منع

المسلمون والشيطان (2): العلاج من الشيطان

مقدمة عامة:
ينبغي التأكيد مسبقا، إنَّ مناقشتنا لمكانة الشيطان في الإسلام لا علاقة لها بموقفنا من "الله" و"الوحي" و"عقائد المسلمين". فمصدر اهتمامنا ينبع من محاولات الكشف عن "الوجه الآخر" الذي تتراكم فوقه أطنان من الكلام وتخفي تهافت الفكر الديني الإسلامي  من جهة، والبرهنة على أنَّ الدين ليس شيئاً آخر غير وعي معكوس للعالم. إذ أن هذا الفكر يناقض أبسط حالات العقل ومستوياته ليس بصورة لاواعية فقط، بل وتجنيد كلَّ ما تبقى من هذا الوعي .
1.
تكاد "لعبة الشيطان" هذه أن تكون هي الوسيلة الكبرى الضاغطة على وعي البسطاء والأميين، أو أولئك الذين لا يختلفون عنهم من حملة الشهادات والألقاب العلمية، المنتسبين إلى هذه الأديان. وهذا ما نراه واضحاً من الاهتمام الواسع والمركز والمتعدد الوجوه على نشر المؤلفات والتعاويذ والتقنيات المختلفة لطرد "الشيطان" والتحصن ضده، كما أن شبكة الإنترنت تعجُّ بها.
2.
وليس مدعاة للدهشة أن تقرأ لـ "دكتور!" في علم النفس يتحدث عن الفرق ما بين "وسواس الشيطان والوسواس القهري"! فالوسواس من الشيطان،كما يقول "الخبير!" في "علم نفس الشيطان"، هي أفكار سلبية متعددة يفكر فيها الإنسان من وقت لآخر "يلقي بها الشيطان في نفس الإنسان" (تذكروا كيف ألقى الشيطان في أمنية محمد آية الغرانيق) حتى تثبطه عن عمل الصالحات. أما الوسواس القهري، كما يواصل الخبير في "علم نفس الشيطان"،  فهو من الأمراض النفسية المصنفة تحت الأمراض العصبية .. الخ من الكلام[1]!
أمَّا صفحات التعاويذ من هذا "الشيطان الرجيم" فإن شبكة الإنترنت تكاد تتحول إلى طوفان يُغرق القراء العرب ويطيح بما تبقى من عقولهم في غياهب الجهل والخرافة.
3.
ولكن، مع ذلك، من هو "الشيطان"؟
إنَّ شخصية "الشيطان" في الأديان والعقائد الأسطورية التي ظهرت في مختلف بقاع الشرق الأوسط كانت الوجه الآخر "للرَّحْمَن"[2]. فمثلما هي المعادل الموضوعي "للشرير" المُنَاقِض للربِّ "العادل والطيب"، هو أيضاً تعبير عن قوى الظلام والغواية. بل يكاد "الشيطان" هو السبب الذي ظهر "الرَّحمن" من أجل محاربته. ولهذا وكما صنع الإنسانُ الدينَ، فإنه يمكن أن نضيف إلى أنه  قد صنع الشيطان. فهي صناعة ليست أقلَّ بشرية من صناعة "الله".
4.
ففي البدء كان "الشيطان"، ثم ظهر الربُّ لمحاربته! إذ من العبث أن يأتي الشيطان لاحقاً!
فهو إذن وَهْمٌ، مثلما الوجه الآخر/الله وَهْمٌ! ولا وجود له من غير وجود "ربٍّ" يقف له في المحراب ويقوض خططه ومقاصده الشريرة لخلاص البشر. 
ولهذا فإنَّ على البشر أنْ يكونوا شاكرين لوجود الله الذي لولاه لأفسَدَ "الشيطان" في الأرض فساداً لا رجعة منه!
5.
فما العمل إذن؟
هل نخطو "خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف"، والكل يعرف إلى أين قادَ هذه المبدأ، أمْ نخطو خطوة واحدة إلى الأمام لا غير! 
خطوة خطتها البشرية في عدد لا يحصى من بقاع الأرض وفي جميع القارات؟
فكيف يمكن محاربة "الشيطان" وسخافات التعاويذ محاربة حقيقة والتخلص منه "ومن شروره" نهائياً؟!
ـ تخلصوا من وَهْمِ الرَّحْمَن!
وكيف يمكن الوصول إلى هذا الخلاص؟
إنَّ الخطوة بسيطة للغاية: استخدام ما نملكه ولا حاجة للبحث عنه:
إنَّهُ العَقْلَ، ذلك الغائبُ الحَاضِر!
هو وحده، ولا شيءَ غيره، حَمَلَ البشرَ على ظهره وعَبَرَ بهم كل صعاب التاريخ البشري وانتقل بهم من ظلمات العدم إلى نور الوجود!
هو وحده، ولا شيءَ غيره، أخذ بيد البشر وحولهم من عبيد لطبيعة ملغزة ومغلقة على نفسها إلى ملكوت الحرية: إدراك قوانينها والسيطرة على ظواهرها!
هذه ليست نظرية!
هذه ليست حتى قضية للمحاججة المنطقية: 
لننظر حولنا ولنرى إلى أين وصل البشر في تطورهم وفي عملية البحث عن حلول لمشكلات الطبيعة وتذليل ظواهرها المدمرة؟
6.
هذا هو الاختيار:
أمَّا العقل ...
 وإمَّا الجهل والعيش في "ملكوت الأوهام" سعداء رغم الكوارث الاقتصادية والسياسية والمآسي البشرية التي يكاد لا يوجد شعب واحد يعتنق الإسلام لم يمر بها، أو لايزال يمر بها، مُعَرِّضَةً وجوده التاريخي للهلاك! ولن اعطي أية أمثلة: 
ـ يكفي أنْ تَكْتُبَ اسمَ "دولة إسلامية" في مُحَرِّك البحث "جوجل" وستري النتائج!
 

 
[1]  صفحة اليوم السابع: " د. أحمد عبد الحي يكتب الفرق بين وسواس الشيطان والوسواس القهرى": السبت، 22 يناير 2011 09:34 م.
[2]  تكاد أن تكون كلمة "الرحمن" هي التسمية المشتركة بين جميع العقائد الدينية، وخصوصاً تلك التي تسمى بالأديان الإبراهيمية، لفكرة "الله". وهي في الإسلام لا تعني إلا هذا المعنى، بغض النظر عن إصرار المفسرين باعتبارها واحدة من صفات لله، كما يفسرونها عادة في عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم".
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر