1.
ربما من سبق له أن قرأ مقالاتي بصورة سطحية سوف يندهش للعنوان. أما من قرأها بتمعن فإنه لن يرى في هذا العنوان غير مجاز يكشف عن لعبة "الصانع" و"المصنوع" الإسلامية.
إنَّ نفيي المطلق لوجود "الله" [وهذا ما يعجز عن فهمه المسلم ولا يتحمله] يجعلني عاجز عن توصيفه بأيَّ نوع من التوصيف – لا بالسلب ولا بالإيجاب.
فـ"الله" ليس غائباً بل "لاموجوداً"؛ واللاموجود لا يمكن أنْ يُوصف – بل هو لا يستحق حتى الوصف.
إنه العدم بذاته ولا توصيف للعدم.
2.
ولهذا فإن "الله" في كتاب محمد هو تصور محمد [أو أياً كان مؤلف الكتاب أو ساهم في كتابته – وهم كثيرون].
وهذا يعني أنَّ [محمداً – كائناً من كان] هو الصانع المُوجِدُ لفكرة لا توجد خارج رأسه. لكنَّ الفكرة هذه تحولت إلى عقيدة وتسللت إلى عقول آخرين. فقرروا واستناداً إلى "منطق الكَثْرَة" ومادامت تؤمن به كل هذه الجموع فإنَّه "موجود" ولا شَكَّ – وإلا كيف آمن به الآخرون قبلنا؟!
وهنا تأتي إلى المقدمة "تجربة القرود".
3.
التجربة:
وضعوا خمسة قرود في غرفة مغلقة حيث يوجد على أحد الرفوف صحن مملوء بالموز. ولكن حالما يتوجه أحد القردة إلى الصحن ليلتقط موزة وحالما يلمس الصحن يُوجه المراقب للتجربة تياراً قوياً من الماء البارد باتجاه الجميع.
وهكذا تكررت التجربة كلما حاول قرد أن يقوم بنفس الفعل فيُوْجه ضد الجميع تيار قوي من الماء البارد. فأدركت القردة بأن أية محاولة من أي قرد لأخذ الموز تُسبب مشكلة للجميع.
ولهذا وحالما يهمُّ أحد القردة للقيام بهذا الفعل يهجم عليه الجميع وينهالون عليه بالضرب خوفاً منهم من رشاش الماء البارد.
وهكذا امتنع الجميع عن فكرة الموز.
بعد ذلك أُخْرج أحد القرد من الغرفة وأُدْخلَ بدلاً منه قردٌ آخر جديد إلى الغرفة. وحالما انتبه القرد الجديد إلى صحن الموز وحاول التقاط موزة هجم الجميع عليه كالعادة وانهالوا عليه بالضرب.
وبعد محاولات عدة فهم القرد الجديد بأن الموز مصدر للمتاعب رغم أنه لم "يفهم" الأسباب.
ثم قام القائمين بالتجربة وبصورة تدريجية بإخراج أحد القردة القدامى وإدخال قرد جديد بدلاً منه حيث يتكرر نفس المشهد:
كلما ينوي القرد الجديد التقاط موزة تنهال الضربات عليه من قبل القردة الموجودين قبله.
وقد استمر الحال حتى حلَّت محل جميع القردة القديمة خمسة قردة جديدة لم تعاصر سبب تصرف القردة السابقين من المجموعة المتجددة، كما لم يعرف كل قرد منهم سبب هجوم القردة الأخرى عليه.
لقد "آمنت" القردة الجديدة من غير أن تعرف السبب بأنَّ الاقتراب من الموز محظور عليهم ويشكل خطراً على حياتهم.
هذه ليست حكمة. فأنا أكره الحكم.
هذه واقعة!
4.
وحين نتحدث عن محنة "الله" فإننا نتحدث عن محنة المسلمين الذين آمنوا بعقيدة لا يدركون لماذا آمنوا بها غير أنَّ آخرين سبقوهم بالإيمان بها.
إن القردة لم تفكر – بل لم تحاول التفكير:
فالأمر "بَيِّنٌ" لا ريب فيه: إنَّ عليهم قبول ما قبله السابقون وسوف يُنقل هذا الخوف من الاقتراب من صحن الموز إلى اللاحقين.
5.
إن عدم "التَّفَكُّر" بأسباب الخوف من الاقتراب من صحن الموز من قبل القردة قضية هي خارج إرادة القردة أنفسهم. فهي عاجزة من حيث الطبيعة في أن "تفكر" خارج مجموعة من الاشتراطات والأفعال الغريزية أو استناداً إلى المحاكاة وفي أمور مباشرة تخص الحصول على الغذاء والتكاثر ودرء الأخطار بالهروب إذا لم تكن مضطرة للقتال.
6.
لكن البشر – ولهذا هم يحملون صفة البشر – يمتلكون أداة فعالة من حيث المبدأ في التغلغل في نسيج الوقائع وربط الأحداث ببعضها والتوصل إلى الأسباب والتحقق منها واستخلاص النتائج.
إنَّ البشر سوف يتساءلون (وإلا لن يستحقوا لقب البشر):
لماذا لا تقترب القردة من صحب الموز؟
- لأنه خطرٌ – سيقول الآخرون.
- وما هو مصدر الخطر؟
- لا ندري "الله أعلم" – يردون عليه.
- إذن لا معنى للخوف طالما لا تعرفون الأسباب. لنقترب من صحن الموز ولنرى ماذا يحدث؟
- لا شيء!
7.
إذن ليس "الله" إلا "لا شيء"؛ فكرة طرأت على محمد [محمد "شخصية" أقرب ما يكون إلى المفهوم الديني منه إلى الحقيقة التاريخية]؛ وما محمد إلا تاريخ من الاعتقادات البشرية المتناقضة والمتراكمة عبر تاريخ طويل آمن بها آخرون من غير أن يعرفوا السبب؛
فآمن الناس [أصبح اسمهم مسلمين] في هذه الاعتقادات وهم لا يعرفون لماذا – والدين هو اصطناع واختلاق "الإجابة" على "لماذا"؛
وإنَّ الوجه الآخر لمحنة المسلمين تتبدى في سعيهم لحل إشكالات كثيرة وتذليلها. لكنهم كلما ذللوا إشكالاً ظهرت لهم حزمة من الإشكالات الجيدة التي توجب عليهم حلها. لأن "الإجابة" مصطنعة.
حتى وصلوا إلى نهاية من اليأس والملل فقرروا التمسك بما كان والعودة إلى غابر الزمان – فليس بالإمكان أحسن مما كان كما يقولون.
8.
لكن محنتهم لا تزال قائمة:
فهم لا يزالون لا يعرفون "الإجابة" على سبب إيمانهم غير أنَّ مَنْ سبقهم كان يؤمن!
أما من يرفض هذه الاعتقادات فإن عليه:
إما الصمت وإما تغيير المكان [وهذه محنة الذين يعرفون الإجابة]!