منع

"الخنزير المدهون بالوحل" ومنطق تبرير "حكم الردة"

مقدمات:

[1] في عدد من المدن الأوربية وبعض الولايات الأمريكية وفي المهرجانات المخصصة للمحاصيل الزراعية وتربية الحيوانات تجري سباقات مسك الخنزير المدهون بالسمن.
كما توجد مسابقات قريبة من هذا النوع وهي مسك الخنزير في حلبات من الوحل مخصصة لغرض السباق.
فمن المعروف أنَّ مَسْكَ الخنزير وفي الحالات الاعتيادية مهمة صعبة جداً وخصوصاً عندما يكون الخنزير سيء الطبع! فهو قادر على التملص من قبضة أكثر الرجال قوة وتجربة. ولهذا فإنَّ مهمة مسكه مدهوناً بالسمن أو بالوحل مهمة مضاعفة وتكاد تكون " Mission: Impossible “!
[2] هذا الوصف المرئي "لمنطق التملص" يكشف عن طبيعة نوع من المنطق الإسلامي المداهن وأسلوب التملص من المآزق الفكرية والأخلاقية واللاهوتية التي لابد وأن يقع فيها المسلم عاجلاً أم آجلاً – وفي أغلب الأحيان عاجلاً!
فالتناقضات ما بين حقائق الحياة واشتراطاتها وقوانين التطور الطبيعية للوجود البشري من جهة والمكونات الداخلية للعقيدة الدينية الإسلامية من جهة أخرى لابدَّ وأنْ تنفجر في كل لحظة من النقاش.
[3] للحق والحقيقة يمكن القول أنَّ منطق الخنزير المدهون بالسَّمن أو بالوحل ليس حكراً على المسلمين. فهو سمة لموقف كل من يرفض الحقائق بجلافة وسماجة وابتذال وصلافة لاهوتية.
1.
في هذا الموضوع لا أناقش قضية "حكم الردة" من حيث الجوهر. فقد سبق لي مناقشته وعبرت عن رأيي فيه وكشفت عن منطق الإيديولوجيا الشمولية الاستبدادية التي ينتمي إليها ولا ضرورة لتكرار هذه المناقشات إذا يمكن الاطلاع عليها في المنتدى.
ولكن ثمة جانب هام آخر من الموضوع غالباً ما يظل خارج الضوء والاهتمام رغم أنَّ المسلمين العلنيين والمستترين لا يتوانون عن استخدامه وهو:
أنَّ الحديث عن "حكم الردة" هو هجوم غير مبرر على الإسلام والمسلمين لأنه لم يُطَبَّقْ على أرض الواقع"!" وإنْ طُبِّقَ فإنَّ المسلمين والإسلام بريؤون منه كبراءة الذئب من دم يوسف (رغم اعتراضي على هذا المثل من الناحية المنطقية بسبب كون الذئب لم يأكل يوسف)!
2.
هذا التملص من فلسفة استبدادية عن طريق الخرق الفاضح للوقائع يجعل مسك الخنزير المدهون بالسمن أو بالوحل مهمة صعبة!
إذن:
"حكم الردة" لا يُطَبَّقُ عملياً؛
أيْ: أنه حُكْمٌ مُعَطَّل!
وبالتالي فإنَّ مَنْ يترك الإسلام سيبقى يسرح ويمرح في ديار المسلمين والأحلام!
وهذه نتيجة تمتلك الحد الأعلى من الوقاحة الأخلاقية – سواء أدرك صاحب الرأي هذا أم لم يدرك.
ومع ذلك فإن الأمر أكثر تعقيداً من وقاحة أخلاقية:
إنه جهل صلف واستهتار بمنطق التشريع وآليات تطبيق القوانين..
3.
الفرق ما بين الحُكْم المُعَطَّل والحُكْم الفاعل مع وقف التنفيذ: منطق التهديد
إنَّ المسلم يمتلك حق الكذب دفاعاً عن عقيدته. فهذا أمر تبيحه له العقيدة نفسها.
ولهذا فأنا لا أتحدث عن كذبه – فهذا أمر مفروغ منه.
أنا اتهمه بأنه يبرر ثقافة الكذب "ثقافة الاستبداد" ويبرأ ساحة الحكَّام ولاهوت عقيدة الاستبداد على حد سواء.
إنَّ أثر الأحكام التشريعية ذو طبيعة مزدوجة:
مادية: (تنفيذ الحكم فعلياً في حالة اقتراف الفعل الجرمي)؛
ونفسية: "الإرهاب" - حتى لا يقوم الناس بارتكاب الجرائم.
وهذا ما يجعل الطبيعة النفسية لأثر الأحكام هي الطبيعة الدائمة. فالناس يخشون تطبيق أحكام القانون إنْ قاموا بخرقه. أما الطبيعة المادية "الفعلية/التنفيذية" فهي الطبيعة المؤقتة للأحكام التشريعية.
ولهذا غالباً ما يُقال: بأن للقانون دوراً رادعاً.
بكلمات أخرى:
إنَّ أثر أحكام القانون قائم وفاعل بصورة دائمة على جميع الأفراد: سواء ارتكبوا فعلاً جرمياً أم لا..
ولأنَّ تطبيق أحكام القوانين المدنية تتعلق بحالات ذات طابع موضوعي وليس اعتباطية أو ذات طابع أخلاقي وديني ولا تقوم بخرق الحقوق المدنية للناس ومن ضمنها الحق المطلق بالإيمان أو عدم الإيمان بالعقائد فإن أحكام القوانين الجنائية لا تشكل عبئاً على حياة الناس إلا إذا تم خرقها رغم أنها قائمة دائماً.
4.
فكيف تستوي الأمور في حالة الأحكام الدينية: الشريعة؟
لا تستند الأحكام الدينية إلى أي نوع من الحقوق المدنية – بل هي ترفض الحقوق المدنية من حيث المبدأ. ولهذا فإنَّ موضوعة التحريم لا تتعلق بـ"جرائم" واقعية موجهة ضد الفرد والمجتمع والدولة، بل هي أحكام "إرادوية" تستند إلى عقيدة مجموعة من الناس (قلَّ أو كثر أعدادها) وتتضمن فرضاً من هذه العقيدة على كل شخص تمتلك إمكانية فرض الأحكام عليه: وهو الإيمان بـ"الله" أو بالفيل الطائر أو بالبطاطا المشوية!
وبالتالي فإن "حكم الردة" هو حكم يُفرض على الناس عقيدةً ما وسوف تكون عقوبتهم الموت إن رفضوا هذه العقيدة.
إذن:
أولاً، لا يستند حكم الردة إلى أية مسوغات منطقية أو اجتماعية أو حقوقية. فهو فرض وجبر وتطويع للناس في اعتناق العقيدة الإسلامية، أو الفيل الطائر، أو البطاطا المشوية؛
ثانياً، إن هذا الحكم، ومن حيث الأثر، هو قائم وفاعل بصورة دائمة باعتباره رادعاً للناس حتى لا يقوموا بتغيير آرائهم الدينية. وهو في جوهره حكم لا يختلف عن حكم إجبار الناس ارتداء نوعاً من الملابس – كما يحدث في كوريا الشمالية!
5.
وعندما نتحدث عن تأثير "الردع" ضد حق الناس بالإيمان أو عدم الإيمان بـ"الفيل الطائر" فإنَّ "حكم الردة" يطبق يومياً.
ولكي يفلت الناس من مخاطر الوقوع في المصيدة فإن عليهم استخدام وسائل مختلفة في العيش والسلوك والممارسة حتى يتجنبوا العقوبة.
وهذا لا يعني غير خوف دائم ومتواصل طالما عاش المرء في إطار هذا المجتمع الإسلامي أو ذاك. ولا خلاص أمامه – إن رفض الخضوع للإيمان الإسلامي أو الفيل الطائر ألا بمغادرة بلاده أو التستر على رفضه لعقيدة " الفيل الطائر". وهذا يعني أن يعيش الإنسان بصورة سرية في بلاده؛ أي يعيش متنكراً لحقوقه المدنية وخاضعاً لأحكام جائرة وجلفة.
وبالتالي فإن "حكم الردة" تعبير مثالي عن الاستبداد الإسلامي والإرهاب اليومي الذي يعيش في ظله المختلفون عن المسلمين - سواء طُبِّق أم لم يُطَبَّق.
6.
فهل الحديث عن "حكم الردة" هو هجوم غير مبرر على الإسلام والمسلمين لأنه لم يُطَبَّقْ على أرض الواقع"!" وإنْ طُبِّقَ فإنَّ المسلمين والإسلام بريؤون منه كبراءة الذئب من دم يوسف!
هذا سؤال خطابي على أقل تقدير، لكنه سخيف بالتأكيد.
7.
خاتمة:
إنَّ منطق الخنزير المدهون بالوحل له نتائج تتعدى انحطاط الأخلاق والفكر والعقل:
فمن يدخل في هذا النوع من المسابقات، من المسلمين المستترين أو العلنيين، فإن عليه أن يطمس نفسه بالوحل.



دفاعاً عن الإلحاد!


[هل ثمة حياة أخرى على كوكب آخر؟]

1.
مَلَكِيٌّ أكْبَرُ مِنَ المَلِك!
لهذه الفكرة عدة صياغات مختلفة في الثقافات المختلفة. ففي بعض البلدان الأوربية مثلاً، ذات الأكثرية المسيحية تبدو هكذا:
"كاثوليكي أكبر من البابا"!
والمعنى واحد. فهما يشيران إلى منطق المبالغة والمزايدة على أفكار وعقائد معينة- فلسفية ودينية وسياسية وغيرها. وهو منطق مسيء في جوهره إلى منظومة الأفكار التي ينتمي أصحابها إليها. وإن ما يهمني هنا هو الدفاع عن الفلسفة الإلحادية: فهذه قضيتي.
2.
من السخف أن أقول بأن لا وجود لحقيقة مطلقة!
لأنه ببساطة لا وجود لحقيقة مطلقة! إذ أن تكرار بعض الحقائق من قبل كاتب ما يبدو في بعض الأحيان وكأنه اكتشاف!
ولكن في بعض الأحيان توجد ثمة ضرورة لقول ما هو بديهي حتى لا يبادر مجاهدو الانترنت للاعتراض على ما يقول الكاتب قائلاً: "لا توجد حقائق مطلقة"، بدلا من التفكير فيما يريد الكاتب الوصول إليه.
3.
هذا صحيح جداً: "لا توجد حقائق مطلقة".
لكننا مع ذلك ندافع عن الحقائق التي نرى بأنها على صواب، جاهدين أنفسنا (بقدر ما نمتلك من معارف وتجارب) في أن يكون طرح هذه الحقائق ينسجم مع منطق التفكير النقدي.
هنا أنا أدافع عن فكرة الإلحاد: ضد المؤمنين بالأديان وضد "المؤمنين" بالإلحاد على حد سواء!
هذا هو منطق تفكيري:
لا يكفي أن تدافع عن الإلحاد (بل من الأفضل حتى ألا تدافع عنه) إذا لم يكن دفاعك مبنياً على أفكار الإلحاد الأصيلة. والإلحاد ليست قضية إيمانية:
الإلحاد ليس ضد الدين كلعبة أطفال: أنا ضد ما تقوله أنت!
أنا ضد الدين ليس لأنني أريد أن أكون ضد المتدينيين؛
أنا ضد الدين لأن الحقائق اليومية ودروس التاريخ ومنطق التفكير النقدي العلمي قادتنا وهدتنا إلى أن الحياة هنا على الأرض فقط (ليس لدي أدلة على وجود أو عدم وجود حياة على كواكب أخرى وأكوان أخرى) ولا حياة أخرى لنا.
هنا، في هذا العالم المدهش (الذي ليس من النادر أن يكون قاسياً ومأساوياً وفظاً)؛ 
في هذا الوجود الوحيد، يكمن سر الحياة.
4.
وهكذا وبصورة أتوماتيكية سَقَطَت الأرباب الواحد بعد الآخر من حساباتنا واتضح كامل خرافة تاريخ الأديان.
نحن لسنا ضد السماء فقط، بل نحن مع الحياة على الأرض.
وهذا ما يعني ببساطة: 
أن الإلحاد هو فن الحياة الحقيقية: الحياة هنا والآن: ولهذا فأن الدفاع عن السعادة الأرضية والحرية والحقوق المدنية للبشر، جميع البشر ومن ضمنهم المتدنيين، هي التي تشكل مبادئنا اليومية، وليس النوم والغذاء والتنفس!
5.
إذن، وأنا أعني بقولي هذا النوع من الملحدين "الملكيون الذين هم أكبر من الملك"، فإن صياغة من هذا النوع: "الحياة هي الصفة التي نطلقها على الكائنات القادرة على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي" لهي من أسوء الصياغات وأكثرها إساءة لكرامتي كملحد، وهي تسيء إلى الإلحاد لأنها توفر شروط سوء الفهم العميق من قبل المتدينين.
6.
إن هذ التصورا، في أحسن الأحوال، "مغالاة عقائدية" من أسوء الأنواع!
فالحياة بالنسبة لنا ليست مجرد فعاليات " بيولوجية". هذا ينطبق على الموت، لأن عملية التحلل تؤدي إلى انتهاء الحياة وعودة جسد الإنسان إلى مكونها الأساس "المادة". ولكن الحياة بحد ذاتها - وأقصد حياة البشر - ليست مجرد نقيض للموت. في الموت ينتهي التفكير وينتهي إلى الأبد.
الموت تحلل لمادة الجسد.
لكن الحياة ليست مجرد بناء الخلايا. نحن لسنا كالعشب النامي على حافة الطريق!
7.
ما هو الفرق ما بين حياة الملحد وحياة المؤمن؟
الملحد لا يؤمن بــ"السماء" الإبراهيمية. ففي الأعالي، هناك خلف مدار الأرض مليارات الأكوان ومليارات النجوم "ولا شيء آخر"؛
لا رب يستوي على العرش ولا خالق "يبحلق" فينا ويترصد خطواتنا.
نحن أطفال هذا الوجود الأرضي: هنا ولدنا، وهنا نموت، وهنا نبقى إلى الأبد.
المؤمن يهفو إلى السماء الإبراهيمية، عاجز عن الحياة من غير آلهة؛ عاجز عن الوجود بدون خرافات أرباب تحميه من نفسه وتدير حياته.
أما نحن فنسعى إلى التفكير واستغلال الخيرات الأرضية بصورة عقلانية عادلة، نعتمد على وجودنا الأرضي ونطمح إلى حل معضلات الوجود هنا على الأرض لا في عوالم مختلقة!
هذا هو الفرق، لا شيء آخر!
الإلحاد فن العيش على الأرض!
8.
إن الصياغات السطحية للأفكار الإلحادية التي يقوم بها البعض تكتسب دائماً معنى عقائديا لا يختلف عن العقيدة الدينية، لأنها تبدد الأدلة ضد فشل الفرضية الدينية من جهة، وتقدم الإلحاد بوجه غريب عنه.
هذا هو منطق "الملكي أكبر من الملك". لأنه يدًّعي للملك حقوقاً لم تخطر حتى على بال الملك نفسه الادعاء بها. وهكذا يقوم بتحريض الآخرين عليه.
هذه المغالاة لا تدل على وعي بالألحاد وإنما فشل في مغادرة الإيمان الديني.
"ملكي أكبر من الملك" نوع من الهتافات الحماسية، كهتافات السلفيون: تجريد فض وسخيف للوجود البشري وقيمة هذا الوجود الذي لا قيمة له إلا بربطه بالسماء الإبراهيمية وربٍ جعلوا منه "هيئة رقابية" تتدخل حتى في حيض النساء!
السلفية، كتطرف عقيدي، تجعل الحياة نظاماً مقرراً محدداً مسبقاً ومبرمجاً من السماء.
إما الإلحاد "الإيماني"، فهو لا يختلف من حيث الجوهر. إذ يستحيل الإلحاد إلى فكرة معطاة مسبقاً وعلينا "صناعة" الأدلة على صحتها!
هذا سخف يرفضه كل الملحدين الذين دفعوا ثمناً باهضاً لكي يروا العالم والتاريخ على حقيقته وبعيون نقدية.
9.
إن القول بأن "حياة هي الصفة التي نطلقها على الكائنات القادرة على ممارسة النشاطات الحيوية الثلاثة وهي القدرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتفاعل مع المحيط الخارجي":
هي باختصار فكرة مبتذلة لتصورات مبتذلة.

هل يُعْتَبَرُ الصينيون مِنَ المبشرين بالجنة؟!

Made in China

1.
لا أشكَّ بأن موضوع تخلف المسلمين قد أصبح من المسلمات وكأنه ظاهرة طبيعية. لكنني مع ذلك كنت أعتقد بأنَّهم قادرون على إنتاج نوع من البضائع سهلة الصنع وهي أقرب إلى نفوسهم وأكثر ارتباطاً من أيِّ بضاعة أخرى بدينهم الحنيف. غير أنَّ الوقائع تُظْهِرُ ما لا يتوقعه المرء وما لم يفكر به.

2.

فبعد أنَّ أخذ التخلف الاقتصادي بالتوسع وأخذ الناس - ومن بينهم أصحاب الحرف يهربون من بلدانهم أو يضطرون بسبب ازدياد تكاليف المعيشة إلى البحث عن مصادر أخرى للعيش فقد ظلت الكثير من الحرف من غير حرفيين.
وهكذا أخذت الورش الصغيرة في مدن عربية مختلفة كثيرة كانت تصنع العمائم والمسابح (السبح) وسجاد الصلاة والخواتم وإحرامات العمرة والشالات والكوافي تتقلص والإنتاج يقل والحاجة (والحمد لله) تزداد إلى مستلزمات الطقوس وليس إلى مستلزمات العلم. بل حتى مستلزمات العلم ومنذ سنين طويلة لم تعد تصنع في أي بلد عربي إسلامي. والحمد والشكر للصين في تزويد الأمة الإسلامية باحتياجاتهم.

2.
ولهذا السبب كان على الشعب الصيني الحنيف أنْ يهبَّ كرجل واحد من أجل أن يلبي نداء الواجب الأممي ويهتف بصوت واحد:
- 不要對佛陀的憐憫感到絕望 (الترجمة الحرفية لمن لا يعرف الصينية: لا تيأسوا من رحمة بوذا!)
فقامت الصين بتصنيع النسبة الكبرى من الاحتياجات الطقسية للمسلمين مثل العمائم الأزهرية والمسابح (السبح) وسجاد الصلاة والخواتم وإحرامات العمرة والشالات النسائية والكوافي (جمع كوفية: شال الرأس الرجالي) وغيرها الكثير، بل لم ينسوا حتى ملابس السلفيين والتكفير والهجرة – القمصان الطويلة، رغم الشتائم التي يكيلها المسلمون للبوذيين الكفرة والملاحدة ليل نهار!
إلا أنَّ الصينيين لا ينتظرون من المسلمين لا شكراً ولا جزيلاً. لأنهم يعرفون (أو هذا ما ينبغي) بأنه أجرهم عند الله وبوذا معاً.

[made in China]
3.
طبعاً لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
فقد سعت الصين إلى تطوير المسلمين في مجال العلم والتقنية واخترعت لهم "المسبحة الإلكترونية" بدل "المسبحة" المتخلفة. يضغط المسلم على الزر ويستمع إلى "التسبيح" كما أنها تحتوي على أذكار الصباح والمساء وأحاديث عن فضل الأذكار.
باختصار:
كسل لاهوتي من الدرجة الأولى!
4.
ولكن للأسف وكالعادة وكما عودنا المسلمون أدى ظهور العمائم الأزهرية الصينية إلى أزمة لاهوتية حادَّة. إذ طالب الكثير من أئمة الجوامع في مصر مثلاً من الأزهر إصدار فتوة مستعجلة لتحريم العمائم الصينية. فهذا خرق صارخ للعقيدة.
أزهري بعمامة صينية؟!
هذا كفر!
وبغض النظر فيما إذا كان الأزهر قد أصدر مثل هذه الفتوة أم لا، فأنا لا أعرف ما هي مشكلة العمائم الصينية من الناحية الفقهية!
فهل ينبغي أن تُخاط على الطريقة الإسلامية مثل الدجاج والخرفان؟
أم أنْ تكون مثلاً مكائن الخياطة باتجاه المملكة العربية السعودية؟
أم أنْ تكون الخياطات والخياطون مسلمين؟
5.
علينا أن نعترف بأنَّ ما يقوم به الصينيون الحنفاء لهو إنجاز كبير من أجل العقيدة الإسلامية والمسلمين والناس أجمعين. فقد تحولوا إلى "عمود فقري" للطقوس والتقاليد والإكسسوارات الإسلامية وبدونهم فإن أحوال المسلمين والمسلمات سوف تتدهور إلى أسفل سافلين.
هذا العمل التقوي البوذي لا يستحق الشكر فقط، بل ويستحق الثواب من "الله" شخصياً.
وأنا آمل من كل قلبي أن يشمل "الله" الصينين برحمته وأن يبشرهم بالجنة!
آمين . . .



ملفات بندورا والفساد وجلالة الملك!

عبد الله الثاني


1.
لم تكن تعنيني يوماً حياة الملوك المزيفين العرب.
فلم يعد يمكن معرفة شيئ جديد عنهم غير أعمارهم المتغيرة أو أخبار من مات منهم على ما اقترفه من جرائم الفساد وقمع المعارضين له لكي يحل محله آخرُ لا يقلُّ عنه سوءاً ووقاحة.
ولهذا لم يكن يعنيني ملكاً مزيفاً يعيش على المساعدات الأجنبية مثل "الملك" الأردني.
2.
لكن المصيبة (وهي مصيبة جميع السياسيين المتسلطين الذين منحوا أنفسهم سلطة ربانية) هي أنَّ ضررهم الخفي على شعوبهم أكثر عمقاً مما يتصور الشعب ذاته.
فدولة تعتاش على المساعدات الدولية والتي يجب صرفها على تحسين حياة الناس نجد أن "الملك!" الأردني يقوم بصرف هذه الأموال على مصالحه الشخصية ومراكمة احتياطات مالية من خزينة الدولة لليوم الأسود الذي يتوقعه جميع الحكام العرب. فحساباته في البنوك السرية التي تم الكشف عنها لا تقول غير شيء واحد:
إنه لا يصلح لكي يكون رئيساً لدولة (للمعلومات رئيس الوزراء في الأردن وفي المغرب مثلاً منصب شكلي - أي: فزاعة خضرة)!
فإذا كان الفساد يبدأ من "الملك!" فما هو أمل الناس في تحسين أوضاعهم ومكافحة الفساد؟
ومن هذا الذي سوف يسمع مطالبهم التي عبروا عنها في مظاهرات العام الماضي وتم اعتقال المناوئين للسلطة؟
3.
فقائمة أموال الفساد التي قام بتهريبها الكثير من السياسيين (وأغلبهم من المستبدين) لا تعني غير أموال مسروقة من ميزانية الشعوب التي يحكمونها أو هم جزء من "شلة الأنس" الحاكمة [وبالتعبير الأدبي المصري: القطط السمان].
هذا ما كشفت عنه (وهو ليس مفاجأة) ملفات باندورا "Pandora papers" التي ساهم بها حوالي 600 صحفياً من مختلف دول العالم الذين قاموا بدراسة أكثر من مليوني وثيقة تتعلق بأموال السياسيين من مختلف بقاع العالم المخفية في شركات الأوفشور offshore .
وقد كان "الملك" عبد الله واحد مهم.
[من أملاك "جلالة الملك!" في ماليبو -كاليفورنيا وهي من أموال المساعدات الأجنبية]
ففي الوقت الذي صرح فيه العام الماضي رئيس الوزراء الأردني بأنه سوف يلاحق جميع الأموال التي تهرب إلى خارج البلاد والتي تقدر بـ 800 مليون دولار سنوياً فإن سيده بالذات هو واحد من "هؤلاء المهربين".
فكما ظهر فإن "الملك" قد قام بتهريب ما قيمته 100 مليون دولار أمريكي ويمتلك 14 منزلاً (قام بشرائها ما بين عامي 2003 و2014) في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار أمريكي وغيرها الكثير!
4.
ولأنَّ موضوعنا "الإيمان" والتقوى" والأخلاق" الإسلامية فإنَّ صاحبنا "جلالة الملك!" تعبير "ناصع" عن قيم الإيمان والتقوى وهو القدوة الحسنة والخلف الصالح لذاك السلف.
عبد اله الثاني أثناء الحج!
[هذا هو الملك التقي.أمَّا الأموال المهربة فهي مدفوعة الزكاة!]

إن الظروف القاسية التي يعاني منها الأردنيون، وخصوصاً في ظروف الكوفيد- 19، تفترض من "القادة" الأتقياء مزيداً من التقوى، ومن القادة الذي يحثون شعوبهم على الأخلاق أن يمتلكوا المزيد من الأخلاق.
لكن سرقة أموال الدولة وتهريبها خارج البلاد والتمتع بملذات الدنيا (التي يحتقرها المسلمون) لا علاقة لها بالادعاءات والهراء والسخف الذي يملأ الصحف المحلية عن الأمانة والصدق وحماية مصالح الشعب.
5.
إنه مجرد وجه واحد من وجوه الفساد في مملكة الظلام - أي بالعربي الفصيح: حاكم عربي.
فعندما يغيب القانون (أو أنْ يصنع الحاكم نفسه قوانين الدولة)، وتغيب المراقبة المالية الفعلية، وعندما تتحول الحكومة إلى وظيفة للدفاع عن الحاكم فإن على الشعب أن يفقد الأمل في هذه النوع من الحكم.
وكل دولة فاسدة لابد أن تكون دولة قمعية.
وهذه هي العلاقة الجدلية ما بين الاثنين: الفساد والقمع.
وفي ظل هذا الخراب نجد مداحي ووعاظ السلاطين من الفقهاء والمثقفين المزيفين يدافعون عن "أولي الأمر" ليل نهار صانعين صورة مزيفة عن الواقع المرير وخداع الناس.
سوق أ{دني والبائع يقرأ صحيفة الرأي!

[في عنوان المقال الافتتاحي خطأ مطبعي - الصحيح هو: لا أحد فوق الملك]
6.
في موضوعي المنشور: [الإصلاح والتحديث والخروج من الإسلام] كتبت ما يلي:
إن الأمر يتعلق برأس للدولة فوق الجميع وفوق القانون. تَسَلَّح بالجيش والشرطة وأجهزة القمع السرية والعلنية والمؤسسة الدينية. فهو بحاجة إلى أيديولوجيا للأوهام – ومن غير الدين يمكن أن يلعب هذا الدور؟
فالقوة الغاشمة مهما كانت صالحة لفرض الإرادة فإنها بمفردها ستكون عاجزة عن تحقيق أهدافها.
والدين يوفر للَمَلِك القديم والمَلِك الجديد "السلطة الروحية" ولهذا فإن عليه شراء المؤسسة الدينية المستعدة للشراء، أو كما يسميهم محمد أركون "العلماء الموظفين المعَّينين رسمياً لتسيير شؤون التقديس في المجتمع".
إذن، بإسقاط "الخليفة والسلطان والإمام" من جميع الأنواع والموديلات الذين حولوا أنفسهم إلى ظل الله على الأرض وعندما يتم إسقاط ما تبقى منهم في شخص الملك العلني والمستتر، فإن الله سيبقى من غير ظل!
فظل الله هذا - هو الذي كان النقطة الواصلة ما بين السماء والأرض. وعندما يسقط هذا الظل فإن الأرض ستبقى من غير سماء.
ولكن كيف يمكن خلع الملك العلني والمستتر (رئيس الجمهورية) وإعادة السلطة الأرضية للمجتمع؟
إن الحل هو الديموقراطية!


تعقيب [مضاف في ساعة متأخرة من ذات اليوم]:
1.
اليوم بعد الظهر عرضت الكثير من محطات الأخبار جزءاً من تسجيل لخطاب "صاحبنا الملك!" أمام مجموعة مجهولة من البشر في قاعة ما، في مكان ما وفي ساعة ما.
وفي هذا الفيديو القصير يدعي "صاحبنا الملك" بأنَّ ما نُشر بصدد الأموال المهربة والعقارات الكثيرة في أمريكا وبريطانية هي "حملة" موجهة للتفرقة "بيننا"!!!
2.
والحق أنني لم أفهم شيئين:
أولاً، من هُمْ هؤلاء الـ "بيننا"؟
وبينه وبين مَنْ تسعى الحملة إلى التفرقة؟
ثانياً، من "هذا" الذي يقود الحملة ضده؟!
- الإمبريالية والاستعمار؟
هو يعيش من مساعداتها.
- إسرائيل (كعادة العرب)؟
هي من أقرب الأقرباء له ومنذ حياة أبيه!
إذن لم يبق أحد آخر!
3.
وما رأيه بالوثائق المنشورة حول الموضوع؟
وما رأيه بمحاولاته الفاشلة (من خلال أجهزة أمنه) لأعاقة انتشار الخبر في الأردن والإعلام العربي؟
هذا مثال فقط على مهزلة الحكام العرب من المحيط إلى الجحيم!



متلازمة ستوكهولم: أن يفتخر المسلم بأنه عبد مطيع!

1.
عليَّ أن أعترف بأنني في اللحظة التي رأيت فيها اعتراف أحد المسلمين بأنه "يفتخر بعبوديته" تداعت إلى ذاكرتي أفكار أريك فروم في "الهروب من الحرية". فكان من الطبيعي (على الأقل بالنسبة لي) أن تترابط أفكار فروم مع تصورات إيتيان دو لا بويسي في "العبودية الطوعية".
ولهذا فإنني لم أستطع تجاوزهما وأنا أتأمل هذا الاعتراف المشين.
2.
ورغم أن كلا الكاتبين لا يتحدثان عن الإسلام والمسلمين فإن في كلا الكتابين وصفاً دقيقاً وعميقاً وقاسياً للبنية السيكولوجية للمسلمين الذين يشعرون بالنشوة من فكرة "العبودية" والرافضين بصورة مَرَضِيَّة للحرية. وإن هذا الموقف الكاره للحرية والتفكير على أساسه يظل يطارهم حتى لو غادروا الإسلام إذا لم يجتثوا روح العبودية من ثقافتهم من جذورها ويستأصلوا كل علاقة بالدين.
3.
الفاجعة:
أنْ يفتخر "الإنسان" بعبوديته متخلياً طوعياً عن حريته فإنَّه لابدَّ قد حَدَثَ أمْرٌ جَلَلٌ!
أمَّا إذا لم يكنْ قد حدثَ أمرٌ جللٌ؛ وإن الأرض لا تزال تدور حول الشمس؛ والشمس لا تزال مشرقة، فإنها في هذه الحالة معضلة حقيقية لا يمكن حلها إلا إذا أخذنا بنظر الاعتبار بأنها حالة مَرَضِيَّة.
4.
يقول المثل الإنجليزي: "ضع نفسك في حذائي!": أيْ تخيل نفسك أن تكون في ظروفي؛ ضع نفسك في مكاني!
لكنني وعليَّ أنْ أقول بصريح العبارة ومن غير أيِّ تردد:
لنْ أضع (ولا حتى أتخيل ولو للحظة واحدة أن أضع) نفسي في مكان هذا المسلم فهدا أمر مخزي!
فـ"روح العبودية" الطوعية لا يمكن أن تكون تجربة تستحق المشاركة والتفهم في ظروف يستطيع الإنسان ألا يكون عبداً لعقيدته.
إنَّ قوة الإجبار والاستبداد يمكن أن تطيح بالجسد وتستعبده؛ تعتقله وتقيد حركته؛ تُكَمِّم فمه وتمنع عنه حرية التعبير- وهذا ما يحدث للناس في مملكة الظلام.
ولكنْ ليس بمقدور مملكة الظلام – أو أية مملكة أخرى أن تصادر عقول الناس الذين يرفضون التخلي عن عقولهم أو أنْ تُفْسِد قدرتهم على التفكير النقدي إنْ تحصنوا ضد هذا الإفساد..
فالخضوع الجسدي الخارجي (الإذعان الاجتماعي والجسدي وتحمل الهراء اليومي) لا يطيح بعقول جميع البشر. فهناك من يظل حراً تماماً يتحدى جبروت عالم الاستبداد الذي يعيش في ظله.
إنها قضية اختيار.
5.
[سجن الجسد سجن مؤقت مهما طال، أما سجن العقل فهو سجن مؤبد]


تعريف العبد والعبودية: غياب الإرادة
مهما تعددت وتنوعت أشكال العبودية في المكان والزمان؛ ومهما اختلفت الشروط التاريخية – الاقتصادية والاجتماعية، فإنَّ ما يربط جميع الأشكال هو شيء واحد أساسي:
غياب الإرادة!
أو بكلمة أدق: تغييب إرادة الإنسان طوعياً أو بالإكراه الخارجي.
فالقاسم المشترك إذن هو غياب الحرية.
أيْ أن العبد هو الفاقد لحرية التفكير والعيش والتعبير.
6.
الهروب من الحرية:
هو العبودية الطوعية والتي تبدأ من العبودية لوهمٍ - لا يهم ما اسمه: "الله" أو "الفيل الطائر" أو "البطاطا المسلوقة". فهي أسماء لا غير – لا تحل ولا تربط. أمَّا "البطاطا" المسلوقة فهي تُشبع الجائع – وهذا ما تعجز عنه خرافة "الله" و"الفيل الطائر".
ملاحظة هامة:
إنَّ "الفيل الطائر" فكرة طريفة ومثيرة للخيال والقدرة على الابتكار.
أما "الله" فهو فكرة سخيفة ومملة وسقيمة.
7.
كيف يحدث هذا الانحراف عن طريق العقل والتفكير السوي؟
كيف يتخلى المسلم عن حريته طوعاً؟
إنَّ مثل هذا الانحراف العميق في العقل والمشاعر الإنسانية لا يمكن فهمه على أساس "الإيمان" فقط.
فالملاحظة اليومية لا تكشف لنا عن تماسك في طبيعة العلاقة الإيمانية ما بين المسلم وفكرة "الله" إلا من حيث النوع ولكن ليس من حيث الدرجة.
ودرجة "الإيمان" في موضوع نكران الذات والحرية الشخصية له قيمة حاسمة لا تقل عن نوع الإيمان.
فلماذا لا نرى ولا نسمع جميع المسلمين يصرخون ليل نار بامتنانهم لعبوديتهم وخضوعهم لفكرة الله ويعبرون عن فخرهم بهذه العبودية؟
ولماذا يمتنع الكثير من المسلمين عن أداء أكثر الطقوس والمتطلبات الدينية أسياسيةً– كالصوم والصلاة والحج والزكاة؟
ولماذا يهجر الكثير من المسلمين الإسلام حاملين في تفكيرهم عقائد مختلفة؟
ولماذا يرفض الكثير من المسلمين العقيدة الدينية الإسلامية وفكرة "الله" باعتبارها هراء لا تستحق الإيمان والتصديق؟
إذنْ "الإيمان" لا يكفي لتفسير هذا الانحراف العقلي والنفسي واستحالة البشر إلى زومبي"zombie" يتخلون "طوعاً" عن عقولهم ويلقون بأنفسهم في لجة بحر الأوهام.
6.
متلازمة ستوكهولم:
فطالما توصلنا إلى أنَّ "الإيمان" لوحده لا يفسر لنا الحالة النفسية المتطرفة للمسلم بالتخلي عن أيِّ شكل من أشكال اعتبار الذات والسقوط في هُوَّة الغياب والرفض الحاسم للحرية والإرادة الذاتية وتفضيل وعي العبودية والخضوع المطلق لفكرة "الله"، فإنَّه لابد وأنَّ ثمة سبب/أو أسباب أخرى تفعل فعلها بموازاة "الإيمان". وإنَّ واحداً من أهم هذه الأسباب هو: تأثير "متلازمة ستوكهولم".
متلازمة "Syndrome" ستوكهولم مفهوم أرسى معالمه الأولية الطبيب السويدي في مجال الطب النفسي الجنائي نيلس بييروت Nils Bejerot (1921 – 1988) بالعلاقة مع أحداث المحتجزين الأربعة عام 1973 في أثناء السطو المسلح على خزانة حفظ المقتنيات في أحد البنوك.
متلازمة ستوكهولم هي ظاهرة نفسية مَرَضِيَّة معقدة حيث يقع الشخصُ المُخْتَطَفُ (أو المحتجز رغماً عن إرادته، أو الذي يخضع للاستبداد والقمع والقهر في الحالات المختلفة لفترة طويلة، أو القمع في إطار الأسرة كالزوجة والأبناء) ضَحِيَّة لحالة من الاندماج العاطفي (التوحد، التطابق، المعايشة المشتركة) غير الواعي بالمُخْتَطِف (بكسر الطاء) أو الشخص الذي يمارس فعل القمع والاضطهاد عليه. ويتمثل هذه "الاندماج" بمشاعر الحب والاحترام والإعجاب إزاء المُخْتَطِف (بكسر الطاء). بل وقد تصل هذه المشاعر إلى حد التعاطف" والخضوع "الطوعي" لقراراته والدفاع عنه وتبرير أفعاله من قبل الشخص المُخْتَطَف (بفتح الطاء).
7.
عبودية الجماهير:
إننا نجد تعبيراً نموذجياً عن هذه الظاهرة في مجال أوسع كثيراً من التجربة الشخصية:
علاقة "الجماهير" الغريبة والمَرَضِيَّة بالحكام المستبدين.
إذ أن مشاعر الخوف والرهبة من هؤلاء الحكام – بل وحتى الكراهية إزاءهم تتحول إلى نوع من التقديس والتمجيد والخضوع المبالغ فيه.
في الاحتفالات "الشعبية" التي تنظمها، وتقوم بـ"كتابة السيناريو لها وإخراجها" مؤسسات الحكم الأمنية العربية، نرى كيف تندفع هذه "الجماهير" التي تعاني من ويلات الظروف المعاشية القاسية وغياب الحريات والفساد المالي والبطالة وسوء استخدام السلطة وتفشي الأمراض وانعدام أبسط الخدمات البلدية إلى تقبيل "يد الرئيس" أو الانحاء والسجود أمامه أو التصفيق باليدين "والرجلين إنْ تَطَلَّب الأمر!" والتهافت إلى لمسه أو تقبيله والهتافات "الحارة" التي "تمزق نياط القلب" بحياته و"منجزاته" الكبرى التي تحدى فيها أمريكا والصهيونية والامبريالية!
وفي كثير من الحالات يؤدي ترحيب "الجماهير" بـ"السيد الرئيس، أو الأب القائد" أو "الأب الحنون" إلى سقوط الضحايا بالسحق تحت أرجل الشعب السعيد بقدوم "سيادة الرئيس"!
إنه باختصار متلازمة ستوكهولم:
إذ تقوم الضحية "الجماهير" بسحق نفسها تحت أقدام "الملك" و"الرئيس" أو أي "خرتيت" آخر تعبيراً عن عبوديتها وخضوعها له (الملك والرئيس والخرتيت) لا احتراماً له وحباً به. فهي تريد أن تثبت له بأنها رغم ما تتعرض له بسبب حكمه ورغم كراهيتها له فإنها تظل خاضعة له وتبعد عنه الشكوك بتمردها ضده حتى لا تلقى منه أسوء ما لقيت حتى الآن.
8.
قد تبدو الآن المهمة أيسر قليلاً لكي نفهم هذا المسلم وكيف يصرخ بالتعبير عن الفخر بعبوديته وتخليه عن أبسط أشكال الشوق إلى الحرية.
إنه نوع من الشعور بالمهانة الذي يتحول تدريجياً إلى شعور بغياب القيمة وتفاهة الوجود.
ولهذا فهو يصرخ: أنا مهان!
إنه يصرخ بحثاً عمن يمد له يد العون ويخلصه من ورطته!

بدلاً من الخاتمة:



أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر