1.
من المثير للاهتمام الاستطلاع الذي
أنجزته "foreign affairs " بالتعاون مع "البارومتر العربي" و" المركز
الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" في الفترة الزمنية ما بين 28 سبتمبر و8
أكتوبر. وقد تم الانتهاء من المقابلات بتاريخ 6 أكتوبر في غزة – أي قبل أيام فقط
من اندلاع الحرب.
وقد
شارك في الاستطلاع 790 شخصاً من الضفة الغربية و399 شخصاً من قطاع غزة.
شمل
الاستطلاع قضايا مختلفة يمكن الاطلاع عليها في المقال المخصص للاستطلاع " مارأي الفلسطينيين في حماس" الذي نشر على صفحات foreign affairs " بتاريخ 25 أكتوبر.
2.
إنَّ قراءة متأنية للإحصائيات الواردة
في الاستطلاع واستناداً إلى الفترة الزمنية التي أجريت فيها المقابلات والأخذ بنظر
الاعتبار "الرقابة الذاتية" للفلسطينيين في ظروف استحواذ
"حماس" على السلطة الشاملة في قطاع غزة وتأثيراتها النفسية على
الفلسطينيين في الضفة الغربية فإن الموقف الرافض لـ"حماس" ولسلطة "حماس"
يرسم صورة في غاية البلاغة ويدعم التقديرات والتحليلات السياسية للوضع في غزة
والضفة الغربية والمعروفة جيداً لكل من يطالع ما يحدث هناك.
3.
هنا تأتي الأرقام لتدعم الفكرة
الأساسية وهي أنَّ حركة دينية متطرفة لا يمكن إلا أن تعبر عن أهدف وتطلعات دينية
متطرفة لا علاقة لها بحياة الناس اليومية.
فالإحصائيات تقول بوضوح شديد إن قادة
غزة لم يكونوا يتمتعون بشعبية كبيرة. وإن الدعم الحقيقي لــ"حماس" لا
يأتي إلا من 29% من الفلسطينيين في غزة زائداً فوهات البنادق!
فقد كان سكان غزة مصابين بالإحباط بسبب الإدارة غير الفعالة للجماعة المسلحة في الوقت الذي كانوا
فيه يعانون فيه من صعوبات اقتصادية شديدة. كما أن أغلب سكان غزة لا يؤيدون
أيديولوجية "حماس". وعلى عكس "حماس"، التي هدفها "تدمير" دولة إسرائيل، فضَّل غالبية المشاركين
في الاستطلاع حل الدولتين مع وجود فلسطين المستقلة وإسرائيل جنباً إلى جنب.
4.
تكشف نتائج الإحصائيات الواردة في
المقال المشار إليه بأن سكان غزة ليس لديهم ثقة كبيرة في الحكومة التي تقودها
"حماس". فقد قال 44% من المشاركين
في الاستطلاع بأنهم "لا يثقون على الإطلاق"
بـ"حماس"؛ وكان رأي 23% من
المشاركين بأنه "ليس هناك الكثير من الثقة"؛
وقد أعرب 29% فقط من الفلسطينيين عن ثقتهم
الكبيرة إلى حدما بـ"حماس".
5.
أما نسبة الآراء المتعلقة بالفساد المستشري
في بنية إدارة "حماس" فقد جاءت مطابقة للوقائع المعروفة بين أوساط
الكثير من المراقبين منذ انقلاب "حماس" منذ 17 عاماً والاستحواذ الكامل
على قطاع غزة سياسياً وعسكرياً وإدارياً وانفصاله عن السلطة الفلسطينية في الضفة
الغربية.
فقد صرح
72% من المشاركين بوجود الفساد: من بينهم
34% يعتقد بوجود "قدراً كبيراً" من الفساد، 38% "قدراً متوسطاً من
الفساد في المؤسسات الحكومية. وإن نسبة الذين يعتقدون بأن الحكومة تتخذ خطوات
لمعالجة الفساد لا يشكلون غير نسبة ضئيلة جداً.
أما ما يتعلق بموقف سكان غزة بشأن
السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فإنه ليس أفضل من موقفهم من سلطة حماس. فنسبة كبيرة من المشاركين (52%) تعتقد أن السلطة الفلسطينية
تشكل عبئاً على الشعب الفلسطيني؛ و67% يطالبون باستقالة محمود عباس.
إن الإحصائيات الواردة في الاستطلاع لا
تكشف عن خيبة أمل سكان غزة من قيادة
"حماس" فقط، بل ومن القيادة الفلسطينية بصورة عامة.
6.
إن خيبة أمل السكان من القيادات
الفلسطينية نجد لها انعكاساً واضحاً يتعلق بالتصويت فيما إذا تم إجراء انتخابات رئاسية.
فالنتائج تدعم خيبة أمل السكان المشار إليها وعدم وجود ممثل حقيقي للفلسطينيين
يستطيعون منحه الثقة.
فعندما سئلوا كيف سيصوتون إذا أجريت
انتخابات رئاسية في غزة وقد تضمنت قائمة المرشحين: إسماعيل
هنية [زعيم حماس] ومحمود عباس [رئيس السلطة الفلسطينية الحالي] ومروان البرغوثي، [القيادي
في منظمة فتح والمسجون الآن في إسرائيل] فقد كانت النتائج كالتالي:
إسماعيل هنية 24%
مروان
البرغوثي 32%
محمود عباس
12%
وإنَّ أعلى نسبة مئوية وهي [32] وفي
إطار الانتخابات الرئاسية تعبر عن أزمة ثقة عميقة بين الفلسطينيين بالقيادة
الفلسطينية وعدم وجود بدائل حقيقية يمكن أن يدعمها المواطن الفلسطيني.
7.
ليست هذه الخلاصة ذات طابع مؤقت أو
استثنائي. فهي تعبر عن حجم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها غزة مثلاً. فوفقاً
لبيانات البنك الدولي فقد ارتفع معدل الفقر في غزة
من 39% في عام 2011 إلى 59% في عام 2021. وقد صرح 78% من المشاركين في الاستطلاع بأن توفير الغذاء اصبح
مشكلة "متوسطة" أو "حادة" في غزة. ولم يصرح غير
5% فقط بأنها لا تشكل مشكلة على الإطلاق [لا يوجد شك في الهوية السياسية لهؤلاء]!
8.
من المعروف أن استطلاعات الرأي هي
عبارة عن "صورة فوتوغرافية" تعبر عن الميول والآراء والمشاعر في إطار
الفترة الزمنية التي أجري الاستطلاع في إطارها.
ولهذا فإن الأحداث المأساوية منذ السابع
من أكتوبر، والدمار الشامل لمدن وبلدات وأحياء غزة، وأعداد القتلى والجرحى
المتزايدة، ونزوح الغالبية الكبرى من السكان من ديارهم، ودخول المواطن الفلسطيني
في نفق مظلم جديد لا أحد يعرف نهايته، قد تغير بصورة عميقة طبيعة "الصورة
الفوتوغرافية" التي التقطها استطلاع الرأي الحالي – خصوصاً بما يتعلق
بالمواقف السياسية.
وليس من المستبعد أن يكون هذا التغير لصالح "حماس" سياسياً. لكن المواطنين الفلسطينيين في قرارة أنفسهم قد عرفوا بدليل الكارثة التي يعيشون فيها بأن "حماس" لا يمكن أن تؤدي بهم إلى نهاية غير هذه النهاية المأساوية.
9.
ولكن ما هو واضح ويشكل حقيقة ملموسة
لن تتغير هو أن "حماس" قد فشلت، وما كان لها إلا أن تفشل، في الدفاع عن المواطنين
الفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. وهي لم تفعل شيئاً غير أن تقود غزة إلى كارثة
شاملة بالمعنى الحرفي للكلمة.
لكن الكارثة الأكبر هي غياب قيادة فلسطينية
لا أن تعبر عن طموحات وتطلعات الفلسطينيين فقط، بل وقادرة على قيادة الأحداث
والوقائع السياسية الملموس لتحقيق هذه الطموحات والتطلعات إلى الأمن والسلام
الحقيقي استناداً إلى حل الدولتين الذي أصبح ملحاً أكثر من أي وقت آخر.
10.
فهل ثمة ضوء في نهاية النفق؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق