الناس؟
2.
ولكن، ولتكن "لكن" كبيرة: 
أليس هذا مناقضاً لفكر ومعتقدات الإسلام؟
استناداً إلى العقيدة الإسلامية فإن المسلم من قَبِلَ "أركان" الإسلام التالية:
الإيمان بالله وبالأنبياء والرسل وبالملائكة وبالكتب السماوية وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر (ومن له رغبة في الإضافة فليضف!).
3.
إذن "اللامسلم" [كائناً من كان ــ آمن بإله آخر أو لم يؤمن] هو من لا يؤمن بهذه "الأركان". 
هذا أمر معقول ومقبول. ولأنني لا أؤمن بهذه "الأركان" ولا بأي أركان دينية أخرى، فأنا لست مسلماً. ولأنني لست مسلماً من حيث المبدأ واستناداً إلى عقيدة المسلمين ذاتها فإنه ليس من الممكن أن أكون مرتداً عندما أرفض الإسلام! لأن "حكم المرتد" يتعلق بــ "المرتد" عن الإسلام[**]. و"المرتد" هو من أنكر إيمانه بعد أن آمن.
4.
وبالتالي فإن:
"حكم الردة" لا يمكن تطبيقه على المسيحي واليهودي والبوذي والبهائي أو “أي شخص آخر" لأنهم لا يؤمنون إمَّا بجميع الأركان الستة أو ببعضها أو بواحد منها.
فلماذا، إذن، تسعى حكومات دول القمع إلى تطبيق هذا الحكم على الأشخاص الذين يرفضون الإسلام، علماً بأنهم لم يقدموا يوماً إقراراً خطياً أو شفهياً على إيمانهم؟!
ما الفرق في هذه الحالة، مثلاً، ما بين المسيحي واللامسيحي (؟). أو لنقل بكلمات أكثر وضوحاً، ما بين المسيحي الذي لا يؤمن بأركان الإسلام والشخص الذي من أب مسلم ولا يؤمن هو الآخر بهذه الأركان؟
ــ لا فرق.
فهما كلاهما لا يؤمنان بأركان الإسلام ولم يكونا يوماً مسلمين، ولم يقدما يوماً إقراراً خطياً أو شفهياً على إيمانهما أو انتمائهما إلى الإسلام!
فلماذا يطبق "حكم الردة على" الشخص الذي ينحدر من أبٍ مسلمٍ ولا يطبق على المسيحي مثلاً، وكلاهما يرفضان أركان الإسلام [***]؟!
5.
وكيف يمكن أن يرث الابن عقيدة أبيه؟
أنا أعرف بأن الإسلام لا يفقه شيئاً من الميراث [أنظروا آيات الميراث في كتاب محمد]، ولكن الأمر لا يتعلق بأشياء عينية [مواد]، بل بعقيدة. والعقيدة فردية: الإنسان يؤمن بشيء بنفسه ومن أجل نفسه وليس ممثلاً عن الآخرين!
6.
هذا هو خرق من أكبر الخروقات الإسلامية للحقوق المدنية. وفي قبضة هذا "الحكم" يقع الملايين من الناس [عشرات المرات أكثر من ضحايا القمع السياسي والديني والجنسي].
وهذا هو سبب صرخة الجزع من الإسلام التي أطلقها المعري. لأنه ليس من المعقول أن يرث المرء عقيدة أبيه فالعقيدة، كما يدعي المسلمون، لها أركان وشروط وليس نعالاً أو كيساً من الروث يرثه الأبن أو البنت!
متى سوف يعقل هؤلاء الناس؟

هوامش:
[*] (VS) هي اختصار لكلمة VERSUS الإنجليزية وتعني "ضد".
[**] إذا توجد شروط أخرى لكي يكون الشخص مسلماً فليتفضل بقولها من شاء أن يقولها.
[***] من حيث المبدأ أنا أرفض رفضاً مطلقاً "حكم المرتد" ولكنني أحاول هنا أن أكشف عن صورة أخرى له وهي اللامعقول في تفكير المسلمين. فـ"حكم الردة" صيغة إسلامية لعشرات القرارات والأحكام "القانونية" التي شرعتها النازية والفاشية والستالينية وغيرها من الأنظمة الشمولية التي لم تكن الأنظمة العربية تفتقر إليها.

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر